|
الاطار الاجتماعي للنعرة القبلية والمذهبية ( 5 )
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6103 - 2019 / 1 / 3 - 16:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بداية ظهور النعرة القبلية والمذهبية في الإسلام : ظهرت مقدمات النعرة القبلية والمذهبية في الإسلام ، مع توجه الخلافة نحو الإدارة المركزية المطلقة ، والمًلكيّة المستبدة خلال ولاية عثمان بن عفان ، واقترن ذلك بانفجار اول ثورة سياسية في الإسلام ، من قبل القبائل التي تم اقصاءها من الغنيمة ، ومن النصيب من أموال بيت المسلمين ، الذي استأثر به عثمان لوحده مع عائلته ، والمقربين اليه من عائلته واصدقاءه . بيد ان الصراع السياسي في الإسلام ، يعود الى فترة سابقة عن ولاية عثمان ، شهدت بداية تحول الصراع القبلي والمذهبي ، الى صدام واسع بين العامّة ، وبين مركزية الدولة الإسلامية . ومن اجل توضيح هذه القضية ، يجب ان نعود الى أوضاع مكة قبل الإسلام ، واستعراض الأحوال السياسية بعد وفاة النبي محمد . اولاً – الإسلام والنعرة القبلية والمذهبية : كانت مكة تمثل نموذجا متطورا للحكم القروي ( بالمفهوم القديم الذي المحنا اليه في الدارسات السابقة ) ، فهي كانت امّ القرى ، ومركز الحياة السياسية والتجارية في الجزيرة العربية قبل الإسلام . فكان نظامها السياسي اشبه بالجمهورية الديمقراطية الشعبية ، يقوم على توازنات بين بطون قريش القبيلة السائدة بمكة . كانت السلطة السياسية في المدينة ، تتناسب والمكانة التجارية لكل بطن من بطون قريش ، لا على القوة العسكرية ، الامر الذي استلزم نشوء نظام من الحكم ، يقوم على السلطة الروحانية ، وشرف الانساب ، وهو نظام يستمد جذوره من تقاليد تاريخية عريقة في القدم . في هذا الاطار سنجد ان قريش المستفيد الأول من هذا التراتب العنصري والتمييزي ، قد عارضت كل محاولة لتحويل مدينتها الى مًلَكية ، او الحاقها باي من الدول الكبرى القائمة آنذاك ، فأحبطت دسائس البزنطينيين لتنصيب عثمان بن الحُوَيْرث ملكا عليها . وقد ساعد هذا الوضع غير العسكري لمكة على تعزيز مكانتها الدينية ، باعتبارها حَرمُ أمن ، يأوي اليه كل خائف ، وملاحق ، وطريد ، ومضطهد . وفي فترة معينة قبل دخول الإسلام ، تصدّر بنو امية رئاسة مكة ، وسيطروا على تجارتها ، وحلّوا محل بني هاشم الذين ذهبت ثرواتهم ، وتردّت مكانتهم التجارية . فيذكر ابن حبيب ( انظر . المحبر ص 165 ) ، ان حرب بنو اميّة خلف المُطلب بن عبد مناف على رئاسة قريش ، وكان أبو سفيان قائد قريش في حربها ضد المسلمين . وبعد فتح مكة ، تقرر ان تظل المدينة ( يثرب ) عاصمة الدولة الإسلامية ، لأسباب كثير منها ، رغبة النبي بناء مجتمع إسلامي بعيدا عن التناحر القبلي والمذهبي ، وهو هدف لا يمكن ان يتحقق في ظل هيمنة قريش على مكة ، حتى بعد الغزو ( الفتح ) ، واستمرار نفوذها السياسي والديني في جزيرة العرب . وفي المدينة ، لم يكن لبني اميّة ، او أي من القبائل العربية ، نفوذ يوازي نفوذ ومكانة الجماعة الإسلامية ، إذ أخذت القبائل التي هاجرت اليها ، واستقرت فيها ، بالانحلال والاندماج بالمجتمع الإسلامي الجديد ، الذي بدأ يتطور ، ويمتد منها الى بقية الانحاء الأخرى . استهدف الإسلام ، مركزة مختلف مستويات الحياة السياسية ، والاقتصادية ، والروحية ، وكان من دوافعه الاجتماعية ، إزالة الانقسام العشائري ، والقبائلي ، والقومي ، وصهر التشكيلات الاجتماعية المستقلة – كالقبائل والقرى ( المدن – الدولة ) ، والدويلات الصغيرة – بكيان إسلامي موحّد ، يسعى الى تشكيل دولة مركزية عالمية . انصبت مساعي النبي محمد بعد فتح مكة ، على إقامة نواة المجتمع العالمي الجديد في المدينة ، وفق الاسبقية والاولوية في خدمة الدعوة الإسلامية ، لا على أواصر الانساب القبلية . بيد ان التقاليد القبلية ، كانت عميقة الجذور ، تستمد قوتها من تكوين اجتماعي عضوي ، رسّخته ظروف حياة البادية . وقد ظلت التقاليد والعلاقات القبلية حيّة خارج حدود المدينة ، رغم بداية انحلالها في العاصمة الإسلامية ، فكان من المحتم ان تجد تعبيرها في الحياة السياسية ، حين توفّر الظروف المناسبة ، وهذا ما جرى مباشرة بعد موت محمد . ثار خلاف عميق بين صحابة النبي ، حول مسألة اختيار خليفة له . فقد أراد اهل المدينة وهم الأنصار ، ان يكون الخليفة منهم ، فرشحوا سعد بن عبادة ، في حين مال بقية المسلمين الى اختيار الخليفة من قريش ، فبُويع أبو بكر الصديق ، وهو من قبيلة قريشية قليلة الشأن ، هذا اهّل اهم بيتين من بيوت قريش : بني هاشم اهل النبي ، وبني اميّة زعماء مكة قبل الإسلام . كانت دوافع اختيار ابي بكر ، حِرصُ جماعة المسلمين تجاوز الصراعات القبلية القديمة ، وترسيخ مبدأ الشورى ، رغم ان التصويت على ابي بكر كان من ستة أصدقاء ، أي كان انقلابا مدروسا على نظام الشورى المُتغنّى به . وما كان من الممكن ان يتحقق هذا ، الاّ بقطع الطريق على استئثار البيوتات العليا من قريش ، سيما بني هاشم وبني امية ، بالسلطة السياسية والدينية . وقد ساعد هذا الاختيار المفروض على وحدة اهل المدينة ، في مواجهة حركة الثورات القبائلية ، التي شوّهوها بتسمية حرب ( الردة ) بعد وفاة النبي ، واستعادت الدولة الإسلامية سيطرتها على الجزيرة العربية . وبعد القضاء وتصفية القبائل الثائرة ( المرتدة ) ، ضد دكتاتورية السلطة المركزية الراشدة ، توجّه المسلمون للغزو ( الفتوح ) الخارجي ، بحملات عسكرية عاصفة ، أطاحت بأكبر امبراطورتين في العالم آنذاك . وفي ظروف التوسع الإسلامي ، ومركزة السلطة السياسية ، امكن لجم الصراعات القبلية ، والشروع على نطاق أوسع من ذي قبل ، بصهر القبائل المختلفة بالقوة . لكن الأوضاع التي ظهرت على مسرح الاحداث بعد هذا الغزو البربري ، وتمصير الامصار ، جلبت معها صراعات وانقسامات اجتماعية جديدة ، إذْ تكدّست الغنائم الهائلة في مركز الخلافة في الحجاز ، واقتسام ثروات الاكاسرة والبزنطيين بين المُقاتلة المسلمين في الامصار ، فخلقت أوضاعا تطورت فيها طبقات اجتماعية جديدة ، وتطلعات حضارية لم تكن معروفة