نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
الحوار المتمدن-العدد: 6009 - 2018 / 9 / 30 - 12:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما أقرأ مقالات في الصّحف التي تكتب باللغة الانكليزية مثل الغارديان، واشنطن بوست والأتلانتك . أشعر بتواضع الصّحافي أمام الجهد المبذول من قبله من أجل الحقيقة، رغم وجود صحافة صفراء أيضاً، وتلك لها كتّابها الذين يتماهون مع لعبة السلطة، وسواء كانت الصحافة وردية أو صفراء تبقى تحاول أن تقدم نفسها كصحافة جدية، أو غير جديّة، فمحرر بلاي بوي الجنسية غير نوع صحافته اليوم وأصبح يكتب بطريقة جديدة.
إلا نحن! أعني الصحافة العربية، والتي تسمي موظفيها نجوماً ، وربما جلسنا ساعات طوالاً أمام الشّاشة لنرى برنامجاً حوارياً تافهاً عقيماً، ونختلف حوله. بعضنا يكون من جزب النجم الإعلامي ويرسل له الرسائل القصيرة مشجعاً، فيربح منه ، والبعض يكون مع الحزب المكسور في تلك الليلة والذي انطلت عليه نظرية المؤامرة التي تعمل بامتياز في الوطن العربي، وربما بدأت تظهر في أجزاء أخرى من العالم بما فيه العالم الغربي، ورغم أن العالم " الحر" يرعبه موضوع الذكورة، والشعبوية إلا أن لها أنصارها الجد ، وهي بمثابة نازية جديدة على الغرب أن يعيد النضال من أجل مكافحتها. الذكورة والأنوثة بالمعنى الجنسي لا تكتمل الحياة دونهما، لكن الذّكر البشري يمكن أن يكون رجلاً فقط فهناك امرأة أيضاً موجودة.
الذكورة، والأحزاب الذكورية التي بدأت تظهر في المجتمع الغربي ، وكان ترامب ربما من المؤسسين لها باستثناء العالم العربي فليس فيه أحزاب ذكورية. الأحزاب لدينا لا تهتم بهذا الأمر إلا في المناسبات فتراها ترشقنا بالكلمات التي تعبر عن تعاطفها مع الحركات الأنثوية، لكن هناك حركات معادية للنساء وهذا محرم في الغرب، ولو أنه موجود بنسبة قليلة، والحركات المعادية للمرأة في وطننا هي الإسلام الجديد الذي يحاول إغلاق الباب على جسد المرأة تحت اسم الحلال والحرام.
كتب جوناثان فريدلاند مقالاً في الغارديان عنوانه " كشفت القوة الخبيثة في السياسة العالمية عن: الذّكورة السّامة". يقول في مقاله: أن ترامب بالصدفة يمكن أن يكون على المسار الصحيح، وربما كان ليلة الجمعة على المسار الصحيح عندما أحال ملف كافانوه إلى الف بي أي.
أثار اختيار ترامب لكافانوه المتهم بأربع قضايا جنسية غضب الديموقراطيين، بينما دافع عنه الجمهوريين. اعتبر الموضوع سياسياً، وأكثر من هذا فإن الجمهوريين اتهموا هيلاري كلنتون بالمؤامرة، هم لا زالوا يوظّفون تعبير المؤامرة ، مع أن كلنتون نفسها تعرضت للإهانة لأن زوجها الذي اغتصب عاملة في مكتبه، وأيضاً تم لفلفة الموضوع، واعتذر من زوجته على الهواء، وألف كتاباً تافهاً. استضافته أوبرا في برنامجها وروجت للكتاب حيث بيع بآلاف الدولارات. كأنّ الاعتداء الجنسي هو شرط الوصول للرئاسة وللوظائف الأخرى.
أصرّ كافانوه أنّه بريء، ولهجته الغاضبة ذكرتني ببعض الرّجال ممن عرفتهم وتزوجوا بطبيبات أو مهندسات، وعند الخلاف يغضبون ويصرخون ويكسّرون وبعد أن تصل الإهانة إلى الذروة ربما يعتذر الرّجل ويطلب من زوجته أن تتحمله لأنه سريع الغضب، لكنه طيب القلب، وتصدق زوجته الموضوع، وكلما حاولت أن تطلب طلباً يشتاط غضباً ، وهكذا دواليك، وتتشكل لديها المازوخية مرغمة، فكلّما أتى تنتظر أن تبدأ المشكلة ثم تنتهي كي يصبح الطقس مناسباً.
