طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 6023 - 2018 / 10 / 14 - 03:56
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
نشر احد الاصدقاء مادة في الفيسبوك بخصوص الشجاعة جاء فيها:
"سأل أستاذ مادة القانون طالبا : ما اسمك ؟
فأجابه الطالب ، فقام الأستاذ بطرده بدون سبب.
حاول الطالب الدفاع عن نفسه فنهره الأستاذ وأخرجه من قاعة المحاضرات.
خرج الطالب وهو يشعر بالظلم والطلاب صامتون.
ثم بدأ المحاضرة وسأل الطلاب : لماذا تم وضع القوانين .. ؟
فقالت إحدى الطالبات : لضبط تصرفات الناس. وقال طالب آخر : حتى تُطبَّق. وقال طالب ثالث : حتى لا يجور القوي على الضعيف.
فقال الأستاذ : نعم. ولكن هذا غير كافٍ.
فرفعت طالبة يدها وأجابت : حتى يتحقق العدل.
فقال الأستاذ : نعم. هذا هو الجواب . لكي يسود العدل.
والآن. ما الفائدة من العدل ..؟
فأجاب طالب : كي تُحْفَظ الحقوق ولا يُظْلَم أحد.
فقال الأستاذ : الآن أجيبوا بلا خوف. هل أنا ظلمت زميلكم عندما طردته .. ؟ فقالوا جميعاً : نعم.
فقال الأستاذ وهو غاضب : إذن لماذا سكتم ولم تفعلوا شيئا .. ؟! ما الفائدة من القوانين إن لم نملك شجاعة لتطبيقها .. ؟!
إنكم إن سكتم عندما يتعرض أحد للظلم ولم تدافعوا عن الحق تفقدوا إنسانيتكم ، والإنسانية غير قابلة للتفاوض.
ثم نادى الأستاذ على الطالب الذي طرده واعتذر له أمام جميع الطلبة وقال : هذا هو درسكم اليوم ، وعليكم أنْ تحققوه في مجتمعكم ماحييتم."
-----------
ولذلك اعقب تعقيبيين هنا. الثاني اكثر جدية من الاول.
--------------
التعقيب الاول:
كيف تكون شجاعا في 4 خطوات او 5 خطوات في اقصى حال!
https://www.k3af.com/2014/11/be-brave.html
---------
التعقيب الثاني:
اني اعتقد انه لو كان الكل يمارس الشجاعة تجاه الظلم لاصبحت الشجاعة شيئا طبيعيا ولما سميت شجاعة ولن يكون هنالك ظلما اصلا يحتاج شجاعة لمواجهته.
وللاسف الشديد ان اغلبية العوائل العراقية (والكلام يدور حول العراق اساسا وان كان يسمح ببعض العمومية), حسب معلوماتي المبتسرة ولذا لربما اكون خاطئا, والمدارس ايضا لا تعلّم الناس موضوعة الشجاعة الادبية وكيفية تعرف كل مواطنة او مواطن على حقوقها او حقوقه والدفاع عنها من خلال علوم الكلام والبلاغة والمنطق والتواصل. ونفس الكلام ينطبق ايضا لحد كبير على مؤسساتنا الدينية واحزابنا السياسية سواء كانت دينية او علمانية او ما بينهما.
وثقافتنا الشعبية تقمع الشجاعة الادبية وتلقي باللوم على من يمارسها لانهم, انصياعا لمنطق هذه الثقافة, لا ينصاعون لما تقوله الامثال الشعبية وثقافتها وسطوتها, مثل المثل العراقي القائل "الباب اللي تجيك منها الريح سده واستريح!" وطبعا الشعار دوما هو الراحة, والراحة الابدية قد تكون اسما من اسماء الموت!
وما يُحرك شعوبنا هو ليس غريزة الحياة بل ان ما يسود يشل حركة شعوبنا, غريزة الموت, غريزة الراحة وسطوة العادة, وكلما كانت الراحة اطول زمنيا كلما كانت افضل وكلما كانت السعادة اكبر ولذا شعار "شعب سعيد" لدى البعض يترجم في واقع الحال الى شعب ميت (ادبيا-اخلاقيا!) او بائسا, فالسعادة ليست من مقومات الاخلاق وقد تكون نقيضها. والراحة اللانهائية او الابدية تتحقق فقط عندما يُطوى المرء الثرى (المؤمنون بعذاب القبر قد يختلفون؟). ان شعوبنا تتسابق نحو الموت بسباقها نحو الراحة.
