|
العلاقة بين الفكر والسلطة
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6043 - 2018 / 11 / 3 - 04:47
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
منذ زمن تدفعني قوة غامضة للكتابة عن العلاقة بين - الفكر والسلطة - ، حيث أرى إنها علاقة غير منسجمة وغير متسقة حتى في أكثر البلاد تطورا في مجال الحريات ، ولهذا أصر على أنه علاقة رابطة بين - الفكر و السلطة - ، وإستخدام أسم الفاعل في الوصف دليل الأهمية ، إذ حسب المعطيات القريبة التي نقرئها ونلاحظها : إن هناك ثمة نفرة من قوى السلطة في قبول الفكر أو المفكر و بما لديه وعنده من أفكار ، والنفرة هي تباعد ضمني وخططي محسوب لا ينحصر في المنطقة العربية والإسلامية ، بل هي عادة جارية حتى في أكثر البلاد إيماناً بالحرية والديمقراطية كما قلنا ، والسبب حسب ظني يخضع لما يعنيه مفهوم - الفكر - ولما يعنيه مفهوم - السلطة - . [ فالسلطة هي القوة التي تتحكم بإصدار الأحكام والقرارات ] ، وهذا المعنى الديماغوجي يذهب حيث تمثل السلطة الفرد الحاكم أو الحزب الحاكم والذي يُسير السلطة حسب مصلحة الحاكم ورؤيته ، وبهذا الإعتبار تنطلق من - أنا ذاتي - لا يعير إهتمام للمعنى العام إلاَّ بحدود مسودات قانونية تكون قد صاغتها وفق مفهومها للحكم في الغالب ، وبتعبير أدق : تحاول السلطة أية سلطة تطبيق رؤيتها دون النظر إلى الأخرين ورؤيتهم إلاَّ بالحدود العامة ، وهذا التعبير عن المعنى التضمني هو تبسيط يجري في كل معاني السلطة وأدواتها ، وبالغوص في هذا المعنى نجد التغول و الديكتاتورية للسلطة ولمن يشك في ذلك فهو مجدف أو مهرطق . قد يقول قائل : هذا الكلام ينطبق على معنى السلطة و الحكم في المناطق العربية والإسلامية حيث نعرفها وحيث نعيش أزماتها ، والقول في عمومه صحيح لكننا نقول أيضاً : إن مفهوم السلطة ليس مفهوما من أنتاج العرب والمسلمين أو مقولاتهم في التاريخ وفي الحاضر ، ذلك إن هذا المفهوم كغيره وافد إلى العرب والمسلمين ، ومعنى السلطة عندهم لازال بدائياً ومتخلفاً وتتحكم فيه ولاءات القبيلة ورجال الدين والمشعوذين ، والسلطة من حيث نعنيها هي تلك التي أنبنت أوربا في أوربا القديمة وفي شرق آسيا القديم ، ولم يتطور هذا المفهوم إلاَّ إعلامياً وعلمانياً بالفصل بين الدين والسياسة وهذا الفصل حصل في أوربا بعد النهضة ، لكن الدولة العربية والإسلامية لازالت تجتر هذا المفهوم القديم وتستحدثه وتعيد إنتاجه وتوظفه في مجتمعاتها ، وذلك حسب إدعاءات مختلفة وعناوين مختلفة ، وهي تجهد لتضليل الرأي العام في دعاوى ميتافيزيقية ومثالية عقيمة ، تجبر الكافة على الرضوخ إليها بل والشدة في الحساب لمن يتجاوزها . وهنا تبرز السلطة كمضلل إجتماعي خداع شبهه - كارل ماركس بالافيون - ، أو بالمبيد الحشري لدى قوم طبقت عليهم أحكامه كما حصل في العراق الغربي لدى منظمات دينية متخلفة في عصرنا الرآهن ، وثنائية الدين والقبيلة واحدة من الكوابح التي تعلم الناس كيفية الخضوع من غير تفكير ، أي سلب إرادتي الحرية والنظر من الجميع ، ومن هنا لا يكون ممكناً نجاح تجربة الجمع بين الفكر والسلطة أو محاولة التسويق لذلك لدى فئة من الأنتهازيين والوصوليين ، وطبعاً في تعريفنا للفكر نأخذ المعنى الحر له المعنى الغير مقيد ، إذ إن كل فكر يخضع لقيود لا يعد فكرا ً ، ولهذا لا يستطيع إنتاج معلومات أو تقديم معاني مختلفة . ونعني بالفكر الحر : هو ذلك الشيء الذي يستطيع عبور ساحات الممنوع من جهتي السلطة والأعراف ، وحين يكون ذلك كذلك نرى نتاج ونرى تميز ، وحين نقول : نرى فنحن نقصد ما نشاهده من إبداع فكري في أوربا وأمريكا ، فالفكر هناك لا يخضع للسلطة ولا للعرف بل لمعنى التفكير المجرد ، وفي هذه الحالة نرى إنتاجه ونلمس خطواته التي تفرض نفسها على السلطة وعلى الأعراف ، وقد يقول قائل : وكيف للسلطة ان تقبل هذا الفرض وهذا النتاج ؟ ، نقول : في العالم الغربي هامش الحرية صنعه الفكر والمفكر ولم تصنعه السلطة ، والسلطة هي من إستفادت من هذا الهامش في تقرير مقولاتها وتوزيع رؤيتها ، ولكن حتى هذا وبحدود ما نعلم ونلمس ونعيش ، إن هناك مفارقة وقل خوف وعدم تلاق لا يسمح للفكر حيث ينتج معلوماته ليغير ما في السلطة من نظم ومعلومات ، والقصة لا تتعلق بالنظام الإجتماعي والسياسي فحسب بل يتعداهما إلى كل الشؤونات التي يتحرك فيها الفكر والسياسة ، وكل مفكر أو يظن أنه من المفكرين ويخاتل السلطة وفريقها فهو منافق لا يصلح أن يكون في ساحة المفكرين وجماعتهم ، تلك هي القاعدة التي نبني عليها تصوراتنا ومقولاتنا ، ومن يظن إنه في التقرب إلى بعض أهل السلطة يستطيع ان يحقق منافع إجتماعية فهو واهم ومخادع ومرابي ، وقديماً قيل : إذا وجدتم العلماء على أبواب السلاطين فبئس العلماء وبئس السلاطين ، وفعل بئس دلالته على الذم واضحة ، أي إن التذلل للسلاطين عمل قبيح مذموم ومن يفعل ذلك يطرد من ساحة العلماء والمفكرين ، وعليه فلا يصح من البعض تحت بعض العناوين اللهاث وراء أهل السلطة لأن في ذلك إذلال لأهل الفكر والعلم ، ومن يفعل ذلك تجب تعريته وفضحه كي لا يتاجر فيما ليس له به نصيب ... راغب الركابي
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القوي الأمين
-
القانون المخروم
-
زمن التوافه
-
مقابر المسلمين
-
الحكومة العتيدة
-
رسالة مفتوحة منا للأخ السيد مقتدى الصدر
-
أوهام الإنتخابات
-
دفاعاً عن الدكتور خالد منتصر
-
الإستفتاء في كردستان
-
جدل في تونس حول حقوق المرأة
-
ما بعد الموصل
-
بمناسبة عيد الفطر
-
داعش في طهر ان
-
مشروعية الإغتيال السياسي
-
لسنة 2017
-
حثالات تُثير الفتن
-
قانون الحشد الشعبي
-
بدعة صيام عاشوراء
-
تصحيح الإعتقاد في معنى ثورة الإمام الحسين
-
لماذا لا ينجح العراقيون ببناء دولتهم ؟
المزيد.....
-
قبل دخولها حيز التنفيذ.. كيف سترد الصين وكندا والمكسيك وأورو
...
-
دهشة بعد -ولادة عذرية- لسمكة قرش في حوض أسماك يضم إناثًا فقط
...
-
لمواجهة تهديدات ترامب التجارية وتعزيز الإنفاق الدفاعي.. القا
...
-
مهرجان -إنديابلادا- في إسبانيا يحيي تقاليد تاريخية بالأجراس
...
-
حرب -لا رابح- فيها.. أوروبا تتوحد ضد سياسة ترامب الجمركية
-
الخارجية المصرية: أمن الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن القومي ال
...
-
الشرع يتحدث لـ-تلفزيون سوريا- عن معركة إسقاط النظام: خطط لها
...
-
هوليوود مهددة بسبب رسوم ترامب الجمركية على كندا
-
مدفيديف: الأموال الأمريكية المخصصة لكييف نفدت في جيوب اللصوص
...
-
إعلام: الولايات المتحدة لم تكن تعلم بالكميات الدقيقة للأسلحة
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|