فتحي علي رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 6077 - 2018 / 12 / 8 - 22:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لعل موقف الإدارة الأمريكية مما جرى ويجري في سوريا خاصة بعد الثورة السورية , من أهم المسائل الغامضة والتي تهرب وما زال يتهرب ـ كثير من المحللين السياسيين من تقديم أجوبة دقيقة ومحددة عليها . مع أن جميعهم يعرفون أن للموقف الأمريكي من أي نظام أوحدث يجري في العالم له دور حاسم .فالقول "أن الإدارة الأمريكية غير معنية بما يجري في سوريا " , أوبأن موقفها متردد أومذبذب أو غير واضح أو بأنها " لم تحسمه بعد ". لايمكن أن يكون مقنعا , بل لابد من اعتباره تهربا .وهذا مايبرر لنا تناول هذه المسألةعلى ضوء الوقائع الجارية على الأرض .
الأهمية الاستثنائية لسوريا :
قد يكون من المفيد أن نشيرأولا : إلى أن "البرغماتية " أو الفلسفة النفعية (العمل استنادا لمبدأ المصلحة والفائدة العملية لمصلحة الدولة وشعبها ) هي المبدأ العام الذي استندت وماتزال تستند إليه السياسة الأمريكية .وهذا مايعطيها مرونة في اتخاذ القرارات وتغييرها بسرعة , بما يحقق للبلد مصلحته .وهو مايثير الضبابية حول موقفها مما يجري في سوريا والشرق الأوسط .وثانيا : العمل على التفوق في كافة المجالات خاصة العلمية والصناعية والعسكرية والتجارية والسياسية . وهذا مايستتبع تلقائيا ثالثا فرض السيطرة والهيمنى إلى أقصى حد ممكن , وهذا مانتج عنه رابعا في المنطقة لتحقيق هذه المصلحة ـ السيطرة على انتاج النفط وتسويقه إضافة وخامسا :ـ الحفاظ على تفوق وأمن ورفاه إسرائيل .وهذا ماخلق لها عداءً مستحكما في الوطن العربي
واستنادا لماسبق نرى أن أصحاب القرار في أمريكا إن لم تعنيهم سوريا وشعبها كثيرا من الناحية الاقتصادية أو الاستراتيجية فلكونها فقط جارة لإسرائيل يعتبر كافيا لجعلها ويجعل منها اليوم ـ خاصة بعد الثورة السورية ـ مرغمة على أن تعطي لسوريا ولما يجري فيها أهمية كبيرة .
أما إذا أضفنا لذلك أن سوريا كانت الدولة العربية الوحيدة التي ترفع شعار المقاومة والممانعة , وتقود محورا واسعا يمتد من طهران إلى بيروت وصولا إلى اليمن السعيد.(التعيس اليوم ) فإن العمل على إبقائها تحت السيطرة , سواء تحت حكم نظام آل الأسد ـ مخلوف , أو أية معارضة أو أية قوة أخرى (إن اقتضى الأمر ) بما يحقق لهاأهدافها . ويمكنها من السيطرة أيضا على هذا المحور .
وهذا ما يعطي لسورية و لما جري فيها مؤخرا أهمية استثنائية ,وبأكثر مما جرى في تونس أو ليبيا أومصر أواليمن على عكس مايزعم كثير من المحللين . وللتأكيد على ذلك ,نذكرفقط بأن اللقاءات التي تمت بين كيري ( وزير خارجية أمريكا ) ولافروف (وزير خارجية روسيا ) خلال خمس سنوات , الاسبوعية وأحيانا اليومية في عهد أوباما , للبحث في الموقف من سوريا لم يحصل تجاه أية قضية أخرى في تاريخ العالم بين هذين القطبين . وهو مايقدم الدليل الساطع على أن إهتمام أمريكا بسوريا فاق التصورات ,وهوما تجلى أخيرا بتواجدها الفعلي هي وروسيا على الأرض السورية وهو مالم يحصل في أي بقعة أخرى من العالم .
وبما أنه لايمكن الفصل بين موقف الولايات المتحدة الراهن من سوريا ومما جرى في الوطن العربي بعد ثورات الربيع العربي . وبين سياساتها تجاه الدول الأوربية والعربية بعد الحرب العالمية الثانية .
