|
صعود الطبقة الوسطى وهبوطها / الجزء الاول
مظهر محمد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 6071 - 2018 / 12 / 2 - 21:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صعود الطبقة الوسطى وهبوطها مظهر محمد صالح/الجزء الاول ١مقدمة على الرغم من ان تاريخ الطبقة الوسطى في العراق ينتمي الى ولادة الدولة العراقية عام 1921 وانها تدين في نشأتها الى انتشار المدارس النظامية والمعاهد العالية وتطور الصحافة ونمو الجمعيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتحاق المتخرجين بالوظائف العامة، فضلاً عن استبدال طبقة (الافندية) ذات الثقافة العثمانية بشيوخ العشائر وملاك الاراضي (وشبه) الاقطاعيين والتي جاءت بفعل عوامل خارجية وعوامل داخلية، يذكرها الكاتب صلاح حسن الموسوي في دراسته الموسومة (دور الطبقة الوسطى في العراق) المنشورة في (صوت اليسار العراقي 2009)، وهما: شخصية الملك فيصل الاول وتغير منطق السياسة الدولية بعد الحرب العالمية الاولى، ونجاح الثورة البلشفية في روسيا وتاثيراتها على الشرق والمبادئ الاربعة عشر للرئيس الامريكي نيلسون التي اعلنها في خطابه امام الكونغرس في 18 كانون الثاني 1918 والتي ركزت على اعادة بناء السِلم والامن الدوليين وجاء من بينها تركيزه على اهمية إعطاء الشعوب غير التركية حق تقرير المصير وتوفير حرية الملاحة ومرور البضائع، وما سوى ذلك. هذه العوامل جميعها، كما يقول الموسوي، غذت نشوء الطبقة الوسطى التي اتحد بزوغها مع تعاظم التعليم ونشوء البرجوازية الوطنية (السوق الوطنية) التجارية والصناعية التي كان مطلبها الاساس هو الاشتراك في السلطة وعدم اقتصاره على ابناء الطبقة الاقطاعية المتمثلة بشيوخ العشائر والشريفيين من العسكر وابناء العائلات الثرية ممن تلقى تعليمه في الاستانة او الغرب. كان التحول نحو نظام السوق كما يقول المفكر الراحل حنا بطاطو في تحليله للطبقات الاجتماعية في العراق، جاء بسبب تركز الاراضي بيد عدد محدود من شبه الاقطاعيين الاثرياء ليقوموا بتأدية وظيفة أخرى هي حفظ النظام، مما سبب انهيار نظام الاكتفاء الذاتي لجموع الفلاحين بسبب شدة الاستغلال وحصول هجرة واسعة من أرياف العراق الى مدنها وتعرض المجتمع الزراعي الى افتقار بشري شديد ليصب في مصلحة المدن والعمل في قطاع الخدمات والانصهار بالطبقة الوسطى تدريجيا، بل العمل على نشأتها. من اللافت ان بطاطو في موسوعته في دراسة المجتمع العراقي الحديث افلح بمنهجيته التي جاءت مزيجاً من الفيبرية والماركسية كما يقول استاذ الاجتماع ابراهيم الحيدري في مقاله الموسوم (حنا بطاطو وتحليل الطبقات الاجتماعية في العراق)، إذ يستنتج الحيدري ما يأتي: بالاضافة الى هرمية الثروة [. . .] فهناك هرمية دينية وهرمية عشائرية وطائفية الى جانب هرمية السلطة والمكانة الاجتماعية، إذ شّكل مُلاك الاراضي في بداية الدولة الحديثة (طبقة بذاتها)، ولكنهم تحولوا في اربعينيات القرن الماضي وخمسينياته الى (طبقة لذاتها) واخذت تدعو لنفسها سياسياً ازاء ظهور الطبقة الوسطى التي اْخذت تنشأ وتنمو وتنشط مع تزايد سكان المدن وارتفاع القاطنين في بغداد الى اربع مرات بين العام 1922 وحتى العام 1957 خصوصاً بعد تحلل العشيرة الاقطاعي وتدفق الريع النفطي الذي اسهم في تفكك الهرمية الريفية، والتحول نحو اقتصاد السوق التجاري والصناعي واندماج الزراعة تدريجياً بقوة الاسواق المتنامية في المدن والحواضر، كما ان انتشار التعليم والصحة والطرق والمواصلات ساعدت على ولادة قوة اجتماعية جديدة هي الانتلجنسيا او المثقفين التي تطورت لديها عوامل إيديولوجية كالروح القومية او الارتباط بالشعور الاممي او الديني، فضلاً عن توافر قدرة منظمة في التعبير عن آرائها، مما ساعد على صعود الطبقة الوسطى وفقدان الطبقة النافذة (من مُلاك الاراضي والاقطاعيين وغيرهم) مواقعها لمصلحة الطبقة الوسطى. ومن هذا يُستدل أن الاهمية الاساسية للطبقة الوسطى ودورها التاريخي يأتي من كونها طبقة انتقالية تلتئم فيها مصالح فئوية او طبقية مختلفة، وان دورها التاريخي كما يقول استاذ الاجتماع لطفي حاتم في دراسته الموسومة (الطبقة الوسطى ودورها في خراب الدولة العراقية)، منوهاً بأن دور الطبقة الوسطى التاريخي في العراق اكتسب اهميته بسبب غياب الدور الفاعل للطبقتين البورجوازية والطبقة العاملة، فضلاً عن ضعف الفاعلية السياسية للطبقة العمالية الناتج عن مواقعها الاقتصادية الضعيفة بسبب نموها وتطورها في قطاع الخدمات.