|
قراءة في قصيدة
علي حسن مزبان
الحوار المتمدن-العدد: 6043 - 2018 / 11 / 3 - 00:53
المحور:
الادب والفن
قراءة في قصيدة (تضمّخّ بالصَبا) للشاعر عبد الفتاح المطلبي أ د. علي حسن مزبان عبد الفتاح المطلبي شاعرٌ عباسيّ اخطأه الزمن لغةً وصورةً وبياناً، فهو مبدعٌ في الصورةِ البيانيةِ، لعلّكَ - أخي القارئ – واجدٌ فيهِ ذلك الحسّ البلاغي الموروث في توظيفِ علم البديع توظيفا فنياً رائعاً غيرَ مُتكلّفٍ به. وقصيدتهُ هذه( تضمّخَ بالصَبا) ضمن ديوانه الرائع (تباريح الطائر) تكونت القصيدةُ من اربعةٍ وعشرينَ بيتاً من الشعر العمودي والقصيدةُ بائيةُ القافيةِ وصوت الباء مجهورٌ شفويٌّ إنفجاريٌّ يُحدثُ اهتزازَ الأوتارِ الصوتيةِ مع شدةٍ عند النطق به وساعدتهُ على هذا التألقِ ألفُ الإطلاق التي جاء بها الشاعر لتؤثرَفيه موسيقياً وإيقاعياً. من خلالِ قراءَتي المتواضعةِ لهذه القصيدةِ عنّتْ لي معالمُ أدبية ولغوية كثيرة أذكرُ منها أولاً- الطِباق: وهو معلمٌ بلاغيّ ودلالي حفلَ به الشعر القديم وكتب النّقادُ عنه كثيراًن وهو عنصرٌ اساسي في تشكيل الصوروتجلية غموضها، إضفاء الجمالية عليها، وهواصلٌ من أصول الفلسفةِ الجمالية في الشعر العربي، وهو بذلك يخلقُ دورةً إيقاعيةً تعزز الترابط الموسيقي الذي يشكل القافية فضلا من دوره الإيقاعي الداخلي ،فالشاعرحينَ يوظف هذا الطباق في صورةٍ أدبيةٍ تُعدّ عملاً فنياً تتحركُ فيه الفكرة الأدبية بحرية وعفوية وقوة، والإيقاع الداخلي مدرجٌ يبدأ من استصحاب الدال الصوتي والتكرار وقد أطلقَ عليهِ المُحدّثون( الفضاءَ) وأسميتهُ في أبحاثي التعارض الدلالي، ونلحظُ ذلك في اللفظتين(صرح – خراب) وهو طباقُ إيجابٍ وظفّهُ الشاعر فنيّا حين جعلَ الطباق جزءًا من دلالة التركيب بقولهِ: وشادوا في الكرى للعشقِ صرحاً ولمّا استيقظوا وجدوا خرابا فالصرح متصلٌ بكلمةِ ( العشق) وليس منفصلاً عن المعنى وهو معمول الفعل( شادوا) في حين أنّ كلمة (خراب) كانت معمولا للفعل (وجدوا) وهذا التوظيف يؤثر في الإيقاع الداخلي للقصيدة، ومثله كلمتا (شهد) و (صاب) في قولهِ: وظنّوا انّ كأسَ الوجدِ شهدٌ فلمّا أصبحوا شربوهُ صابا فالطباق بين ( الشهد، الصاب) والشهد هو العسل والصاب هو الشجر المرّ والشاعرُ موفقٌ ومُجيدٌ جداً في انتقائه كلمة الصاب التي لمْ أجد شاعراً مُحدّثا استعملها، وهي من الألفاظ التي ألِفها الشعراء القدماء في شعرهم وقد صرّحَ الإمام الصاغاني(ت-650 هجري) في معجماته (التكملة والذيل والصلة) و (العباب الزاخر) بأن الجوهري(ت-398 هجري) أخطأ حين فسّر الصاب بأنه عصارة شجرٍ مر والصحيح أنه شجرٌ مر كما في قول الشاعر القديم: نام الخلي وبتّ الليل مشتجراً كأنّ عينيّ فيها الصابُ مذبوحُ وهذا يدلّ على غنى معجم الشاعر واطّلاعه الواسع على الشعر القديم وفهمه إيّاهه وقد حاورتُ الشاعر شفاها في هذا الإستعمال، وذكرَ لي بأنه ربما استعملها مجازا بأنها عصارة شجرٍ مرّ وأعجبني رأيه لجمالهِ وجودتهِ. وكذلك قولُهُ: إذا شرّعتَ نافذةَ الأماني تَسِدُّ عليكَ بالخيباتِ بابا وهنا لفظتا (الأماني و الخيبات) لما يحملانِ في طيّاتِهما من تعارضٍ دلاليٍّ يُغني المعنى والإيقاع ثانياً- التناصّ: وهو مصطلحٌ وظفته الباحثةُ (جوليا كريستيفا) وتعريفه هو علاقة حضورٍ متزامنٍ بين نصين أو عدة نصوص عن طريق الإستحضار وفي غالب الأحيان بالحضور الفعلي لنصٍّ داخلَ آخر سواء أكان استشهاداً أم سرقةً أدبيةً أم تلميحاً وقديما أسموهُ تارةً (بالإقتباسِ) وتارةً (التضمين) ولكن غلب مصطلح التناص في الدراسات النقدية الحديثة ويدل التناص على ثقافة الشاعر وحفظه الكثير وينبغي للشاعرِ أن يبدعَ في توظيف التناص وليس في إستعماله وهذا ما استعمله الشاعر وتنوعت تناصّات الشاعر على النحو الآتي: أ-التناص القرآني: تناص الشاعر المبدع عبد الفتاح المطلبي مع القرآن الكريم في قولهِ: كأني إذْ أرى من ماتَ عشقاً وقد أعطوهُ باليُمنى الكتابا فهو يتناص مع قولهِ تعالى:(فأما من أتي كتابه بيمينه فهو في عيشةٍ راضية) والإبداع يتمثل في دلالة التناص وقد وظّفه الشاعر من خلال موت العاشق الذي إذا مات عشقاً فهو في الجنّةِ كما في الحديث النبوي( من عشِقَ فعفّ ومات فهو شهيد) ب-التناص الأدبي (الشعري): وردَ عند الشاعربقولهِ: ترفّقْ إنّ بعضَ التربِ قلبٌ لعلّ بهِ من الوجدِ اضطرابا فهو يتناص مع قول أبي العلاء المعرّي: صاحَ خفف الوطأ بنا ما أظنّ أديمَ الأرضِ إلاّ من هذه الأجسادِ وقولهُ: فرُبّتَ قبلَ ذا قد كانَ يوماً دما، لحما، أنيناً أو عتابا وهو في قولِ أبي العلاء المعرّي: ربّ لحدٍ صارَ لحدِ مراراً ضاحكٍ من تزاحمِ الأضدادِ وكلّ هذا يدلّ على ثقافة الشاعرودرايته بالشعرالقديم، والإفادة منه في خلق الصوّر البيانية ثالثاُ-استعمالاته اللغوية: أ-الفعل( بَشَمَ) من استعمالاته الجميلة الرائعة الفعل(بشمَ) في قولهِ: فخذْ ممنقضوا عشقا دروساً لقدْ بشَموا بمن عشقوا عذابا والبشَمُ بمعنى الشبع إستهمال قديم لمْ يألفه المحدثون ولم يستعملوه في أشعارهم لكن شاعرنا استعملهُ وهذا يدلل على معجم الشاعر الغني وقد وظّفه الشاعر توظيفاً رائعا إذ ضمّنه العذاب فاستعمل المادي والمعنوي بمعنىً واحد وهو موفقٌ جدا في رسم الصورة المادية المعنوية، هذا التمازج الفنّي – وقد نجده عند الشاعر أبي الطيب المتنبي(وقد بشمنَ وما تفنى العناقيدُ) لكنّ شاعرنا وظفه توظيفاً آخرَ تألقَ به. ب- الفعل (حَسَبَ) الشاعر ذكيّ جدا