خضر وشدها

غازي صابر

الحوار المتمدن-العدد: 6060 - 2018 / 11 / 21 - 08:56
المحور: الادب والفن
    

زمن الفتوة عشت احداث وشاهدت نكبات وضحكت مرة وبكيت اخرى ولكني لم اعرف لماذا حدث هذا حتى كبرت وبدأت احلل ما حدث ...
زمن النظام العارفي الأول والثاني كانت الحكومة مربكة بين الإستمرار بالنظام الجمهوري والذي بدأه عبد الكريم بجملة من القوانين والنظم الحديثة حيث حول العراق الى النظام الجمهوري أو العودة للنظام الملكي .
كنا نسكن عرصة يعني مجموعة من الدور السكنية قرب باب المعظم في بغداد وهي أبنية نظامية لكنها بين الصرائف التي تحيط ببغداد وبين القصور والدور المنتشرة في بغداد .
كانت مساكننا نصفها من الطين والنصف الأخر من الطابوق وكان يقابل حينا هذا والذي يسمونه بالخان بستان عامراً بالنخيل وتحته أشجار البرتقال والرارنج ويفصل بينهما مساحة كبيرة نصفها درب لمرور المشاة ونصفها الأخر مياه اسنة هي التي يرميها سكنة الحي والتي تلاصق البستان المممتد بطول الحي .
خضر شاب أمي لكنه يعرف السياقة ومرة يعمل على سيارات التاكسي ومرة على باص خشبي للنقل بين باب المعظم والكاظمية وبعض الأيام يبقى بلا عمل لكنه كان كل خميس ليلة جمعة يتناول مشروبه المفضل بعد المساء ربع عرق مستكي وأحيانا يوم الأثنين أيضاً .
كان البيت الذي يسكنه مع زوجته وولديه يقابل البستان ولا يفصل بينهما الا مستنقع المياه الأسنة الصغير وفيه صفائح وعلب نحاسية وبلاستيكية تخلص منها أهل الحي وهي تتوسط المستنقع وكأنها صخور ملونه فيه .
عندما تكون ظروف خضر طبيعية وهو يعمل كل يوم يتناول شرابه ليلة الجمعة بوداعة وزوجته تحضر له مزته وبعد تناول عشائه يرقد للنوم وعندما لايجد عمل فأنه كثيرا ما يشرب أكثر من عادته ويخرج الى المستنقع ينظر اليه وهو يترنح ويطيل النظرثم يتبول عليه وبعدها يدخل فيه حتى المنتصف ويجلس ويبدأ بتناول الماء الأسن والطين وما فيه ويرميه على رأسه وهو ينادي بأعلى صوته :
شدها تعالي ما أعذب هذا الماء ... أفيش ... شدها أين أنت ..
أحيانا تأتي زوجته شدها قبل الأخرين وتخرجه من المستنقع وأحيانا يذهب الصبيان أو الفتية اليها ويخبروها بحالة زوجها .
خضر كان يتألم للبطالة ولحالته وعائلته البائسة ولا أدري ربما كان يتخاصم مع زوجته وتسخن أعصابه فيبحث عن مستنقع الحي لعله يطفيئ نيرانه .
ترى اليوم كم خضر يعاني وكم مستنقع في مساحات العراق وكم شدها تعيسة وهي تحاول مساعدة الزوج الجريح وتطبيب جراحاته ...

#غازي_صابر (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات