|
3- التربية والأخلاق عند اخوان الصفا ج 2
سعد سوسه
الحوار المتمدن-العدد: 6056 - 2018 / 11 / 17 - 07:55
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
3- الأخــــــــــــلاق تناول إخوان الصفاء مواضيع عديدة في الأخلاق وهي تعبر عن مدى اهتمامهم بهذا العلم 0 ومن أبرز المواضيع التي تكلم عنها الإخوان بعد تأكيدهم تهذيب النفس ، موضوع اختلاف الأخلاق بين الناس ، إذا ارجعوا أسباب هذه الاختلافات الى أربعة أسباب وهي :- أ. من جهة اختلاف أخلاط أجسادهم ومزاجها 0 ب. من جهة تربة بلدانهم واختلاف أهويتها 0 ج. من جهة نشوئهم على ديانات آبائهم ومعلميهم وأستاذيهم ومن يربيهم ويؤدبهم 0 د. من جهة موجبات أحكام النجوم في أصل مواليدهم ومساقط نطفهم ، وهي أصل الأسباب وباقيها فروع لها ، نلاحظ أن الإخوان يذهبون مذهباً معتدلاً متوازناً في سبب أخلاق الإنسان وسيرته ، فمنهم من يعطون للطبع أهمية معينة أو بعبارة أخرى للوراثة ، وذلك عندما يعطون لأخلاط الأجساد أهمية وكذلك عندما يذهبون الى أثر النجوم في التحكم بالجنين في بطن أمه شهراً بعد شهر ، نراهم لا ينسون الأثر الاجتماعي أو البيئة الاجتماعية في التربية ، فهم يعطون أهمية للبيئة وما تحويه من تربة وهل هي جبلية أو سهلية ، وعن أثر الهواء هل هو جاف أو رطب ، وربما يقصدون هنا إذا كان البلد صحراوياً أم بحرياً ، إذا وقع في سهل تكثر فيه الأشجار أو أنه بلد جبلي قاسٍ إذ لا شك أنه يؤثر في تنشئتة وأخلاقية الفرد ، فضلاً عن أثر التربية وما يجده الفرد من دين وعلوم وآداب عند آبائه يجد نفسه ملزماً بالسير على خطاهم ، كذلك الأثر الكبير للأستاذ والمربي على الفرد ، فالإخوان يمزجون بين الوراثة والبيئة في الإنسان من حيث اكتساب الأخلاق والسير على هديها فأما عن السبب الأول ، يرى الإخوان أن أخلاط الجسد لا شك تؤثر في الإنسان طوال حياته ، ولذا فإن الإخوان يعطون صفات مميزة لكل صنف من الناس ممن تختلف أخلاط جسمه عن الآخر 0 فمحروري الطباع من الناس ولا سيما مزاج القلب يكونون على أكثر الأمر شجعان القلوب ، أسخياء النفوس ، متهورين في الأمور المخوفة ، قليلي الثبات والتأني في الأمور ، مستعجلي الحركة شديدي الغضب ، سريعي المراجعة ، قليلي الحقد ، أذكياء النفوس ، حادي الخاطر ، جيدي التصور 0 أما المبرودين في أكثر الأحوال فيكونون بليدي الذهن ، غليظي الطباع ، ثقيلي الأرواح ، غير نضجي الأخلاق 0 أما المرطوبون فيكونون في أكثر الأمر ذوي طباع بليدة وقلة ثبات في الأمور ، ليني الجانب ، سمحاء النفوس ، طيبي الأخلاق ، سهلي القبول ، سريعي النسيان ، مع كثرة تهور في الأمور الطبيعية 0 أما ما يخص يابسي المزاج ، فيكونون في أكثر الأمور صابرين في الأعمال ، ثابتي الرأي عسري القبول ، الغالب عليهم فضلاً عن الصبر ، الحقد والبخل والإمساك والحفظ 0 أما عن السبب الثاني في اختلاف أخلاق الناس ، فهو اختلاف طبيعة البلدان وأهويتها ، إذ يرى الإخوان ، أن ترب البلدان