فارس التمو
الحوار المتمدن-العدد: 1510 - 2006 / 4 / 4 - 09:59
المحور:
حقوق الانسان
في ثقافة حقوق الإنسان (1) -
في الآونة الأخيرة التي كثر فيها الكلام عن الديمقراطية ومقوماتها في المجتمع السوري, وعن الطائفية ومساوئها, ظهر بعض المتثقفين الذين يعانون الازدواجية في الرأي والاضمحلال في الفكر والجهل بالتاريخ, هم دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان بامتياز ومن الطراز الأول ولكن ليس فيما يتعلق بالكرد, فالالتزام هنا يكون - لفظياً- فقط دون المعنى, فالكرد لكي يكونوا ( بشرا ) ولهم حقوق
يجب أن يكونوا الكرد عرب سوريون, وإما فهم عملاء للخارج ولا يكونوا (بشر ) وليست لهم حقوق, وهذا المرض الفكري يعشش في أذهان بعض الكتاب العرب. ومن أعراض هذا المرض الميل إلى فنون عدم قبول الأخر, ونفيه, وتخوينه, والجديد في الموضوع والأكثر خطرا هو انتشار هذا المرض بين جيل الشباب, جيل الأمل في انعطاف التاريخ في المجتمع السوري نحو المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان, بعد أن خاب أملنا بجيل الكهل أو كما يقال عنهم رموز الثقافة المدنية (المجتمع المدني) باستثناء البعض منهم (مع احترامي لأراء وثقافات الكل) في إرساء أو على الأقل ضبط المفاهيم المدنية الحديثة في المجتمع السوري, لا لوم ولا عتب عليهم كونهم لازالوا يعانوا من ثقافة اللاشعور القومي, أي هم في أللاشعور متمسكين بثقافاتهم السلفية والتي من الصعب جدا أن تتحول من حجرية إلى مرنة وتتقبل تتطور المفاهيم والمجتمعات, رغم محاولاتهم الحثيثة للخروج من تأثير الثقافة السلفية, إلا أن جوهرهم الكامن في العقل الباطن المتأثر بالفكر السلفي يطفو على السطح عند أول مواجهة لهم مع المتمايز عنهم (بالجنس أو بالحزب) , بالقومية أو بالدين . والأمثلة على ذلك لا تحصى , حيث لا يخفى على احد مرض الثقافة السلفية الحزبية, المزمن,الذي تعاني منه قيادات الأحزاب الكاريزمية سواء العربية أو الكردية, ومن أعراضه ذهنية تحريم ما علينا, وتحليل ما هو لنا, والتخوين, والإقصاء. وهذه الأعراض نتيجة خوف هذه القيادات من التغير , كونها قد نمت على الإرث فقط , دون أدنى محاولة في خلق حاضر لها , أو رسم مستقبل , لذا فأي تغير سواء سياسي, أو اجتماعي, أو فكري, أو اقتصادي, يعني النهاية بالنسبة لها , وهذا بالضرورة يعني الخروج من الساحة السياسية , وهذا ما يفسر انتهاج تلك الأحزاب لنهج السلطة, فيما يتعلق بإشغال الداخل بالخارج,ولكن على نحو , إشغال الداخل الحزبي الضيق بالداخل الوطني العام , لذا نجد مطالباتهم, ودفاعاتهم عن حقوق الإنسان , قاصرة , ومنقوصة, ومقتصرة على الجانب السياسي العام , دون الخاص . ومثل هذا الدفاع القاصر عن الحقوق السياسية للإنسان , نجد عند نفس هؤلاء الأشخاص , وهم المنادين بحقوق الإنسان , قصورا , ونقصا , في تطبيقات الحقوق الشخصية للإنسان , فتراهم في الساحات العامة منادين بتطبيق تلك الحقوق , ولكنهم يحملون بين طيات أعماقهم وفي منازلهم ديكتاتوريات صغيرة في ما يتعلق بعائلاتهم , الزوجة , الأخت , الأم , الأبناء .
احدهم, وهو رئيس لمؤسسة حقوق الإنسان في سوريا , كان رأيه بالمرأة بأنها ناقصة (هكذا خلقها الله), وبالتالي لا يمكن أن تساوى بالرجل وتعطى حقوقا كتلك التي للرجل, ويستر عورة هذا الرأي اللا حقوقي بتذرعه بتعاليم الدين الإسلامي .
