جاسم محمد دايش
كاتب وباحث
(Jasem Mohammed Dayish)
الحوار المتمدن-العدد: 6017 - 2018 / 10 / 8 - 22:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة
ظهر مفهوم الحكم الصالح وترافق مع تطور عدة مفاهيم جديدة منها إدارة الدولة , وأقترن هذا التطور في مفاهيم إدارة الدولة بإدخال مفهوم الحكم الصالح في أدبيات منظمات الأمم المتحدة , ومؤخراً البنك الدولي وصندوق النقد الدولي . نسعى هنا إلى تقديم صورة موجزة لمفاهيم الحكم الصالح وإدارة الدولة عبر تعريف المفاهيم وتطورها وعلاقتها مع بعضها من خلال الأبعاد المختلفة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية .
أولاً :- مفهوم الحكم الصالح .
يعتبر مفهوم الحكم مفهوماً محايداً يعبر عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده وتطوره الاقتصادي والاجتماعي . والحكم مفهوم أوسع من الحكومة لأنه يتضمن بالإضافة إلى عمل أجهزة الدولة الرسمية من سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية وإدارة عامةٍ , عمل كل من المؤسسات غير الرسمية أو منظمات المجتمع المدني بالإضافة إلى القطاع الخاص . وبهذا يعبر مفهوم الحكم عن إدارة وممارسة السلطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على مختلف المستويات المركزية واللامركزية والرسمية وغير الرسمية .
يستخدم مفهوم الحكم الصالح منذ عقدين من الزمن من قبل مؤسسات الأمم المتحدة لإعطاء حكم قيمي على ممارسة السلطة السياسية فإدارة شؤون المجتمع باتجاه تطويري وتنموي وتقدمي , أي أن الحكم الصالح هو الحكم الذي تقوم به قيادات سياسية منتخبة , وكوادر إدارية ملتزمة بتطوير موارد المجتمع وبتقدم المواطنين وبتحسين نوعية حياتهم ورفاهيتهم وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم .
أن إدارة شؤون المجتمع من خلال الحكم الصالح تتضمن ثلاثة أبعاد مترابطة وهي : البعد السياسي المتعلق بطبيعة السلطة السياسية وشرعية تمثيلها , والبعد التقني المتعلق بعمل الإدارة العامة وكفاءتها وفاعليتها , والبعد الاقتصادي – الاجتماعي والمتعلق بطبيعة بنية المجتمع المدني ومدى حيويته واستقلاله عن الدولة من جهة , وطبيعة السياسات العامة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي , وتأثيرها في المواطنين من حيث الفقر ونوعية الحياة , كما علاقتها بالطبع مع الاقتصاديات الخارجية والمجتمعات الأخرى من جهة أخرى .
ثانياً:- مفهوم إدارة الدولة .
ارتبط مفهوم الإدارة بالمتغيرات على مستوى دور ووظيفة الدولة ومكوناتها الرئيسية , فمن المتغيرات الحديثة تقلص دور الحكومة في الإدارة متمثلاً بإسقاط فكرة الإدارة المركزية الوحيدة لحساب الاعتراف بسلطات منظمات المجتمع المدني وفاعليات القطاع الاقتصادي الخاص لإدارة أوجه الحياة العامة . أن الفشل في إدارة دفة التخطيط والتوظيف المركزي في مجالات التنمية الشاملة أدى بالضرورة لتنامي دور مؤسسات المجتمع المدني في تنوعاتها الاجتماعية والاقتصادية مما أثر على منظومة الإدارة المركزية للدولة وسلطاتها الواقعية .
يمكن تعريف إدارة الدولة بالاعتماد على تعريف البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لمفهوم إدارة الدولة , والذي ينص على : " ممارسة السلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون الدولة على المستويات كافة , من خلال آليات وعمليات ومؤسسات تتيح للأفراد والجماعات تحقيق مصالحها " . نلحظ هنا أن هذا المفهوم يقوم على ثلاث دعائم أساسية , هي :
1- الدعائم الاقتصادية وتتضمن عمليات صنع القرارات التي تؤثر على أنشطة الدولة الاقتصادية .