ولا يوجد حسب علمي مجهود لغوي عراقي لتفكيك امثالنا الشعبية واظهارها, الكثير منها وليس كلها بالطبع, على حقيقتها باعتبارها احيانا او في احيان عديدة تكون بمثابة اداة جهنمية تستخدم لقمع الحريات ولكبح التصدي لما هو غير صحيح من ظلم اجتماعي او تمييز, وسُيقمع جهدُ كهذا باعتبار الموضوع من المحرمات او التابوهات. وكانت هنالك مجلة (التراث الشعبي) تصدر في بغداد في سبعينيات القرن الماضي لصاحبها عبد الحميد العلوجي وكنت مواظبا بعض الشئ على قرائتها وكان من المهتمين ايضا بدراسة الامثال الشعبية الشيخ جلال الحنفي وكان هنالك ايضا اهتمامات جدية واكاديمية بعلم الفلكلور وخصوصا من قبل (مجلة الاقلام), ولكن دراسة الامثال الآن وتفكيكها للكشف عن مغزاها الحقيقي وكذلك دراسة علم الفلكلور قد اندثرتا عموما, حسب علمي, لصالح نسخ مقولات غيبية او دينية مكررة كتكرار الموت وتساهم في تغريب الفرد عن نفسه ومجتمعه, اضافة الى استخدامها كأداة قمعية هي الاخرى بحد ذاتها وايضا من خلال افساحها المجال للأمثال الشعبية التي تدخل ضمن نفس السياق القمعي في ان تنتشر هذه الامثال انتشار النار في الهشيم لتحرق جذوة الامل وتطفئ تعطش الروح نحو الانعتاق والتحرر.
فاصبح السباق سباقا ماراثونيا, يستنزف العقل والجسد, لمن يستطيع ان يظهر المزيد من التلون والتحورب (من حرباء؟) وان يحني ظهره كاحسن جمبازيي العالم.
والفولكلور كعلم اندثر او كاد بفضل سيادة العولمة وتسطيحها للثقافات الشعبية او المحلية وتجريدها الشعوب من ثقافاتها الاصيلة كي تنتشر ثقافة العولمة, ثقافة الدولار الامريكي الذي يلغي الفروق بين عالم الدين وعالم الثروة بحمله عبارة
In God We Trust
"في الله نثق!"
واصبح الدولار صك غفران للصوصية, وعملة المافيا المفضلة, المحلية كما العالمية.
وعندنا تجد هذه المقولة تجسيدها من خلال تسييس الدين والغاء الحدود بين السياسة والدين او تمييعها. واية دعوة للفصل بين الاثنين ستعتبر هرطقة او كفرا تستحق القصاص والموت الزؤام. والهرطقة هي ليست هرطقة ولكنها تصبح هكذا لكونها تشكك في عبارة الدولار وتسعى الى تفكيكها, محليا ان لم يكن امميا او عالميا. فالذين يسعون الى تسييس الدين وتكريسه هم انصار الدولار وسطوته عالميا ومحليا.
وبذلك تصبح معاداة الدولار وثقافتها معاداة صريحة لالله وكفرا وهرهطقة. وشعوبنا انطلت عليها الحيلة او انها تقبلتها براحة صدر وخصوصا ان العديد من افرادها بسبب الحروب والويلات يعانون من احتراق داخلي burn out او حتى كآبة تكبح قواهم الفكرية والجسدية (وثقافة الطب النفسي ايضا ضعيفة جدا لدينا لاسباب بعضها يتعلق بممارسة الطبيب النفسي نفسه لمهنته ومفهومه الضيق او البيولوجي-دوائي فقط لعلاجها على حساب عوامل اجتماعية او سياسية), وتؤدي الى وهن فكري وجسدي يُحرِم الشجاعة من ادواتها. فشعوبنا تروم الحصول على الدنيا والآخرة معا, وكما يبدو من العبارة التي تزين الدولار, اي في ان يضربوا عصفورين بحجر. والناس تهرب من الكآبة بتكديس الدولار, ولكنها تفشل دوما ومهما حاولت. والفقر ليس مضادا اوتوماتيكيا لثقافة الدولار, بل انه في اكثر الاحيان يعزز هذه الثقافة ويقويها. ولذا تشجع السلطة الفقر او لا تكافحه جديا.
