محمود الصباغ
كاتب ومترجم
(Mahmoud Al Sabbagh)
الحوار المتمدن-العدد: 5998 - 2018 / 9 / 19 - 18:04
المحور:
الادب والفن
هذا فيلم شاهدته في مختلف مراحل حياتي , من سينما النجوم في مخيم اليرموك إلى جلوسي على أريكة مقابل شاشة تلفزيون في بيت متواضع في الشمال السويدي البارد, ومع كل مرحلة كان يفتح لي أفقاً أو آفاقاً جديدة بعضها ممتع ومحبب و بعضها كئيب و صارم , ولازلت مصراً على مشاهدته كلما سنحت لي الفرصة. وفي كل مرة أقرر أو أخطط لذلك أشعر بنشوة داخلية إذ سأعيش من جديد تلك اللحظة التي أصابتني بالذهول أول مرة حين نقلتني كاميرا الفيلم إلى بانوراما بصرية بين الصحارى و السهوب و الجبال القاسية الجرداء , والمراوحة بين الضوء و الظل,وفضاء الكاوبوي الشاسع وحصانه الرامح مثل الريح وليس الحصان رمزاً للقوة فحسب كما أنه ليس أيضاً ليس رمز جنسي فقط، بل هو مساحة غير محدودة من الخيال .خيال رحب واسع الطيف عن فردانية البطل البسيط دون سذاجة والواضح دون ابتذال وعدم تقيده و انطلاقه الواثق دون تعقيد أو استطراد أو حشو نحو المغامرة مهما كانت أخطارها.
هذه الفضاءات الطقوسية المتأثرة لاشك بالماضي ليس البعيد، وأقصد الماضي "الأبيض" الاستعماري الأنغليكاني التطهري المتمحور حول صراع الخير و الشر. هذا المزيج من العوالم المتداخلة و المتناقضة يؤججه (حقيقة و ليس مجازا)موسيقا الفيلم الخالدة التي تتناوب مع لحظات الصمت التام التي تطول أحيانا حيث تبقى فيها الصورة وحدها تنقل لنا تفاصيل المشهد بدقة، يضاف إلى كل هذا ولع المخرج المفرط في التفاصيل حتى لتشعر أنها ليست مجرد تفاصيل, بل شيء أكبر من أي يحتويها شيطان كامن فيها ,ناهيك عن الأسلوب الذي يضعه في مساحة ما قريبة من العمل الرؤية المسرحية تضع المشاهد حائراً أمام خيارات التضامن مع أبطاله ,لاسيما تلك الاحتفالية المبالغ فيها -من باب السخرية ربما-في دفع فكرة البطل المبهم "مجهول الاسم" نحو مطارح أسطورية رغم الشكوك الواضحة في الدوافع الغامضة لهذه البطل "الجيد". والمعنى واحد: السعي وراء الثروة , و يصبح الدفاع عن شرفه لا عن شرف المجتمع هو المعيار الفردي الناظم لعلاقته حيث يكون الحكم على الرجال من خلال أفعالهم و ليس أقوالهم , فهو لا يبحث عن تضامن إنساني ,كل همه حفنة من الدولارات و لا ندري في نهاية المطاف ماذا سيفعل بها لو حصل عليها. بإيجاز -هنا على الأقل- يشبه الفيلم بوتقة انصهرت فيها جميع تلك العناصر لتنتج لنا الأمريكي الذي نراه اليوم .
هي الغواية الكامنة إذن وراء صورة بطل ترسخها نمطية الكاوبوي: هابيل الأمريكي في مواجهة قابيل ابن الحصن الغربي البعيد أو القرية النائية المتهالكة جفافاً و عطشاً و فقراً أو المدينة التي توشك على نهوضها العمراني وتحديد هويتها ,فيظهر على صهوة جواده يعدو دونما اتجاه محدد , وحيداُ بدون أسرة و بيت دافىء ,وأطفال يحبهم و يحبوه , دون عشيقة تشبع أنانيته وغروره و كسله المزمن و تراخيه الذي يجعله يرفض الثبات و الاستقرار , مسدسه رفيقه و قبعته و مهماز حذائه. ينغمس-دون غرق- في غوايات أنتجتها الرأسمالية الناشئة , السيجار و الشراب و المال و القمار و النساء و يتوج هذه الغوايات بعنف مفرط غير مبرر ونزق.
هذا هو شكل غواية الكاوبوي ,الذي يعتبر, مع رجل العصابات أو "الأشرار" أهم مداميك السينما الأمريكية, فهو هادئ مستفز بهدوئه, حكيم دون إفراط او لغو او ثرثرة ,وهو كئيب ,لكنه لا يعترف بذنبه ولا حتى بحدود قدره , غوايات بمواصفات ذكورية مقابل الأنوثة المتمثلة في الفضيلة و الحضارة و عدم النضج وهذا واصح من خلال تتبعنا لنشاة ثيمة الكاوبوي في مجتمع ذكوري بامتياز عبّر عنه الضمير والعقل الجمعي الأمريكي "الأبيض" حين حدد ملامحه الأخلاقية المختلطة بكبرياء قومي مشكوك بأصالته.
