أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عطا درغام - مقاومة دودة القطن في القرية زمان















المزيد.....

مقاومة دودة القطن في القرية زمان


عطا درغام

الحوار المتمدن-العدد: 6067 - 2018 / 11 / 28 - 06:44
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


دودة المقاومة
فور انتهاء الدراسة يتم الإعلان عن بدء العمل بمقاومة الدودة في حقول القطن بالقرية، وبعدها تتحول القرية إلي خلية نحل بشرية في السابعة من صباح كل يوم يذهب الأطفال إلي الحقول للعمل بفرق مقاومة دودة القطن........كانت تشغل أكثر من 50% من تلاميذ المدارس في القرية.
تحتوي كل منطقة علي عدد من الفرق علي رأس كل فرقة خولي يتولي الإشراف علي الفرقة ، ويشرف علي الفرق ملاحظ مسئول عن الإشراف علي هذه الفرق، ويتفاوت عدد كل فرقة حسب المعاملة الحسنة التي يلقاها الأنفار من الخولي وحبهم له.
يبدأ العمل في الثامنة من صباح اليوم مع قيام الملاحظ بتوزيع مناطق العمل علي كل خولي مسئول يتولي شرخة كاملة( مجموعة من الفدادين)، ثم يقوم الخولي بتسجيل أسماء الأنفار ، وبعدها يتم تقفيل الصفحة منعًا للتزوير وإضافة أسماء خلال اليوم.
يُقسم الخولي العمال إلي قسمين: الأنفار ،وهم الذين يقومون بتقليب أعودا القطن للبحث عن اللطع والعلامات التي عليها بيض فراشات القطن، والمجموعة الأخري يُطلق عليهم (فرارون )وهم المقربون وأصحاب الحظوة عند الخولي ، ويتم اختيارهم للمراجعة والمتابعة خلف الأنفار.
كان هذا الاختيار غير العادل في بعض الأحيان يشكل غيرة عند الانفار، فكان يتم الانتقام من الفرارين بإخفاء العلامة عن أعينهم بين أوراق القطن ، ثم ينتظر من قام بإخفائها حتي تمر عليه ولا يكتشفها ؛ فيسرع من أخفاها ليفضح الفرارين أمام الأنفار وأنهم غير جديرين بثقة الخولي، فيتم تبديلهم بغيرهم وأحيانًا يتم عقابهم بالعصا، ويعودون بين الأنفار يجرون أذيال الخيبة ويصبون لعناتهم علي من تسبب في الإيقاع بهم.
كل فرد من الأنفار كان يقف علي رأس خط من خطوط القطن الخضراء، ويسير منحني الظهر، ويقلب في تلك الأعواد للبحث عن اللطعة او العلامة، ويا فرحته من يعثر علي واحدة فيتيه فخرًا بصوت عال): وعلااااااااااااااامة)، ويضعها في الكيس القماش الذي يضعه حول وسطه. وإذا وجد آخر علامة فيرد عليه التحية) وعلامة وعلامة)، ويرد آخر وغيره....إلخ. وفي بداية دورة الدودة كان الخولي يحث الأنفار بالمكافأة لمن يعثر علي علامة بمنحه دقائق يستريح فيها قليلًا من مشقة العمل.
وعندما يصل الأنفار إلي الحمالة( مجري عرضي يقطع الخطوط الطولية وعن طريقه يتم توزيع المياه علي باقي المجاري المنتشرة حول الخطوط لتوزيع المياه عليها)يستريح الأنفار قليلًا ليلتقطوا فيها الأنفاس بعد السير مسافة قد تطول وتقصر حسب امتداد الخط ، وهكذا حتي الوصول إلي حمالة أخري وهكذا، للوصول إلي نهاية الخط ثم ينطلقون إلي خطوط أخري.
وعندما يعثر أحد الأنفار علي أعواد قطن مصابة( كانت تسمي الفانوس)، ينادي النفر علي الفرار : ( فانوس) ، فيسرع إليه ليتعامل مع الفانوس بطريقته الخاصة، يقطع فيها أوراق القطن المصابة ويفركها بيديه ثم يدفنها في ( الشرب بكسر الشين) ويترك الشجرة تمامًا بلا أوراق حتي لا تنتقل العدودي إلي أوراق القطن المجاورة.
رغم التعب والمعاناة اليومية ، كان الأنفار كعادة المصريين في كل ربوع المحروسة يقابلون هذه المعاناة بالغناء العذب الذي ينتشر عبر الحقول .كانت الأغاني أحيانًا عن القطن من قبيل:( القطن لوز يا حكومة عاوزين نتجوز ياحكومة- القطن نور يا حكومة عاوزين نتصور يا حكومة) تعبيرًا عن أهمية هذا المحصول في حياة المصريين، وكذا بعض الأغاني الفلكلورية التي انتشرت في الريف المصري ونسجها العقل الجمعي في الريف المصري وانتشرت قبل ظهور الإذاعة وووسائل الاتصالات الحديثة بشكلها الحالي، ومن:( يا شومال(شومان) ياراعي الغنم ويؤديعا شخص ويقوم بقية الانفار بدور الكورال كمرددين خلفه- ويا جاموسة حلي الطوق- ويا طالع الشجرة هات لي معاك بقرة تحلب وتسقيني بالمعلقة الصيني..) وغيرها من فلكلوريات الريف المصري التي تعبر عن أفراح وآلام المصريين .
ينتظر الأنفار الساعة العاشرة بفارغ الصبر؛ ليلتقطوا فيها الأنفاس ويستريحوا من عناء ومشقة الساعات التي تقوست فيها أظهرهم عساها تستقيم خلال الفترة البسيطة الممنوحهة لهم.تمتليء فيها الجسور بالأنفار والطرق الزراعية بين الأراضي ،فيهب هؤلاء بوضع لقيمات صغيرة تسد جوعهم لحين وقت الظهيرة.وفجأة يصرخ الخولي في الأنفار للنهوض للعمل وسط توسلات الأنفار لمد وقت الاستراحة .
كان الخولي يخشي القدوم المفاجيء للمهندسين الزراعيين الذين كانوا يتابعون العمل في مقاومة الدودة والكشف علي الدفتر ومتابعة رصد الأسماء ومطابقتها بالأنفار، وإذا وجدواتقصيرًا كانت الخصومات تنهال علي الخولي والملاحظ للتقصير في العمل، وبالتالي ينعكس ذلك علي الأنفار الذين كانت تنصب عليهم اللعنات وأحيانًا عصا الخولي.
ومما هو جدير بالذكرأن معاملة الخولي كانت تنعكس بدورها علي الأنفار، ونتيجة لذلك كانت تتفاوت الأعداد من خولي إلي آخرحسب معاملته الطيبة للأنفار. وهذا التفاوت كان يخلق بعض المشكلات بين خولي وآخر. ومما يذكر أن أحدهم أشبع شقيقيه( أحدهما توفاه الله) علقة ساخنة لأنهما تركاه وانتقلا إلي خولي آخر، وأجبرهما علي الرحوع لفرقته مرة أخري.
تنتهي الفترة الأولي من العمل في الثانية عشرة ، يستريح فيها الأنفار ساعتين . وتبدأ الفترة الثانية من الساعة الثانية حتي السادسة من نفس اليوم.. وقد تم استبدال هذا النظام بنظام آخر من الثامنة حتي الثانية ظهرا ، ثم العودة للنظام القديم. وفي نهاية اليوم كان يتم تجميع اوراق الفرق تحت مسمي( شليش) ويتم إرسالها إلي الجمعية التعاونية.
أسعد يوم عند أنفار مقاومة دودة القطن هو يوم صرف الأجور( يوم القبض) وذلك عندما يأتي الصراف لصرف الأجور ؛ فينتشر الخبر بسرعة البرق ( قبل ظهور الموبايلات) وتجد فرحة الأنفار والأغاني بصوت عال متناسين فيها التعب والمشقة ؛ لأنهم سيمسكون في أيديهم نقودًا ورقية.
كانت تقدر قيمة اليوم بعشرة قروش، ويتم تجميع الأيام حتي عشرة أيام وتسمي عند صراف الجمعية ( مدة)، ومن يتم استكمال هذه المدة كان يحصل علي جنيه كاملًا( كانت قيمته عالية جدًا في ذلك الوقت قياسا بقيمته هذه الأيام التي لا تساوي مليمًا)