في المجتمع الإسلامي في الحجاز . استقر المقاتلون المسلمون اول الامر ، في المدن القديمة المحتلة التي تعرضت للغزو، وطالب البعض منهم بتقسيم الأرض الزراعية بينهم في تلك الأقاليم ، والسماح لهم بالانخراط في حياة البلدان المحتلة . امام هذه المطالب ، وجدت الخلافة نفسها تواجه خطر انصهار المقاتلين في التجمعات السكنية الكبيرة لتلك البلدان ، وابتعادهم تدريجيا عن الحياة الإسلامية . هنا قرر الخليفة عمر بن الخطاب بالتشاور مع صحابته واصدقاءه في المدينة ، إعادة تنظيم القوات الإسلامية ، وتنفيذ خطوات سياسية وعسكرية بعيدة الأثر ، منها تطبيق نظام الخراج ، وسحب المقاتلين من المدن القديمة ، وتجميعهم في امصار جديدة ، وتطبيق المناوبة في خدمة البعوث العسكرية الى المناطق النائية . فكانت الكوفة اول الامصار الإسلامية الجديدة التي ضمت اكثر المقاتلين الذين انتهت اليهم خزائن الساسانيين ، واتسعت خلال بضع سنوات حتى قاربت نفوسها نصف مليون نسمة حسب الروايات التاريخية ، وبعد ذلك مصّرت البصرة والفسطاط . ( يتبع )
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سؤال وجيه الى قيادة جبهة البوليساريو
-
رسالة الرئيس الامريكي دونالد ترامب -- الانسحاب من سورية الأب
...
-
النعرة المذهبية الدينية في تشتيت الوحدة الشعبية ( 4 )
-
الاحتفال باعياد المسيح .
-
أسباب نفخ الاسلام في النعرة القبلية والمذهبية ( 3 )
-
تطور القبيلة في الاسلام ( 2 )
-
النظام القبائلي في الدولة الثيوقراطية ( 1 )
-
بخصوص تقادم جريمة ( حامي ) الدين .
-
الحاكم العربي
-
هل اقترب انهاء مدة بعثة الامم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في ال
...
-
زمن العهْر ، زمن الذّل ، زمن القهْر ، زمن الإنكسار .
-
الطاغية العربي
-
لقاء جنيف : أي مخرج .. أي نتيجة ؟
-
ملكية برلمانية ام جمهورية برلمانية .. اي تغيير جذري سيكون با
...
-
كل شيء للفقراء .
-
أيّ بلاد هذه ........ بلادي ليست قابلة للنسيان ( 9/9 )
-
هل عدد الصلوات وعدد الركعات ممارسات شرعية ؟
-
دولة السحل ..... تسحل مواطنيها
-
أيُّ بلاد هذه ......... ( 8/9 )
-
يمامة أطلسية طارت تنشد الحرية
المزيد.....
-
15 أغسطس 1944: مغاربيون في جيش أفريقيا شاركوا بإنزال بروفانس
...
-
إيران تقيد الرحلات الجوية في منطقتها الغربية بسبب -نشاط عسكر
...
-
الجزائر والنيجر.. تنشيط العلاقات
-
حملة المقاطعة تطيح بالرئيس التنفيذي لستاربكس والإقالة ترفع أ
...
-
هل يحتاج العراق إلى قانون الأحوال الشخصية الجعفري؟
-
تغيير قانون الأحول الشخصية في العراق.. تهديد للديمقراطية اله
...
-
روسيا والإمارات تبحثان التعاون في إطار مجموعة -بريكس-
-
-نتائجه كارثية-.. خبير أمريكي يتحدث عن هجوم مقاطعة كورسك وتو
...
-
المغرب.. مديرية الأمن تعزز الخدمات في مطارين بالمملكة
-
بعد تسجيل حريق بمقرها.. القنصلية العامة الجزائرية بجنيف تصدر
...
المزيد.....
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
المزيد.....
|