حيث تشير الوقائع إلى أن أمريكا (كما فعلت في أوروبا ) استطاعت أن تضع جميع الحكام العرب ( أو وضعوا جميعهم أنفسهم )بشكل أو بآخر تحت مظلتها مع إعطائهم حرية متفاوتة في طرح الشعارات التي تناسب شعوبهم , وحتى شتمها ومعاداتها بالكلام والخطابات والإعلام والثقافة .إذا كان ذلك يمكنها من استيعاب المعارضة الشعبية أو الوطنية أوالثورية ومن السيطرة على المواقف العملية لهذه الدول , بما يمكنها من إبقاء العداء لها تحت السيطرة أو غير ذي جدوى .ومن هذا المنطلق نجد نافذة تبررلنا إعادة النظر في السياسة السورية منذ بداية بروزها كدولة مستقلة عام 1946 وحتى اليوم .فنذكربأن أول انقلاب عسكري في المنطقة حصل في سوريا عام 1949 بقيادة حسني الزعيم ( للصلح مع إسرائيل ,وتمرير أنابيب النفط عبرالأراضي السورية ) لكنه جوبه بعد عدة أشهر بانقلاب معاكس .كون الشعب السوري وقواه الوطنية والثورية رفضت ذلك بحزم . ومن بعدها سعت أمريكا إلى تغيير نظام الحكم من خلال عدة نقلابات متتالية ( خمسة منها كانت بترتيب منها وأربعة ضدها ) كان أخرها انقلاب حافظ الأسد الذي استطاع بحنكته أن يوازن بين ماتريده أمريكاوإسرائيل , وبين ماتطمح إليه غالبية القوى الوطنية .
وما يؤكد على ذلك هو الرعاية الأمريكية المباشرة لمفاوضات السلام بين سوريا واسرائيل والتي انتهت باتفاق فصل القوات عام 1974(والذي كان لمصلحة إسرائيل بالمطلق ) .ومن ثم مباركتها لدخول القوات السورية إلى لبنان عام 1976 للقضاء على ثورة الشعب اللبناني على النظام الطائفي .ثم وقوفها وتحالفها مع إيران لإسقاط نظام البعث في العراق كون العراق استضاف مؤتمر الصمود والتصدي عام 1979 لمواجهة تداعيات خروج مصر بعد كامب ديفيد (مع أن الأسد شارك فيه) وهو مايتناقض مع موقفه المعادي لنظام السادات ولأمريكا ويدل على كذب .اتضح من خلال سكوتها على اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 ثم مشاركة سوريا للقوات الأمريكية في ضرب العراق عام 1991.ومن ثم فرض حصار مشدد عليه لإسقاطه . ولعل مباركة الإدارة الأمريكية لتولي الشاب بشار الأسد لمنصب رئاسة الجمهورية السورية في عام 2000,وإرسالها ل "مادلين أولبرايت" , وزيرة الخارجية للمشاركة في عملية التنصيب , لاتؤكد على موافقتها ورضاها على سياسة الحكومة السورية ورئيسها الجديد فحسب .بل تؤكد على ثقتها المطلقة بها وبه .كونهما حافظا على الوضع آمنا وهادئا على الجبهة مع المحبوبة إسرائيل طيلة ربع قرن مع تمكنهما من إبقاء القوى الثورية والشعبية المعادية لأمريكا وإسرائيل تحت السيطرة (الأمنية والشعاراتية ).
وهذا لايعني أن الإدارة الأمريكية إذا وجدت أن مصالحها تتطلب إسقاط هذه الحكومة الموالية لها أو تلك أو هذا الرئيس أو ذاك ,إن لم يستطع إدارة بلده كما يجب , أوإذا ما فشل في السيطرة على الشعب واضطر للخروج عما تريده (كما فعلت مع حكومة البعث في العراق أومع حكومة مبارك في مصر ,أوالقذافي في ليبيا , أوعلي صالح في اليمن ) خاصة إذاكان البديل متوافقا أكثرمع ماتريده ويحقق لها مصالحها ومصالح إسرائيل .فلن تتوانى عن إسقاطة فورا ودعم خصومه . وهو ماحصل نتيجة لثورات الربيع العربي بسبب فشل الأنظمة في السيطرة على شعوبها فاسقطت مبارك وأوصلت السيسي . وإن لم يكن الخصوم معروفين أوموثوقين فستتكفل السياسة الأمريكية والاقتصاد القوي بعملية احتوائهم و تركيعهم لاحقا وإعادتهم إلى الحظيرة .وإن لم يجدذلك نفعا معهم فالقوة العسكرية ستكون جاهزة .
ولنرى إن كان ذلك ينطبق على ماجرى في سوريا أم لا.
