صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 6114 - 2019 / 1 / 14 - 23:54
المحور:
الادب والفن
17. كيف تنسجين الومضة الأولى شعريَّاً، هل تنبعث من خلال إشراقة ما، فكرة ما، حدث ما، أم من خلال حالة انبعاثيّة لا تستطيعي تحديدها ولا التَّحكُّم بها، أشبه ما تكون الرُّؤيا ــ الحلم/ ووهج الإلهام؟!
د. أسماء غريب
قلبي الحيّ هو الّذي يحدّثني بصوته الشَّجيّ الحنون، فيلقي في سمعي وبصري شعراً أو نثراً أو قطعةً موسيقيّةً أو لوحة فنّيّة. وهذا الإلقاء أو الإرسالُ عادة ما يكون في عمق اللَّيل صوتاً وصورةً، فأنتبه من النّوم، وأقوم من دفء الفراش لأحملَ القلم، وكأنّ الأمر فيه نداء لعبادة من نوع آخر. وهي الحالة الّتي كانت ترافقني منذ طفولتي، ولو أنّني كنت لا أفهم فحواها ورسائلها آنذاك بشكل جيّد كما هو الشَّأن اليوم، حتّى أنّني كنتُ أظنُّ في الأمر أرقاً، وحينما نضج تفكيري أكثر فأكثر، بتُّ أقول في نفسي: ليت كلّ الأرق هكذا: خلوة مع القلب وصاحبه. وقد ناقشتُ مسألة تدفُّق الإبداع هذه، صوتاً وقراءةً وصورةً في القلب ومنه وإليه عبر قصيدة نُشرتْ في ديوان (مقام الخمس عشرة سجدة) الصَّادر في طبعته الثَّانية عن دار الفرات للثقافة والإعلام بالعراق، أعتقدُ أنّني كتبتُها في العشرينيات من عمري أقول فيها:
" بقلبي مذياعٌ لهُ دائرةٌ
تهتزُّ كُلّ آخر ليل عند قدميّ
وبُوقُه الحَلزونيُّ الأخضر
أعلّقـُه لـَحظة كلّ إرسال كالقـِرْط بأذنيّ
ومـَوْجاتُه تُحرّكُها كهْرباءُ الكونِ
كـَالبـَرق الأسْود وسطَ نونِ يديّ.
مذياعُ قلبي حكايتُه غريبة
ومَحطّاتُ إرْسَاله عجيبة
مذيعهُ واحدٌ، يـُسامِرُني كلّ ليلةٍ
بصَوتـِه الرّخيمِ إلى الرّابعة
يُحَدّثني عن الله الواحد الأحَدِ
عن الطّواويس المُطوّقة بالنّور
عن الغـِرْبان البيض والحُمر
عن دَوائر القـَهـْر والسـّتر والسّرّ والغُفرانِ
وأنا كغريبٍ يحملُ ببُطيْناتِ قلبه
وردةً من ياقوتٍ مُنْصهر
أهرُبُ وحيدةً بِدار إذاعتي
بعيداً بعيداً بعيداً
حيثُ أنْهار العَسل والنّبيذ واللَّبن
أسمعُ وأسمعُ وأسمَعُ
لا أكـَلّ ولا أمـَلُّ
فمَا أعْذب صَوْتَ مُذيعي بلْ ما أشْجاه
كلّ ليْلة بأذكاره بألحانه وترانيمِه
يـُبْكيني يبْكيني يبكيني."
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