أشملال حدو
الحوار المتمدن-العدد: 6117 - 2019 / 1 / 17 - 08:09
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(1) "Le Maître dit : " L’homme sage n’est pas comme un vase ou un instrument
ينبني اهتمامنا بفكر كونفوشيوس ، في بعده الفلسفي والتربوي ، على مجموعة من الاعتبارات الميتودولوجية والتي يتداخل ، على مستواها ، الذاتي بالموضوعي. و يمكننا تكثيف هاته الاعتبارات في أربع مداخل أولية :
أولاها، في الحقيقة، جاء باقتراح مستفز، بالمعنى الإيجابي، من طرف عالم النفس المغربي البروفسور عبد القادر رايض بضرورة اقتحام اللامفكر فيه في تاريخ الأفكار الإنسانية، أو ما تعرض لنوع من الحجب من قبل المهتمين بعلوم الإنسان، أولائك الذين يتموقعون في بوثقة " النزعة المركزية الغربية" ، تلك النزعة التي تتلافى النظر إلى طروحات فكرية مبررها الرئيس في ذلك نرجسيتها عن تقبل المختلف عن محورها؛
ثانـــيها، يرتبط بالمنحى المنهجي الذي يتعامل فيه طالب العلم منا مع الأدبيات الفكرية، في الفلسفة كما في براديغمات العلوم الإنسانية والاجتماعية. وهو منحى يرتكن، في كثير من الأحيان، إلى تأويليات تبعدنا عن النص-الأصل وعن تمثل مسالكه الممكنة، الشيئ الذي يسقط طالب المعرفة في يم هرمسيات مضللة تحجمه،لماما، عن بناء نوع من الأنس المعرفي مع النص المقروء؛
ثالثــــها، يتأسس على فكرة الانعطاف عن تلك القراءة-النسق لتاريخ الفكر الإنساني، والتي تجعله خاضعا لتواتر كرونولوجي ينفي عنه صفة الابداع. وهي مسألة نلحظها عند مؤرخين معاصرين – أنجلوساكسونيين تحديدا – أو عند مهتمين بالفكر الفلسفي أو بالبعد التاريخي لتاريخ الفلسفة ؛(2)
رابعـــها، يخص كونفوشيوس كفكر إنساني مدعوون إلى استلهام ما جادت به حكمته، ومنظوره للتربية والتعليم بشكل خاص، هذا إذا أخذنا بعين النظر أن لكل مرحلة تاريخية مفكروها وساستها الذين يعمدون على تقديم تصورهم لما يطرحه عصرهم من قضايا تستدعي ليس فقط فكرا عاديا، بل نمطا فكريا يمكنه الوقوف عند أسباب التصدع أو التشظي الذي يطرحه الواقع في تلاقي ثخومه الاجتماعية،السياسية و الاقتصادية، وكونفوشيوس، حكيم الصين، ليس بعيدا عن هذا المدار. فبملء حكمته فهو مثقف الشعب الحامل لهموم الطبقات الكادحة.
I. الفلسفة الصينية وو-كينــــــج
يتألف الفكر الصيني- قبل كونفوشيوس- من خمسة كتب إنسانية تسمى " وو-كينج" استخدمها حكيم الصين الأول لتعليم مريديه وتثقيفهم الثقافة الإنسانية المتوازنة، وهي: الأغاني،التاريخ،الطقوس،حوليات الربيع والخريف،التغيرات. يضاف إلى هذه المؤلفات الخمسة، التقاليد والعادات الدينية التي ظلت –بفضل العزلة- كما كانت منذ آلاف السنين(3). وقد تفرد الصينيون بالعقلية التاريخية، تلك المتعلقة بأحداث الماضي المتضمنة لبلاغات، توجيهات وخطب ألقاها الحكام والحكماء. لهذا الاعتبار، تفرغ كونفوشيوس على دراسة التاريخ، فهو يعترف بكونه ناقل أكثر منه مبدعا. ومن الناحية الاجتماعية، عرف العصر التاريخي للصين سيادة الأرستقراطية الوراثية من جهة، وغالبية الشعب المؤلفة تقريبا من فلاحين وصناع من جهة ثانية. السبب الذي يفسر الطبيعة الطبقية للمجتمع الصيني الذي فارق بين النبلاء (الطبقة الأرستقراطية) والعامة. وفي خضم هذا الواقع،انبرى سؤال كونفوشيوس التاريخي: ماهي الوسائل الممكن عن طريقها التخلص من الآلام التي جلبها سوء التدبيرالحكومي؟ وهو سؤال يتقاطع فيه كونفوشيوس مع فلاسفة القرنين السادس والخامس قبل الميلاد مثل منشيوس و لا-وتسو. لذلك، شكلت الفلسفة السياسية الكونفوشيوسة نموذجا واقعيا – في الصين على أقل تقدير – تنجذب فيه قوة الأخلاق مع التدبير السياسي للشأن العام، بحيث يمكننا القول،إذا ما استعرنا عبارة قريبة من العبارات الهيغيلية، أن كل ما هو سياسي فهو أخلاقي، وكل ما هو أخلاقي فهو سياسي(4).