هذه الأمثلة وغيرها الكثير , موجودة بغزارة في واقعنا , والغاية المرجوة من ذكرها هي إنهاء حالة الازدواجية لدى دعاة حقوق الإنسان , ويجب أن نفهم أن حقوق الإنسان, كلاً لا يتجزأ , إما الإيمان بها كاملة غير منقوصة , أو عدم الإيمان , ولا يجوز أن يعتبر احدهم نفسه ناشطاً في مجال حقوق الإنسان , وهو يؤمن ببعض تلك الحقوق , ويتحفظ على بعضها الآخر , ويلغي المتبقي منها .
لست مفكرا, ولا مثقفا, ولا كاتبا, ولكني اكتب بحثاً متواضعاً, فيما يتعلق بالمفهوم البديهي للديمقراطية وحقوق الإنسان, وقد يكون رأي خطا يحتمل الصواب, أو صواباً يحتمل الخطأ. مفهوم الديمقراطية (ديموكراتيا) في الفلسفة اليونانية, سلطة الشعب وحكمه, واعتقد انه شرح قاصر لمفهوم الديمقراطية . فالديمقراطية تكون عندما يكون العقل الذي يطرحها يضمر احتراما داخليا للثقافة والمثقفين, وعقلاً متسائلاً, وقابلاً للإصغاء و الحوار. سواء كان هذا الطرح في الحقل السياسي, أو الفكري, أو الاجتماعي , أو الاقتصادي . إذاً يمكننا القول بان الحقوق الفطرية للإنسان, الأساس الذي يمكن عليه فقط, بناء ما يسمى بالديمقراطية. أما حقوق الإنسان فهي أصيلة فطرية لا تنبع من سلطة تجود بها على الفرد, وإنما هي نابعة من صميم كيان الإنسان نفسه, فليس للمجتمع, أو للدولة, أو للأديان, أو لأي قوة من القوى, أن تدعي إنها صاحبة الحق, أو الفضل بمنحها للأفراد. والمؤسسات التي تنشا, والمؤتمرات التي تعقد في هذا المجال, ليس لها سوى فضل الإعلان عن تلك الحقوق على الملأ, وفضل التكاتف والعمل على الدفاع عنها ونشرها. لهذا دعيت الوثيقة التي أصدرتها هيئة الأمم المتحدة في 10 كانون الأول 1948 (إعلاناً ) لحقوق الإنسان. لذا يترتب على رجال الفكر الكرد والعرب على اختلاف الحقول التي يعملون بها, أن يقوموا بحملات توعية مستمرة لتعريف حقوق الإنسان الأصيلة, ونشرها وحمايتها ومحاربة كل فكرة ترمي إلى تجاهلها أو النيل منها ومس قدسيتها. فالتطور السليم للمجتمعات يجب أن يكون من خلال ارتقاء تلك المجتمعات تدريجياً باتجاه الديمقراطية, ويمثل الارتقاء التحولات الكمية التي تتراكم خلال ظاهرة ما, وهذا الارتقاء لا يكون سليـما, إلا إذا كان قائما على أساس احترام حقوق الإنسان. ومن ناحية أخرى فان الخط الهرمي لقاعدة احترام حقوق الإنسان, يجب أن يبدأ التدرج تصاعديا من أسفل الهرم بشكل أفقي وعمودي, أي العقل الذي يعمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان, أن يكون عمله هذا نابع من إيمانه المطلق بتلك الثقافة, عندها يمكنه العمل على نشرها ضمن إطار السلطة الأبوية, أو السلطة الحزبية, أي اصغر و اقرب سلطة يتبع لها, أو يقودها, وعندها تأتي المرحلة الأهم وهي مطالبة السلطة في الدولة بتطبيق تلك الحقوق دستوريا وضمان حمايتها قانونيا. والخطأ الحاصل, في نشر ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع السوري, هو انطلاق رموز المعارضة المدنية والحزبية, بالارتقاء التدرجي التنازلي, حيث كانت نقطة البدا لديها في نشر تلك الثقافة من قمة الهرم وليس من قاعدته, أي أن تلك الرموز حتى لم تعمل على تثقيف نفسها بتلك الثقافة, بل طالبت مباشرة بالتطبيق الدستوري لحقوق الإنسان, وليس من خطا في هذا المطلب, ولكن الخطأ يكون عندما يكون الدعاة نفسهم غير مؤمنين بتلك الثقافة, أو أنهم لم يبلغوا مرحلة الإيمان وتطبيق هذه الحقوق على الذات, قبل مطالبة المجتمع بتطبيقها, لذا لا يمكن القول بان ثقافة حقوق الإنسان في سوريا مرة بمراحل الارتقاء نتيجة تراكم تحولات كمية, بل ما من ارتقاء في الموضوع , وكل ما هنالك هو طفرة ظهرت مع المتنفس البسط للمدنية في بداية الألفية الثانية , والطفرة تمثل تحولا كيفيا سريعا, وهي لا تكون أساساً للتطور السليم, والجميع يتذكر ربيع دمشق في سوريا وما رافقها من إطلاق مجموعة مؤسسات لحقوق الإنسان, وكلها