أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عقيل عيدان - هل من طبقية بين البشر؟














المزيد.....

هل من طبقية بين البشر؟


عقيل عيدان

الحوار المتمدن-العدد: 1523 - 2006 / 4 / 17 - 10:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قرأت يوماً قصة للأديب الروسي انطون تشيكوف (1860ـ1904م) يصوّر فيها »أسقفا« يمارس عمله ليلة عيد الفصح وقد تجمّع الناس من حوله في الكنيسة وهو يردّد الصلوات ويوزع البركات يقف على قدميه ساعات وساعات حتى أصبح لا يكاد يميز ما يراه من شدة التعب والإرهاق، وخيّل إليه أنه يرى بين المصلين أمه العجوز التي لم يرها منذ عشر سنوات .
وانتهت المراسيم وذهب الأسقف إلى بيته وهناك أخبره خادمه العجوز بأن أمه قد وصلت وأنها تقضي الليلة عند بعض أقاربهم، كانت هي أمه إذن التي رآها في الكنيسة، ونظر الأسقف في ساعته ولكن كان الوقت متأخراً ولا يليق به الخروج، فخلع ملابسه وآوى إلى فراشه، حاول النوم ولكن جسمه يئن من التعب وكان شوقه إلى أمه يستولي على كل مشاعره، فبات ليلته يحلم بأيام طفولته وصباه وقريته، وشعر بأنه وحيد وأن الوحدة تقتله . وفي الصباح المبكر جاءت أمه، وكم كان سعيداً بها، أحس أنه بحاجة إلى أن يرتمي في أحضانها، أن يضع رأسه على صدرها وينام، وحدّثها عن شوقه إليها طوال هذه السنوات التي لم يرها فيها وكيف أنه كان يتمنى لو أنه بدلاً من أن يصبح أسقفا كان فلاحاً بسيطاً يعيش في قريته مع أسرته ويرى أمه كلما شاء، وأجابت الأم في حياء (( ما أنا إلاّ امرأة فقيرة لا قيمة لها، وهذا الكلام تنازل كبير من قداستك )) .
ودهش الأسقف، لم يكن هذا صوت أمه، بل صوت واحدة من عشرات النساء اللاتي يلجأن إليه كل يوم، وأحس أن أمه ما زالت بعيدة عنه وأن هذه المرأة التي أمامه ليست أمه على الإطلاق، وزادت دهشته بعد ذلك إذ لاحظ أنها تتحاشى الكلام معه وأنها عندما تنظر إليه تنظر خلسة، وأنها لا تجلس في حضرته . وذهب الأسقف إلى عمله وعاد في المساء وجلس يتناول العشاء مع أمه وحاول أن يجرّها في الحديث معه، ولكن كانت لهجتها هي نفس اللهجة، وأصبح واضحاً أنه لم يعد في نظرها ولدها (بيتر) بل سيادة الأسقف . وعندما آوى إلى فراشه تلك الليلة كان جسمه مازال يئن من التعب وكان موقف أمه منه يحيره ويؤلمه، لم يكن يعرف ماذا يفعل لكي يجعلها تحس أنه ابنها، كي يشعر أنها أمه، وسمعها بعد لحظات تتحدث إلى خادمه العجوز في الحجرة المجاورة حديثاً طويلاً لا كلفة فيه، عن بناتها وأحفادها وحياتها وحياتهم في القرية، تروي القصص وتمزح وتعلّق، كانت هذه هي أمه التي عرفها طول حياته، ولكن لًمَ لم تكن هكذا معه؟! ما الذي غيّرها؟ آه كم تمنى تلك الليلة لو أنه كان خادمه العجوز (ايليا اليافتش)!! ومرض الأسقف بعد فترة قصيرة، مرض فجأة وبشدة، فلم يستطع أن يبارح الفراش، ودخلت أمه حجرة نومه لترى ما الخبر، وهالها منظره، لقد امتلأ وجهه بالتجاعيد، وشحب لونه وأصبح جسده ضئيلاً كجسد طفل . وفجأة صاحت (بيتروشكا) ابني حبيبي، ماذا جرى؟ وانهالت تقبّل وجهه ويديه وصعدت إلى الفراش ووضعت رأسه في حجرها وراحت توَلول وقد انهمرت دموعها بغزارة على وجهها، وابتسم الأسقف ابتسامة عريضة، ولكنه لم يقل شيئاً، فلم يكن يقوى على الكلام، وجاء الطبيب وبعد أربعة أيام مات الأسقف ودفنوه في احتفال مهيب يليق بمكانته . ولم يمض بعد ذلك زمن طويل حتى كانوا قد عيّنوا مكانه »أسقفا« جديداً ونسي الناس الأسقف (بيتر بيتروفيتش). وعادت الأم إلى قريتها، وسارت الحياة سيرها، كانت الأم أحياناً تروي لمعارفها كيف كان أحد أبنائها »أسقفا« عظيماً ولكنه مات وكان البعض يصدقونها والبعض الآخر لا يصدق، ومع مرور الأيام بدأت الأم تدرك ما يدور برؤوس الناس ولذلك عندما كانت تشعر برغبة ملحّة في أن تتحدث عن ابنها الأسقف كانت أحياناً تتردّد قبل أن تفتح فمها وأحياناً أخرى كانت تكبح رغبتها فلا تفتح فمها على الإطلاق لأنها كانت تعرف أن أحداً لن يصدقها .
هذه هي الحياة على حقيقتها، أول خاطر أثارته هذه القصة في نفسي، وهذه هي وظيفة الأدب، أن يكشف لنا عن حقيقة الحياة، يجعلنا نواجهها لا أن نهرب منها، وخاطر أخير، أن الطبقات من صنع الإنسان، أما الإنسان فمن صنع الله تعالى، ولذلك أينما وجد، وأياً كان شأنه غنياً أو فقيراً، عظيماً أو حقيراً، حاكماً أو محكوماً، عالماً أو جاهلاً، عندما تشتد الأزمة يزول الغطاء وينكشف الجوهر، فإذا الإنسان هو دائماً نفس الإنسان .



#عقيل_عيدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النقد وتأسيس العقلانية
- الوعي الاجتماعي وعناصر الزمن الثلاثة
- الجامعة فضاء النشاط التنويري
- ما هي العدالة ؟
- في العلاقة بين الشرق والغرب - في ذكرى انا ماري شيمل
- حدود الحرية
- التسامح الديني مطلب إنساني
- في مفهوم الثقافة العربية
- الاجتهاد .. وراهنية التغيير
- تأسيس المجتمع المدني .. وصراع المجتمع والدولة


المزيد.....




- -ضربته بالعصا ووضعته بصندوق وغطت وجه-.. الداخلية السعودية تع ...
- كيف يعيش النازحون في غزة في ظل درجات الحرارة المرتفعة؟
- فانس: في حال فوزه سيبحث ترامب تسوية الأزمة الأوكرانية مع روس ...
- 3 قتلى بغارة إسرائيلية على بنت جبيل (فيديو)
- -يمكن تناولها ليلا-.. أطعمة مثالية لا تسبب زيادة الوزن
- Honor تكشف عن هاتف متطور قابل للطي (فيديو)
- العلماء يكشفون عن زيادة في طول النهار ويطرحون الأسباب
- لماذا نبدو أكثر جاذبية في المرآة مقارنة بصور كاميرا الهاتف؟ ...
- العراق.. انفجارات وتطاير ألعاب نارية في بغداد (فيديو)
- مصر.. محافظ الدقهلية الجديد يثير جدلا بعد مصادرته أكياس خبز ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عقيل عيدان - هل من طبقية بين البشر؟