صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 6114 - 2019 / 1 / 14 - 19:05
المحور:
الادب والفن
رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي
صبري يوسف
14. البحر، الماء، عناق السَّماء للأرض من خلال المطر، كيف تنظرين لهذا العناق المبرعم بالخير والعطاء السَّماوي الخلَّاق؟
د. أسماء غريب
الأصلُ في الخلْقِ والخليقَةِ الماءُ، والأرضُ كوكبٌ مائيٌّ لا ترابيّ. والمطرُ رسولٌ من رسل الله إلى عبادِه، وهو في دُنيا النّاسِ مطرانِ: مطرٌ للجسدِ ومطر للرّوح. فأمّا مطرُ الجسد، فهو الَّذي ينزلُ على الأرض فتهتزُّ وتربو وتُنبتُ من خيرات الله ما يسرُّ النّظر ويُغذّي الجسدَ، ويُذْهِبُ الجوعَ ويُطفِئُ الظّمأَ، وأمّا مطرُ الرّوح فهو عِلْم الله اللّدني المُتَنَزّلِ على عبادهِ الصّالحين، بمنْ فيهُم الأنبياءُ والأولياءُ. ومن مطرِ الجسدِ تظهرُ بحار الجسدِ، ومن مطر الرّوح تظهر بحار الرّوح. فأمّا البحارُ الأولى فهي ثلاثة: بحر في صُلبِ الأبِ يأوي الابنَ ويُسجّلُ لهُ خصائصه وسماتهُ الأولى، وبحرٌ في رحِم الأمِّ يحميهِ ويُغذِّيهِ، وبحرٌ على الأرضِ، هُو الحِلُّ ميتهُ والطّهور ماؤهُ، وقد صنع الإنسانُ السّفُنَ والمراكبَ والغوّاصات من أجل البحثِ عن ما فيه من رزق وخيرات لم يصل منها لليوم إلّا إلى نزر قليلٍ. وأمّا بحارُ الرّوح فهي أربعة: بحر أسود، وهو أخطرها على الإطلاق، لأنهُ بحر الذّات الإلهيّة، ولا قدرةَ لأحد على الخوض فيه ولا على الاقتراب منه أو ركوب موجه. وبحرٌ أحمر وهو بحر التّلوين والامتحان، ولا ينجو منه المرءُ إلّا بعصا الحقّ والنّور، وهو بحر موجه كالطّود العظيم، وفيه تتلقّى الرّوح الدّعم الإلهي وتنجو منه كما نجا موسى من بطش فرعون النّفس وألاعيبه وحيله، وأمّا البحرُ الثّالثُ فهو بحرُ الوهم والخيال، والنّفس هي القائد والرّبّان فيه، لأنّها تكشفُ للرّوح ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر، والويل لمن يقع في شراكها، وشراكِ كلّ الإرسالات الّتي تردُ على شاشة جبهة الإنسانِ، أو ما يسمّى بالعين الثَّالثة بكلّ ما فيها من أوهام وخيالات تخترق خصوصيّة الإنسان بحضورات قد تصيبه بالجنون والخبال، فيصبح غير قادر على التّمييز بين ما هو من صنع الشَّياطين وما هو من صنعة الملائكة، لأنّ الصُّنعَ الأوَّل قد يلبسُ ويتلبّسُ الصّنعة الثّانية فتكون الطّامة الكبرى: إنتاجُ سلسلة من العلوم ومن الأفعال والكتابات يكون ظاهرها طيّباً وباطنها فيه العذابُ والشّقاء لذرِّيّة آدم على مرّ الأزمان والعصور.
وأمّا البحر الرّابع والأخير فهو بحر الطّمأنينة والسّكينة، وهو لمن أغلق دون نفسه البابَ وختم الأسفار وخلع النّعل ورأى شجرة النّار والنّور، إلّا أنّه كبقيّة البحار الأخرى لا يخلو من خطر، أهونها مكرُ الله.
لذا فلا أمان للماء، أمطراً كان أو بحراً، ومهما خبر المرءُ العوم والغوص، فلا بدّ من الغرق، وكيف يدّعي الكلّ النّجاة ونوح قلوب النّاس مازال لليوم يصرخ ويبكي، وسفينة الأجسادِ مازالت تتلاطمها الأمواج؟!
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