والمدن والقرى تختلف كما تختلف أهويتها وتتغير من جهات عدة ، فمنها كونها في ناحية الجنوب أو الشمال أو الشرق أو الغرب ، أو على رؤوس الجبال أو في بطون الأودية والأغوار أو على سواحل البحار أو شطوط الأنهار أو في البراري والقفار أو في الأراضي الرملية أو الأراضي السبخة ، فلهذه الترب تأثير في تشكيل أخلاق أبنائها 0 أما عن اختلاف الأهوية ودورها في اختلاف الأخلاق من جهة أخلاط الجسد والأمزجة ، فبينوا أن أهوية البلاد والبقاع تختلف باختلاف تصاريف الرياح وحسب مطالع البروج عليها ومطارح شعاعات الكواكب عليها ، وهذه كلها تؤدي بدورها الى اختلاف الأهوية ، ومن ثم اختلاف أمزجة الأخلاط ، وأن اختلاف هذه الأمزجة يؤدي الى اختلاف أخلاق أهلها وطباعهم وألوانهم ولغتهم وعاداتهم ومذاهبهم وأعمالهم وصنائعهم … الخ فتنفرد كل أمة منها بأشياء معينة من هذه التي تقدم ذكرها بحيث لا يشاركهم فيها قوم آخرون 0 وضرب الإخوان مثال عن ذلك ، أن الذين يولدون في البلاد الحارة ويتربون هناك وينشأون على ذلك الهواء يكون الغالب على باطن أمزجة أبدانهم البرودة ، لأن الحرارة والبرودة هما ضدان لا يجتمعان في حال واحدة وفي موضع واحد ، فعند ظهور أحدهما يستبطن الآخر ويستجن ليكونا موجودين في دائم الأوقات0 أما عن السبب الثالث لاختلاف الأخلاق وهو اختلاف المعتقدات ، فيرى الإخوان أن من الناس من يكون اعتقاده تابعاً لأخلاقه ومنهم بالعكس ، فأما الذي يكون اعتقاده تابعاً لأخلاقه فهو من الناس الذين طبعوا على طبيعية مريخية أو مشترية ، فالمطبوع على طبيعة مريخية كما يرى الإخوان ، تميل نفسه عادة الى الآراء والمذاهب التي يكون فيها التعصب والجدل والخصومات أكثر ، وهكذا من يكون مطبوعاً على طبيعة مشترية ، فأن نفسه تكون مائلة الى الآراء والمذاهب التي فيها الزهد والورع واللين أكثر ، وعلى هذا القياس توجد آراء الناس ومذاهبهم تابعة لأخلاقهم 0 أما الذين تكون أخلاقهم تابعة لاعتقادهم ، فهم الذين إذا اعتقدوا رأياً أو ذهبوا مذهباً وتصوروه وتحققوا به صارت أخلاقهم وسجاياهم مشاكلة لمذهبهم واعتقادهم ، وذلك لأنهم سيصرفون أكثر همهم وعنايتهم في نصرة مذهبهم وتحقيق اعتقادهم 0 أما عن السبب الرابع لاختلاف أخلاق الناس وهو اختلاف موجبات أحكام النجوم ، فيرى الإخوان أن الذين يولدون بالبروج النارية في الأوقات التي يكون المستولي عليها الكواكب النارية مثل المريخ وقلب الأسد وما شاكلة من الكواكب ، فأن الغالب على أمزجة أبدانهم الحرارة وقوة الصفراء ، أما الذين يولدون بالبروج المائية في الوقت الذي يكون المستولي عليها الكواكب المائية ، مثل الزهرة والشعرة اليمانية 0 فأن الغالب على أمزجة أبدانهم الرطوبة والبلغم 0 أما الذين يولدون بالبروج الترابية ، فالغالب على أمزجة أبدانهم كما يرى الإخوان ، اليبوسة والمرة السوداء 0 أما ما يخص الذين يولدون بالبروج الهوائية في الأوقات التي يكون المستولي عليها المشتري وما شابهه من الكواكب السيارة ، فالغالب على أمزجة أبدانهم الدم والاعتدال هذه أهم أسباب اختلاف الناس بالأخلاق ، واتضح لنا بأن السبب الرابع هو الأصل وباقي الأسباب فروع له 0 أما عن أقسام الأخلاق 0 فيرى الإخوان أن الأخلاق بعضها طبيعية مركوزة في الجبلة ، وبعضها نفسانية اختيارية ، وبعضها عقلية فكرية ، وبعضها ناموسية سياسية ومنها فروع تابعة للأصول ، لنبدأ بالأخلاق المركوزة 0 إذ يرى الإخوان أن هذه الأخلاق إنما هي تهيؤ ما في كل عضو من أعضاء الجسد بحيث يسهل على النفس إظهار فعل من الأفعال أو عمل من الأعمال أو تعلم علم من العلوم أو أدب من الآداب أو سياسة من السياسات … الخ من غير فكر ولا روية فالإنسان كما يرى الإخوان أنه متى كان مطبوعاً على الشجاعة ، فأنه يسهل عليه الإقدام على الأمور المخوفة من غير فكر ولا روية ما دام مطبوعاً عليها ، وهكذا الحال فيما يخص بقية الأخلاق والسجايا المطبوعة أو المركوزة في الجبلة ، أما الإنسان المطبوع على الضد من ذلك ، فيحتاج كي يكون شجاعاً على سبيل المثال وحتى يأتي بالأفعال المخالفة لما طبع عليه الى فكر وروية واجتهاد وكلفة ويحتاج الى أمر ونهيي ووعد ووعيد وترهيب وترغيب ، ومن المسائل التي أكدها الإخوان أن أكثر أوامر الناموس ونواهية جاءت ضد ما هو مركوز في الجبلّة ، ولهذا السبب كان وعده ووعيده وترهيبه وترغيبه ، ونود أن نبين معنى قول الإخوان هذا 0 إذ يرون أن الإنسان إذا أمعن النظر بعقله وفكر برويته وتأمل أوامر الناموس ونواهيه وأحكامه وحدوده ووعده ووعيده وترهيبه وترغيبه عندها سيجد أن أكثر أوامر الناموس جاءت بخلاف ما هو مركوز في جبلة الإنسان من تركيب الشهوات وطلب الراحة والنعيم والتلذذ 0 فالناموس أمر بالصيام وترك الأكل والشرب عند شدة الجوع والعطش ، وأمر بالطهارة عند البرد وبالقيام للصلاة وفي الصلاة وترك النوم على الفرش الوطيئ ، وأمر بالمواساة عند القلة وشدة الحاجة ، وبالتعفف عند هيجان الشهوة ، وبالحلم عند الغضب ، وبالشجاعة عند المخاوف ، وبالعفو عند المقدرة ، وأمر أيضاً بالعدل عند القضاء ، وبالصبر عند الشدائد ، وبحسن العزاء عند المصائب ، وصدق القول عند شدة الخوف منه وأمر أيضاً بالسخاء عند شدة الفقر والزهد في الدنيا …الخ من الأعمال والأخلاق والسجايا التي في الجبلة خلافها وفي الطباع مركوزة غيرها 0 وأضاف الإخوان الى ما ذكروه قائلين ( يروى في الخبر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن معنى قوله تعالى (( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ )) فقال صلى الله عليه وسلم [ جمع في هذه الآية مكارم الأخلاق وهي سبعة ، عفوك عمن ظلمك وإعطاؤك من حرمك ، وصلتك لمن قطعك ، وإحسانك الى من أساء إليك ، ونصيحتك لمن غشك ، واستغفارك لمن اغتابك ، وحلمك عمن أغضبك ] فهذه هي أخلاق الكرام من أولياء الله ) 0أما عن الأخلاق وأيهما أصل وأيها فرع له ، فهذه المسألة تتضح لنا من خلال حديث الإخوان عن أخلاق أهل الدنيا وأهل الآخرة 