زكريا كردي
باحث في الفلسفة
(Zakaria Kurdi)
الحوار المتمدن-العدد: 6036 - 2018 / 10 / 27 - 07:35
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لنتذكر معاً مقولة هيراقليطس الشهيرة : (لا يسبح المرء في ذات النهر مرتين) والمقصود – حسب فهمي - من تلك المقولة الهيراقليطيسية :
أن العالم أو الوجود في حالة تغيّر وصيرورة وتدفق مستمر، وأن لا شيء يبقى على سيرته الأولى ، أو حالته التي كان عليها..
ممّا يعني أنّ الهوية والثبات ينعدمان باستمرار ، وأن الاختلاف وسرعة الزوال والتغيّر الصرف ، هو أصل الوجود برمته وهو حالته الدائمة.
حسب زعمي ، الصيرورة هي اولُ فكرة عينية ذات ثقل إدراكي حقيقي ، أمّا الكينونة والعَدَمْ فهما - بالنسبة لي - مُجرد تجريدات فارغة ، قد يأتي بها حال الفهم أحياناً لمحاولة حفظ الإتساق في التفكير لا أكثر ..
والوجود الوحيد الذي أقرُّ به ، فهو ما كان في الزمان والمكان ، وكل ما عدا ذلك ، إنما هو تخرّصات تاريخية قديمة ، لها أسبابها النفسية والرغبوية الواضحة ..
والتخرّصات الأسوأ - بالمناسبة - هي أحاديثنا الواثقة حول أشياء غير معلومة متخيلة ظنية ، وحاجات موهومة غير مستيقنة ، بعيدة كل البعد عن الواقع العياني ،
ولا تألفها أبسط قواعد المنطق السليم ، كما ولا تضمها أية صورة من صور التفكير أو مبادئه .
بمعنى آخر ، هي شكل من أشكال الهروب من عبئ المعرفة وعناء السؤال ، وبالتالي تسليم مقاد العقل خوفاً وجهلاً لما يُسمى بـ الموجودات الفكرية المحضة، والتي يُزعمُ أنها تقع خارج الزمان والمكان ..
لكن ما يهمني في الامر ، أن اصرارنا في هذا العصر على جعلها حقائقاً معينة ومقدسة، واستمرار إعتقادنا القطعي الجازم بأنها ذات منفصلة مُطلقة ، ومُتعالية على أي نقد منطقي أو تساؤل جوهري حولها ،
هو إرهابٌ ذهني متوارٍ ، و خسرانٌ ضمني فينا ، ومضادٌ قوي لفعاليتنا الانسانية التواقة دائماً للبحث عن الحرية ، والتي تشكل هي بحد ذاتها جوهر النماء الحقيقي لأي فهم إنساني عميق نبتغي به التطور والتقدم ..
يبقى في زعمي أيضاً ،
أن انشغال أولادنا بترّهات تلك التفاسير الجوفاء ، وحشو أفهامهم بركام لا ينضب من التأويلات الموهومة للقدماء ،
ثم الاستمرار في العزم ، والإصرار على جرم تلقينهم الماضي بأنه القبلة الأمثل ، والمستقبل الأجمل .
وبأن الأحكام اليقينية المسبقة على تلك التخرّصات المقدسة والمتهافتة ، هي عين الرضى والهدى والفهم والصواب والعلم والتقدم ..
هو بمثابة منح أجيالنا رخصة خبيئة وسامة ، ذات صلاحية مطولة للعنف المُبجّل ضد أنفسهم وضد الآخرين ..
أو دعونا نقول - على الأقل – هو بمثابة الحكم بالإعدام المتجدد على حوافز التفكير ووثبات الإرادة لديهم ، و للأجيال القادمة من بعدهم ..
للحديث بقية ..
#زكريا_كردي (هاشتاغ)
Zakaria_Kurdi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