ذات غايات سياسية بحتة لا تمت لحقوق الإنسان بصلة , وأغلبية أعضاء هذه المؤسسات هم من الساسة القدامى , الذين يعانون من الثقافة الحزبية السلفية التي اعتنقوها يوما , ولا يمكنهم تجاوز الروتين الحزبي, ولا تجاوز تلك الثقافة, وهذا هو السبب في فشل معظم هذه المؤسسات وفق ما نراه في الحاضر, وقد يثبت لنا المستقبل خطا هذا الرأي أو صوابه. فالموضوع علمي وتطبيقي معا, ويحتاج إلى رصد كل الطاقات الممكنة في سبيل توعية جيل بأكمله وإرساء مفاهيم حقوق الإنسان لديه, ولا يقتصر على التطبيق الدستوري والحماية القانونية فقط , واعتقد أن المهام التي تترتب على عاتق مؤسسات حقوق الإنسان هي الأصعب بالنسبة إلى باقي مؤسسات المجتمع المدني, ولا نبالغ إذا قلنا انه موضوع الساعة, و ينبغي أن يكون موضوع كل ساعة. هذا كان تحليل متواضع للتجربة السورية في مجال حقوق الإنسان . وقبل الدخول في موضوع البحث الذي يتناول أهم الحقوق المعلنة في وثيقة 1948(الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) ارتأيت ذكر بعض التجارب الدولية في مجال حقوق الإنسان , والتي ساهمت بشكل فعال في بلورة الحقوق وتامين حمايتها إلى أن وصلت إلى شكلها النهائي الشامل والمتكامل في الإعلان العالمي . ومن هذه التجارب : الوثيقة الكبرى الإنكليزية الصادرة عام 1215 م. والوثائق الإنكليزية الأخرى الصادرة عام 1689 و 1701 م. ووثيقة الاستقلال الأمريكية الصادرة عام 1776 م. والدستور الأمريكي الصادر عام 1787 م. والثورة الفرنسية عام 1789 م, وما انبثق عن هذه الثورة من دساتير. ولكن الوثيقة التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في قصر شايو بباريس في 10 كانون الأول 1948 ( الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ) أكمل وثيقة من نوعها بفضل التطور المستمر, والوعي المتزايد, وتوثيق الصلات الدولية, وبروز دور المرأة في شتى ميادين الحياة العملية والفكرية. ومن أهم الحقوق التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو: أولا- حق المساواة. ونص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على المساواة في المواد (( 1 , 2 , 4 , 7 , 10 , 16 , 21 , 23 فقرة 2 )) . - جاء في المادة الأولى: " يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق " - وجاء في المادة 2 فقرة 1 : " لكل أن يتذرع بالحقوق والحريات المعترف بها في هذا الإعلان دون أي تمييز ولا سيما في العرق واللون والجنس واللغة والمذهب السياسي وكل مذهب أخر من مذاهب الرأي, وفي الأصل القومي أو الاجتماعي, وفي الثروة والنسب, أو سوى ذلك من حالات " - وجاء في المادة 7 : " الكل متساوون إزاء القانون وفي حقهم من حمايته دونما تمييز بينهم " - ونوهت المادة 10 عن المساواة أمام القضاء. - وأعلنت المادة 16 تساوي الرجل و المرأة في الحقوق الزوجية أثناء قيام الزواج وعند انحلاله. - وجاء في المادة 21 : 1)- لكل شخص حق المساهمة في إدارة مصالح بلده العامة سواء كان ذلك مباشرة أم بواسطة ممثلين يختارون اختيارا حرا 2)- لكل شخص أن يتقدم ضمن شروط التساوي في الجدارة إلى الوظائف العامة في بلده. - ونصت المادة 23 فقرة 2 : " لجميع الناس دونما تمييز بينهم حق في أجور متساوية لأعمال متساوية " هذه أهم النصوص المتعلقة بالمساواة في الإعلان العالمي, ونظرا لما لتامين تساوي المرأة والرجل من أهمية في مجال حقوق الإنسان, أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 7111967 أعلانا خاصا في هذا الموضوع مؤلفا من أحدى عشرة مادة, سوف أقوم بشرح المواد السابق ذكرها, والمواد الخاصة بمساواة الرجل والمرأة بشكل أكثر تفصيلا بالإضافة إلى القوانين المتعلقة بالحريات لاحقا. ناشط في مجال حقوق الإنسان [email protected]
#فارس_التمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