ويرى حاتم أن اشتراط نمو راس المال البريطاني وتوسعه تطلب توافر دولة بكونها الرافعة السياسية والاجتماعية القادرة على حماية المصالح البريطانية. ولم يغفل حاتم آليات نمو الطبقة الوسطى التي لخصها بموظفي الدولة من النخب المتعلمة وولوج اجهزتها الفنية والقانونية والعسكرية والادارية والامنية وغيرها، وكذلك نمو الانتاج السلعي ودور الشغيلة والحرفيين في الاندماج بنظام السوق والانتماء الى الطبقة الوسطى بكونها قاعدة اجتماعية عريضة آزرتها قوى الريف من صغار الملاك الزراعيين مما جعل أرياف العراق قوة مضافة الى الطبقة الوسطى وتوسيع قاعدتها. إن تعدد المصادر الاجتماعية للطبقة الوسطى وتحملها ارث القيم العشائرية والثقافات المتباينة التي ولدتها الحرب الباردة، أدى الى عجز الطبقة الوسطى عن بناء نفسها في قوة سياسية قائدة تشكل مرجعية موحدة بسبب الانقسام الثقافي الذي زرع بذور تفتتها وانقسامها بين تيارات قومية/ دينية وتيارات علمانية/ اشتراكية. وعلى الرغم من ذلك، استطاعت الطبقة الوسطى ان تجتمع على هدف واحد سام هو محاربة تبعية البلاد الى الاحلاف الاستعمارية وانضوت تحت زعامة تنظيم الضباط الاحرار المحكوم بالهيراركية العسكرية والروح الانقلابية الثورية لتفجر الثورة في تموز 1958 واسقاط الملكية وبناء النظام السياسي الجمهوري (يُنظَر: لطفي حاتم، المؤسسة العسكرية وتحولات فكرها السياسي، الحوار المتمدن، آب 2013 ).
#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشمول المالي والتنمية المستدامة
-
الركود الأقتصادي في العراق 2014-2016:رؤية تحليلية/الجزء الثا
...
-
الركود الاقتصادي في العراق2014-2016 : رؤية تحليلية/الجزء الا
...
-
انخفضت اسعار النفط (مداخلة الدكتور مظهر محمد صالح)
-
مابعد الامبريالية: الانهيار الاقتصادي القادم...!
-
الاقتصاد في الميزان
-
التاريخ المالي للعراق :الدورة المستندية لعائدات النفط/الجزء
...
-
التاريخ المالي للعراق :الدورة المستندية لعائدات النفط/الجزء
...
-
صنع في العراق ..!
-
العشب الاخضر
-
أسرار التجارة
-
الاعمار الغازية..!
-
الرابحون يستحوذون على السوق كله...!
-
مفارقة ليونتيف..!
-
الماركنتالية المالية : إشكالية الاضداد الاقتصادية الدولية
-
بين بكين وشنغهاي : قطار يتخلق ويشبه الأكتساح.
-
العراق ومنظمة التجارة العالمية:تقييم الكلفة الفرصية للانضمام
...
-
دراما الشرق: جلال امين في التنمية والازدواجية الاجتم
...
-
المعادل العام للقيم: الدولار انموذجاً
-
الحرب الباردة الجديدة: حرب تنويع العملة الصينية...!
المزيد.....
-
موزة ملصقة على حائط.. تُحقّق 6.24 مليون دولار في مزاد
-
تقارير عن معارك عنيفة بجنوب لبنان.. ومصدر أمني ينفي وجود قاد
...
-
قوات كييف تعترف بخسارة أكثر من 40% من الأراضي التي احتلتها ف
...
-
إسرائيل تهاجم يوتيوبر مصري شهير وتوجه له اتهامات خطيرة.. وال
...
-
بوليتيكو: الصين تتجاوز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في
...
-
وسائل إعلام عبرية: اختفاء إسرائيلي في الإمارات والموساد يشار
...
-
غرابة الزمن وتآكل الذاكرة في أعمال عبد الله السعدي
-
فوائده كثيرة .. ابدأ يومك بشرب الماء الدافئ!
-
الناطق باسم -القسام- أبو عبيدة يعلن مقتل إحدى الأسيرات الإسر
...
-
-تحليق مسيرة ولحظة سقوط صواريخ-.. حزب الله يعرض مشاهد استهدا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|