والنتيجة هي ان يجني القليل من شعوبنا البعض او المزيد من الدولار والعديد يلاحقونه. وتكديس الدولار وملاحقته لا تحتاج الى ثقافة شعبية, او عالمية. انها فهلوة وشطارة وعلاقات عامة ووضع قناع الشخصية على حد تعبير ماركس, وحتى ايضا وضع هذا القناع من قبل من يزعم الماركسية او الشيوعية لأن هؤلاء لا يستطيعون انقاذ انفسهم من سطوة اللغة او الخطاب العام الذي يتكلمه الافراد ويسجلون بذلك موتهم (الصغير!) واندثار اصالتهم كبشر, والرقص على حبلين او اكثر. وتصبح الشجاعة هي الجرأة في التحايل و"قرقوزاتية" لبخس حق الآخرين. الشجاعة هنا, كمفهوم, قُلبتْ رأسا على عقب واصبحت تُسوّق عولميا ومحليا كشجاعة رغم انها نقيضها التام. وهذا يذكرني برواية "من الفئران والرجال (او البشر)" من تأليف الكاتب العظيم جون شتاينبك التي نشرت عام 1937, وتحكي قصة جورج ميلتون وليني سمول, وهما عاملان مهاجران ينتقلان من مكان إلى مكان في كاليفورنيا بحثاً عن فرص عمل جديدة خلال فترة الكساد الرأسمالي الكبير في الولايات المتحدة في اعقاب عام 1929.
حول العلاقة بين الرواية والرأسمالية, يمكن مراجعة المقالة
80
years on, Steinbeck’s classic still packs a punch
https://www.greenleft.org.au/content/80-years-steinbeck%E2%80%99s-classic-still-packs-punch
وكذلك برواية "موت بائع" للكاتب اليساري الامريكي الكبير آرثر ميلر (زوج مارلين مونرو لفترة من الزمن), التي تصور انحطاط الرأسمالية واحالتها الانسان الى بضاعة (مارلين مونرو لربما هي الاخرى لم تستطع مقاومة اغواء الرأسمالية التي احالتها الى ايقونة جنسية وبالضد من رغبتها كممثلة سينمائية اصيلة, مما سبب كمحصلة في انهاكها جسديا وروحيا والاسراع في موتها المأساوي. انها لم تكن بصلابة المسيح الذي استطاع مقاومة الاغواء الاخير ولربما لو عايش المسيح الرأسمالية لما استطاع هو مقاومة الاغواء الاخير ايضا
The Last Temptation of Christ
https://www.imdb.com/title/tt0095497/
وبالتالي احلال المسيحية وعموم الاديان لربما بدين الرأسمالية
Capitalism as Religion
WBenjamin and Max Weber
Historical Materialism 17 (2009) 60–73
http://www.urbanlab.org/articles/moneyspeak/Lowy%202009%20-%20capitalism%20as%20religion.p (df
وقد تم ايضا تحويل الرواية الى فيلم. المزيد في
Capitalist Society in The Death of a Salesman by Arthur Miller
https://www.bartleby.com/essay/Capitalist-Society-in-The-Death-of-a-PKA7KQZTC
ونحن في حاجة ماسة وعاجلة في العراق الى علماء لغة وفولكلور لتفكيك الثقافة السلطوية الكامنة في لغتنا وامثالها الشعبية وللحيلولة دون تسييس الدين لصالح ثقافة العولمة, ثقافة الدولار, ثقافة الظلم والافقار التي تختزل الانسان الى حيوان, وللمزيد من الشجاعة في مقاومة ثقافة الدولار وتسييسه للدين-عراقيا!
واني اقترح ايضا على المظمات الثورية ادراج الروايات المذكورة اعلاه او مثيلاتها ضمن التثقيف الذاتي, وكذلك دراسة علوم الفولكولور وتفكيك اللغة والمنطق, كعناصر لا غنى عنها في خلق الشجاعة الادبية والروح الثورية اللازمة لمناهضة العولمة الرأسمالية واحالتها الانسان الى بضاعة للبيع والشراء, وقد تجلى هذا الامر مؤخرا في العراق باحط اشكاله ب(شبهات!) بيع منصب رئاسة البرلمان لقاء مبلغ كبير, وخصوصا ان انصار شعار "شعب سعيد" لجؤا, كالعادة وبتكرار حتميته هي حتمية الموت, الى حكمة المثل الشعبي المذكور اعلاه فلم يرفعوا صوتهم احتجاجا, حتى ولو خافتا, في البرلمان بالضد من الاتجار بالبشر او اختزالهم الى ما هو بمثابة بضاعة!
ولينين نفسه اكد على اهمية المنطق وضرورته البالغة. فقد قال انه لا يمكن فهم كتاب رأس المال لماركس بدون دراسة كتاب علم المنطق لهيغل.
وشعار (روزا لوكسمبورغ!) لا زال يحتفظ بواقعيته وجدواه واهميته الفائقة وقتها, كما هو الآن, "اما الاشتراكية او البربرية"! والرأسمالية تثبت يوما تلو الآخر للكل, ما عدا طبعا عبيد ثقافة الدولار ومافياته, وبكل عناد وصلافة وبدون ادنى استحياء انها تنتمي الى عالم البربرية. لذا ان ازالتها من الوجود ضرورة لا بد منها, البارحة كما اليوم!
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