|
القراءة النسوية والجنوسة في الخطاب المسرحي العراقي المعاصر . المحور الثاني : دور المرأة في المسرح العالمي
مصطفى جلال مصطفى
الحوار المتمدن-العدد: 6018 - 2018 / 10 / 9 - 10:12
المحور:
الادب والفن
مازالت دراسة قضايا المرأة فى المسرح مشوبة بكثير من التساؤلات النقدية وكيفية عرضها على الرغم من مناداة البعض بضرورة تخطى الصورة القديمة للمرأة فى المسرح واستبدال هذه الصورة بصور أخرى تطرح معالجة سوية لقضايا المرأة ولازالت الضجة حول مسمى ( المسرح النسائى ) مثاراً للكثير من التساؤلات التى لا تكاد تهدأ حتى تثيره بعض النساء الناقدات والمبدعات في الثقافة الغربية وخاصة فى الآونة الأخيرة فى المنطقة العربية ، اذ احتل موضوع المرأة وموقعها على خريطة المجتمعات العربية حيزا كبيرا من النقاش . امتازت الفترة الواقعة ما بين الربع الأخير من القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين باشتداد النقاش حول موضوع المرأة فى المسرح ولعل الدافع فى ذلك يعود إلى الدعوة التى تبناها الكاتب المسرحي النرويجي (إبسن) من خلال مسرحياته مثل ( بيت الدمية وأيولف الصغير وغيرها ) وتبعه (جورج برنارد شو) وصولاً إلى الربع الأخير من القرن العشرين ، وبالتحديد منذ سبعينيات القرن الماضي ، اذ تعالت صيحات المدافعين عن المرأة وعن حقها فى المساواة بالرجل فى جميع الحقوق ، بل تخطى الأمر إلى مناداة أصحاب هذه الدعوة بالثورة على العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية عامة التى ظلمت المرأة منذ أزمان بعيدة. تؤكد الناقدة العربية الدكتورة نهاد صليحة رحمها الله في رؤيتها للنقد النسوي من خلال نظرة (أرسطو طاليس) للنساء حين وصفهن بأنهن (فئة تابعة متدنية) ووضعهن فى قسم واحد مع العبيد ؛ على أن هذه الصورة التى يمكن استقرائها من نتاج كتاب المسرح الإغريقى مثل مسرحية (أوديب – لسوفوكليس ) وكيف صور شخصية الأم (جوكاستا) وهى تسلب آدميتها وتتزوج من ينتصر على حل لغز (أبو الهول) ويكون المنتصر هو أبنها دون أن تتمتع بحريتها فى الإختيار ومسرحية (ميديا) التى تصور المرأة التى تحقد على زوجها والتى تضحى بأولادها ، فهى نموذج للمرأة الإغريقية التى دفعها الحقد لتفكر فى أكبر الجرائم فظاعة وأشدها هولاً على نفسها هى قبل نفس غيرها ، اضطرابها حين شروعها فى تنفيذ جرمها الشنيع ، محاوراتها مع نفسها قبل إقدامها على قتل ولديها تتجاذبها عاطفتا الأمومة وحب الانتقام . وهكذا يرى المتتبع لقصة تطور الحضارة منذ الإغريق والرومان وصولاً إلى القرن الثامن عشر ما ساد جميع بلدان أوروبا من تلك النظرة الأحادية إلى المرأة التى تمثلت فى كونها عاجزة عجزاً نفسياً وبيولوجياً واقتصادياً وذلك بسبب التقاليد والعادات التى وضعها الإنسان فى هذه الحضارات والتى حددت للمرأة مكانة تتبع فيها خطى الرجل ، تلاحق خطاه دون أن يعنى وجودها هذا أية دلالة على الاستقلال أو القدرة على العطاء إلا من خلال تبعيتها للرجل. وتستمر صورة المرأة فى أعقاب عصر التنوير وإن سعت وجهات النظر الفكرية والفلسفية فى ظل هذا العصر إلى تخطى المسلمات واستحداث الجديد جاءت أعمال (إبسن) فى القرن التاسع عشر لترصد تغييراً أو تحولاً لصورة المرأة السابقة تحولاً سعى اليه ابسن من خلاله ليؤكد على ضرورة إعادة النظر فى العادات والتقاليد والقوانين التى تحكم هذا المجتمع ، ومن ثم قدم عدداً من الأعمال المسرحية اعتبرت فاتحة الطريق وبداية حقيقية لتقديم صورة للمرأة عرفت فيما بعد عند برناردشو بـ(المرأة الجديدة)، ويعنى بذلك أنها ليست جديدة بالمفهوم التاريخى، ولكنها حركة تعبير عن خصائص معينة فى المرأة ، سواء عاشت هذه المرأة فى الماضى أم أنها تعيش فى عصرنا الحاضر ، ويدلل على أن (كليوباترا) شخصية نسائية عاشت فى الماضى إلا أنها نمط للمرأة الجديدة، كذلك شخصية (جوديت) فى (تلميذ الشيطان)، و(جنفر) فى (حيرة