أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن عجمي - الأدب فن تكثير المعنى














المزيد.....

الأدب فن تكثير المعنى


حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 6094 - 2018 / 12 / 25 - 07:57
المحور: الادب والفن
    


الأدب فن تكثير المعنى الواحد بينما العلم فن توحيد المعاني المختلفة. فحين يتكثر المعنى الواحد تتعدد مضامينه فيصبح أدباً راقياً. و حين تتوحّد المعاني المتنوّعة تتحد مدلولات المفاهيم بعلاقات رياضية دقيقة فيصبح الخطاب علماً راقياً.

مثل على أنَّ الأدب فن تكثير المعاني هو ما يقوله الشاعر الكبير نزار قباني في قصيدته "التصوير في الزمن الرمادي" : "أحاول رسم بلادٍ بها بشرٌ يضحكون..و يبكون مثل البشر. / أحاول أن أتبرأ من مفرداتي / و من لعنة المبتدأ و الخبر و أنفض عني غباري / و أغسل وجهي بماء المطر أحاول من سلطة الرمل أن أستقيل. وداعاً قريشٌ / وداعاً كليبٌ / وداعاً مضر...". المعنى هنا زوال الأوطان من جراء سجن مواطنيها. لكن قباني يُكثِّر هذا المعنى بشِعره الرفيع.

بهذه العناوين الشِعرية تتكثر المعاني إلى أقصاها فيتحوّل الشِعر إلى كتابة عناوين تحتوي مضامين فكرية و مشاعرية متعددة. فلا بلاد لدينا و لذا نحاول تخيّلها و رسمها. و لا بشر في ما يُدعَى بلادنا لأنهم لا يضحكون و لا يبكون مثل البشر. هذا لأننا سجناء لغتنا و ماضينا ما حتَّم أن نخسر إنسانيتنا الكامنة في الحرية. لسنا أحراراً بفعل سجننا بلغة الماضي و أفكار لغاتنا الماضوية ما جعل أنظمتنا ديكتاتورية سلطوية كرمل الصحارى الذي يرتدي أجسادنا و عقولنا و يشكِّلها. لذلك يحاول الشاعر أن يتبرأ من سجون المفردات القامعة لعقولنا و سلوكياتنا و أن يتحرّر منها ليكتسب إنسانيته كتحرّره من القبائل و سلطتها و معتقداتها و أديانها القاهرة لإنسانية الإنسان.

هكذا تتكثر معاني هذا الشِعر فمنها معاني الدعوة إلى الحرية و التحرّر من لغاتنا و معتقداتنا و أنظمتنا القاتلة لإنسانية كل فرد منا و منها معاني فقدان الأوطان و الإنسانية من جراء سلطة اللغة الماضوية و تحالفها مع سلطة المعتقد الماضوي و سلطة الطغاة. هكذا نحن سجناء أنفسنا و لذا نحن سجناء الآخرين. و بذلك تبدأ الحرية بالتحرّر من أنفسنا أولاً.

يُكمِل قباني مشروعه الشِعري النقدي قائلاً : "أحاول منذ البدايات أن لا أكون شبيهاً بأي أحد. / رفضتُ عبادة أي وثن. / أحاول إحراق كل النصوص التي أرتديها/ فبعض القصائد قبرٌ / و بعض اللغات كفن...". النص رداء نرتديه فيُعبِّر عما نحن و يُشكِّل عقولنا و سلوكياتنا. هكذا النص هو المُحرِّك الأساسي للتاريخ و البشر. و لذلك لا حرية حقة بلا تحرّر من كل النصوص القامعة لحرية الإنسان و تسليم السلطة إلى الفرد المستقل بدلاً من إبقاء السلطة في حكم النص المنقول. يُكثِّر قباني هذا المعنى بمضامين منها أنَّ التشبّه بالآخر عبادة للأوثان فعبودية قاتلة و أنَّ النص الذي يقمعنا هو في الحقيقة يخدعنا أولاً من خلال تصوير نفسه على أنه قصائد و لغات رغم أنها كلها قصائد و لغات القبور. من هنا أمست لغتنا كفناً لنا فأمسينا أمواتاً بفعل سجن أنفسنا بقصائد و لغات الماضي. من هذا المنطلق , إستقلالنا بعدم التشبّه بالآخرين و نصوصهم طريق خلاصنا لكي نستعيد حريتنا فإنسانيتنا. فالحياة تحرّر من ماض ٍ مخادع. الحياة حرية الفرد و استقلاليته.

