|
عاطف الطيب .. و الشرس .. و الجميل
طارق ناجح
(Tarek Nageh)
الحوار المتمدن-العدد: 6025 - 2018 / 10 / 16 - 16:11
المحور:
الادب والفن
هل هو نسترادموس .. العرَّاف الشهير الذي رحل منذ قرون و مازال البعض يلجأ إلى تنبوأته و تفسيرها ؟؟ هل هو عَرَّاف السينما المصرية ؟؟ فبعد أن قام بإخراج فيلم " البرئ" بعدة أشهر حدثت أحداث الأمن المركزي و تمردهم على أوضاعهم المتردِّية في منتصف الثمانينات من القرن الماضي . سجلَّت جميع أفلامه بكل جرأة العديد من أوجه الفساد و التجاوزات في مختلف مجالات الحياة و بعض أجهزة الدولة و على رأسها الأجهزة الأمنية ، و كأنه واحد ممن تعرضوا للظلم و القهر و الذل ، أو أنه أحد ضحايا الفساد والإهمال الذي إستشرى في حياتنا حتى أصبح أمر واقع و ما عَداه هو غير المألوف والشاذ و كان ذلك واضحا جلياً في أفلامه .. و كان ذروتها في فيلم " الهروب " .. الشاب الصعيدي الذي بهرته أضواء المدينة و إضطرته الحياة و قسوتها أن يتنازل عن برائته و مبادئه ، و لكنَّهُ لم يستطيع أن يبيع أهل قريته الذين تربى و عاش وسطهم و يعرف معاناة كل واحد منهم ، و كان الثمن حريته وإنهيار حياته و من ثَمَّ الإنتقام و الهروب ثُمَّ الموت بأمر واحد من قيادات الأجهزة الأمنِيَّه الذين يقامرون بحياة الناس التي لا تساوي فِلس في نظرهم .. و لو أدرك نظام مبارك أن أفلام عاطف الطيب هي مرآة للواقع ، و أنه لابد من إصلاح الخلل و رفع الظُلم ، ربما كُنَّا لا نزال نستمع إلى خُطَبِهِ الرنَّانَة حَتَّى الآن .. فالشعب يمكن أن يغفر أي شئ إلا الذل و المهانة و الإستهتار بحياته و كأنها حياة بعوضة أو هاموشَه . عندما كان الطيب يدرس في معهد السينما ، قسم إخراج ، لم يثير هدوءه و إنطواءه فضول و إنتباه أستاذه و رائد الواقعية في السينما المصرية ... المخرج الكبير " صلاح أبو سيف " ، و لكن سرعان ما أثارت أفلامه ضجَّة ، و أعلنت عن خليفة صلاح أبو سيف في الواقعية .. فشخصيات أفلامه ثلاثية الأبعاد ، من لحم و دم ، هي أنا أو أنت أو أي واحد من ملايين الشعب المصري المكافح و المناضل في حرب البقاء .. حرب الإستمرار بالحياة بسيطة و هادئة رغم الشقاء .. لا نحلم بقصور فاخرة أو سيارات فارهة حيث تُرضينا أبسط الأشياء .. و نحمد الله على نعمة الصحة و الستر والضراء قبل السراء .. نمشي ( جوَّه الحيط ) ، وليس بجانبه .. فليس للشر مِنَّا سوى البُعد و الغناء .. عملاً بالمثل القائل " إبعد عن الشر و غنِّي له ".. و ليس أدل على ذلك أكثر من أفلامه .. سواق الأتوبيس ، الحب فوق هضبة الهرم ، الهروب ، البرئ ، كتيبة الإعدام ، ضد الحكومة ، الدنيا على جناح يمامة .. فلا زلت أذكر مقولة مرفت أمين " إيمان" لـ يوسف شعبان " حسن " في الفيلم المذكور أخيراً ، من تأليف الكاتب الكبير وحيد حامد ، بأن " المُهْمِل ( الذي تسبب بإهماله في موت أشخاص ) يجب أن يعاقب مثل القاتل ، لأن الإهمال قتلنا و دمَّر حياتنا " لأنه كما أن الفتنة أشد من القتل ، فأيضا الإهمال أشد أنواع القتل و الفساد .. فالمُهْمِل لا يقتل شخص بعينه بل يقتل جِيِلاً بأكمله .. عاطف الطيب ( 26 ديسمبر 1947- 23 يونيو 1995 ) هو موهبة إستسنائية في الإخراج لذا كان عليه ، أيضاً ، التعامل مع مواهب إستسنائية في التمثيل .. بِدءً من الأسطورة ، إمبراطور التشخيص ( فهو يعيش الشخصيات و لا يقوم بتمثيلها ) النمر