طبيب)، هن يعشن فى الحاضر إلا أنهن نمط للمرأة التقليدية لذا صور في مسرحياته المرأة فى أسلوب جديد مغايراً للسائد متخطياً جمود التقاليد والعادات محطماً عجزها المادى والإقتصادى ، فاتحاً للآفاق لتحررها الاجتماعى من تبعيتها للرجل ، مما جعل الكثير من النقاد يطلقون عليه (كاتب النساء) وهو ما دفع "شو" إلى إستخدام مصطلح "المراة الجديدة"،. إن إسهامات (إبسن وشو) ومن جاء بعدهما من كتاب المسرح غيرت كثيراً فى ملامح الشخصية النسائية ، ذلك أن الدراما الحديثة ، التى ارتبطت فى نشأتها بـ(إبسن)، قدمت معالجات درامية صورت المرأة على غير ما كانت عليه من قبل؛ فبعد أن كانت شخصيات لا تعرف ماذا تريد، ضحايا لقوى البيئة، فاقدة للوعى والقدرة المادية على الفعل، تتغير الصورة فى مسرحياتهما ففى مسرحية (بيت الدمية) نتعرف على شخصية (نورا) التى تحولت وأصبحت شخصية واعية قادرة على الفعل، مما مكنها من تغيير هذا المصير الذى آلت إليه مع زوجها (هيلمر)، وهو ما دفع بعض الدارسين إلى القول إن مسرحية (بيت الدمية) تحتوى على أروع تصوير للمرأة فى كل كتابات (إبسن)، ويذهب البعض إلى الاعتقاد بأنها تعبير صريح عن رأيه فى وظيفة المرأة وعن مكانها فى الحياة ، وهى نظرة جديدة حرمت المرأة منها كثيرا منذ أن كتب الإغريق مسرحياتهم. ومن الكتاب المسرحيين العرب الذين إهتموا بالمرأة (توفيق الحكيم) فى اغلب مسرحياته، إلا أنه لم يصور المرأة الجديدة إلا فى القليل من أعماله، بينما جاءت باقى الشخصيات النسائية عنده نموذجاً للمرأة التقليدية التى لا تتجاوز الأدوار التقليدية المتمثلة فى كونها تابعة للزوج، تتحرك وتنطلق من عالم الرجال لتحقق لهم النجاح، لذا فهى لا تصبح نموذجا للمرأة الجديدة التى لا تتخلص من تبعيتها للرجل إلا فى مسرحيات مثل (إيزيس)، حيث تتخطى حدود المرأة التقليدية وأدوارها المنوطة بها إلى كونها امرأة قادرة وفاعلة ومؤثرة على الأحداث، فهى لا تكتفى بمشاهدة ما يحدث ولكنها تسعى وتناضل من أجل حفاظ ابنها على عرش أبيه، ومن خلال مسرحيته (السلطان الحائر) يصور المرأة القادرة على تغيير كل ما حولها، إنها (الغانية) التى تعدى (الحكيم) رسم صورتها وملامحها التقليدية ليجعلها امرأة تمسك بزمام الأمور وتطبق القانون على (السلطان)، إنها (المرأة الجديدة) المستقلة غير التابعة للرجل، إنها تخطت حدود الضعف والعجز والإرتكان إلى الرجل. إن اهتمام الكثير من كتاب المسرح المصرى بالمرأة تجسد فى الكثير من أعمالهم ، فقد صورها (صلاح عبد الصبور) فى ثلاث من مسرحياته تشترك فيهن النساء بملامح ثابتة، أهمها أنهن جميعاً نساء مغتصبات عاجزات مغلوبات على أمرهن يعشن على أمل الخلاص والتحرر والإنجاب، وإن إختلفت كل منهن وقدرتها على مواجهة مصيرها والإنتصار على مغتصبيها ، وعليه نستطيع أن نرصد هذه الملامح فى مسرحياته (الأميرة تنتظر) و(بعد أن يموت الملك) و(ليلى المجنون)، فمن خلال مسرحيته الأولى تظهر شخصية (الأميرة) التى وقعت فى شباك السمندل الذى سيطر عليها وإغتصبها وأراد أن تؤيده وتثبته على العرش وتعود إليه بنفوذه المفقود، إلا أنها لا تتمكن وحدها من التخلص منه فيعاونها (القرندل) ويقتله، مما يظهرها نموذجاً للمرأة الضعيفة التقليدية التى لا تحقق تحررها إلا بسلطان الرجل، وكذا الحال فى مسرحيته الثانية حيث تظهر شخصية (الملكة) متوافقة مع شخصية (الأميرة) فى المسرحية السابقة، فهى ضعيفة مغتصبة من قبل الملك إلا أنها سرعان ما تكشف عن قوتها حين تواجه الملك بعدم وجود طفل فى أحشائها، فيموت وتتحرر منه، إلا أنها مع ذلك تعجز وحدها فى إظهار ملامح (المرأة الجديدة) المستقلة عن الرجل، ذلك أن الشاعر هو القادر على إعادة ملكها المسلوب، فهو الذى منحها طفلها الذى تمنته، إلا أنها مع ذلك ضعيفة، وهو ما يتكرر فى مسرحية (ليلى والمجنون).
#مصطفى_جلال_مصطفى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|