أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - الجنس ودوره في حياة الإنسان ج6















المزيد.....

الجنس ودوره في حياة الإنسان ج6


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6039 - 2018 / 10 / 30 - 07:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بين الجنس والجنسانية
يبدو أن التفريق مهم جدا بين الجنس كمفهوم عام يراد من تحديدا الغريزة الطبيعية لدى الكائن الحي مربوطة ذهنيا ومعرفيا بالوظيفة الأساسية منها، وبين مصطلح الجنسانية كمجموعة من التفصيلات والمفاهيم المستخرجة أو المنتمية لعالم الجنس، هذا التفريق وإن كان عند البعض مجرد تفريق بين محدد كامل (الجنس) ظاهرة وممارسة وبين المصطلح الذي يدرس الأبعاد السلوكية والنفسية المرافقة للجنس وقد لا يشترط فيها التجربة ممارسة واقعية، فقد أشار البعض من المفكرين والفلاسفة إلى الفصل بين الجنس والحب على أعتبار أن الأخيرة فكرة روحية أكثر من كونها فكرة طبيعية، هذا من جهة وقد يكون الحب أصلا غير مرتبط بالجنس حين يتوجه لفكرة أخرى.
الجنسانية ومن ثم تحديد الهوية الجنسانية تشكل العمود الأساسي والتفصيلي عند الإنسان ليفهم متشابكات علاقة الكل (الجنس) بالكل (الكائن)، غير أن هذا الفهم وإن كان يعتمد على ربط الهوية الجنسانية والجنسية بالأنوثة أو الذكورة، ولكن عندما تبحث عن الفرق نجد أن هناك فرق دقيق بين الجنسين والهوية الجنسانية بأعتماد تصنيف النوع الوجودي الأجتماعي المفترض داخل وحدة الكائن الحي، ويميز النوع الاجتماعي أدوار الرجل أو الأنثى كما أنه يميز الذكور عن الإناث استنادا إلى العديد من الميزات، وقد تشمل هذه الخصائص (الجنس البيولوجي) من خلال الفروقات الأدائية أو فروقات البناء البدني ذاته، والأدوار الجنسانية المقبولة اجتماعيا (قولبة الجنس وقوننته) والهياكل الاجتماعية (المؤسسة الجنسية المؤطرة)، ومن ناحية أخرى فإن الهوية الجنسانية هي شكل من أشكال الوعي بنوع جنسه ولها شعور خاص بكونه رجلا أو امرأة، دعونا ننظر إلى هذه المصطلحات والاختلافات بينها بمزيد من التفصيل.
قد تشكل الهوية الجنسانية سؤال صادم لأول وهلة بالنسبة لمندرجات الوعي الأولي لدى الإنسان، منذ أن بدأ يعي أن هناك أشكال مختلفة ومتعددة لمن حوله، فالطفل في المراحل الاولى من تكوين الوعي لا يميز بين المحيطين به أي هوية جنسانية للأخر، ولكنه يميل فطريا للأم بأعتبارها الألصق والأكثر ضرورة له، لا على أنها (أم أو أنثى) فقط، هذه المرحلة تختتم وتنتهي حين يبدأ التفريق بين الوالدين (أب وأم) ويعرف ذلك من خلال الصورة المباشرة التي يعايشها تفصليا وينجح بالأخر بتحديد الفرق بينهما بناء على الظاهراتية دون أن يعرف لماذا، لينتقل بهذا الأستناج الخارجي عن الهوية الأخرى للولوج إلى ما هو ذاتي، فيبدأ التمييز على نفسه أولا هل هو من صنف الأم أو من صنف الأب وليحدد بشكل أولي (أولى) مفاهيم الهوية الجنسانية لديه.
