|
انتخابات أوكرانيا والفشل المتوقع أصلاً للحزب الشيوعي
ناتاليا دبروفولسكايا
الحوار المتمدن-العدد: 1520 - 2006 / 4 / 14 - 13:50
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
تنشر جريدة "الشيوعي" هذه المقالة لكونها تطرح مشكلة تعاني منها حاليا أحزاب شيوعية عربية كثيرة هي التعويل على الانتخابات البرجوازية كطريق للتحويل التقدمي وقدحُ زناد الفكر في إصلاح الأنظمة الانتخابية وجعلها تلائم إمكانية وصول الشيوعيين إلى ما بين جدران البرلمان. وهي في مشاركتها هذه تنسى الأهداف الأساسية للطبقة العاملة وسائر الكادحين، ألا وهي الانتقال إلى مجتمع غير المجتمع الرأسمالي، يكون أكثر منه عدلاً حيال من ينتج الخيرات المادية والثقافية دون أن يملك من هذه الخيرات سوى ما يستطيع أن يبيع به قدرته على العمل في السوق الرأسمالية الظالمة. هذا االمجتمع هو المجتمع الاشتراكي المتجدد، الآخذ العبر الصالحات من التجارب السابقة، تلك التي يقول بعض الشيوعيين اليوم ترداداً لما يسوقه خصوم الاشتراكية "التوتاليتارية" أنها فشلت. هكذا، بشطحة فكر وشطحة قلم، يختزل البعض تجربة 70 عاما من البناء الاشتراكي في الاتحاد السوفياتي وبلدان المنظومة الاشتراكية بكل مطباتها وصعوباتها، بكل نجاحاتها الباهرة ومعاركها الخاسرة، بكل انتصاراتها وسقطاتها.
انتخابات أوكرانيا والفشل المتوقع أصلاً للحزب الشيوعي ناتاليا دبروفولسكايا جاءت نتائج الانتخابات النيابية الأوكرانية الأخيرة لتكشف مجدداً فشل سياسات الحزب الشيوعي في الاعتماد على الانتخابات البرجوازية طريقاً إلى السلطة. وإنْ هذا الفشل إلا نتيجة سلوك هذا الطريق، طريق التكيف الذيلي والانتهازية وغياب الموقف الطبقي السليم بالنسبة إلى حزب يسمي نفسه حزباً شيوعياً. مفهوم أن الجميع يريد الأفضل، غير أن الأفضل هو برأي معظم الناس الأسهل، أي، كما يقول المثل: "عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة". والعصفور هو هنا الحزب في حالته الحاضرة. الحزب بما على رأس قائمته الانتخابية الحزبية من رجال أعمال ورجال دين، وبما ينشره هؤلاء وأمثالهم على صفحات جريدته الرسمية. الحزب الذي يطرد من صفوفه وحتى من أروقة مقارّه كل من ينشط من الرفاق نظرياً وعملياً على وفائهم لمبادئ وتعاليم ماركس. الحزب بأيديولوجيته الضبابية المتفقة مع مبدأ "مع السوق سوق"، بذيليته ولعبه المتفاني بلعبة الانتخابات البرجوازية، هذه الانتخابات المهزلة التي لا تؤدي إلى سوى انتصار ممثلي البرجوازية إياها. أما "العصافير العشرة على الشجرة" فهي الطريق الذي تقترحه النظرية الماركسية لأجل تغيير الوضع القائم في المجتمع، أي لأجل تصفية الرأسمالية وبدء بناء الاشتراكية محلها. لا شك في أن تصيد العصافير العشرة وهي تحلق في كبد السماء أصعب بكثير من الإمساك بالعصفور الواحد السهل المنال. ولكن حيث تحوّم عصافير السماء يلوح النصر الحقيقي، وإن كان صعب المنال. وليس يسعك والعصفور باليد إلا أن تراوح مكانك معللاً النفس بأنك لا تراوح صفر اليدين. علماً أن الواقع سيكون محزناً لأن من لا يتقدم يتخلف ويدهاه الانحلال والزوال. كثيرون هم الآن المشتكون من أن ليست عندنا حركة عمالية قوية لنستحق الانتقاد من مواقع الماركسية. ولكن أنى لهذه الحركة العمالية القوية أن تنشأ؟ فهي ليست بمن وسلوى يهبطان من السماء!!! فعلى الشيوعيين إياهم أن يدخِلوا الوعي الشيوعي إلى عقول جماهير العمال، وأن يعملوا على تنظيم هذه الجماهير لخوض النضال. هذا واجبهم المباشر إذا أرادوا أن يكونوا شيوعيين حقاً. غير أن شيوعيينا الرسميين يلهثون عبثا منذ سنوات طوال وراء أصوات أبناء الطبقة الوسطى، وهو كادوا يعتبرونها الطبقة الوحيدة ذات الشأن في المجتمع، بينما يرون في العمال فئة اجتماعية ضئيلة العدد هامدة خامدة. وما دامت لم تعد تستحق أن تسمى طبقة، فمصالحها لم تعد تقريباً تستحق الذكر ولا الدفاع عنها، حتى قبيل الانتخابات. فنادراً ما ترد في جريدة "كومونيست" الناطقة باسم الحزب عبارة مثل: سوف نناضل من أجل تحسين ظروف بيع القدرة على العمل. أي إنهم، بكلام آخر، يعدون العمال بـ"رأسمالية ذات وجه إنساني". أما العمال أنفسهم، فلا يريدون الرأسمالية لا بوجهها الإنساني الحسن ولا بوجهها الحيواني البشع. علماً أن أموراً كثيرة لم يصلوا إلى إدراكها بعد إدراكاً كاملاً. ولأجل أن يدركوا، لا بد من تنويرهم، ليس بمجرد إلقاء الخطب، بل بتنظيم نضالهم وتعميق مضمونه. ولكن ليس الآن من ينوّر ما دام الشيوعيون الحاليون قرروا ممالأة رجال الأعمال. مفهوم أن الحزب بحاجة إلى مال يمكّنه من نسخ أساليب التحريض الانتخابي البرجوازي.. وكلما كان أكبر عدد البرجوازيين وشتى الناس "الجيدين" من عداد رجال الدولة والسياسة الحالية في قوائم الحزب الانتخابية، كان المال أكثر. ولكن من المعلوم أن من يدفع المال يكون له المنال. وهكذا، كلما كثر في الحزب أصحاب المال والمعالي قل ذكر الطبقة العاملة وحماية مصالحها، ناهيك بذكر الثورة وضرورتها. إن معظم العمال لا يفهمون كل دقائق النظرية، لكنهم يرون بوضوح ويحسون بأن الحزب الشيوعي اليوم ليس حزبهم، وعلى هذا الأساس يتصرفون. لا يزال هناك، طبعا، شيوعيون حقيقيون، ولكنهم لا يزالون مبعثرين ولا يزال عليهم أن ينتظموا هم أنفسهم في حزب ليس موجوداً بعد. في حزب يكون حزب الطبقة العاملة عن حق. أما الحزب الموجود حاليا، فليس ممكناً عدم انتقاده لأن الضرر الذي يلحق بوعي الناس والذي يتأتى من طريقته في التحريض والدعاية هو أكبر بكثير من المنفعة الآنية الناجمة عن وجوده بين جدران البرلمان. يعتبر بعضهم أن قلة عدد الشيوعيين في البرلمان ستودي بالبلاد إلى براثن الأميركيين وحلف الناتو ومنظمة التجارة العالمية وغيرها. فهل هذا صحيح يا ترى؟ إن قواعد اللعبة الديمقراطية البرجوازية تقضي بألا يكون أصلاً للشيوعيين نسبة من الأصوات في البرلمان ذات شأن، فكيف بأن يفوزوا بالأكثرية في الانتخابات. فإذا ما صوت الشعب لصالح الشيوعيين فالانتخابات سوف تزوَّر حتماً. ولكيلا لا يصلوا إلى هذا الحد من الصراحة والوقاحة تزوّر وسائل الإعلام البرجوازية مسبقاً عقول الناخبين وأبناء الشعب. وعليه ستكون في البرلمان دائما أقلية شيوعية. والقوانين سوف تقَرّ بأصوات الأغلبية، مهما عارك النواب الشيوعيون ورفعوا الصوت عالياً. فالعلة ليست إذا بوجودهم داخل البرلمان البرجوازي أو بعدمه، لأن وجودهم سيبقى وجود العاجز في هذا البرلمان البرجوازي قلباً وقالباً، بل في أن الانتخابات والإصلاحات إياها ستبقي النظام الاجتماعي على حاله دون تغيير. ولو طرِح السؤال على لينين لقال: ليس الحزب هو لأجل الانتخابات، بل الانتخابات هي لأجل الحزب. أي أن الشيوعيين لوعملوا للمستقبل الحتمي فلم يسيروا في ذيل البرجوازية المهيمنة حاليا، ولم يسايروا اليوم الحاضر دون أن يؤثروا فيه، لتحقق تقدم فعلي، ولكان النقد مغايراً نوعاً. في البداية ظن كل الناس من ذوي التفكير أن الانجذاب إلى هذه "الجدبنة" البرلمانية إن هو إلا غلطة، غير أن الذي اتضح الآن هو أنه عصب سياسة الحزب واتجاهها الثابت. والطامة الكبرى تكمن في أن القادة يجرون وراءهم إلى المستنقع جماهير الحزبيين والمناصرين الغفيرة، واعدين إياهم بأن أصواتهم سوف "تشيل الزير من البير"! وثمة مسألة أخرى هي أن دولة الكادحين لا ينبغي أن تقودها حفنة من الناس، حتى ولو كانوا من القديسين الأبرار، بل الطبقة ككل وكل فرد من أفرادها. فهذه الحفنة سوف تكبح التقدم لاحقاً حفاظاً على امتيازاتها، كما حصل لزعماء الاتحاد السوفياتي وغيره من البلدان الاشتراكية على مر الزمن. ففي خلال العقدين الأخيرين من عمر الاتحاد السوفياتي ركزت الدعاية كثيرا على مسألة أن ينشأ نوع من نظام وراثة، يرث فيه الابن عن أبيه كونه عاملا أو كونه قائداً في الدولة، بدلا من نقل المجتمع إلى سكة الإدارة الذاتية من خلال تربية روح المسؤولية في الناس منذ نعومة أظفارهم وترغيبهم بالمشاركة في إدارة شؤون الدولة. فبدلا من ذلك كان يُدخل في روع الأولاد منذ الصغر أن على من هم أبناء عمال أن يكملوا مسيرة آبائهم، ومن هم أبناء رؤساء هؤلاء العمال أن يصبحوا رؤساء على أبناء العمال في المستقبل. ومن هنا نشأت من أبناء الرؤساء هؤلاء الزمرة التي تحوكمت حول غورباتشوف، ونشأ من أبناء العمال جمهور صاغر فمَه فاغر لا يعرف المبادرة ولا الإقدام. قد يقول قائل: "لا بأس، لقد أخطأوا، فمن لا يخطئ؟". لكننا لا نرى أن عبراً قد أخِذت من الخطأ. فها هم الشيوعيون يعدون مرة أخرىالشعب، وربما من منطلقات نبيلة جداً، بأن انتخبونا وسنكون لكم خير قادة ورؤساء، أفضل من رؤسائكم الرأسماليين! هذا عوضاً عن الاتكال في التصرف على المقولة اللينينية القائلة: "الاشتراكية هي الإبداع الحي للجماهير". أفلا يكفي ما تربيه البرجوازية في نفوس الكادحين من عدم تحمل للمسؤولية ومن نزوع إلى الالتهاء بالاستهلاك وإلى إيكال مصيرهم إلى القادة والرؤساء، والملوك والأمراء، والقياصرة والأباطرة؟ فهل هذا ما يريده الشيوعيون؟ لو تربى العمال على النضال وروح المسؤولية في ظل الاشتراكية لما ترتب علينا الآن أن نغرق في مستنقع البرجوازية الحالي. وما دمنا لم نفعل هذا في الماضي، فإن علينا أن نصلح ما عاب فينا، لا أن نواصل السير في ركاب قبضة من القياديين الحزبيين الذين يرتبون أمور رفاههم الشخصي تحت ستار النضال في سبيل الاشتراكية والمستقبل الوضاء. لكل امرئ الحق في أن تكون له حياته التي يريدها لنفسه. لكن العمل على استبقاء جمهور غفير من الناس عبيداً مأجورين للرأسمالية بحجة أن العصفور في اليد أفضل من عشرة على الشجرة، ولأن البعض يريد أن يبني لنفسه ولعائلته اشتراكيةً خاصة به من خلال مقعد برلماني يتبوأه مستغلا لأجل ذلك صدق وبساطة الحزبيين العاديين، أقل ما يقال فيه أن عمل غير مسؤول. وإن النزعة الغورباتشوفية تعود مجددا من الباب الواسع لتدخل الحزب الشيوعي، فيما يشنّف الشيوعيون العاديون آذانهم بسماع خطب ونظريات مبهمة ومضللة لأمثال ياكوفليف وغيره من رفاق غورباتشوف الميامين. الأوهام لا تزال تُزرع في أوساط غير المتبحرين في العلم الماركسي من العاملين، إذ ليس من الأدب أن ينتقد المرء أولئك الذين ينتقدهم البرجوازيون أصلاً (ربما كانوا ينتقدونهم، ولكن على ما يستحقون عليه الثناء كشيوعيين). وكما كان الغورباتشوفيون يشتمون ويصمون بالعار ويتهمون بالعداء للشيوعية كل من كان يتجرأ على رفع الصوت دفاعاً عن الحقيقة وعن الشيوعية الصادقة وعلى تبيان الطريق الوحيد الممكن للانتصار على الرأسمالية، نرى اليوم من خلال خطب وتصاريح قادة الحزب الشيوعي الأوكراني المنشورة في الصحف بعد الانتخابات أن نهج الحزب السياسي لن يتغير. فالشيوعيون سيستمرون على نهج نشر الأوهام البرلمانية والتملق لهذا أو ذاك من رجال الأعمال ورجال الدين ورجال السياسة، والذود عن مصالح البرجوازية الصغيرة والمتوسطة. وسيبقون يجرجرون أذيال الخسارة والتراجع.
#ناتاليا_دبروفولسكايا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بتوبيخ نادر.. أغنى رجل في الصين ينتقد -تقاعس الحكومة-
-
مصر.. ضجة حادث قتل تسبب فيه نجل زوجة -شيف- شهير والداخلية تك
...
-
ترامب يعين سكوت بيسنت وزيراً للخزانة بعد عملية اختيار طويلة
...
-
ترامب بين الرئاسة والمحاكمة: هل تُحسم قضية ستورمي دانيالز قر
...
-
لبنان..13 قتيلا وعشرات الجرحى جراء غارة إسرائيلية على البسطة
...
-
العراق يلجأ لمجلس الأمن والمنظمات الدولية لردع إسرائيل عن إط
...
-
الجامعة العربية تعقد اجتماعا طارئا لبحث تهديدات إسرائيل للعر
...
-
ابتكار بلاستيك يتحلل في ماء البحر!
-
-تفاحة الكاسترد-.. فاكهة بخصائص استثنائية!
-
-كلاشينكوف- تستعرض أحدث طائراتها المسيّرة
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|