الثورة السورية :
بعد أن فشل النظام في السيطرة على شارعه ( وليس أحزابه التي دجنها أو روضها ) وشبت الثورة الشعبية في عام 2011 . أعلنت أمريكا أنها مع ثورة الشعب ومع رحيل الأسد كمحاولة منها لإحتواء الثورة والثوار .وبعدها قامت السي آي إيه " بإرسال قوة المهام المشتركة إلى تركيا لاستطلاع الوضع عن كثب , وقررت تقديم الدعم للجيش الحر في الشمال السوري لإحتواءه عسكريا وماليا .لكن على مايبدوا فإن تلك المحاولة باءت بالفشل بسبب تعدد المراكز المقاتلة والثائرة والتي زاد عددها عن ألف فصي
ل . ومع ذلك أوجدت عام 2013 ماعرفت بحركة "حزم" حيث دربت مئة وثمانين عنصرا على فنون القتال (حيث كلفها تدريب كل عنصر حوالي مليوني دولار ).لكن بما أن قسما كبيرا منهم رفض قتال داعش بناء على ماطلبته الس آي إيه منهم .والقسم الآخر فر من سوريا كيلا يتهم بالعمالة ,وآخر سلم معداته لمن يعتقد أنهم مقاتلين أشداء ضد النظام . وبعد أن استغلت جبهة النصرة ذلك وقامت بالهجوم على من تبقى منهم وقتلهم (حوالي خمسين عنصرا ) وأخذت أسلحتهم منهم .وهذا أوقع الإدارة الأمريكية ومخابراتها في ورطة كبيرة . لكنها وهذا المهم أنها أدركت صعوبة أحتواء المعارضة السورية ( ربما لتعدد تنظيماتها )ومدى تجذر روح العداء لأمريكا لدى الشعب السوري . ومع أنها نفضت يدها منها إلاأنها أخذت تجري إتصالات سياسية غير مباشرة من خلال قطر والسعودية ومصر وتركيا مع المعارضة المعتدلة ( المجلس الوطني وخاصة الأخوان المسلمين ) وتستقبل على أراضيها بعضا منهم ( زيادة , والبقاعي ,وبعض الليبراليين والأخوان المسلمين ) لكن لم يلقى هؤلاء قبولا لامن الثوار ولامن غالبية أعضاء المجلس ,ولابعد ذلك من إعضاءالإئتلاف ولا من الشعب بسبب ماذكرناه من تجذر روح العداء لها بسبب سياستها الداعمة لإسرائيل .وهو ماجعل أمريكا ترفض الطلب التركي بإقامة منطقة عازلة في الشمال السوري كما فعلت في العراق (لحماية المعارضة في الجنوب والشمال على أمل السيطرة عليهم من خلال مساعدتهم و ترويضهم ). كما رفضت تقديم أية أسلحة تجنب المعارضة والشعب قصف النظام ,ماأتاح للنظام إلحاق أفدح الخسائر بالمعارضة المسلحة وبالمدنيين العزل .على أمل تركيعهم .وهذا جاء بنتائج عكسية حيث عمق الكراهية لها على المستوى الشعبي أكثر من قبل . وهو ما جعلها تتوقف عمليا عن دعم المعارضة وبيعها لها فقط كلاما معسولا من جهة ,ومن جهة أخرى أصبحت أميل أكثر للإبقاء على النظام (من مبدأ عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة ).وهذا ماشجع النظام (وجعلها تسكت أو تغض الطرف ) على مزيد من عمليات البطش والقتل والتدمير البشعة التي كان يقوم بها .لكن بما أنها كانت تخشى من أن تنتصر المعارضة الشعبية وتخسرها وتخسر مصالحها فكان لابد من تتحرك في جهة أخرى . وهكذا جاءت
الخطوة أو النقلة الثانية : تجلت بدخول حزب الله لدعم النظام :
وهنا لابد أن نتسائل :لماذا سكتت أمريكا أو تجاهلت أو أغمضت عينيها أو "طنشت " على دخول ميليشيا حزب الله (مع أنها واسرائيل تزعمان أنه تنظيم إرهابي ودخل لحماية نظام معادي لهما )؟ ومع أنه كان يفترض أن تقف هي أو إسرائيل ضد ذلك التدخل كونه سيدعم نظام ممانعة ؟ والمنطق يقول :كان يفترض أن تدعما عمليا من يقفون ضد ذلك النظام . لكنهما لم تفعلا شيئا لمنعه أو لوضع حد له بل "طنشتا". كما نسأل : لماذا سكتتا لاحقا على إدخال إيران لمستشارين عسكريين ومن ثم لعشرات الآلاف من المليشات الشيعية القادمة من العراق وإيران وأفغانستان والباكستان والشيشان وروسيا لدعم النظام ولسحق عظام المعارضة .( مع أنهما تزعمان أن كل هؤلاء إرهابيين ,كونهم مجتمعين مع النظام معادين لها ولإسرائيل ومقاومين لهما ).؟ ولماذا تغير موقفهما من جميع تلك المليشيات بعد أن قسمت ظهر المعارضة ؟ حيث راحت تطالب بإخراجهم . ألم تكن مخابراتهم تراهم ؟ أم أنها أغمضت عينها عنهم ليقوموا بالنيابة عنها بسحق المعارضة الناشزة ؟أليس في ذلك ما يشير إلى أن المعارضة كانت تشكل مصدر الخطرالأكبرعليهما ,وليس النظام وأعوانه ؟ ألا يشير ذلك إلى أن كل هذه المليشيات نفذت بوعي أو بدون وعي ماتريده أمريكا وإسرائيل ؟.وبعد أن نفذوا مهمتهم كان عليهم أن يخرجوا .لكن إن حصل ذلك فورا فسوف يشكل فضيحة للطرفين لذا كان لابد أن تحصل ممانعة بطريقة ما .
