غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 1519 - 2006 / 4 / 13 - 11:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في بعضا من أفلام هوليوود ذات الخيال العلمي هنالك هاجس تجسده هذه الأفلام على طريقتها وهو هاجس سيطرة الآلة على صانعها / الإنسان. وهذا الهاجس ليس هاجسا لتسويق تشويقي بل تحذيرا للعالم من إنقلاب نوعي في تطويرات الأتمتة والأتمتة الجينية بشكل خاص. وهذا الرعب إن جاز التعبير لا تعيشه مجتمعاتنا بعد بل تتلمس نتائجه أحيانا. وهكذا هي الآلة العسكرية الإسرائيلية / التي صنعها الغرب عبر قرن كامل من الزمن وصدرها للمنطقة بحجج شتى. ولازال الكثير من العرب غير مقتنعين بذلك بل لازالوا يتعاملون مع منطق التآمر اليهودي في التاريخ وعلى التاريخ وهذا ناتج عن صورة نمطية [ لليهودي ] أيضا قسم من هذه الصورة مستورد من بعض الفكر الغربي نفسه منذ أيام ـ تاجر البندقية الشكسبيري الذي أسس لهذه الصورة النمطية
وتشعبت عن هذا الفهم الكثير من الدراسات والتحليلات الغربية والعربية في سؤال المسألة اليهودية لدرجة الإغراق أحيانا في شطحات النظرية التآمرية عبر التاريخ وصولا لحركة البنائين السلف الحقيقي للحركة الماسونية وتوأمها الصهيونية. كل هذا لايفسر حتى هذه اللحظة المسائل الجوهرية العالقة معرفيا وسياسيا وقيميا في الحل الغربي للمسألة اليهودية، ليس العرب من سموها المسألة اليهودية : بل الغرب ومفكروه. ولم يحدث الهولوكست إلا بناء على وجود مسألة يهودية لها أبعادها الخطيرة والتي تأسست عبر تاريخ أوروبا منذ عصر النهضة. ومن أحد ارتباطات هذه المسألة هو ارتباط الغيتوات اليهودية المتناثرة في أوروبا برأس المال الربوي كما يشير ماركس إلى ذلك بعد شكسبير وقبل رواية عوليس لجويس الإنكليزي المبدع. الهولوكست جاءت تتويجا لنظام معرفي وأيديولوجي وديني وعلى كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في أوروبا. فالأشتراكية القومية لم تكن فقط في ألمانيا بل كانت في أيطاليا وأسبانيا وفرنسا وغالبية دول أوروبا..!! إنها الأحزاب التي ولدتها هذه الثقافة وجاء هتلر ليكون الجلاد لهذه الثقافة البغيضة. والرسول الذي يريد تحقيقها على مستوى أوروبا لصالح الإنسان المسيحي الأبيض رغم أن هتلر كان بعيدا عن الإيمان. وكي لانبقى في التاريخ الحديث نأتي على التاريخ المعاصر والراهن. إن أمريكا من الطبيعي بعد أن احتلت المقدمة الأولى على كافة المستويات في واجهة المشروع الغربي / بعد أن أصبح كونيا / من الطبيعي أن تتبنى الحل الغربي للمسألة اليهودية : وهكذا كان. وهنا عندما نتحدث عن إسرائيل إنما نقارب المستوى السياسي والأيديولوجي والعسكري..ولا نقارب نظرة عنصرية للشعب اليهودي. كما أننا ضد هذه الصورة النمطية لليهودي. ومع ذلك لا يعني هذا تبرئة للغالبية من الشعب اليهودي من الدم الفلسطيني. نحن لسنا في دولة دكتاتورية، نحن في دولة ديمقراطية..!! بالتالي استمرار هذه القيادات التي تقوم يوميا بذبح الفلسطينين أطفالا ومن كل الأعمار هي نتاج ثقافة أيضا. ومنتخبة هذه القيادات من الشعب اليهودي. ما يهمنا هنا هو أن هذه الآلة العسكرية التي صنعها المشروع الغربي ورماها في فلسطين والمنطقة تحاول دوما إيجاد موقعها الدولي بحاضنة غربية عموما وأمريكية خصوصا. نحن كعرب عموما قبلنا بالسلام والتعايش مع دولة يهودية في فلسطين. أولا لأنها أمر واقع وثانيا لأنها باتت قضية على غاية من التعقيد بعد ان تم ويتم رسم خارطة لإسرائيل هي لم تعد تستوعبها كآلة عسكرية لاتريد تفكيك نفسها لصالح آلة مدنية وحضارية. 1/3 من الشعب اليهودي في إسرائيل يعيش من وراء استمرار هذه الآلة العسكرية !! وأمريكا أكثر من تدرك هذا الأمر لهذا هي تحاول أن ترسم حدود حركة هذه الآلة مع بقاء الحل الغربي للمسألة اليهودية دون مساس لأنه هو الحل المقدس الوحيد الذي لايمكن للغرب التراجع عنه مهما كانت النتائج والانعكاسات على شعوب المنطقة أو حتى على دول الغرب نفسه : لأنهم غير قادرين على إيجاد حلا آخر..مهما فعلوا !! وهذا أيضا بات معروفا للساسة الإسرائيليين وعلى هذا الأساس هم يستفردون بالفلسطينيين علهم يوسعون دولتهم التي تحددت مع كل الدول في حدودها إلا مع الفلسطينيين : وهنا تأتي صورة اليهودي التي كرستها الثقافة الغربية في صورة تاجر البندقية.
