|
اللّا عنف.. القوة الخارقة
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 6019 - 2018 / 10 / 10 - 18:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أعادنا تدشين تمثال اللّاعنف في منطقة الزيتونة باي في بيروت، وبمبادرة من أونور (الكلية الجامعة للّاعنف وحقوق الإنسان)، بمناسبة اليوم العالمي للّاعنف، إلى رمزية هذا التمثال الذي نُصب لأول مرّة في السويد (مدينة مالمو ) العام 1980 ولاحقاً أمام مبنى الأمم المتحدة في نيويورك ونحو 30 مدينة في العالم، وهو من عمل الفنان السويدي كارل فردريك روتيرزورد، ردّاً على مقتل صديقه جون لينون، الفنان والناشط السلمي الأمريكي. التمثال الذي ينتصب الآن في بيروت، أوّل مدينة عربية تحتضنه، يقوم على فكرة بسيطة، أساسها المسدس المعقوف (المعقود) لمنعه من إطلاق الرصاص. وقد اعتُمِدَ هذا التمثال كرمز للّاعنف من الأمم المتحدة، التي قرّرت في العام 2007 اعتبار يوم 2 أكتوبر / تشرين الأول من كل عام يوماً للّاعنف على الصعيد العالمي، وهو يوم ميلاد المهاتما غاندي الزعيم الهندي وصاحب نظرية المقاومة المدنيّة السلميّة اللّاعنفية، لما تمتلكه من قوة خارقة في مواجهة العنف. وقد حضر إلى لبنان بهذه المناسبة آرون غاندي (حفيد غاندي)، ليدشن مع ثلّة من أصحاب الفكر والثقافة ودعاة اللّاعنف، نصب هذا التمثال في أول بلد عربي، حين استجاب مجلس الوزراء اللبناني بأريحية، واتخذ مبادرة بتوصية من وزارة الثقافة واقتراح من أونور، إصدار مرسوم لاعتبار يوم 2 أكتوبر/ تشرين الأول يوم اللّاعنف في لبنان الذي يحتفل فيه، إضافة إلى موافقة وزارة التربية والتعليم، على اقتراحها اعتماد «التربية على اللّاعنف» كمادة مقرّرة لجميع المراحل الدراسية. ويقوم خطاب اللّاعنف على إيقاظ الضمائر والتأكيد على ضرورة عدم مجابهة العنف بالعنف، لأن استخدام العنف ضد العنف يعطي مبرراً للآخر لكي يتمادى في عنفه، وهكذا يلد العنف عنفاً والتعصّب تعصّباً والتطرّف تطرّفاً والإرهاب إرهاباً. وحسب ميخائيل نعيمة، فالبغض إذا قوبل ببغض ولّد بغضاً، وإنْ قوبل بالمحبة، فإما أن يصاب بالعقم فينقرض نسله، وإمّا أن يتلقّح بالمحبة فينقلب محبّة. الأساس في مفهوم اللّاعنف هو رفض العنف، سواء عنف الآخر ضد الذات أو عنف الذات ضد الآخر، فكلاهما يؤدي إلى نزع إنسانية الإنسان، لأن أي ممارسة للعنف ضد الآخر ستكون في الوقت نفسه عنفاً ضد الذات أيضاً بنزع إنسانيتها. اللّاعنف هو خيار مواجهة من نوع جديد يعتمد وسائل وآليات جديدة، أي لا عنفيّة وسلميّة ومدنيّة من أجل الوصول إلى الغاية المنشودة، وطالما يُفترض في الغاية أن تكون شريفة، فالوسيلة هي الأخرى ينبغي أن تكون كذلك، لأن الوسيلة تكمن في الغاية، مثلما تكمن البذرة في الشجرة، حسب المهاتما غاندي، أي أن هناك ترابطاً عضوياً بينهما لا انفصام فيه. وإذا كانت الغايات بعيدة وغير منظورة، فالوسيلة معروفة، لذلك اقتضى توحيد الوسيلة بالغاية، لأن كلاً منهما يكمّل الآخر، وفي ذلك نقض للمفهوم الميكافيلي الذي يذهب إلى