|
تطور القبيلة في الاسلام ( 2 )
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6090 - 2018 / 12 / 21 - 21:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فْسر ظهور نظام القبيلة في الإسلام ، تفسيرات شتى ، تتباين بالتحيّز والموضوعية ، تبعا لميول المؤرخ ، واتجاه الكاتب . ولعل اشهر التفسيرات وأكثرها انتشارا بين الأوساط القبائلية والشوفينية ، نظرية ابن حزم الاندلسي ، وهي كنظرية عنصرية ، لم يكن من الغريب ان تشيع بين المستشرقين الغربيين ، ومن تأثر بهم من دعاة الفكر القومي في البلاد العربية . يقول ابن حزم : " والاصل في اكثر خروج هذه القبائل عن ديانة الإسلام ، ان الفرس كانوا من سعة الملك وعلو اليد على جميع الأمم ، وجلالة الخطير في انفسهم ، حتى انهم كانوا يسمون انفسهم الاحرار والابناء ، وكانوا يعدون سائر الناس عبيدا لهم ، فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على ايدي العرب ، وكانت العرب اقل الأمم عند الفرس خطرا ، تعاظمهم الامر ، وتضاعفت لديهم المصيبة ، وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى ، ففي كل ذلك يظهر الله سبحانه وتعالى الحق ، فرأوا كيْده على الحيلة انجع ، فأظهر قوم منهم الإسلام واستمالوا اهل التشيع ، بإظهار محبة اهل بيت رسول الله ، واسْتشْناع ظلم علي ، ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى اخرجوهم من الإسلام .... وقد سلك هذا المسلك أيضا عبدالله ابن سبأ الحميري اليهودي ، فانه لعنه الله ، اظهر الإسلام لكيْد اهله ، فهو اصل إيثارة الناس على عثمان ، واحرق علي ابن ابي طالب منهم قبائل ، واعتصموا بالإلهية ، ومن هذه الأصول الملعونة حدثت الإسماعيلية والقرامطة ، وهما مجاهرتان بترك الإسلام جملة ، قائلتان بالمجوسية المحضة ، ثم مذهب مزدك الموبذ الذي كان على عهد انو شروان بن تيماد ملك الفرس ، وكان يقول بوجوب تأسي الناس في النساء والأموال " ( الفصل في الملل والاهواء والنحل 115:2 ) . لم يكن ابن حزم اول من ردّ ظهور القبيلة في الإسلام الى " ابن سبأ " الذي نسب اليه قابليات خارقة لم تتوفر للأنبياء ، كقدرته لاستمالة الناس ، وتوجيههم كيفما شاء ، وكأنهم قطيعا من الأغنام . لكن الوقائع التاريخية ، تكذب هذا التفسير الساذج ، لظهور القائل والمذاهب في الإسلام ، لان الخلاف الديني السياسي ، ظهر اول ما ظهر ، بين المسلمين الاوائل انفسهم ، قبل ان ينتقل الى اهل الأقاليم المفتوحة ، والاقوام المقهورة ، كالفرس مثلا . وقد شاعت اسطورة " السبئية " ، بين مؤرخي الإسلام من غير الشيعة ، حتى أخذ بها كُتّاب مرموقون ، عُرفوا بالنزاهة والتجرد ، عن الافتراء الذي نسبه ابن حزم الى الإسماعيلية ، والقرامطة ، والمزدكية ، والأزارقة ، والشيعة عموما . فقد أورد الطبري وهو صاحب مدرسة عقلانية محايدة ، روايات يُستشفّ منها ، ميله الى ارجاع الخلاف المذهبي ، الى مساعي عبدالله بن سبأ ( انظر تاريخ الطبري 4 : 230 – 341 ، 346 ...الخ ) . لكن الطبري يورد أيضا خلافا لغيره من المؤرخين ، روايات أخرى اكثر صلة بالظروف الاجتماعية التي ظهرت فيها المدراس المذهبية ، والتجمعات القبائلية ، فأشار الى عوامل تكوينها ، مثل تراكم الغنائم الحربية بأيدي قلة متنفذة من المسؤولين ، وحرمان أكثرية المهاجرين الجدد الى الامصار الإسلامية من المستلزمات البسيطة للحياة . وهذه تفسيرات اقرب للقبول ، واكثر انسجاما مع التكوين التاريخي للمجتمع العربي الإسلامي . ومن الجانب الاخر ، فقد طرحت المدارس الإمامية تفسيرا آخرا ، لأصول الانقسام المذهبي وبظهور نظام