ادريس الواغيش
الحوار المتمدن-العدد: 6035 - 2018 / 10 / 26 - 03:24
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة: تـَمَـائِـمُ البَـطـْمَـة
بقلم إدريس الواغيش
شجَـرة بَطمَـة مُـبارَكة
الشجرة مَـركـُونة في رُكن قصيّ من مَـدخل القـرية
عُـصفوران جَـميلان فـَوق الشجرة
ذكـر وأنثى يستمتعان بظلالها الوَارفة، يُغـردان، يتناجَـيان
تترنـَّح شجَـرة البَـطمَة يمينـًا ويسارًا فرحـًا بألحانهما
يتـزوَّج العُصفوران، يضعَـان بيضًا
تكـُثر الأعشاش فوق البَـطمة، تتكاثر معها العَـصافير، ويزداد الضجيج. يتطايرُ إلى العقبان السَّابحة في السَّماوات العُـلى، والثعَـابين الجائعَـة، تأكل ما شاء لها من الطيُـور والعَصافير.
تنقرض الطيور وينقطع تغريدُها وضجيجها، تنصرفُ الثعابين إلى حَـال سبيلها، تبني العُـقبان أعشاشا كبيرة مكان الأعـشاش الصغيرة فوق أغصان البَـطمة، وتنقل إليها كل الطـَّرائِـد من الطيور والخراف والجـِيَـف والأسمَاك.
تتكـدَّسُ العِـظام والرّيـش وأشواكُ أسماك النهر المُجاور وصوف الخِـراف وأغصان شجَـر السِّـدر فـوقها بشكل مُـقـَزِّز. تتحَـسَّسُ البَـطمة وَطء العُـقبان كل يوم، تختنق، مع ذلك تتحَـمَّـل عُـنف صمتها في اللحَظات الهَـاربة، يَـدُّب المَـوْتُ تدريجـيًّا إلى كل مفاصلها إلى أن يسقط آخر غُـصن فيها.
تمُـرُّ الجَـدَّة قربَـها، لم تعُـد البَـطمة خَضرَاء ولا السماء زرقاء، تأخذ نفسـًا عَـميقا وتعُـودُ بالأيام إلى الصِّـبَـا تتفحَّصُ الذاكـرة، تعُـدُّ تجَاعِـيد وجهها وتتذكـَّر: من هنا مَـرَّت مع أمها ذات ربيع، يوم كانت لا تزال بنتا تـَدُبُّ الحَـيويَّـة في شرَايينها، هي الأخرى علقت تمَائم غزيرَة مثل غيرها على أغصان البَـطمة واستنجدت بفـَتيلات الثـَّوب المُـلون، ثم انتظرت عَـريسًا يَـدُق بَـاب دارهم، عاندت دَمْـعَـاتها الحَـبيسة وأكملت طريقها غير عَـابئـَة بشيء...!.
بَـطمة الأحلام وبعد عُـمْر طويل، لازالت واقفة على تخُـوم المَـوت، تجُـرُّ وَراءها كومة من الأحْـزَان والخـَيْـبات والأوهَـام مثل عَـوانس لا حَـظ لهن، استنجدن بأغصانها وفـرَّ منهن العِـرْسان إلى ديَـار الغـُربة بحثا عن عَـوالم ورَاء العتمة. غابت العُـقبان وغاب معها العِـرسان، والجدة تتأسف عليهن في صمت، لم تعُـد البَـطمة الكبيرة مَـلاذا كما كانت كي تعلقن عليها تمَائمهن مثل البارحَـة. لم يعد لهم مهرب آخر غـَير النظر في أسى إلى أحلامهن وهي تتشظي في صُـدورهِـن..
#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