وهم الآن يحاولون الاستفادة من الوقت الضائع من أجل فرض أمر واقع على الفلسطينيين والعرب والغرب أيضا : يريدون كل القدس، ويريدون وادي الأردن ويبقون على مستوطناتهم اللاشرعية في الضفة الغربية..الخ
ويراكمون يوميا أحقاد فوق أحقاد ودماء فوق دماء..ولا تجد أمريكا مبرر للدفاع عن هذه السياسة اليهودية / والتي هي وجه آخر قبيح للمحرقة اليهودية / سوى مكافحة الإرهاب. لهذا لايمكن للمواطن العربي أن يثق كثيرا في السياسة الأمريكية قبل أن تحل القضية الفلسطينية وتعيد القدس إلى أهلها، وتعيد أهلها إليها وقيام دولة فلسطينية إلى جانب الدولة العبرية.
إن هذا التنكيل اليومي بالشعب الفلسطيني سيبقى نقطة عار في جبين هذه الدولة.. وستتذكر تماما ماصنعت هذه الآلة العسكرية ذات الثقافة الدينية / عنصريا / كما يتذكر العالم وتطالبه دوما أن يتذكر الهولوكست. على هذا الأساس ستبقى هذه السياسة الإسرائيلية هي الوجه القبيح لأمريكا ليس لدى شعوب المنطقة وحسب بل لدى قسما غالبا من شعوب العالم أجمع.
إن ديانة لا تبشيرية..لا يمكن لها إلا أن تفرز ثقافة لا تبشيرية !! بل وستفرز ثقافة إقصائية تماما.. ليس مطلوبا فقط ولمصلحة اليهود والعرب أن تتحول دولة إسرائيل إلى دولة قانون في الداخل بل أن تتحول إلى دولة قانون في علاقتها مع الفلسطينيين والعرب والعالم ويتعرف العالم على حدودها النهائية وتسجل هذه الحدود في سجلات الأمم المتحدة مثلها مثل أية دولة طبيعية في هذا العالم.. وتقوم بنفسها بالمساعدة على قيام دولة فلسطينية وليس على ذبح يومي للفلسطينيين.. كما أننا لا نشكك بالهولوكست ونرفض التشكيك فيها لأنها عار العصر في المنتصف الأول من القرن العشرين أيضا ما تفعله إسرائيل هو العار بعينه في المنتصف الثاني للقرن العشرين وحتى الآن.. كما أنني من الذين يدعون العرب للتخلص من نغمة التشكيك بالهولوكست لأن هذا التشكيك غير الصحيح / العدد الذي قتل من اليهود ليس هو المهم معرفيا بل المهم هو الحدث بحد ذاته كونه حدثا مأساويا يجب ألا يتكرر في التاريخ الإنساني وأيضا من الزاوية السياسية إن الحديث تشكيكا عن المحرقة أو بتشفي إنما يخدم السياسة اليمينية الإسرائيلية التي لاتريد التخلي عن محرقتها بحق الفلسطينيين.! ودون العودة لها كلما أردنا لأن ذلك يخسرنا رأيا عاما عالميا لم يبن على فراغ.بل بني على صحة الهولوكست أولا، ضخم أم لم يضخم هذه برأيي قضية ثانوية. كما أن أوروبا تريد التخلص من هذا الإثم الثقيل عبر نسيانه..!
بالتالي لايمكن لأمريكا أن تسعى إلى تغيير حقيقي ديمقراطي في المنطقة يغير من صورتها وهي تترك الفلسطينيين بين يدي اليمين الإسرائيلي طليقة في دماء الفلسطينيين.
والمطلوب الآن نزع هذا الوجه اللا أخلاقي للسياسة الأمريكية في المنطقة والعالم عبر الإسراع في تطبيق خارطة الطريق وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس. أم أننا نريد أن نصدق أن الخيال الهوليوودي فعلا قد تحقق واستطاعت الآلة أن تسيطر على صانعها..؟!!
غسان المفلح
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