النقلة الثالثة :
بعد أن كادت المعارضة المسلحة في أب من عام 2015 تحتل كل المنطقة الشمالية من سوريا (حلب ومنبج وإدلب وسهل الغاب وريف حماه الشمالي وريف اللاذقية حتى هددت القرداحة بلد الرئيس ) عندها استشعرت أمريكا خطر انهيار النظام دون ضمانة البديل المناسب . وبما أنها لايمكن أن تتدخل لاهي ولاتركيا مباشرة لحمايتة , كي لاتحرقه وتحرق نفسها سياسيا ,وجدت في الأطماع الروسية (في أن يكون لها موطئ قدم في سوريا وعلى شواطئ المتوسط ) ما يتيح لها التوافق معها واستخدامها لسحق المعارضة كما فعلت إيران ومليشياتها ,وبعد ذلك ستطلب منها الخروج . فاعطتها (في أيلول 2015 ) الضوء الأخضر لتنوب عنها في إلحاق الهزيمة بالمعارضة السورية الناشزة , وترويض المعتدلة ,وهكذا تواجدت في حميميم وطرطوس بل وراحت تتوسع أكثر . مع غض الطرف أو التشجيع الذي اتضح من خلال التنسيق شبه اليومي بين لافروف وكيري ,بالرغم من أن أمريكا كانت تزعم أن روسيا منافسة لها على المستوى الدولي والإقليمي إلا أنها غضت الطرف عن احتلالها وتوسعها في أغلب المنطقة الغربية من سوريا وعلى إدخالها مزيدمن القوات البرية ومن ثم للتوسع جنوبا وشرقا . واتضح هذا أكثر بسبب تغاضيها عن أعمال روسيا الإجرامية ,ما شجع طيرانها وقوات النظام والمليشيات على ارتكاب أبشع الجرائم أثناء قصفهما للمدن وخاصة تجمعات المدنيين العزل في الأسواق وعلى الأفران ومن ثم في حصارهم وتجويعهم ,ومن ثم في تهجيرهم . ومن ثم لاستخدام الكيماوي (الخط الأحمر المزعوم أكثر من مئة مرة )ضدهم وهذا ماأدى إلى زيادة كراهية الشعب لها . وهذا ماأتاح لروسيا استخدام وتجريب أسلحة روسية جديدة وفتاكة مكنتها من تدمير كثير من البلدات وتهجيرسكانها مع غض الطرف من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي وممن كانوا يسمون أنفسهم "أصدقاء الشعب السوري ,عما كانت تقوم به روسيا , دون أن ننسى الغطاء الذي قدمته الأمم المتحدة وديمستورا في الإشراف على تهجير المدنيين . (تلك العمليات التي يندى لها جبين الإنسانية وتطيح بكل المزاعم الأمريكية والأوربية والأممية ومنظمات حقوق الإنسان حول حمايتها للمدنيين أو دفاعها عن حقوقهم ) .وبما أن إسرائيل تعرف أن روسيا لايمكن أن تشكل خطرا عليها ,إلا أن هذا كان يختلف عن موقف العسكريين الأمريكيين الذين لايمكن أن يثقوا بالعسكريين الروس الذين قد يتمسكون بالأرض . لذا كان لابد من التواجد مثلهم على الأرض السورية .