اعتبار «الغاية تبرّر الوسيلة»، خصوصاً أن هذا المفهوم أصبح كثير الشيوع في السياسة والممارسة العملية التي تبرّر استخدام جميع الوسائل، بما فيها غير العادلة واللّاشرعية بزعم الغايات العادلة والشريفة، وقد برّرت الكثير من الأنظمة السياسية أفعالها بادعاء خدمة الإنسان وغاياته البعيدة المدى ومستقبله المنشود، مضحيّة أحياناً بحرّياته وحقوقه وحاضره لغايات غامضة أو ملتبسة أحياناً، حتى وإن تغلّفت بخيوط من ذهب. وإذا كان الروائي الروسي تولستوي، الأب الروحي للّاعنف، فإن رواده الأساسيين أخذوا يعملون، وكل حسب ظروفه وخصائص مجتمعه، لتحقيق فكرة المقاومة اللّاعنفية، وكان أبرزهم غاندي الذي انتصر على بريطانيا، أعتى إمبراطورية في العالم يومها، وهي الفكرة ذاتها التي دعا إليها عبد الغفار خان الذي سجنه البريطانيون ما يزيد على 30 عاماً، لكنه لم يدعُ للثأر والانتقام، وفي الوقت نفسه لم يرضخ ولم ينكفئ أو يستسلم، ومثل هذه القوة الخارقة هي نفسها التي حمل روحها مارتن لوثر كنج بتصدّيه للقوانين والأنظمة العنصرية في الولايات المتحدة في إطار حركة الحقوق المدنية. بقي أن نقول إن مفهوم اللّاعنف لا ينبغي أن ينصرف إلى الفكرة الدارجة حول الاستسلام أو الخنوع أو الرضوخ، لأنه فعل مقاومة من نوع مختلف. ومن باب العرفان بالجميل وإعطاء كل ذي حق حقه، علينا الاعتراف أن أوجاريت يونان ووليد صليبي كانا من أبرز رواد اللّاعنف في عالمنا العربي، حيث عملا برفقة حميمة طوال 3 عقود من الزمان حتى تمكّنا من زرع بذرة اللّاعنف بمشاركة كوكبة لامعة من المفكرين والنشطاء اللّاعنفيين، خصوصاً أن طريق اللّاعنف، كما أكّد العديد من التجارب، أنها الأسلم والأقل تكلفة مادياً ومعنوياً وروحياً حتى وإن كانت طويلة. ومثلما اعتقد غاندي أن اللّاعنف يمكن أن يغيّر مجرى التاريخ، لأنه يمتلك قوة خارقة، هي قوة الحق والسلام والانتصار للإنسان وإنسانيته، فإن حركة اللّاعنف، وإنْ كانت نخبويّة ومحدودة، لكنها يمكن أن تكون وبالتراكم قوة التغيير نحو الأفضل في عالمنا العربي.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في استشكال «حوار الحضارات»
-
تونس والعرفان - كتاب جديد عن الدكتور عبد الحسين شعبان
-
روسيا «المسلمة»!!
-
سيناريو ما بعد البصرة!
-
كلام في معنى الحفاظ على الهوية
-
مالمو (السويدية) تحتفي بالمفكّر العراقي عبد الحسين شعبان
-
عن الاختفاء القسري مرّة أخرى
-
هل بات عزل ترامب وشيكاً؟
-
المغطس العراقي
-
قول ثان في الطائفية
-
روح العصر والعمل الحقوقي
-
ثقافة التعايش وفقه الحوار
-
الإرهاب والدين.. علاقة آثمة
-
كلمة الدكتور شعبان في ندوة أعمدة الأمة الأربعة
-
ظاهرة عمل الأطفال في العمل الإسلامي وسبل التصدّي لها
-
الرئيس الأمريكي والكتب
-
هل تفلح انتفاضة الكهرباء في العراق في تعديل مسار العملية الس
...
-
55 عاماً على حركة معسكر الرشيد - استعادة شخصية
-
مستقبل الإقليم.. تكامل أم تناحر؟
-
لبنان الحائر والمحيّر!!
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|