عبدالله مهتدي
الحوار المتمدن-العدد: 6014 - 2018 / 10 / 5 - 02:32
المحور:
الادب والفن
أنا الهش كخيط الريح
و كريش النعاس
سأقول لساعي البريد
انتظر....
وللسحابة التي أومأت لي بيديها النحيلتين
وبضفيرتها القرمزية
لست معنيا بشاشات الميديا
حين تقيئ كل ثانية تعاويذها
وتخفي قتلى الزحام بحمى النفاس
نعم....سأقول لساعي البريد
انتظر..
سأحكي له عن كل شيء
عن الرجال الذين حملتهم العربات
إلى جبل الحزن
وقبل أن تمتلئ العنابر بالصراخ
قبل أن تيبس سنابل النسيان
على أكتافهم
عصبوا أعينهم
وسيقوا لساحة الإعدام
عن النساء اللواتي خرجن
قبل أن ينقشع الظلام
مررن بقرى يحرسها الضباب
يرتدين فرح الصباح
يزغردن مثل صبايا الحكايا
ثم سقطن قرب أحلامهن
عن الفتى الذي تطلع في الأفق
وقبل أن تطحنه شاحنة الأزبال
دس في جيبه قمرا شاحبا
ثم أغمض عينيه
ونام
عن الأطفال الذين غرقوا في اليأس
كانوا يصرخون :
"أروبا ..أروبا"
وهم يمدون أحلامهم في الريح
عن الشجرة التي خبأت أسرارها في نعاس الفراشات
عن العصافير التي ارتعشت حين رمى القناص
عن التبغ الرخيص وزجاجة الكولا المستوردة
عن قوس قزح
حين تلطخت أحداقه بالدموع
عن البار القديم في الشارع المفضي إلى بيتنا
عن مجالس العزاء التي أقمتها للكثير من الأحلام
عن لفافة السيجارة المخلوطة بالحشيش
عن الرهبان الذين حولوا الكنائس مأوى
لغزلان حاصرتها الفخاخ
عن مروض الفئران
عن القطة الشهباء التي تناثرت أشلاؤها في الريح
عن الممر البارد في الكوربيس
وعن هيروشيما التي غرقت في الوحل
نعم سأقول لساعي البريد
انتظر ...
سأكتب آخر رسائلي
بفحم اللحم المحروق في روزامور
آه يا روزامور ...
سأقول لساعي البريد
انتظر ...
سأحكي له عن شعر إيما
حبيبتي في الحلم
عن ضفيرتيها المنسدلتين
على كتفين شفافين مثل النبيذ
عن وجه إيما الذي سكن قصائدي
عن ضحكتها الزرقاء
عن مشيتها الشهوانية كقصص الحب
وعن أسنانها البريئة من لحم الحلازين
عن شالها الأحمر
عن كمشة الأحزان التي صرتها في أكمامها
وعن شامتها الزيتية الناصعة
البراقة مثل الصباح
عن عينيها الناعستين مثل قمر الشتاء
وعن يدها البيضاء
سأقول لساعي البريد
انتظر....
سأكتب كل رسائلي بحبر مسدته من نول الصراخ
وسأسال إيما حبيبتي
عن رائحة الكلمات
أنا الهش كخيط الريح
كريش النعاس
سأقول لساعي البريد
انتظر....
#عبدالله_مهتدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