0 يرى الإخوان أن أخلاق أهل الدنيا وسجاياهم طبيعية مركوزة في الجبلة ، وذلك لأنهم وردوا الى الدنيا جاهلين غير مستعدين لها فأُزيحت عللهم في ذلك 0 أما أبناء الآخرة فأخلاقهم مكتسبة معتادة ، وذلك لأن عللهم أُزيحت قبل ورودهم الى الآخرة ، بما أعلموا بها وأخبروا عنها وبشروا بها وأنذروا منها وسعوا في طلبها وتبين لهم طريقها ، فأُناس كهؤلاء أُزيحت عللهم فيما يحتاجون إليه من البيان والاستطاعة والقدرة والأمر والنهي والوعد والوعيد والترهيب والترغيب وما شابة ذلك مما هو بين في أحكام الناموس وحدوده وفي موجبات العقل وقضاياه والأخلاق المكتسبة قسمان منها ما هي محمودة ومنها ما هي مذمومة 0 فالمحمودة منها ما هي بموجب العقل وقضاياه ، ومنها ما هي بموجب أحكام الناموس وأوامره 0 وهكذا حكم المذمومة منها أي التي تُكسب بخلاف العقل وبخلاف الناموس ، يتضح لنا مما ذكره الإخوان أن الأصل في الأخلاق ، هي الأخلاق المكتسبة بموجب الناموس والعقل وباختيار من الإنسان ، وهذه الأخلاق تمثل أخلاق بني الآخرة 0 ومن المواضيع الأخرى التي تناولها إخوان الصفاء ، في الأخلاق ، موضوع الأخلاق وقوى النفس 0 إذ يرون أن من الأخلاق والقوى ما هي منسوبة الى النفس النباتية الشهوانية ، ومنها ما هي منسوبة الى الحيوانية الغضبية ، ومنها ما هي منسوبة الى النفس الإنسانية الناطقة ، ومنها ما هي منسوبة الى النفس العاقلة الحكمية ، ومنها ما هي منسوبة الى النفس الناموسية الملكية 0 فأما المنسوبة الى الشهوانية من الخصال والقوى أولها شهوة الغذاء ، ومن القوى المختصة بها سبعة قوى أخرى وهي الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والغاذية والنامية والمصورة ، وهذه القوى والخصال مركوزة كلها في الجبلة من غير فكر ولا روية 0 وقد رتبت هذه الأجزاء بمعاونة الطبيعة أفرادها أو نفوسها 0 ودلالة على تأييد الباري ، لها على طلب مشتهياتها والوصول الى منافعها ، والفرار من المضر منها 0 أما القوة الحيوانية فتنسب لها الخصال التي ذكرناها فضلاً عن شهوة الجماع والانتقام والرياسة وأما المنسوبة الى النفس الناطقة المختصة بها زيادة على ما تقدم ذكره فهي شهوة العلوم والمعارف والتبحر والاستكثار منها ، وشهوة الصنائع والحذق بالأعمال ، ومنها شهوة العزة والرفعة والترقي والسعي في طلبها فقد يتحمل الكائن لأجلها المشقة والذل وقد يصيبه الفرح والسرور من وجدانها وعند الوصول إليها وقد يعتري نفسه حزن وغم إذا لم يحققها أو فشل في الوصول إليها فضلاً عن ذلك يرى الإخوان إن هذه النفس خُصت بالعقل الغريزي وخصاله المحمودة وهذه من نعم الله 0أما ما ينسب من الخصال المحمودة الى النفس الملكية فهي شهوة العلوم والمعارف وما أُعينت به على طلبها وإدراكها والوصول إليها من الخصال المركوزة والقوة المجبولة ، كالذهن الصافي والفهم الجيد ، وذكاء النفس ، وصفاء القلب ، وسرعة الخاطر والقدرة على التخيل وجودة التصور ، فضلاً عن الفكر والروية والتأمل