مع تطور الهوية الجنسية لدى الكائن النامي وعيا تبدو الأسئلة أكثر تفصيلا وأكثر شمولية في كل مرة تثار فيها مثل هذه المواضيع، إنها رحلة الأكتشاف التي يجبر الإنسان على معايشتها بالرغم منه، ليكتشف في النهاية كما يقول ميشيل فوكو أن الجنس فضلا عن كونه حتمياوضروريا للبقاء، فأنه من الجانب الأخر يمثل (أداة عملية من أجل الوصول إلى "متعة ولذة" راجعة إلى حاجة إنسانية طبيعية، لكن ذلك لم يكن يتم وفق طريقة عشوائية غير منظمة، بل عن طريق ضوابط مجتمعية وقانونية صارمة)، هنا تبدا أولى معاناة الإنسان مع تلك الضوابط والروابط الصارمة في محاولة منه للحصول على (المتعة واللذة) بمقابل التمرد أو الخضوع الطوعي لها، وبكلا الحالين فهو يسعة لتحقيق هويته الجنسية وليس إلى هتك النظام.
إذن الجنسانية ومنذ إن أطلقت لأول مرة تقوم على دراسة ما (يوصفها بــ "ظاهرة زائغة أدّت عمليا إلى نزع الأسطرة عن الآلهة الجهنمية والنباتية وإلى تفريغها من المقدّس الخاص بها، ليس لأنّ المقدّس المتعالي، مقدّس كما في (أبينا الذي في السماوات) مثلا، بل لأنه هو أصلا بلا دلالة بالنسبة إلى الجنسانية، وإنّما هو غير قادر على أن يستعيد في نفسه كلّ روح التمرد الدفينة، والطابع الخلاق والعنف الثاوي في الإيروس، فهو لا يستطيع أن يساند سوى الانضباط المؤسساتي للزواج، المعتبر هو نفسه جزء من النظام الكامل.
فهناك بعدين للجنس عند الجنسانيين الأول بعد طبيعي ركزنا عليه في المباحث السابقة واللاحقة يتمثل بكونه عنصر فطري تكويني وتكيفي للكائن الحي وتحديدا ما هو حيواني، بعبارة أخرى هو البعد الذاتي كما وجد وجوديا دون أن يتحول إلى فكرة أو خالي من عنوان غير عنوانه الأصلي وظيفيا، وبين البعد الواقعي الذي يلعبه الجنس في حياة الإنسان مرتبطا بالقوانين الأخلاقية أو المنطقية التي وضعها لنفسه، ليحشر الطبيعي خارج طبيعيته في أفكاره الخاصة وينسب لها المعايير والأطر والضوابط.
عموما مثلا كما عند أهل الأديان والمؤمنين بها بأن الجنس لا يعدو أكثر من منحة جعلها الرب أو الخالق طريقا لبقاء الإنسان في الوجود ليمارس واجب التعبد، وبالتالي فمن يرسم الجنسانية ليست الطبيعة وتركيباتها بل الواجب الديني، لذا فقد ركزوا وبقوة على ربط الجنس بالمقدس والمنجس وقسموا الممارسة الجنسية تبعا لذلك، منها ما يرضي الرب ومنها ما هو ضد قوانينه وعلى أثر ذلك نشأ الحرام الديني والواجب المأمور به حلالا، يقول بول ريكور معبرا عن هذا التصور (علينا أن نواصل قناعة القدماء {والدين خاصة} بأنّ الجنس شيء عجيب وضالّ وملغّز، ولا يمكن فهمه أو السيطرة عليه إلاّ بإرساء مؤسسة تقديس، تجد تعبيرتها الاجتماعية أو البشرية في آلة الزواج).
في الأتجاه الأخر المعاكس نرى في بعض المدارس الوجودية التي تطرقت في بحثها عن الجنسانية والجنس، أن ربط الموضوع (الجنس) بأكمله بما هو خارج الطبيعي يعد نوعا من تشويه متعمد لحقيقة (أن الجنس غير مرتبط أصلا بإرادة الرب أو بالقانون السماوي) لا قبل الخلق ولا في جوهر الموضوع مجردا من مقولات الإنسان المبتدعة عن الله، وكل ما جرى هو أصلا من تحديدات البشر بعد أن صاغ لها وبنفسه ثوبا من القداسة المزعومة، قداسة ترتبط بالتنظيم والتحديد الطوعي بما يتناسب مع الفكرة المتولدة أجتماعيا أما من خلال عنصر الدين أو حتى من خلال عنصر السلطة الفكر والفلسفية التقيدية الأخلاقية وليس بشيء أخر، يقول ميشيل فوكو في هذا الشأن أن ما تقوم به المؤسسات الأجتماعية بدأ من الدين وأنتهاء بالقانون والضوابط والأعراف، ما هو إلا جزء من مفهوم تدخل الإنسان في تحديد وتقييد من خلال الأكراه على الأعتراف متعدد الألاوان والأطوار للقداسة وأنتهاك حدود الرب لما هو طبيعي وحميمي ذاتي (إن عملية الاعتراف في الفترة المعاصرة التي أصبحت مبنية على فكرة الحرية والمسؤولية شكلت مكونا أساسيا لتكنولوجيا متطورة للتحكم في حياة الأفراد وتأديب الأجساد أيضا) .