الأسود أحمد زكي .. مروراً بالساحر محمود عبدالعزيز .. و صولاً لـ "الأستاذ" نور الشريف .. فَجَمِيعَهُم تقريباً من نفس الجيل ، الجيل الذي تَفَتَّحَت عيونه على ثورة يوليو التي كان أعظم إنجازاتها ليس التأميم أو بناء السد العالي ، أو حَتَّى توزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين البسطاء الذين ذاقوا الأَمَرَّين في أبعاديات و وسايا الخواجات و الباشاوات .. بل كان أعظم إنجازاتها هو روح الثورة ذاتها .. روح الإنتماء وحب الوطن .. روح العمل و الأمل و الإخلاص .. روح الإرادة و العزيمة لجعل مصر واحدة من أهم و أعظم دول المنطقة بل و العالم .. حَتَّى و إن إصطدم هؤلاء الشباب بواقع مرير مؤلم .. و حياة سياسية و إجتماعية نخرها السوس و الفساد ، و لكن هذه الروح لم تموت بداخلهم .. روح الثورة على الواقع و كشف خباياه و مآسيه .. تلك الروح التي عاش بها نجوم هذا الجيل .. أحمد زكي ، عادل إمام ، نور الشًريف ، محمود عبدالعزيز ، ممدوح عبدالعليم ، عاطف الطيب ، وحيد حامد ، محمد خان ، داود عبدالسيد ، علي بدرخان ، شريف عرفه ، سمير سيف ، و غيرهم الكثيرين الذين عاشوا الحلم ، و حاولوا تغيير الواقع .. و كان هذا واضحاً في أفلام الثمانينات و التسعينيات من القرن الماضي .. عاطف الطيب رغم رحيله المُبكِّر (47عاماً) إلَّا أنه واحد من أهم و أعظم مخرجي السينما المصرية و العربية . رحم الله عاطف الطيب .. إبن مصر البار الذي عَبَّر بأفلامه عن هُموُمَنا و أحلامنا .
#طارق_ناجح (هاشتاغ)
Tarek_Nageh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لَا أَسْتَطِيعُ العَيْشَ بِلَا نِسَاءٍ
-
إبن الخال
-
يوميات زوج مطحون
-
حبك فاق الإحتمال
-
في دراما رمضان : كثير من العنف .. قليل من الحب
-
بروس لي .. الأسطورة و الحلم
-
أبوكم السقا مات
-
عمارة يعقوبيان
-
الحلم مستمر
-
سائق الميكروباص (1)
-
على ضفاف نهر الحب (5) و الأخيرة
-
جعلوني مجرماً … تشريد 53 أسرة وإهدار مايقارب 15 مليون جنيه
-
جيت لي .. قلب مجهد و أسطورة لن تموت
-
على ضفاف نهر الحب (4)
-
على ضفاف نهر الحب (3)
-
على ضفاف نهر الحب (2)
-
على ضفاف نهر الحب (1)
-
في مترو المرغني
-
عندما يتكلَّم الحُبّ .. يَصمُت العُشَّاق
-
لعنة أغسطس
المزيد.....
-
كيف ألهم عالم الموضة والأزياء الأفلام السينمائية؟
-
عــرض مسلسل حكاية ليلة الحلقة 5 مترجمة قصة عشق وقناة الفجر
-
مغامرات القط والفار 24 ساعة.. تردد قناة توم وجيري TOM and JE
...
-
عمّان.. الشاعر الكتالوني جوان مارغريت مترجما إلى العربية
-
-الرياض تقرأ-.. هيئة الأدب تطلق المعرض الدولي للكتاب وقطر ضي
...
-
-الرياض تقرأ-.. انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 202
...
-
الأردن يرشح -حلوة يا أرضي- للمنافسة على أوسكار أفضل فيلم دول
...
-
على المسرح.. مغنية شهيرة تتعرض لجلطة دماغية
-
“القط والفار 24 ساعة”.. إليك تردد قناة توم وجيري TOM/JERRY 2
...
-
روسيا.. مهرجان الأطفال الدولي يقدم مسرحية عن الفيزيائي الشهي
...
المزيد.....
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
-
البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان
...
/ زوليخة بساعد - هاجر عبدي
-
التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى
/ نسرين بوشناقة - آمنة خناش
المزيد.....
|