القبائل في الإسلام ، ردّته الى انكار مكانة الامام على علي ابن ابي طالب ، وغصب حقه الوراثي في خلافة الرسول ، باعتباره افضل المؤهلين لهذا المقام ، واقرب المرشحين رحما بالنبي ، فأوردت تبريرات شهيرة لدعم رايها هذا ، منها وجود النص على امامة علي في خطبة غدير خمّ ، ومنها ترجيح مذهب الوراثة في الملك والإمامة . لكن هذا الرأي ، لم يحض بموافقة مدارس أخرى ، انكرت مبدأ الوراثة السياسية ، وقالت ان المبدأ الذي نص عليه القرآن في امامة المسلمين ، هو مذهب الشورى . وقد احتج أبو بكر بهذا المبدأ عندما رفض تسليم ارض ( فدك ) الى ورثة النبي ، حيث استند الى حديث نبوي يقول : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ....( انظر البلاذري ، فتوح البلدان ص 44 ، ياقوت معجم البلدان . مادة : فدك ) . وقال أصحاب هذه المدارس ، ان الخلافة بالبيعة ، لمن يُجمع عليه اهل الحل والعقد من المسلمين ، ويوردون حججا لترجيح قولهم هذا ، منها قبول الامام علي بيعة الخلفاء الثلاثة ، من قبله ، ومنها حجج أخرى يطول سردها . فنحن هنا ، لسنا في معرض مناقشة التبريرات النظرية ، والفقهية لإمامة الفاضل او المفضول ، ولا الدفاع عن قبيلة من القبائل العربية ، ولا الدفاع عن مدرسة مذهبية معينة ضد أخرى ، لان هذا ليس محله ، ويتطلب دراسات علمية مستفيضة ونزيهة ، بل ما يعنينا كباحثين ، مستنبطين ، ومحللين ، هو تحديد المغزى السياسي والاجتماعي للصراع المذهبي ، ومنه القبلي العربي ، فنرى ان ظهور المذاهب في الإسلام ، ونفخه في النعرة القبلية ، يعود في رأينا الى حقيقتين أساسيتين : ( يتبع )
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النظام القبائلي في الدولة الثيوقراطية ( 1 )
-
بخصوص تقادم جريمة ( حامي ) الدين .
-
الحاكم العربي
-
هل اقترب انهاء مدة بعثة الامم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في ال
...
-
زمن العهْر ، زمن الذّل ، زمن القهْر ، زمن الإنكسار .
-
الطاغية العربي
-
لقاء جنيف : أي مخرج .. أي نتيجة ؟
-
ملكية برلمانية ام جمهورية برلمانية .. اي تغيير جذري سيكون با
...
-
كل شيء للفقراء .
-
أيّ بلاد هذه ........ بلادي ليست قابلة للنسيان ( 9/9 )
-
هل عدد الصلوات وعدد الركعات ممارسات شرعية ؟
-
دولة السحل ..... تسحل مواطنيها
-
أيُّ بلاد هذه ......... ( 8/9 )
-
يمامة أطلسية طارت تنشد الحرية
-
اي بلاد هذه .... بلاد قابلة للنسيان ( 7/9 )
-
الزمن العفن ..... الزمن الرديء
-
ايّ بلاد هذه ...... بلاد قابلة للنسيان ( 6/9 )
-
قلم الرصاص ، كاتم الصوت القاتل
-
تحليل خطاب الملك / خطاب تودّد
-
أبلاد هذه ........ بلاد قابلة للنسيان ( 5/9 )
المزيد.....
-
أمسكت مضرب بيسبول واندفعت لإنقاذه.. كاميرا ترصد ردة فعل طفلة
...
-
إسرائيل ترسل عسكريين كبار ورؤساء أجهزة الاستخبارات لمحادثات
...
-
الدفاع الروسية تنشر لقطات لعملية أسر عسكريين من -لواء النخبة
...
-
فيروس جدري القرود -الإمبوكس-: حالة طوارئ صحية في أفريقيا ودع
...
-
بشير الحجيمي.. المحلل السياسي العراقي أمام القضاء بسبب كلامه
...
-
عاملُ نظافة جزائري يُشعل المنصات ووسائلَ الإعلام بعد عثوره ع
...
-
رافضة المساس بوضع الأماكن المقدسة.. برلين تدين زيارة بن غفير
...
-
رباعية دفع روسية جديدة تظهر في منتدى -الجيش-2024-
-
بيلاوسوف يبحث مع وزير دفاع بوركينا فاسو آفاق التعاون العسكري
...
-
بالفيديو.. لحظة قصف الجيش الإسرائيلي شبانا في مدينة طوباس
المزيد.....
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
المزيد.....
|