أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - كلام في معنى الحفاظ على الهوية














المزيد.....

كلام في معنى الحفاظ على الهوية


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 5998 - 2018 / 9 / 19 - 19:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



يتكرر أحياناً، على نحو عاطفي وبشكل تجريدي، حديث «الحفاظ على الهوية» بصورة أقرب إلى العصبية، وقد يعود ذلك في أحد أسبابه إلى حالة التصدع التي أصابت الأمة العربية، بحيث تعرضت الهوية لخلخلة وارتكاس بفعل ضغوط خارجية وتحدّيات داخلية، قد يؤدي استمرارها إلى المزيد من ضعضعة أركانها.
والهوية بطبيعة الحال ليست «عقاراً» يمكن الحفاظ على ملكيته، أو حتى حجبه عن تأثير الآخرين، أو كنزاً تاريخياً نخاف عليه من الكسر أو الانثلام أو الضياع. إنها مجموعة من السمات الثقافية التي تمثل الحد الأدنى المشترك بين الذين ينتمون إليها، بحيث تجعلهم يُعرفون ويتميّزون بصفاتهم تلك عما سواهم من البشر، من أفراد الأمم والمجتمعات والشعوب الأخرى، وهي في الوقت نفسه تتطور وتتأثر بما حولها من متغيرات سلباً وإيجاباً؛ لأن التغيير قانون مطلق لا يمكن ردّه، وأية محاولات لمنعه ستنعكس سلباً على الهوية بالأساس، مهما كانت الحجج والمزاعم.
وبهذا المعنى فالهوية ليست معطى سرمدياً جاهزاً ونهائياً وغير قابل للتغيير؛ بل إنها في حالة تفاعل وتخالق مستمرين مثلها مثل الإنسان وحقوقه المتوالدة التي لا تعرف الثبات والاستكانة. وهكذا فالهوية لا تتكون بمجرد النشأة والانتماء الأولي، وهما مورثان طبيعيان، بصورة نهائية؛ بل تتطوّر من خلال عملية الخلق والعمل والصيرورة، وهذه عملية إبداعية مستمرة ومفتوحة موضوعياً، وازدادت تأثيراتها في ظل العولمة بوجهيها السلبي والإيجابي.
والأمر سيّان، سواء ما يتعلق بالهوية الجماعية أم الهوية الفردية، وهذه الأخيرة يُنظر إليها بارتياب وشك أحياناً في عالمنا العربي، حيث تتقدم هوية الجماعة، والعشيرة، والقومية، والدينية، والطائفية، أو ما يُطلق عليه «هوية الأمة»، التي ينبغي التماهي في بوتقتها «الكلّانية» الشمولية، بحيث تطغى على الهوية الفردية أو الفرعية. ومن هذا المنظور يتم التعامل مع المجاميع الثقافية التي يُطلق عليها مجازاً «الأقليّات»، وخصوصاً في بعض الدول المتعدّدة القوميات أو الأديان؛ أي من موقع استصغار الهوية الفرعية، في مواجهة أي محاولة للتميز والتمايز التي ستعني حسب هذا المنطق «المتسيّد»، المساس بهوية الأمة، والجماعة البشرية السائدة مهما كانت تسميتها. وعلى أساس ذلك تنشأ ردود فعل جراء الشعور بالاضطهاد والمظلومية، بما يؤدي إلى ضيق أفق وانغلاق، سواء أكان دينياً أم إثنياً أم لغوياً أم غيره، وسواء على المستويين الجماعي والفردي.
وقد تختلف الجماعة أو الفئة أو الفرد باختلاف الأولويات، فتارة تأخذ اسم «القومية» وأخرى تتلفّح «الدين»، وثالثة باسم «المذهب»، ورابعة باسم «الأيديولوجيا». وهكذا، فالمختلف حسب هيمنة الفكر السائد لا يستحق سوى الإبعاد والإقصاء والنبذ، وما عليه إلا الرضوخ والاستكانة وقبول حكم «الأغلبية» أو الجهة المهيمنة.
وحسب الشاعر أدونيس، فالأمر ليس نفياً للآخر بقدر ما هو نفي للذات في الآن، وبقدر انفتاح الذات على الآخر، فإن الهوية تزداد غنى، وبقدر ما تنكمش الذات وتتقلص في «انتمائيتها» نشأةً ومواطنة، تزداد فقراً، ولا يمكن طمس التغاير والتنوع والتعدد جزئياً أو كلياً.
يمكن القول إن لا ذات بلا آخر، فلا ذات دون تأثير وتأثّر، وحين تكون الهوية من القوة والفاعلية، تكون أكثر ثقة بالنفس، وأكثر استعداداً للانفتاح على الآخر وأكثر حيوية في التعاطي والتلاقح؛ إذ لا خشية أو خوف على الهوية بقدر ما يمكنها الإفادة والاستفادة من الآخر، وتلك واحدة من مخرجات الحداثة، حتى وإن التبست بعض البدائل وتعثرت بعض النماذج. والمسألة متعلقة بالثقافة أيضاً، التي تشمل طريقة حياتنا كلها، وأخلاقنا ومؤسساتنا وأساليب عيشنا وتقاليدنا، حيث لا حدود لتفسير العالم، وإنما سعي لإعطائه شكلاً خاصاً به، والعالم لاسيما في ظل العولمة أرخبيل مفتوح تتلاقى فيه الشعوب وتتمازج فيه الهويات، فمثلاً رغم السمة الغالبة للمجتمع العربي لغوياً وإثنياً ودينياً (العربية الإسلامية)، لكنه كان تاريخياً نتاج ملتقى القوميات والإثنيات والثقافات مثل: السومرية والبابلية والآشورية والفينيقية والفارسية، والهندية والتركية والكردية والزنجية. وإضافة إلى الإسلام، هناك المسيحية واليهودية، وتمازجت هذه الثقافات والأديان المتنوعة في كل إنساني وثقافي واحد، لكنه متعدّد.
يتعذر الحفاظ على الهوية بأساليب القمع والطغيان والانعزال، فهذه الممارسات تؤدي إلى «تصحير» الهويات، خصوصاً الانغلاق والانكفاء والتقوقع والخوف من الآخر، ومثلما لكل إنسان هويته الخاصة، فإنها تتعزز بالانفتاح على الغير، فرداً أو جماعة، وقد يكون الإنسان يحمل أكثر من هوية، بمعنى أنه عربي أو كردي أو تركماني، مسلم أو مسيحي أو غير ذلك، لكن هويته العامة عراقية أو سورية أو لبنانية، وكذا الحال لمن عاش في المنفى، فرغم احتفاظه بهويته، فقد يكون قد أضاف إليها هوية مكتسبة.
وهنا يُثار تساؤل مشروع: وهل المكان هو الذي يحدّد الهوّية؟ أم أن الهوية التي تكونت وترسخت واكتسبت «كيانية» مستقرة تظهر على نحو جلي في بيئتها الحقيقية، حيث المكان والاستمرار والتفاعل لجهة اللغة والدين، وغيرها من العناصر التي هي أقرب إلى الثبات، في حين أن العناصر الأخرى كالعادات والتقاليد والآداب والفنون تتعزّز وتغتني باستمرار بالإضافة والحذف والتواصل بين الحضارات والتلاقح بين الثقافات، فردياً أو مجتمعياً!