والاعتبار والنظر والاستبصار والحفظ والذكاء ومعرفة الأخبار والروايات ، ووضع القياسات واستخراج النتائج منها ، فضلاً عن ذلك فقد أضاف الإخوان لها التكهن والقيافة والفراسة وقبول الوحي والإلهام ورؤية المنامات والإنذار بالكائنات من خلال معرفتها لعلم النجوم والزجر0 أما التي تنسب الى النفس الملكية القدسية ، فهي شهوة القرب الى الله والزلفى لديه وقبول الفيض منه وإفاضة الجود على من دونها على أبناء جنسها 0 هذه جملة الشهوات المركوزة في كل جنس من النفوس ، ولكن التي تعم هذه النفوس من الخصال هي شهوة البقاء على أتم الحالات وأكمل الغايات ، وكراهية الفناء والنقص عن الحال الأفضل والأكمل0 أما سبب حب هذه الموجودات للبقاء وكرهها للفناء كما يرى الإخوان ، فهو أن الباري تعالى لما كان هو علة الموجودات ومبدعها ومخترعها ومبقيها ومتممها ، ومبلغها الى أقصى مدى غايتها وأفضل حالاتها ، وكان جل ثناؤه دائم البقاء لا يعرض له شيء من الفناء ، صار من أجل ذلك في جبلة كل الموجودات حب البقاء وشهوته وكراهية الفناء وبغضه ، لأن في جبلة المعلول توجد بعض صفات العلة دلالةً دائمةً عليها0 ومن المواضيع المهمة التي تناولها إخوان الصفاء عند حديثهم عن الأخلاق ، فكرتي الخير والشر ، والفضيلة والرذيلة ، إذ تعد هذه الأفكار الموضوع الأساس للأخلاق 0 يرى إخوان الصفاء وهذا ما بيناه في حديثنا عن أقسام الأخلاق ، أن أخلاق الإنسان وأفعاله بعضها طبيعية مركوزة في الجبلة ، وبعضها نفسانية اختيارية ، وبعضها عقلية فكرية ، وبعضها ناموسية سياسية وحتى يعطي الإخوان حكماً على خير الأفعال أو شرها ، بينوا بأن الطبيعة خادمة للنفس ومقدمة لها والنفس خادمة للعقل ومقدمة له ، فالطبيعة إذا أصلت خلقاً وركزتة في الجبلة ، جاءت النفس بالاختيار فأظهرته وبينته وبعد ذلك يقوم العقل بالفكر والروية فيتممه ويكمله ، ثم يأتي الناموس بالأمر والنهي فيسويه ويقومه ويعدله ، فمتى ما ظهرت من الطبيعة هذه الشهوات المركوزة في الجبلة ، وكانت على ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي من أجل ما ينبغي سميت خيراً 0 ومتى كانت بخلافه سميت شراً ، فالإنسان متى فعل ذلك العمل باختياره وإرادته على ما ينبغي ، بمقدار ما ينبغي ومن أجل ما ينبغي كان صاحبه محموداً ، ومتى كان بخلافه كان صاحبه مذموماً ، ومتى كان اختياره وإرادته بفكرٍ وروية على ما ينبغي وبمقدار ما ينبغي ومن أجل ما ينبغي ، يكون صاحبة كما يقول الإخوان ، حكيماً فيلسوفاً فاضلاً ، ومتى كان بخلافه سمي صاحبة سفيهاً جاهلاً رذلاً 0 ومتى كان فعل الإنسان وإرادته واختياره وفكره ورويته مأموراً بها ومنهياً عنها وفعل ما ينبغي كما ينبغي على ما ينبغي ، كان صاحبة مثاباً بها ومجازى عليها ، ومتى كان بخلاف ذلك كان مأخوذاً بها ومعاقباً عليها0 ومن المواضيع التي تكلم عنها الإخوان عند حديثهم عن الأخلاق ، موضوع اللذة والألم 0 إذ يرى الإخوان أن جسم الإنسان لما كان مركباً من