كل هذا يرينا أنَّ الأدب فن تكثير المعنى الواحد كتكثير قباني لمعنى قصيدته. الأدب فن تكثير المعنى فضمان تعددية معانيه. لكن العلم فن توحيد المعاني المختلفة. و بذلك يختلف الأدب عن العلم رغم اتحادهما في صناعة المعنى إما ككينونة متعددة متكثرة و إما ككينونة واحدة متحدة. تكثر الأمثلة على أنَّ العلم فن توحيد المعاني المتنوّعة منها الأمثلة التالية : المادة و الطاقة في نظرية أينشتاين العلمية هُما وجهان لعملة واحدة فهُما مفهومان يُعبِّران عن كينونة واحدة لا تتجزأ. بذلك توحِّد نظرية أينشتاين العلمية بين المادة و الطاقة. و لا تكتفي نظرية أينشتاين بذلك بل تضيف قائلة بأنَّ الزمان و المكان يشكِّلان كينونة واحدة لا تنفصل ألا و هي الزمكان (جمع الزمان و المكان). و بِهذا توحِّد بين الزمان و المكان.

تستمر نظرية أينشتاين في عملية توحيد المفاهيم و معانيها بقولها إنَّ الجاذبية ليست سوى إنحناء الزمكان. هكذا توحِّد أيضاً بين الزمكان و الجاذبية. كل هذا يدلّ على أنَّ العلم عمليات توحيد بين مفاهيم ذات معان ٍ و دلالات مختلفة و جعلها دالة على معنى واحد فريد. بذلك يغدو العلم أيضاً عملية توحيد بين الظواهر الطبيعية المتنوّعة (كالتوحيد بين ظاهرة الجاذبية و ظاهرة انحناء الزمكان). فبما أنَّ العلم يوحِّد بين مفاهيم ذات معان ٍ و دلالات متنوّعة , و هذه المفاهيم تشير إلى مدلولات واقعية هي الظواهر الطبيعية الأساسية كالجاذبية و انحناء الزمكان , إذن العلم يوحِّد أيضاً بين الظواهر الطبيعية المختلفة. هكذا العقل العلمي عقل توحيد الكون و ظواهره.



#حسن_عجمي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأدب فن إخفاء المعنى
- فلسفة ارتباط العقل بالواقع
- فلسفة المعاني و صراع النظريات
- ستيفن هوكنغ : لا غالب إلا العلم
- الفيزياء المعاصرة و التصوّف
- فلسفة العلمانية الإنسانوية
- العلم أنسنة الكون
- الكون عزف جاز
- نقد العلوم
- علمانية اللغة العربية و ديمقراطيتها
- الفلسفة الأخلاقية في اللغة العربية
- الفلسفة التربوية و صراع الحداثة و التخلف
- فلسفة الميتافيزياء و العلوم المعاصرة
- فلسفة العلوم
- المعنافوبيا
- المعنالوجيا
- فلسفة الحداثة في مواجهة ما بعد الحداثة
- الفلسفة الإنسانوية في مواجهة فلسفة الثنائيات
- غزل فلسفي : كولونيا
- الفلسفة الاسلامية و دورها الاجتماعي و السياسي


المزيد.....




- عن -الأمالي-.. قراءة في المسار والخط!
- فلورنس بيو تُلح على السماح لها بقفزة جريئة في فيلم -Thunderb ...
- مصر.. تأييد لإلزام مطرب المهرجانات حسن شاكوش بدفع نفقة لطليق ...
- مصممة زي محمد رمضان المثير للجدل في مهرجان -كوتشيلا- ترد على ...
- مخرج فيلم عالمي شارك فيه ترامب منذ أكثر من 30 عاما يخشى ترح ...
- كرّم أحمد حلمي.. إعلان جوائز الدورة الرابعة من مهرجان -هوليو ...
- ابن حزم الأندلسي.. العالم والفقيه والشاعر الذي أُحرقت كتبه
- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...
- بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب ...
- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن عجمي - الأدب فن تكثير المعنى