الخطوة الرابعة :
وهكذا وجدت أمريكا في المعارضين الأكراد بديلا (صيدا ) مناسبا يمكن أن يتعاون معها حتى لو كان لايتوافق مع حليفتها في الأطلسي (تركيا ) .بما يشير إلى أن المهم بالنسبة لها هو أن تحول دون سيطرة المعارضة وفي ذات الوقت دون تحقيق نصرللنظام حاسم,كي لا تفلت الأمور من يدها وتبقى تحت السيطرة مع إبقاء روسيا تحت التهديد الدائم من المعارضة ومن قواتها الموجودة على الأرض .وهكذا وجدت في ما تسمى وحدات حماية الشعب الكردي بزعامة الحزب الديمقراطي الكردي وزعيمه "صالح مسلم "على الرغم من أنه يزعم أنه ثوري ومعارض للغرب ضالتها المنشودة.
وهنا لابد من أن نشير إلى أن هذا الحزب مع أنه كان يزعم معارضته للنظام إلا أنه كان معارضا أكثر لسياسة المعارضة السورية حتى المعتدلة ,ولكل من المجلس الوطني وللإئتلاف السوري ,وكان ومازال يرفض محاربة النظام , بل كان ومازال يطالب فقط بحقوق قومية للأقليات خاصة الأكراد ,ويسعى للتعاون معه للحصول فقط على حكم ذاتي أوإدارة ذاتية .لهذا وجدت فيه أمريكا حليفا مناسبا أكثر من المعارضة السورية التي تسعى إلى تغييروإسقاط النظام , دون أن تقدم ضمانات لحماية إسرائيل مستقبلا .فتعاونت معه ( عام 2016 ) على تحرير "كوباني " ثم راحت تقدم له الدعم ليتوسع جنوبا نحومنبج .ولما أيقنت أنه يأتمر بأوامرها ويشكل حماية جيدة لقواتها .أقامت في القامشلي (مطارات عسكرية ) ومن ثم راحت تدخل الدبابات والمستشارين العسكريين والسياسيين والمخابرات . ثم شكلت ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية ( قسد ) وهي مجموعة متنوعة من الكرد والسريان والآشوريين والشوايا وبعض العشائر العربية المضطهدة , والتي يجمعها أمر واحد ـ عدم مقاتلة النظام والإكتفاء بالحصول على حقوق ثقافية وإدارية .ثم راحت تقدم لها مزيد من الدعم لتحرير المناطق التي كانت داعش تحتلها ولايقدر النظام على تحريرها فتعاونوا معا على تحريرها ليتخذوا منها لاحقا مايمكنهم من مساومة النظام عليها .
ولما لم تجد أمريكا وقسد معارضة جدية من النظام أو من روسيا , راحت تتوسع جنوبا وشرقا وصولا إلى البوكمال فجعلت حوالي 30% من الأراضي السورية ـ خاصة الغنية بالنفط والغاز ـ تحت حمايتها لتساومها عليها لاحقا . وهذا مااتضح من خلال عدة لقاءات في دمشق بين قادة قسد ( مجلس سوريا الديمقراطية ) وقادة النظام , فلولم تكن أمريكا راغبة بذلك لما حصل ذلك اللقاء والتفاهم .وهذا ما يجعلنا نفترض جدلا أن المعارضة السورية لو قبلت التحالف مع أمريكا ووافقت على شروطها كما فعلت قسد لظلت محتفظة بالشمال السوري كله.لكنها لم تفعل ذلك , ولم يكن بمقدرها فعل ذلك كيلا تسقط .ولعل هذا ماجعل بعض أطراف المعارضة الأخرى بتفاهم مع السعودية وبدعم من تركيا بعد أن أدركت هذه الحقيقة , تتقبل التخلي عن فكرة اسقاط النظام ورحيل الأسد .وتكتفي بما تطلبه الإدارة الأمريكية منه (تحسين أو تعديل سلوكه فقط ) لتحصل على مايمكن أن تحصل عليه من خلال تعديل الدستور.متخذة من إدلب والتفاهم التركي الروسي ما يمكنها من الاحتفاظ بمناطق واسعة في إدلب لتساوم النظام عليها كما فعلت قسد.ولعل هذا ماجعل المعارضة السورية الجذرية تستقيل وتتنحى جانبا .
فتحي علي رشيد
8/ 12 / 2018
#فتحي_علي_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