II. كونفوشيوس فكر و ممارســــة
الآكد أننا نتلمس، في فكر كونفوشيوس، نمطا من البحث في المجهول، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار التراكمات المعرفية والتغيرات البنيوية اللاحقة على عصر كونفوشيوس. لكن المهم هو الحرص على ملاحقة أفكار المؤلف حتى و إن كانت تطرح صعوبة في فهم أقواله على وجهها السديد(5).
المعرفة سكنى الانسان ! فهي تستكنه من فجر كل ذات،" فالمعلم الذي يمشي في ظل المعبد بين مريديه لا يعطي من حكمته، بل من إيمانه ومحبته، فإذا كان قد أوتي الحكمة حقا، فإنه لا يدعك تلج باب حكمته، بل يقودك إلى عتبة فكرك أنت(6)."
إسم كونفوشيوس، هو النطق اللاتيني لاسم الحكيم الصيني، فيلسوف الصين الأول، وزعيم حكماء الصين القدامى الذي تميزت شخصيته بالقوة فكريا وعقليا. بحيث توزعت حكمه وفلسفته بين ما هو سياسي و أخلاقي يستمدها أفراد المجتمع من بؤرة الأسرة تحقيقا لنوع من التناغم الكوني L’harmonie Universelle. فالنظام السياسي والاجتماعي يقوم،كلية، على أساس النظام الكوسمولوجي، والأمر عينه ينطبق على البراديغم الأرسطي للعالم(7).
في هذا السياق، اهتم الصينيون القدماء بالتعليم والتربية، وحجتهم في ذلك أن التعليم طريق الوصول إلى الثروة الاقتصادية، المكانة الاجتماعية والسلطة السياسية، ومنه ضرورة التدريس ذلك لأنه – حسب مثل صيني شهير – نصف التعليم. لذلك، عمد كونفوشيوس على تشكيل أول مدرسة حرة خاصة في تاريخ الصين، انكبت على تحويل رجال من أصول فقيرة إلى سادة أمجاد من خلال تعليمهم قواعد اللياقة و المجاملة ثم أساليب الرسميات وتنمية مداركهم العقلية استجابة لاحتياجات موضوعية، من أخصها إعداد " مواطني الدولة" على أساس أخلاقي متين(8). وكانت أولى محاولات كونفوشيوس، هي العمل على تكسير نظام التعليم السائد،آنذاك في الصين، والموجه إلى أفراد الطبقة النبيلة La classe noble و تأسيسه لمدرسة حرة موجهة تعاليمها لصالح الطبقة الشعبية La classe Populaire معتمدة طرائق بيداغوجية تستهدف تنشئة الفرد الاجتماعي حتى يكون على درجة عالية من المسؤولية اتجاه ذاته واتجاه مجتمعه(9).
:Repères
(1) Les Entretiens de Confucius et de ses Disciples. Traduction : Séraphin Couvreur, ED.1956. P : 20
(2)يمكن العودة في هذا السياق إلى:
Hans-Georg Gadamer : Au commencement de la philosophie, Paris, Seuil ,2001.
Frederick Copleston : A History of Philosophy, April 1993.
(3) Jeane Baptiste : la philosophie sociale et politique du Confucianisme. Edition franciscaines, Paris, 1938,192 pages. P : 17.
(4)Ibid, P. 5-6.
(5)عبد الله العروي: المنهجية بين الابداع والاتباع. ضمن المنهجية في الأدب والعلوم الانسانية، دار توبقال للنشر. 1986. ص: 13.
(6)جبران خليل جبران: النبي. ترجمة موازية للنصين الانجليزي والعربي: د ثروت عكاشة، دار الشروق، القاهرة، الطبعة التاسعة 200م.ص:60-61.
(7)René Barbier : Sagesse chinoise et éducation. Essais, critiques (inlibroveritas.net)
(8)Miles Menander Dawson : The Ethics of Confucius, the Sayings of the Master his disciples upon the conduct of the superior Man. Institute for scientific Research. Copyright, 1915 Third Impression. P : 6-7-8.
(9)Zhao changxing : Extrait du chapitre 2 l’enseignement privé dans le passé et la genèse de l’enseignement non-gouvernemental, de sa thèse de doctorat soutenu le 8 Juin 2007, à l’Université Paris 8, P : 4-6.
#أشملال_حدو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