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مالمو (السويدية) تحتفي بالمفكّر العراقي عبد الحسين شعبان
- عن الاختفاء القسري مرّة أخرى
- هل بات عزل ترامب وشيكاً؟
- المغطس العراقي
- قول ثان في الطائفية
- روح العصر والعمل الحقوقي
- ثقافة التعايش وفقه الحوار
- الإرهاب والدين.. علاقة آثمة
- كلمة الدكتور شعبان في ندوة أعمدة الأمة الأربعة
- ظاهرة عمل الأطفال في العمل الإسلامي وسبل التصدّي لها
- الرئيس الأمريكي والكتب
- هل تفلح انتفاضة الكهرباء في العراق في تعديل مسار العملية الس ...
- 55 عاماً على حركة معسكر الرشيد - استعادة شخصية
- مستقبل الإقليم.. تكامل أم تناحر؟
- لبنان الحائر والمحيّر!!
- فيليتسيا لانجر شاهدة بأم العين
- سلام عادل ..الشيخ راضي ينفي تعذيب أمين عام الحزب الشيوعي ويؤ ...
- سلام عادل .. عبد الناصر يعيّن هويدي سفيراً في بغداد ويرد الس ...
- مشكلة «أطفال الدواعش»!
- سلام عادل ..الاستخبارات الأمريكية تنصب إذاعة في الكويت لبث أ ...


المزيد.....




- وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق ...
- جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
- فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم ...
- رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
- وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل ...
- برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية ...
- الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في ...
- الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر ...
- سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة ...


المزيد.....

- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - كلام في معنى الحفاظ على الهوية