|
ما بعد الجعفري !
سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 1513 - 2006 / 4 / 7 - 10:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في البلدان العربية كثير ما يفزع الحكام للشارع طلبا للنجدة ، ذلك حين يضيق عليهم الخناق ، وحين يلوح خطر محيق بهم وبسلطتهم ، خطر قادم ممن أوصلهم الى سدة الحكم ، وأجلسهم على كرسيه ، وهذه القاعدة ، قاعدة لجوء الحاكم الى الشارع ، صارت مطردة في في أغلب البلدان العربية ، وصار حاكم هذا البلد يتعلمها من بلد آخر ، أو يتعلمها من حكام سبقوه للكرسي ذاته ، رغم أنه كان لوقت قريب معارضا لسياساتهم ، لكن لا ضير عنده في أن يقوم هو بإخراج تمثيلية كتلك التي سبقه إليها غيره من أولي الحكومة والحكم ، ومسرح هذه التمثيلية هو الشوارع دائما ، وكل الممثلين فيها هم من الناس الفقراء ، أو من المغلوب على أمرهم ، أو من أولئك الذين يرددون الهتافات ، ولا يفقهون ما يقولون ! ويحضرني هنا مثال عن حادث طريف وقع أمامي ، وذلك حين خرج الناس في مدينتنا ذات صباح في تظاهرة ، وبتحريض من حزب البعث الحاكم ، وقد كان جل المشاركين فيها من فقراء الناس المجبولين على الخروج بهذا الدافع أو ذاك ، وكان من بين الخارجين زميل طفولة لي ، كان هتاف مظاهرات منذ قيام ثورة الرابع عشر من تموز في العراق ، وكثير ما كان يهتف وقتها بسقوط حزب البعث ، وذلك حين يعتلى أعناق المتظاهرين ، صائحا بكل ما أوتي من قوة : ألا فليسقط حزب البعث العربي الاشتراكي ! لكنه اليوم يخرج في مظاهرة ينظمها حزب البعث الذي عاد ، وحكم العراق من جديد ، ولما عرف عن زميلي ذاك أنه من الهتافين في المظاهرات ، صاح كالعادة بأعلى صوته : ألا فليسقط حزب البعث العربي الاشتراكي ! وهو ذات الهتاف الذي كان يهتف به في عهد لم يكن لحزب البعث فيه سلطة في العراق ، ونسى أنه يسير اليوم في مظاهرة يرعاها حزب البعث نفسه الذي يهتف هو بسقوطه ، وأمام المئات من المتظاهرين ، ولهذا صاح به مسؤول منظمة الحزب ذاك ، والذي كان يسير في جانب من المظاهرة ، وبخبث واضح ، قائلا : ـ مالك ! ألم تتناول أنت طعام الفطور بعد ؟ رد عليه ، عُبيد ، وكان هذا اسمه : نحن لم نعرف من الأمر شيئا ، في الأمس كان يسقط ، وفي اليوم يعيش ! ويعني هو بهذا الذي يسقط ويعيش هنا حزب البعث . ولعمري أن تمثيلية المظاهرات هذه ، لو كانت تدفع شرا عن أحد لدفعت عن صدام قضاء الأمريكان الذي انقضّ عليه من البر والبحر والسماء في وقت واحد ، وألجأه الى حفرة في الأرض ، لكن إبراهيم الاشيقر ، الملقب بالجعفري ، عاد ولعبها من جديد ، وبذات الإخراج ، وبنفس الممثلين ، وعلى خشبة المسرح ذاتها ، فقد حمل فقراء الشيعة في مدينة الثورة من بغداد ، وفي بعض المدن الأخرى ، صورا للجعفري ، وراحوا يهتفون له بذات الحناجر التي هتفت لغيره من قبل . والغريب في الأمر أن الجعفري وأتباعه يعرفون عن يقين أن تمثيلية ، مثل هذه التمثيلة التي مثلوها ، ما نفعت صداما من قبل ، ولا حمته من الغضب الأمريكي الذي رأه الجعفري بأم أعينه في عيني وزيرة الخارجية الأمريكية ، كوندليزا رايس ، الزائرة للعراق قبل أيام من الآن ، وذلك حين أبلغ ، وبشكل واضح وصريح ، ومثلما اعترف هو بذلك لصحيفة الغارديان الانجليزية ، بوجوب الترجل من على صهوة كرسي الحكم ، فهو لم يكن ذلك الفارس الذي تريده أمريكا للعراق بعد أن جربوه لسنة ويزيد ، لأنه أظهر من الإخفاق والفشل الكثير ، فلا أمن ، ولا أمان حل في العراق ، ولا رزق طيب ، وعيش محمود رأت الناس فيه ، أولئك الناس الذين ظل الإرهاب يأكلهم ، وظلت حراب الميليشيات تنهش بهم ، وفي ظروف قاسية يطاردهم غلاء المحروقات ، وشحة لقمة العيش ، وضيق ذات اليدين . ذاك جانب ، وهناك جوانب أخرى رهن الجعفري