|
تبيضون بيض الحباري من طيز الدّلون
نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
الحوار المتمدن-العدد: 6116 - 2019 / 1 / 16 - 22:31
المحور:
الادب والفن
من شعر جدتي وأمثالها تبيضون بيض الحباري من طيز الدلّون تقولون ، وتقولون ، وتنسون الحال أنا مومتل ما تقولون لو تعرفون: كنت بزماني غني عالهوا كنت مشّي الديب والنعجة سوا عندما توفيت جدتي كان عمرها أكثر من تسعين عاماً، كانت بكامل قواها العقلية، كنت قد كتبت عنها مرّة، لكنني أكتب اليوم لأقول ليت العالم يعود مئة وخمسين عاماً إلى الوراء، وأعني بالعالم العالم العربي، والسّوري خاصة، فالعالم الآخر لم أعرفه بعد. لازالت جميلة في ذاكرتي في شيخوختها المفرطة، كانت ابتسامتها لا تفارقها، وعشقها للحياة ليس له حدود ، لكنّها امرأة صبورة. تحمّلت العذاب، وعزفت عن الزواج كي تربي ابنها الوحيد بعد وفاة زوجها، وكانت في أوج شبابها. جميلة ، صبورة، والصبر منحها ألوان قوس قزح في جبينها. لم تصب يوماً باكتئاب. أنا لست جدتي، بل الجزء الآخر الذي سخرت منه. أي من يبيضون بيض الحباري. لكن طفولتي مرتبطة بشكل وثيق بحضورها، فعند ممارسة القمع العائلي ضدي، وجلبي من الشارع من شعري. أذهب إلى غرفتها، أسرّح لها شعرها. أغط المشط في الماء، فتغفو وتشخر، وتقول لي انقعي قدميّ، وحفيهما بالسكين المثلّمة، ولا أنتهي إلا عندما تستيقظ وهي تبتسم، وتقول لي: كانت تلك الشقوق في كعبيّ تؤلمني. " يلعن الفلاح وعيشتو . كلو من الشقا" ثم تجلس وتخرج من تحت سريرها-هي الوحيدة التي كان لديها سرير تنك- طاسة مملوءة بالمنيقيعة -البرغل المنقوع مع اللبن البارد- كانت تعشق اللبن. أجلب معلقة وآكل معها بينما تسألني عن أمي وأخواتي، وتكون جلسة نميمة جميلة. في ليلة وفاتها سهرتْ على التلفاز، وكان هناك أغنية غربل يارغربال، كانت تردد بعد المطرب : غربل. لم أكن حاضرة، ولم أحضر حتى العزاء لأسباب خارجة عن إرادتي. كأنّني بجدتي وقد تنبّأت بأنه ليس نحن فقط من يبيض بيض الحباري. بل أغلب السّوريين، ولن أزعج المتصفح اليوم بأمثلة سورية، لكنّني أستعيد صورة الفقر السوري منذ أن وعيت على العالم، والصورة التي كانت تبثّها جدتي عن قريتنا المفكر حيث تقول أنها كانت مليئة بالخير والمواسم ، وأن اسمها نجمة الصّبح. في مساءات القرية، وفي موسم الحصاد، ومن على البيدر تشرح لي جدتي عن نجم سهيل ، وبنات النّعش، ومن ثم تحدد لي مكان حمص حيث تقول هذا الضوء في الأعلى هو من حمص. لم تقل أنّ في الفرية كان جوع . بل تتحدث عن الاسطبل ومهرة أبي المسروقة، والخيول، وعن عدد الأغنام التي ورثها أبي وعن أنه لم يأخذ نصيبه لأنه يتيم. عندما سلّمت أبي المحراث كان في العاشرة من عمره، وكان طفلاً مريضاً له كرش، فنصحها الدرويش أن تعلّمه التّدخين لأنه لا زال طفلاً ، ولا يعرف كيف يستريح دون تدخين. شفي أبي بعد أن استلم المحراث، وظل يدّخن حتى عامه السبعين، وعندما تجاوز الثمانين سألته. هل تشتاق للتدخين. أجابني:" أرى السيجارة في نومي". كانت جدتي تذهب في أغلب الأيام إلى الصلاة، وننتظرها لتجلب لنا الملبّس، لكن إن كان هناك مناسبة سارّة لا تذهب، وفي مرّة سألها أخي: لقد فاتك موعد الصلاة. أجابته: هل هي عبادة؟ أمي لم تكن تذهب إلى الصلاة وأغلب نساء الحي لم يكن يذهبن في تلك الأيام. أتحدّث عن هذا كي أقول أن ذهنية التّسامح كانت هي السائدة. لا تشدد في الدين. لكن لو تمنيت على جدتي أمنية اليوم فماذا سوف تكون؟ أتذكرين يا جدتي عندما كنت تذهبين إلى دكان الحارة، وتجلبين نقالاً -وعاء من القش يتسع لتنكة قمح-مملوءاً بالبرتقال ، ونجلس معاً حول المدفأة . تمسحين الخبز بالماء، تلصقينه ثم تقبعينه -ترفعينه- هذه اللحظة أبادلها بنصف عمري.
#نادية_خلوف (هاشتاغ)
Nadia_Khaloof#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كان هناك أكثر من روزا لكسمبورغ
-
روزا ليكسمبورغ الثائرة التي لم تحظ بتكريم
-
ليس بالضرورة أن تكون شفّافاً
-
قراءتي للآخر
-
أكرّر نفسي
-
كوني أنت وإلا لن تكوني أبداً
-
أساليب التّرهيب عبر الحضارات
-
ملكة الفطائر
-
تهرب الأشياء منّي
-
اعترافات
-
تداعيات أفكار مقلقة
-
حول التّعصب-مقال مترجم-
-
مقارنة بين فرويد وماركس-ترجمة-
-
قبل الرّحيل ببرهة
-
مارح إنحني
-
ابنة الأيّام
-
أزرعني بين أشجار الورد
-
فلتقرع أجراس الميلاد إذن
-
صدى حديث النّساء
-
الجهاديّة الإسلاميّة في السّويد
المزيد.....
-
إعلان أول مترجم.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 166 مترجمة على قص
...
-
رحال عماني في موسكو
-
الجزائر: مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي يستقبل ضيوفه من ج
...
-
أحلام تتفاعل مع تأثر ماجد المهندس بالغناء لعبدالله الرويشد
-
شاهد/رسالة الفنان اللبناني معين شريف من فوق أنقاض منزله بعدم
...
-
عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ
...
-
فنان تشكيلي صيني يبدع في رسم سلسلة من اللوحات الفنية عن روسي
...
-
فيلم - كونت مونت كريستو- في صدارة إيرادات شباك التذاكر الروس
...
-
-الجوكر جنون مشترك- مغامرة سينمائية جريئة غارقة في الفوضى
-
عالم اجتماع برتبة عسكري.. كيف تشرّع القتل بصياغة أكاديمية؟
المزيد.....
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
المزيد.....
|