وله اطّلاع واسع على لغة العرب حين استعمل الفعل حسَبَ بفتح السين فالفعل حسِبَ بكسر السين بمعنى ( الظنّ) وقد اختلف اللغويون في مضارعه أهو (يحسَبُ) بفتح السين أم يحسِبُ بكسر السين أما الشاعر فاستعملَ حسَبَ بفتح السين ومضارعه يحسُبُ ومنه المصدر( الحساب) بكسر الحاء لذا قال شاعرنا: وتلكَ مشيئةُ الأقدارِ تمضي وقد حسَبَتْ وأتقنتِ الحسابا إنظر عزيزي القارئ استعمال الشاعر (حَسَبَتْ) والمصدر(الحِسابا) وهذا ذكاءٌ مفرط فكثيرٌ من الناس لا يميّز بين( الحِساب والحُسبان) و(الظن والححساب) ج-الفعل يجنُّ: استعمل الشاعر هذا الفعل بقوله: يجنُّ بشعرهِ ليلٌ طويلٌ يُريدُ لدارةِ القمرِ انتسابا فهل أراد الشاعر المقابلة اللغوية أو المواءمة العضوية حين جمع بين( يجنّ) و(ليل طويلٌ) بلون السواد كونه جامعا بينهما بين لون الشعر ( سواده) والليلُ الطويل و(سواده) أم أراد ب(يجنّ) الإستتار أو الإختفاء من خلال الليل الطويل وهكذا جعل الشاعر للمتلقي مساحةً واسعةً من التفسير وفي هذا دلالة على ثقافة الشاعر اللغوية د-استعماله التوكيد ب (قد والفعل الماضي) استعمل شاعرنا التوكيد حينَ أراده في خدمة نصوصه ووظفه توظيفا فنيا من خلال التركيب في نصوصه: 1-وقد حَسَبَتْ وأتقَنَتِ الحِسابا. 2-وقد تركوا بنا شوقاً إليهم. 3-وقد أعطوهُ باليُمنى الكتابا وهناك استعمالات لغوية كثيرة تحتاج إلى بحثٍ طويلٍ لا تكفيهِ هذه العُجالة وأكرر قولي أن بديوان الشاعر( تباريح الطائر) دراسة نقدية لغوية يستطيع أحد طلاب الدراسات العليا في جامعاتنا التوفر عليها وإشباعها بحثا ودرساً ليحصل على درجة الماجستير خيرٌ له من تلك الموضوعات التافهة التي لا تغني ولا تسمن من جوع أد. علي حسن مزبان
#علي_حسن_مزبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في ديوان تباريح الطائر
المزيد.....
-
هكذا تعامل الفنان المصري حكيم مع -شائعة- القبض عليه في الإما
...
-
-لا أشكل تهديدًا-.. شاهد الحوار بين مذيعة CNN والروبوت الفنا
...
-
مسلسل حب بلا حدود الحلقة 40 مترجمة بجودة عالية HDقصة عشق
-
“دلعي أطفالك طوال اليوم” اضبط الآن تردد قناة تنه ورنه 2024 ع
...
-
-لوحة ترسم فرحة-.. فنانون أردنيون وعرب يقفون مع غزة برسوماته
...
-
ويكيبيديا تحسم موقفها وتصف حرب إسرائيل على غزة بأنها -إبادة
...
-
في المؤتمر الثالث للملكية الفكرية بالمغرب.. قلق بين شركات ال
...
-
“برومو 1” مسلسل قيامة عثمان الموسم السادس الحلقة 170 مترجمة
...
-
معرض الجزائر الدولي للكتاب.. قطر ضيفة شرف وإقبال على رواية -
...
-
صور| بيت المدى يستذكر الناقد الراحل عبد الجبار عباس في ذكرى
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|