نفسه لها ، وباختياره هو ، وقد أرادها منها أن تكون عونا له ، فصارت وبالا عليه ، فهو لم يفهم ، على ما يبدو ، حق الفهم علاقة العراق بالأمريكان اليوم ، ولهذا ، وفي ظل التنافس على المنصب دار ظهره هو للذين حملتهم أمريكا على ظهور دباباتها معه الى العراق من المنافي ، وراح يوثق علاقاته التحالفية بمنبوذين من قبل أمريكا ، هما مقتدى الصدر من داخل العراق ، وحكام إيران من خارجه . ومثل سوء التقدير ذاك فهم الجعفري أن الديمقراطية هي أن تفوز بصوت واحد ، ونتيجة انتخابات شابها الكثير من التزوير ، وعمليات قتل وإرهاب ، وأنها هي : أن تأتي أمريكا بقواتها الجرارة ، وبملايين دولاراتها الى العراق لتسقط صدام ، ومن ثم لتنصب الجعفري حاكما بدلا عنه ، وهذا على هدي من النظرية الساذجة التي سادت في أوساط الأحزاب الشيعية في العراق قبيل إسقاط صدام ، والقائلة : ( دع أمريكا تسقط صداما ، لنحكم نحن العراق عن طريق الديمقراطية فيما بعد للأكثرية التي عليها الشيعة في العراق ) ، هذا مع أن الجعفري قضى شطرا من حياته يتمشى على ضفاف نهر التايمز ، حيث تعطر ديمقراطية رأس المال أجواءه ! أينما سار ، وأينما اتجه . ويبدو أن الجعفري ما درى أن الديمقراطية لدى الأمريكان هي ديمقراطية رأسمال ، ديمقراطية الكارتل العظيم ، والشركات الرأسمالية الاحتكارية الضخمة ، صاحبة السفن التي تمخر عباب البحار ، والطائرات العملاقة العابرة للقارات ، وما درى كذلك أن حكومة تقيمها أمريكا في هذا البلد أو ذاك في عالمنا الفسيح هذا يجب أن تكون مطيعة ، ذليلة ، لا يعلو صوت حكامها على الصوت السيد الأمريكي ، ولكن الجعفري ، وبدلا من أن يكون حكام دول جنوب شرقي أسيا اسوة حسنة له ، ربط نفسه بحكام دولة الولي الفقيه التي أكل الدهر عليها وشرب . ليس من المعقول ، بعد ذلك ، أن الجعفري ما شاهد أو سمع عن تلك الطائرة التي حملت الملك حسين ، ملك الأردن ، وهو على فراش المرض من أحد المستشفيات الأمريكية ، والى العاصمة عمان ، وذلك من أجل أن يغيير وصيته في ولاية العهد الى ابنه عبد الله الذي تريده أمريكا ، بدلا من أخيه الحسن الذي كان قد أوصى له من قبل ، والذي لا يريده السادة في البيت الأبيض . ومع كل هذه الحقائق البينة يريد الجعفري الآن ، وهو الذي زكاه الانجليز لمنصب رئيس الوزراء لسنة تجريبية واحدة ، ووافق عليه الأمريكان على حذر كبير ، أن يقفز على تلك الحقائق ، ويظل متمسكا بمنصبه ، ولا يريد أن يتنحى طواعية ، وهذا ما سيؤدي الى إحالة القضية كلها الى البرلمان لينحيه حتما ، ودونما ريب ، وعندها سينقلب الجعفري وأتباعه من جند الصدر ، وجند ولاية الفقيه على الديمقراطية ، ويثورون على ما سيقرره البرلمان ، وقد تتخذ تلك الثورة نهجين متباينين ، أحدهما هو أن يقوم الجعفري وأتباعه ، وحلفاؤه من جماعة الصدر بالانسحاب من البرلمان ، وذلك من أجل إحداث إرباك في مجمل العملية السياسية المربكة أساسا ، وثانيهما هو أن يقوم أفراد ما يسمى بجيش المهدي ، وبدعم من إيران ، بأحداث شغب مسلح لا يحصد منها فقراء الشيعة في العراق سوى القتل والدمار . ولهذا نرى أن القوات الأمريكية قد وقفت الآن على استعداد تام لقمع أي تحرك تقوم به ميليشيا الصدر ، ليس ضد تلك القوات فحسب ، وإنما ضد قوات بدر المستهدفة من قبل تلك الميليشيات ، ودليل على الاستعداد هذا هو أن القوات الأمريكية قامت باسترداد مسؤولية الملف الأمني من أيدي شرطة صولاغ ، العاملة في جانب الرصافة من بغداد ، ذلك الجانب الذي تقع فيه مدينة الثورة ، حيث تتمركز فيها أغلبية عناصر تلك الميليشيات ، كما أن القوات الأمريكية ، ومثلما نقلت آخر الأخبار من العراق ، قد انتشرت من جديد في مدينة النجف ، واتخذت من سطوح بعض البنايات والبيوت