|
الجسد المريض
حنان محمد السعيد
كاتبة ومترجمة وأخصائية مختبرات وراثية
(Hanan Hikal)
الحوار المتمدن-العدد: 6055 - 2018 / 11 / 16 - 15:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يكن موقع مصر الذي يتوسط العالم، والذي يبدو في ظاهره نعمة، حيث جعل منها مهد الحضارة، الا نقمة في حقيقة الأمر، فهو لم يجلب لها الا الاستعمار والقلاقل والنكبات. لم يكن غناها بكل الثروات وتمتعها بكل الخيرات الا بمثابة لعنة حيث ان ابنائها لم يتمتعوا يوما بهذه الثروات ودائما ما كان يتمتع بها غيرهم. وحتى ابناء مصر من الأذكياء والنابهين كانوا دائما مطاردين داخل وخارج مصر والقليل فقط منهم من تمكن من تثبيت اقدامه واظهار براعته وقدراته، ودائما ما كان ذلك النبوغ يظهر خارج مصر حيث ان النابغ في الداخل اما تغتاله الكراهية والغباء والحقد الأعمى لبعض بني جلدتنا أو لا يجد الامكانيات التي تسمح له بالنبوغ وفي بعض الحالات يتعرض للاغتيال على يد الصهيونية أو غيرها من القوى التي تريد لمصر البقاء في ذيل الأمم لتحقيق مصالحها في هذا البلد والاستفادة من موارده. ولكن لم يحدث ان لاقى ابناء هذا الشعب وموارده هذا القدر من السلب والنهب للتاريخ والثروة والأرض وتجريف العقول وتغييبها، وحتى من سافر الى الخارج لم يسلم من اللعنة، ففي كل يوم تطالعنا الصحف بخبر تعرض مصري في الخارج للاعتداء أو القتل بدون أن يكون هناك اي رد فعل من قبل الحكومة لا في البلد الذي يحدث فيه الاعتداء ولا من قبل الحكومة المصرية التي لا يعنيها في الوقت الحالي الا تغييب الداخل وارضاء الخارج وخدمة مصالح بضعة من المنتفعين الذين اثروا من دماء وحياة هذا البلد وهذا الشعب. ولا اعرف من نلوم في هذه الحالة؟ هل نلوم الذين اعتلوا المناصب في هذا البلد المنكوب بهم فلم يهتموا الا بتحقيق الثراء لهم ولأولادهم حتى سابع جيل؟ ام نلوم البلدان التي يعمل فيها المصريين والتي ظنوا انهم بوصولهم اليها تمكنوا اخيرا من تحقيق حلمهم في وظيفة جيدة وعيش كريم فلم ينالهم الا الأذى والمهانة؟ ام نلوم الكثير من ابناء هذا الشعب الذين رضوا بأن يكونوا اداة في يد المجرمين يبطشون بها ويؤذون الناس بغير ما اكتسبوا، يبيعوا ضمائرهم مقابل مكسب زهيد قد يفقدونه غدا فلا يبقى لهم كرامة ولا يبقى لهم مكسبهم! ان المصري الذي يريد العمل بشرف ويحافظ على كرامته ويعيش عيشة أدمية يقاوم بتيار شديد من ابناء جنسيته الوصوليين أولا ثم من بعض العنصريين والأغبياء من ابناء البلد الذي يتواجد به، ثم اخيرا من المسؤولين في حكومته والذي كانوا السبب الأبرز في سفره منذ البداية حين دمروا كل سبل العيش الكريم وخربوا عمدا الزراعة والصناعة والسياحة والصيد وغيرها من مصادر الكسب المشروع، ناهيك عن تغييب القانون وتحكم الواسطة حتى اعتقد الكثير من المصريين – وأنا منهم – ان السبيل للعيش الكريم يبدأ من سلم المطار. ثم ان هؤلاء يبحثون عن سبل الاستفادة منك وانت في الخارج ولكن اذا ما وقعت في اي مشكلة فلن تجد منهم الا الصدود والصمت. بل انهم لا يمانعون في بيعك جملة وبالتجزئة اذا كان في ذلك ما يحقق لهم أي نوع من المكاسب مهما رخص ثمنها! لا اعرف من نلوم؟ نلوم ابناء جلدتنا ام من يؤذوننا أم نلوم انفسنا ام نلوم القدر على حملنا لهذه الجنسية التي تعني ان عليك أن تكون بلا كرامة وتقبل بكل ما يفعل بك! لا اعرف من نلوم اذا كنت لا تستطيع ان تنال اي حق من حقوقك في هذا البلد وكيف تطالب بحقك في الخارج اذا كان بلدك لا يدعم الا اللصوص والبلطجية والمجرمين؟ لا اعرف من نلوم اذا كان يمكن لأي صاحب سلطة ان يؤذيك ويفعل ما يحلو له أمنا من المحاسبة في بلدك وكيف ان هذا الشعب يقبل بكل ما يفعل به طالما كان لا يمسه بصورة مباشرة ولا يعني الواحد منهم من يتساقطون حوله طالما هو امنا وحتى ياتي دوره في الطابور! لقد فوجئت عندما قرأت تقرير مؤشر الاحتجاجات العمالية والاجتماعية لشهر اكتوبر 2018 والذي تضمن 60 احتجاجا ووقفة سلمية، واندهشت حقا فطالما أنه مازال في هذا لبلد بشر يشعرون ويرفضون ما يتعرضون له من اذى فلماذا لا تتجمع هذه الأصوات ونتجاوز المطالب الفردية والفئوية الى مطلب موحد في العدل وسيادة القانون وتكافؤ الفرص وارساء مبدأ المحاسبة لكل مسؤول من اعلى الهرم الى اسفله؟ لماذا لا يدرك هؤلاء انه لا يوجد الهة الا في السماء وان الكل يجب ان يخضع للمحاسبة ولمبدأ الثواب والعقاب وان يتم المساواة بين الجميع في الحقوق؟ لماذا يجب على كل فرد في هذا الشعب ان يعاني هو شخصيا من الضرر المباشر حتى يفيق ويفهم ويعي ويرفض حيث يكون الوقت قد فات وتمكن الغيلان من التهام من وقعوا ضحايا قبله حتى لا يجد من يقف معه ويحميه من هؤلاء الغيلان؟ لماذا ولماذا .. فهل يستفيق هذا الشعب؟
#حنان_محمد_السعيد (هاشتاغ)
Hanan_Hikal#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غزة الصغيرة الكبيرة
-
ميزان الديمقراطية
-
طويل العمر
-
دعم الاستقرار
-
الثمن الباهظ
-
مؤتمر الشباب ودعم الخبز
-
صفعة القرن
-
القهر
-
ادعموا القتلة والخارجين عن القانون
-
لماذا تكرهوننا؟
-
المواطن المخبر
-
المجرم الخائب
-
على شفا الهاوية
-
أعداء الثورة
-
الكفيل
-
طريقة اللواءات في حل المشكلات
-
التطور الطبيعي للفساد
-
مصر دولة مش معسكر
-
انفراط العقد
-
الخوف
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|