2- الدعامة السياسية وتتضمن عمليات صنع القرارات المتعلقة بصياغة وتكوين السياسيات العامة .
3- الدعامة الإدارية وتتضمن النظام الخاص بتنفيذ هذه السياسيات العامة .
ومنذ ظهور مصطلح الادارة لم تتوقف المحاولات لتحسين وتجويد التعريف حتى يصبح أكثر شمولاً وتحديداً. كما فرضت المتغيرات العلمية والاقتصادية والحضارية أنماطاً جديدة من أشكال الإدارة ولم يعد بوسع السلطة المركزية الحفاظ على نسقها التقليدي في الإدارة مما اثر على شكلها وسياستها العامة , ففي ظل المفاهيم والتطبيقات لثورة الاتصالات والتكتلات الاقتصادية العملاقة وتنامي دور وحضور وثقل الشركات العالمية متعددة الجنسية ووفق انساق الإدارة التقليدية من قدرة الوقوف أما ضغوط هذه العوامل مما نال من سلطتها وقدراتها الإدارية في رسم السياسة العامة والحفاظ عليها ذاتياً وفي هذا الإطار تمت محاولات لتلخيص توجهات هذا التعريف , وهو كالتالي :
1- أن يدرس العلاقة بين آليات السوق من جانب والتدخل الحكومي من جانب أخر فيما يتعلق بتقديم الخدمات العامة , وعادة ما يعكس هذا الاتجاه الحد من التدخل الحكومي وضغط النفقات العامة والاتجاه نحو الخصخصة كمؤشرات للتعبير عن دولة الحد الأدنى التي لا تتدخل إلا عند الضرورة .
2- يتحدث عن الإدارة من خلال التركيز على المنظمات الخاصة ومنظمات إدارة الأعمال .
3- يعبر عن اتجاه الإدارة الحكومية الجديدة والقائم على إدخال أساليب إدارة الأعمال في المنظمات العامة وإدخال قيم جديدة مثل المنافسة وقياس الأداء والتمكين ومعاملة متلقي الخدمة على انه مستهلك ., وغيرها من المفاهيم إلا انه يغفل الدور الاجتماعي للدولة بصفة عامة والحاجة إلى وجود فاعل يستطيع أن يتوجه بخدماته للمواطنين بصرف النظر عن كون هذه الخدمة تحقق ربحاً من عدمه .
يمكن القول أن مفهوم إدارة الدولة تكمن في كيفية تنفيذ السياسات العامة والمتعلقة بخصوصيات الأفراد في المجتمع , وتحقيق جميع أهداف المجتمع , وهنا لا فرق بين إدارة الدولة والإدارة الخاصة كالإدارة في الهيئات الخاصة والمشاريع ذات التوجه الاقتصادي التخصصي أي الخصخصة .
ثالثاً :- علاقة الحكم الصالح بإدارة الدولة .
أن تعريف البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة للحكم الصالح هو ذاته التعريف لمفهوم إدارة المجتمع والدولة والذي ينص على : " ممارسة السلطة السياسية والاقتصادية والإدارية لإدارة شؤون بلد ما على جميع المستويات , وعلى صعيد الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص " . وتتمثل أبعاد الحكم الصالح في حكم القانون والشفافية والاستجابة والمشاركة والإنصاف والفعالية والكفاءة والمساءلة والتنمية والرؤية الإستراتيجية .