هذا التناقض بين القرائتين ليس تناقضا في معطيات ما تنتجه الفكرة بذاتها، بل هو في الجوهر صراع إنساني بأمتياز مبني على أختلاف فكري بين من يرى فطرية الوجود المخلوق بنظام لا ينتهك بل يقاوم فقط، وبين من يرى أن وراء خلق الوجود نظرية أخلاقية مسبقة ملزمة، وأن كل خروج عنها بأي صورة يعني أنتهاك حدود السلطة التي نخشاها ولا نراها إلا من خلال قراءة فلسفة الوجود وليس من خلال قوانينه ونظم الحركة والبقاء، الصراع سيستمر غير متكافئ ولمصلحة العنصر التدخلي في كل الأحوال، لأن الإنسان مجبول على فكرتين (الأولى) أنه موجود ومسخر غيبيا للتنظيم والأجتماع المنضبط و (الثانية) أنه محكوم بالبقاء المعلق على شرط التقيد والأنصياع لما هو قوة متسلطة وقهرية، وهو من خلال أستخدام التنظيم يستطيع أن يسيطر على شكل البقاء ونوعه وكيفيته وبالتالي أعادة تكوينه كلما أحتاج الأمر إلى مراجعة، لذا فهو لا يجرؤ أن يخرج على عناصر الفكرة الدينية بأعتبارها خطا أخلاقيا ملجأ بعصا الرب وعصا العقل.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجنس ودوره في حياة الإنسان ج5
- لماذا نحتاج لموقف موحد للقوى المدنية والديمقراطية في العراق؟ ...
- الجنس ودوره في حياة الإنسان ج4
- نحو مراجعة شاملة لموقف القوى المدنية على ضوء تجربة سائرون
- بين أزمة السياسة وتأزم الدين.... العلمانية حل لإشكالية الإنس ...
- الحلم العلماني
- يسألونك عن الله
- المرجعية الدينية وحق التصرف بمال المسلمين
- قيامة الحب....والحقيقة
- رسالة مواطن عراقي إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية في العرا ...
- بيان التجمع المدني الديمقراطي للتغير بشأن الأنتفاضة العراقية ...
- الفكر الحر وتناقض الواقع في المجتمعات المغلقة
- الجنس ودوره في حياة الإنسان ح3
- حينما تأكل الدابة دين الرجل المؤمن.
- مفاهيم دينية متداخلة بلا حدود
- أساسيات التغيير والتطوير في المجتمع الإسلامي
- المجتمع الإسلامي وتحديات المعاصرة
- الجنس ودوره في حياة الإنسان ح2
- الجنس ودوره في حياة الإنسان
- دراسة في مهمة أستنطاق النص


المزيد.....




- فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN ...
- فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا ...
- لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو ...
- المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و ...
- الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية ...
- أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر ...
- -هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت ...
- رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا ...
- يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن 
- نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - الجنس ودوره في حياة الإنسان ج6