يقول جوناثان فريدلاند أنّ هذه الأحداث تضيء على شيء أكبر أيضاً . إن ما رآه العالم هو ذكورة سامة أصبحت قوة في السياسة الأمريكية ، بالتأكيد ، ولكن في مكان آخر أيضا. وبالطبع ، فإن ترامب هو المؤسس الرئيسي: وهو نفسه متهم بشكل موثوق من قبل نساء متعددات ، هناك تنافس على كراهية النساء، وفي الدوري يربح رئيس الفلبين رودريجو دوتيرتي ، حكومة فيكتور أوربان في هنغاريا التي توزّع الكتب المدرسية الابتدائية التي أعادت إحياء جزء من أغنية الأطفال التقليدية التي تصف الرجال بطريقة مبسطة أنّ ضرب زوجاتهم جزء طبيعي من الحياة الأسرية.
.
.
تكتظ خطابات ترامب الحماسية بوعود بالعودة إلى الحقبة التي كان فيها الرجال رجالًا ، وعندما كان مكانهم في أعلى الكومة مضمونا. إن عدم احترامه للنساء - مهاجمتهن على مظهرهن ، ووصفهن بالكلاب – يجعل تلك الرسالة مفهومة.
الشخصيات التي تتقارب مع ترامب تعترف أنها تفعل ذلك لأنها تعتقد أنه يجسد الذكورة بلا حرج و عندما يكونون معه لا يشعرون بالضعف.
قصة كافانوه ليست الأولى فقد قال كالفن شيرمرهورن أستاذ التاريخ في جامعة ولاية أريزونا أنّ التّعينات في المحكمة العليا أدت إلى مظالم تاريخية وأنّ جميع ترشيحات المحكمة العليا سياسية لأنها تجسد الأولويات الإستراتيجية للرئيس. وقد يكون تأكيد مجلس الشيوخ المطلوب للمرشح بمثابة "تمثيلية فاضحة" ، حيث أن الدعم الحزبي له أهمية أكثر من الجدارة مع أنّ المحكمة العليا هي الحكم النهائي للحقوق الدستورية والحماية.
وفي الآونة الأخيرة ، عادت الترشيحات المتنازع عليها إلى إحياء ممارسات القرن التاسع عشر المتمثلة في إعطاء المناصب للمناصرين الذين تقوض قراراتهم الحقوق المدنية. وهنا يمكننا أن نستحضر ترشيح كلارنس توماس عام 1991 وتقديمه أوراق اعتماد حزبية ، وترشيحه على عجل من قبل إدارة جورج دبليو بوش ، فاز توماس بهامش صوتين بعد جلسة حادة تنطوي على مضايقته الجنسية المزعومة.
كل هذا صحيح، لكن هناك قوة أخرى سياسية أيضاً تقف إلى حدّ ما مع الحقيقة، وهذه القوة ليست عدوة الصحافة. الأحزاب الذكورية الشعبية هم أعداء المرأة والصحافة أيضاً.
في جلسة الاستماع للقاضي كافانوه يوم الخميس . كان على المدّعية كريستين فورد أن تكون رصينة وتظهر بشكل مثالي، بعكس القاضي الذي ظهر متنمّراً ، وغرد ترامب على الفور بأنّ هذا هو الرجل الصالح.
ذكرني هذا بموظف كان يعمل معي وهو بلطجي بكل معنى الكلمة، وفي مرة استدعتني المديرة سألتني: ما رأيك بالدكتور؟ قلت لها أي دكتور تقصدين؟ قالت الدكتور حسام. قلت لها لكنه ليس بدكتور، ورفاقه في مصر يعرفون ذلك، فضحكت، وقالت: نحن نعرف. لكن نغضّ النّطر ، ونرسله كي يعوي على الكلاب الذين يعادونا. في تلك الأيام كنت قد تجاوزت الخمسين، لكنني عدت، ونظرت إلى نفسي بالمرآة. رأيتني بسيطة تعلمت القراءة والكتابة فقط، ولم أتعلم دروس الحياة.
ر بما حتى بعد أن فهمت الدّرس لازلت أحتفظ بتلك البساطة، وربما السّذاجة حيث أثق بشخص لا يمكن الوثوق فيه أحياناً، ويكون واضحاً وضوح الشمس. عندما أقرأ، وعندما أكتب كي تقرؤوا يكون هدفي التغلب على سذاجتي الفطرية، وأن أقول لكم هناك في العالم أشياء تستحق القراءة والمتابعة.
#نادية_خلوف (هاشتاغ)
Nadia_Khaloof#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