الأخلاط الأربعة المتضادة الطباع ، الرطوبة واليبوسة والحرارة والبرودة ، ولما كانت هذه كلها في تغير واستحالة ، بين زيادة ونقصان ، فأن هذه الزيادة وهذا النقصان يخرجان المزاج تارة من الاعتدال الى الزيادة في أحد الأخلاط والطباع أو الى النقصان 0 وعلى ذلك فاللذة ، هي رجوع المزاج الى الاعتدال بعد أن كانت خارجة عنه ، أي تخلصها من الألم الذي هو خروج المزاج عن الاعتدال 0 أي أنه ليس هناك لذة إلا بعد أن يتقدمها ألم فالألم سابق على اللذة ، واللذة هي الراحة التي تحس بها النفوس الحيوانية عند زوال الألم 0 وأسباب ذلك كثيرة ، من ذلك مثلاً ماهية لذة الطعام والشراب ، فأن حرارة المعدة بعد أن تهضم الطعام وتفرغ تحس النفس بالألم ، وتطلب الأجساد الغذاء لتعوض وهذا حسب شدة لهيب تلك الحرارة وسكونها تكون لذة الأكل ، والشيء نفسه ينطبق على العطش 0 فأن الحيوان يجد لذة الأكل والشرب الى أن تستوفي الطبيعة حاجتها ، فعند ذلك تزول تلك اللذة وتسكن حتى إذا زيد على مقدار الحاجة صارت اللذة ألماً والأمثلة كثيرة 0 نلاحظ أن الألم هو خروج من الحالة الطبيعية التي هي الاعتدال ، وإذا جاوزت اللذة حدها فإنها تخرج بالجسم من الاعتدال الى الطرف الآخر من الألم وهكذا هي سائر اللذات والآلام الجسمانية سواء كان الجوع أو العطش أو الحر أو البرد أو ما تحسه النفس مثلاً من لذة بالنظر الى محاسن الموجودات أو الاستماع الى الأنغام أو شم الروائح الطيبة ، فكل هذه تكون حسب مشاكلات المزاج الموافقات ، وألمها حسب المخالفات المتضادات فكل محسوس يخرج المزاج من الاعتدال فأن الحاسة تتألم منه وكل محسوس يرجع المزاج الى الاعتدال فالحاسة تلتذ به 0 فالإخوان يرون أن حياة الحيوان تكون بين اللذة والألم ، فمنذ أن اقترنت النفس بالجسد ، فأن الجسد معرض للآفات المفسدة له وليس له القدرة على دفع هذه الأشياء المفسدة له 0 لذلك اقتضت الحكمة الإلهية بأن جعلت الآلام تلحق بالنفس أيضاً ، وبذلك تدفع النفس تلك الأشياء المفسدة وتحفظ الجسد من الآفات المهلكة له ، فلو لم يعرض الألم للنفس لأصبح من السهل فساد الجسد فالإنسان مثلاً لو لم تكن نفسه تحس لكان إذا نام على سبيل المثال واستغرق في نومه ثم مد يده ورجله فدخلتا في نار الى جانبه فاحترقتا ولم يكن يحس بهما حتى ينتبه من نومه ، فإذا هو بلا يد ولا رجل ، ولكن لما كانت النفس تحس بالألم فأنه عند ملاقاة رجله ويده للنار سينتبه من نومه ويخلص جسده من هذه الآفة الخارجية وقد قسم إخوان الصفاء ، اللذات والآلام التي تحفظ الأجساد من التلف الى نوعين جسمانية ، وروحانية 0 أما عن الجسمانية فهي التي تجدها النفس عند الخروج من الألم ، فالنفوس الحيوانية تجد اللذة عند تناول الغذاء ، كذلك النفوس النباتية فلذة الغذاء تحثها على جذب الرطوبات الى أصول النبات والى أعلى فروعها 0 أما اللذات الروحانية التي تجدها النفس بمجردها فهي نوعان ، لذة تجدها النفس وهي مفارقة للجسد ولذة تجدها النفس عندما تكون مقارنة للجسد 0 أما اللذة التي تجدها وهي مفارقة للجسد فهي نوعان ، إحداهما ما يرد عليها من خارج ، وهي نفوس أهل الجنة وما ترى من روح وريحان وتكون بريئة من الأوجاع والآلام والأخرى من ذاتها بوصفها جوهراً روحانياً قد تخلصت من الشرور 0 أما عن اللذات التي تجدها وهي مقارنة للجسد فحددها الإخوان بأربعة أنواع ، وهي : 1- ما تجده من اللذة عند تصورها حقائق الموجودات من المحسوسات والمأكولات جميعاً 0 2- ما تجده عند اعتقادها الأداء الصحيح ومذاهبها الحميدة 0 3- ما تجده عند عذوبة أخلاقها الكريمة وعاداتها الجميلة 0 4- ما تجده من الفرح والسرور واللذة عند ذكر أعمالها الزكية وأفعالها الخيرة 0 أما اللذات بصورة عامة فهي أربعة أنواع : 1- لذة شهوانية طبيعية ، وهي التي تجدها النفس عند تناول الغذاء من الطعام والشراب ، وهذه اللذة مشتركة بين الإنسان والحيوان والنبات ، فالإنسان له لذة وألم وكذلك الحيوان له لذة وألم ، أما النبات فله لذة وليس له ألم 0 2- لذة حيوانية حسية وهي نوعان ، منها ما تجده النفس عند الالتئام ، كلذة الشهوات الجنسية ، والآخر ما تجده عند الانتقام وهي شهوة تهيج الغضب 0 3- لذة إنسانية فكرية ، وهي ما تجده النفس من اللذة عند تصورها معاني المعلومات ومعرفتها بحقائق الموجودات ، ويشترك في هذه اللذة الإنسان والملائكة 0 4- لذة ملكية روحانية ، وهي ما تجده النفس من الراحة واللذة بعد مفارقتها الجسد ، وهي الروح والريحان ، وهذه اللذة مختصة بالنفوس المفارقة للأجسام الناجية من بحر الهيولى ، وللنفوس الملكية لذة وليس لها ألم ، ولإخوان الصفاء رأي لطيف جداً ، وهو أن الإنسان قد يشعر بلذة وألم في وقتٍ واحد أيضاً ، وذكروا أمثلة كثيرة منها ، أن العاشق يرى معشوقة وهو على خيانة ، فتسره رؤيته له ويلتذ بها ، وفي الوقت نفسه تغمه خيانته له وتؤلمه 0 كذلك من يأكل طعاماً يشتهيه وله رائحة منكره تؤذيه كما يحدث في تناول بعض أنواع السمك ، كذلك من يسمع لحناً طيباً ونغمة لذيذة كغناء أبيات من الشعر فيها هجو له ، فأنه يلتذ باستماع اللحن اللطيف ويغمه هجوه في الوقت نفسه 0 ومثل من يسمع بموت مورث له ، فيغتم لخبر موته ويسره ما سيرث عنه … الخ من الأمثلة ، وهكذا بشأن ما يلحق النفوس من اللذة والألم 0 فإخوان الصفاء ، يرون أن الإنسان إذا كانت أعماله سيئة وأفعاله قبيحة ، فأن نفسه تكون دائماً مضطربة متألمة ، بينما إذا كانت أخلاق الإنسان جميلة فأن نفسه تكون أبداً آمنة محبوبة0 ومن المواضيع الأخرى التي تكلم عنها الإخوان والتي لها علاقة بالأخلاق ، موضوع العشق 0 وهذا الموضوع أشرنا إليه بصورة موجزة عندما قارنا بين العشق عند الإخوان والعشق عند أفلاطون 0 المصادر - د0 أحمد فؤاد الأهواني ، التربية في الإسلام ، دار المعارف بمصر ، 1967 ، ص 229 0 - أحمد خورشيد النوره جي ، مفاهيم في الفلسفة والاجتماع ، ص 79 0 - عبدالرحمن بدوي ، خريف الفكر اليوناني ، ص 11 0 - د0 محمد علي أبو ريان ، تأريخ الفكر الفلسفي من طاليس الى أفلاطون ، ص 115 – 116 0 - أفلاطون ، جمهورية أفلاطون ، ص 232 0 - د0 كمال اليازجي ، أنطوان غطاس كرم ، أعلام الفلسفة العربية ، بيروت ، لبنان ، آب 1957، ص 406 - أفلاطون ، جمهورية أفلاطون ، ص 44 0 - د0 كمال اليازجي ، أنطوان غطاس كرم ، أعلام الفلسفة العربية ، ص 407 ، كذلك ينظر جمهورية أفلاطون ، ص 196 0 - د0 محمد ناصر ، الفكر التربوي العربي الإسلامي ، ج 2، وكالة المطبوعات ، الكويت ، ط1 ، 1977، ص 10 0 - د0 نوري جعفر ، آراء ومواقف تربوية ونفسية صائبة في التراث العربي الإسلامي ، دار الرشيد للنشر ، دار الحرية للطباعة بغداد ، 1982 ، ص 18 – 19 0 - إخوان الصفاء ، رسائل إخوان الصفاء ، ج 2 ، ص 442 0 - فؤاد البعلي ، فلسفة إخوان الصفاء الاجتماعية والأخلاقية ، ص 103 – 104 0
#سعد_سوسه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التربية والأخلاق عند اخوان الصفا ج 1
-
التربية عند إخوان الصفاء
-
الاسقاط قصة قصيرة
-
سياسة العراق الخارجية مع دول الجوار غير العربية1958-1963
-
اتجاهات العقلية العراقية في الحياة اليومية ج 2
-
اتجاهات العقلية العراقية في الحياة اليومية ج 1
-
اتجاهات العقلية العراقية في الحياة اليومية
-
سياسة العراق الخارجية 1958-1963 ج .1
-
سياسة العراق الخارجية 1958-1963
-
سياسة العراق تجاه المنظمات الدولية1958-1963 ج 2
-
سياسة العراق تجاه المنظمات الدولية1958-1963 ج 1
-
سياسة العراق تجاه سورية 1961-1963م
-
سياسة العراق الخارجية تجاه دول المغرب العربي1958-1963
-
الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق خلال العه
...
-
الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق خلال العه
...
-
سياسة العراق الخارجية تجاه بقية دول المشرق العربي1958-1963 ج
...
-
سياسة العراق الخارجية تجاه بقية دول المشرق العربي1958-1963
-
سياسة العراق الخارجية تجاه ايران 1958-1963م
-
سياسة العراق الخارجية تجاه الجمهورية العربية المتحدة (1958-1
...
-
العوامل والمؤثرات الرئيسة في تشكيل أسلوب الكتابة عند كامو ج
...
المزيد.....
-
من زاوية جديدة.. شاهد لحظة تحطم طائرة شحن في ليتوانيا وتحوله
...
-
أنجلينا جولي توضح لماذا لا يحب بعض أولادها الأضواء
-
مسؤول لبناني لـCNN: إعلان وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرا
...
-
أحرزت -تقدمًا كبيرًا-.. بيان فرنسي حول وضع محادثات وقف إطلاق
...
-
هجوم صاروخي روسي على خاركيف يوقع 23 جريحا على الأقل
-
-يقعن ضحايا لأنهن نساء-.. أرقام صادمة للعنف المنزلي بألمانيا
...
-
كيف فرض حزب الله معادلة ردع ضد إسرائيل؟
-
محام دولي يكشف عن دور الموساد في اضطرابات أمستردام
-
-توجه المحلّقة بشكل مباشر نحوها-.. حزب الله يعرض مشاهد من اس
...
-
بعد -أوريشنيك-.. نظرة مختلفة إلى بوتين من الولايات المتحدة
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|