|
المصور والصحفي والجنرال
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 6118 - 2019 / 1 / 18 - 13:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إذا كان مصور الحرب الأكثر شهرة للجمهور العام هو المصور الهنغاري روبرت كابا Robert Capa، فإنالمجتمع الأمريكي هو الذي أفرز أغلبية الأسماء الكبيرة في هذا المجال مثل ديفيد دوغلاس دنكان David Douglas Duncan ويوجين سميث ،W. Eugene Smith، دون مككولينس Don McCullins، وجيمس ناشتوي James Nachtwey، الخ. هؤلاء من الذين صنعوا أسطورة مصوري الحرب وأنتجوا أغلب الصور المشهورة. وتصوير الحرب ليس حكرا على محترفي التصوير، بل يمكن أن يقوم به الجنود المتحاربون أو أشخاص خارج النزاع ، مثل المدنيين أو الصحفيين أو أعضاء المنظمات غير الحكومية. غير أنه في السنوات الأخيرة ونظرا لتنامي أهمية الصورة وتأثيرها في الرأي العام، فإن الحكومات ذاتها تولت هذا الأمر وحاولت إحتكاره. فهي التي تنظم وتراقب العمليات الإعلامية، وهي التي تسمح أو لا تسمح للمصورين والصحفيين عموما بالوصول إلى المناطق الساخنة، وهو ما يسمى بالصحافة المدمجة أو المضمومة embedded، حيث يصبح المصور والصحفي جزءا من الآلة العسكرية، يلبس الخوذة والكاكي ويأتي على ظهر دبابة ليصور الحقيقية لينقلها للعالم كما يدعي .. تشير الصحافة المدمجة Embedded journalism إلى المراسلين الصحافيين والمصورين التابعين للوحدات العسكرية المشاركة في النزاعات المسلحة، وقد تم استخدامه لأول مرة في التغطية الإعلامية لغزو العراق عام 2003. وذلك كرد لجيش الولايات المتحدة على إنتقادات وضغوط أصحاب وسائل الإعلام في البلاد التي شعرت بخيبة أمل من عدم تمكن الصحافة والإعلام للوصول إلى مناطق الحرب خلال حرب الخليج عام 1991 والغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001. وقد رفض العديد من الصحفيين والمصورين هذا النوع من الدمج والخلط بين العمل الصحفي والعسكري وتم انتقاد هذا النوع من الصحافة الخاضعة للسلطة والجيش وإدانة هذه الممارسة باعتبارها جزءًا من الحملة الدعائية المقنعة ونعت هؤلاء الصحفيون الذين يصاحبون القوات الغازية بالمشجعين flacks. غير أنه في أغلب الأحوال لا يملك الصحافيون "خيارًا سوى الرحيل مع الجيش لتغطية النزاع"، ويجب عليهم الالتزام بالشروط الواردة في العقد بينهم وبين الإعلام العسكري. في بداية الحرب الأمريكية في مارس 2003 ، حوالي ما يقارب 775 من الصحفيين والمصورين جندوا كصحفيين لتغطية الحرب القادمة، ووقع هؤلاء المراسلون عقودا مع العسكريين تحدد الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها. وأهم هذه القواعد، عدم نشر أي معلومات يمكن أن تضر بموقف الوحدة أو الجيش، وعدم ذكر للعمليات المستقبلية أو مواقع الوحدات وأهدافها، وعدد الجنود أوالأسلحة المصنفة والمعلومات التي قد تفيد العدو. بدأ التدريب المشترك لمراسلي الحرب في نوفمبر 2002 قبل بداية الحرب. وعندما سُئل الضابط "ريك لونج" من سلاح مشاة البحرية الأمريكية Lt. Col. Rick Long - U.S. Marine Corps عندما سئل لماذا قرر الجيش دمج الصحفيين مع القوات العسكرية، أجاب: "بصراحة ، مهمتنا هي كسب الحرب. وأهم معركة في هذه الحرب هي معركة المعلومات. لذا سنحاول السيطرة على كل ما يتعلق بالمعلومات. " الصحافة المدمجة إذا هي شكل من أشكال التدجين للصحافة التي يتخذ فيها المراسل والمصور مكانا داخل وحدة عسكرية ويرتدي الزي العسكري في منطقة النزاع ويتخذ بالضرورة وجهة نظر غير محايدة. أصبحت هذه الممارسة واسعة الانتشار منذ حرب العراق في عام 2003 ، وفي هذا السياق اخترعت الخدمة الصحفية للجيش الأمريكي هذا المصطلح Embedded journalism ، وقد لجأت إليه فرنسا في عملياتها العسكرية العديدة في أفريقيا. ففي خلال عملية سيرفال Serval في مالي جندت هيئة أركان الجيش الفرنسي حوالي 400 صحفي من 180 وسيلة إعلام مختلفة لبث الدعاية وتغطية عملياتها العسكرية. وهكذا خلقت الحروب والكوارث الطبيعية مهنة جديدة، مصور المناظر والمواقف المرعبة والمخيفة والمزعجة والمثيرة للأحاسيس والعواطف القوية من خوف وإشمئزاز وتقزز، صور الموت والتعذيب والإعدام والتشويه. أصبح المصور صيادا يجوب المدن والشوارع والقرى المدمرة بحثا عن طريدته، صورة يبيعها لإحدى الجرائد أو المجلات الكبرى والتي تضمن له الشهرة وترشحه لأكبر الجوائز. غير أن هذا الصياد لا يستطيع ممارسة هذه الهواية بدون أخطار، فقد يموت بقذيفة أو بطلقة تائهة أو برصاص صديق، وقد يكتشف فجأة رعب العالم الرأسمالي وهمجية الديموقراطية المزيفة من وراء عدسته، فيقذف بآله التصوير ويجري لإنقاذ الجسد المحترق أو ما تبقى منه.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإختناق
-
اللامنتمي كنموذج
-
التصوير وضمور الضمير
-
عودة إلى عالم الصور
-
الفن المعاصر
-
أدب وفن وبطيخ
-
عبادة الشيطان
-
الفأر الأبيض والتفاحة
-
بكائية
-
حافة الهاوية
-
زلزلة الساعة
-
الرئة المثقوبة
-
شهوة الفراغ
-
الثواني المطاطية
-
الأشياء المفترسة
-
التعويذة والفيل الأزرق
-
الليل المثقوب
-
ثورة الملل
-
الغبار
-
الوعي والوعي الآخر
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|