وفي نهاية اليوم، رغم التعب الذي حل بالأنفار إلا أن بعضهم لم يستسلم لهذا التعب، ويذهبون إلي الملعب التحتاني في نهاية غيط الضبايعة للعب الكرة، وكان يتم التحدي بين الفرق وبعضها في مباريات حتي حلول الظلام.
وفي نهاية عدد من المدد يتم إبلاغ الجمعية الزراعية بموعد مرور طائرة الرش، فكان يتم تجهيز الرايات البيضاء ووضعها في أماكن معينة كعلامات للطائرة، وكانت تحلق علي ارتفاع منخفض من الأراضي..وتُعطي التعليمات لحراس الرايات بالانبطاح أرضا عند مرور الطائرة وسد الفم وكتم النفس قليلا وإعلاق العين حتي لا يتسرب السم إليهم.
وترجع بنا الذاكرة إلي الوراء لنستعيد فيها ذكريات من زمان فات في القرية لم يعشه أبناء هذا الجيل .لو سالت أباك...؟....شقيقك الكبير ..أو من عاصر تلك الفترة أو كان ضمن فرق الدودة ؛ لقص عليك الكثير والكثير عن ذكرياته في الدودة ، ومن كان يتولي الإشراف علي فرقته.
وقد يصادف من يقرأ هذا الموضوع ممن كان خوليًا ويتذكر أيامه الجميلة وذكرياته الغالية في عمله بهذه المهنة كجزء لا يتجزأ من تاريخه،فتجد من كان خوليا وأصبح الآن في مركز مرموق ودرجة رفيعة ..تجد منهم الآن( لواء الشرطة- أستاذ الجامعة- المهندس المدني- المهندس الزراعي- المحامي- مأمور الضرائب- الطبيب- الموظف...إلخ) كفترة من حياته عمل فيها خوليًا تعبر عن كفاحه واعتماده علي ذاته في فترة صعبة مرت بها القرية.



#عطا_درغام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شارل أزنافور..... قيثارة الغناء الفرنسي
- لغز الطعايمة
- حكاية الطليعة الوفدية
- تراث القاهرة العلمي والفني في العصر الإسلامي
- حقائق وأساطير تروي عن الطعايمة
- أحن إلي خبز أمي
- الإيرانيون في مصر
- الصحافة الإليكترونية
- المدنية
- حقائق وأساطير تُروي عن الطعايمة
- أمريكا والصهيونية
- حكاية الخبز في مصر الحديثة
- الأعمدة السبعة للشخصية المصرية
- حكاية محمود سامي البارودي
- إيران: الحرب والنساء
- سفر التقتيل : المذابح الصهيونية ضد العرب(1920-2006)
- عادات الزواج في بلاد النوبة
- الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية
- التحرر الوطني : القضية المصرية في المرحلة الأخيرة
- مصر في الأساطير العربية


المزيد.....




- فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN ...
- فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا ...
- لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو ...
- المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و ...
- الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية ...
- أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر ...
- -هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت ...
- رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا ...
- يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن 
- نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عطا درغام - مقاومة دودة القطن في القرية زمان