مواقع لها ، وسارعت الى تجريد الشرطة ، والقوات العسكرية الأخرى في المدينة من بعض أسلحتها ، كما أنها قامت بعمليات وقائية ضد مجاميع من ميليشيات الصدر في الحي العسكري من مدينة كربلاء ، وعلى إثر ذلك تم اعتقال مجموعة منهم بإنزال عسكري على سطوح بعض المنازل فيه ، ذلك الإنزال التي حاولت شرطة كربلاء التدخل ضده ، لكن القوات الأمريكية ردتها على أعقابها دون أن تسمح لها بفعل شيء يذكر ، ويبدو أن الأمريكان يتوقعون حدوث قتال سيبدأه جماعة الصدر ، حلفاء الجعفري ، ضد جماعة الحكيم التي طالب أكثر من ممثل لها في الإئتلاف العراقي الموحد ( الشيعي ) بسحب ترشيح الجعفري لمنصب رئاسة الوزراء في العراق ، وكان آخر المطالبين من هؤلاء ، هو نائب الجمهورية ، عادل عبد المهدي ، وذلك بعد أن اقتنع جماعة الحكيم بأن الجعفري صار مرفوضا من جميع الأحزاب ، والكتل السياسية العراقية ، ومن الدول العربية ، ومن الدول المتحالفة خاصة أمريكا وبريطانيا ، وهو مرفوض كذلك من نصف ممثلي الائتلاف العراقي الموحد ( الشيعي ) ، لكن رغم هذا يصر الجعفري ، وفي مكابرة واضحة ، على أن الشعب العراقي هو الذي قد رشحه لهذا المنصب ، وهذا خطأ آخر يضاف الى تلك الأخطاء الفادحة التي ارتكبها هو رغم الشهور القليلة التي انصرمت له كرئيس للوزراء في العراق ، وذلك حين اعتمد في تحالفاته على قوى خاسرة ، تناصب أمريكا العداء في تصريحات رنانة على أقل تقدير ، وأعني بذلك جماعة الصدر في داخل العراق ، وحكام طهران في الخارج منه ، كما أنه ارتكب خطأ فادحا آخر حين اعتقد أن فتوى من السستاني الذي حاول الجعفري أن يجعل منه مرجعا له ولجماعته ستحسم الأمر لصالحه ، وإذا لم يستجب السستاني لطلبه ، فإن المخابرات الإيرانية ( إطلاعات ) المحيطة ببيته كفيلة بالضغط عليه ، أي السستاني ، وذلك من أجل إصدار مثل تلك الفتوى ، وهذا المسعى هو الذي كان وراء انتشار إشاعة مغادرة السستاني العراق ، والى دولة عربية مجاورة .
#سهر_العامري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرب الأسماء في العراق !
-
عند ضفاف المعدمين !
-
النهج الأمريكي الجديد !
-
إبن فضلان والعودة الى بغداد !
-
الشيطانان يلتقيان !
-
قصيدتان : السؤال وغزل
-
الشهواني يلوح بحظر منظمة بدر كمنظمة إرهابية !
-
العراق والحرب الأهلية !
-
الجعفري عاد من تركيا دونما توديع !
-
انتصرت أمريكا وخسرت إيران !
-
مضحك من مضحكات الوضع في العراق !
-
القراصنة (Vikingarna )
-
فرق الموت الصولاغية !
-
إيران بدأت زج الشيعة العراقيين في معركتها مع الغرب !
-
الأخبار في طوق الحمامة 3
-
الجعفري بمشيئة إيران الى رئاسة الحكومة في العراق ثانية !
-
الأخبار في طوق الحمامة 2
-
- الأخبار في طوق الحمامة - 1
-
مرام تجسيد للوطنية العراقية ونبذ للطائفية والعنصرية !
-
العراقيون : هجرة أخرى الى دول اللجوء !
المزيد.....
-
قيادي في “حماس” يكشف لـCNN موقف الحركة من المقترح الإسرائيلي
...
-
مصر والجزائر تؤكدان رفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم تحت أي ذر
...
-
نائب عن حزب الله: نقاش الاستراتيجية الدفاعية يجب أن يكون بعد
...
-
-نيويورك تايمز-: هل ستحمي الولايات المتحدة نفسها من رئيسها؟
...
-
أول لقاء بين الشرع والسوداني بعد أشهر من العلاقات الحذرة
-
لافروف وروبيو يبحثان مواصلة العمل وصولا لمعالجة موثوقة للأسب
...
-
سيارتو: بروكسل منغلقة على نفسها
-
مندوب ليبيا بمجلس الأمن: لا حل للأزمة ببلدنا دون سلطة مدنية
...
-
الجزائر تطالب بانسحاب القوات الأجنبية من ليبيا والاحترام الك
...
-
واقعة صادمة.. مجهول يتسلق سور مدرسة مصرية ويعتدي جنسيا على ت
...
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|