يمكن القول أن الدولة ظاهرة اجتماعية أصيلة تنتجها الفاعلية الإنسانية التاريخية وهي اكبر من أن تختزل بهيئة سلطوية أو مؤسسة حاكمة , بل هي تعبير عن الناظم والضابط الكلي المعبر عن الجماعة والنظام والوطن والحكومة , فالدولة هي الناتج الكلي الحاصل من : ( تماهي المجتمع المكون للجماعة السياسية مع القيم والقوانين المكونة للنظام والإقليم المكون للوطن مع المؤسسة الإدارية المكونة للحكومة ). وكلما تمازجت وتناغمت واتحدت هذه العناصر بعضها ببعض في الوعي والتشريع والتطبيق كلما أنتجت جوهراً متطوراً قادراً على التجذر والفاعلية والحضور والتطور ويسمى " الدولة " . والإدارة هنا تعني : (إنتاج هذا الجوهر وضبطه من خلال ممارسة السلطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التنظيمية لأوجه الحياة العامة لمكونات الدولة) .
وتؤثر الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتترابط مع بعضها في إنتاج الحكم الصالح , فلا يمكن تصور إدارة عامة فاعلة من دون استقلال الإدارة عن نفوذ السياسيين ولا يمكن للإدارة السياسية وحدها من دون وجود إدارة عامةٍ فاعلة من تحقيق إنجازات في السياسات العامة . كما أن هيمنة الدولة على المجتمع المدني وتغييبه ستؤدي إلى غياب مكون رئيسي في التأثير في السياسات العامة , ومن مراقبة السلطة السياسية والإدارية ومحاسبتها . ومن جهة ثانية , لا تستقيم السياسات الاقتصادية والاجتماعية بغياب المشاركة والمحاسبة وبغياب الشفافية , ولا تؤدي إلى تحسين أوضاع المواطنين غير القادرين على تصحيح هذه السياسات . لذلك فان الحكم الصالح هو الذي يتضمن حكماً ديمقراطياً فعالاً ويستند إلى المشاركة والمحاسبة والشفافية .
من هنا فان الحكم الصالح يعتمد على تكامل عمل الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني . ويشمل القطاع الخاص كل المشاريع الخاصة غير المملوكة من الدولة في قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات مثل المصارف الخاصة ووسائل الإعلام الخاصة وغيرها , كما يشمل القطاع غير المؤطر في السوق . ويتكون المجتمع المدني الذي يقع بين الأفراد والدولة من مجموعات منظمة وغير منظمة ومن أفراد يتفاعلون اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وينظمون بقواعد وقوانين رسمية وغير رسمية .
الخلاصة
أن الإدارة هنا هي بمثابة جهاز الدولة العصبي المتحسس والناظم والضابط لأركانها الأربعة ولا يمكننا تصور قيام حكم صالح للدولة دون وجود إدارة متكاملة لمكوناتها الوجودية , ومثل هذه الإدارة هي في حقيقتها منتج لكيان الدولة وبدونه ينحل هذا الكيان فوجود الدولة مرتبط بفاعلية جوهر الحكم الصالح وهذا ما تضمنه الإدارة الناجحة والموضوعية سواء في أطرها القيمية الكلية أو في تشريعاتها المنظمة لسير شؤون الدولة . لذلك يجب أن تكيف معايير الحكم الصالح من خلال إدارته مع حالة البلد أو المناطق , حيث تختلف الأولويات , حسب تاريخ وتراث وثقافة ومستوى تطور هذه البلدان , وهذا التكيف للمؤشرات والمعايير ضروري للانتقال من مرحلة المفهوم النظري إلى ابتكار الآليات العملية التطبيقية التي تسمح تدريجياً بتطوير الإدارة والحكم .
المصادر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- حسن كريم , مفهوم الحكم الصالح , مجموعة باحثين : الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية , بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية , 2004 .
2- حسين درويش , إدارة المجتمع والدولة :المضمون والشكل , مجلة الإسلام والديمقراطية , العدد:الحادي عشر,السنة الثانية , 2005 .
#جاسم_محمد_دايش (هاشتاغ)
Jasem_Mohammed_Dayish#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