لست أدري أين قرأت ما قاله هنري كيسنجر عن مفاوضاته مع رحال الفيتكونغ الفيتناميين حين صرّح برأيه عن مصدر جاذبية وسحر شخصيته الذي يأتي من تصوره لأبطال الكاوبوي راكبين الجياد! وأنّ المفاوضات- ،كما يتابع كيسنجر القول- كانت حكاية غرب متوحش.
قد تربح المدينة حربها ضد الكاوبوي لكنها لن تحقق “النصر" ,إذ ثمة فرق بين النصر و الربح , على الأقل لرجل الكاوبوي الذي يجيد لعبة البوكر و يعتبرها ترياق هدوئه وصفاء ذهنه.قد يرى البعض أن العنف غايته, لكن هدفه في الحقيقة كبطل خلق مجده الشخصي و أسطورته في بعدها الفردي الأناني عبر صراعه الدرامي مع المدينة و الخارجين عن القانون ,فعلى مر العصور كانت قصص الأفراد وليس الجماعات هي الناجحة و يتم تخليدها من جلجاميش إلى قدموس إلى أنبياء العهد القديم إلى حي بن يقظان و غاليفير وغيرهم وصولاً لأعتى الديكتاتوريات المعاصرة وقد يكون الدافع هنا إرواء شغف حاجة البطل الإنسانية العاطفية و إشباع صورته على هيئة إله ,فالإله فرد و ليس جماعة ورجل الكاوبوي صورة عن الاحتجاج الفردي ضد سطوة الجماعة وقانونها وإذا كان النقد الاجتماعي المؤثر يتطلب إحساساً بمثل هكذا بعد كنوع من الحماية على حد قول برتولد بريخت فعند هذا البعد يمكن لنا أن نضع في تصورنا عمق نمطية الكاوبوي في المجتمع الأمريكي التي يراد لها أن تنقل رسالة الأمريكي للعالم حيث الفردانية الأمريكية التي تذيب الطبقات و تحقق الديمقراطية في مواجهة الصرامة الأوروربية التي تعرف ذاتها من خلال "الحدود". حدود الكاوبوي مفتوحة تنتهي عند وقع آخر حافر لجواده و قد نقل لنا لاحقاً جيمس بيكر هذه الرسالة في حرب الخليج حين خطب بالمارينز المحتشدين في جزيرة العرب قائلاً أن على العالم أن يدرك أن حدود بلاده تنتهي عند موطأ قدم آخر جندي أمريكي على هذه الأرض .
يحذرنا سيرجيو ليوني بأن ما كان يثير إعجابنا وينال رضانا عن البطل الذي يقضي على "الأشرار" لم يعد له وجود فعلي على أرض الواقع , فهذا البطل-النبي المنتظر القادم لتحقيق العدالة من فوهة مسدسه تحول إلى انتهازي لا يخلو من البراغماتية يسعى وراء الكسب الشخصي في عالم ذكوري عنيف لا يفسح المجال للعواطف و الأحلام الوردية أن تشغل حيزا كبيرا من انشغالاته, عالم ينقسم فيه الناس إلى قسمين لا ثالث لهما , قسم يطلق الرصاص و قسم آخر يتلقى الرصاص دون أن يرد أو حتى يعترض, عالم أشبه بعالم ديستويفسكي الذي قسمه راسكولنيكوف إلى قسمين في "الجريمة و العقاب",وعلى هذا سيكون طموح ليوني ليس التشكيك في المرجعية الأخلاقية الرسمية السائدة فحسب, بل نقده لمصفوفة القيم الأمريكية التي قامت عليها الثقافة الرسمية و الشعبية المهيمنة المتمثلة في سيطرة عقلية رعاة البقر على أمريكا ,فلم يعد مقبولا بعد اليوم وجود المسدس كي تتحقق العدالة و حتى إن وجد فينبغي له أن يبقى في جرابه طالما هناك قاض ومحكمة يتكفلان بتحقيق العدالة. زكان ليوني قد عبّر عن مثل هذه النظرة القاسية للويستيرن و التقسيم "الميكانيكي" لعوالمه أفضل تعبير بقوله : "إذا كان المخرج الأمريكي جون فورد متفائلا، فإنني ,بطبعي, على النقيض منه متشائم، فعندما تفتح شخصيات جون فورد نافذة فإنها تتأمل الأفق البعيد وهي مفعمة بالآمال، أما شخصياتي فهي على العكس من ذلك فهي تخشى-عندما تفتح نافذة-أن تتلقى رصاصة بين العينين": إذن الكاوبوي ليس ذلك العالم المثالي أو النموذج الأخلاقي الذي يمكن للأب أن يحدث أبناؤه عنه ,فحتى لو كان اسمه "الطيب" أو "الجيد" فهو كذلك إنما بمعايير أخرى غير تلك المعارف عليها ,ربما هنا تكمن رسالة ليوني حين يحاكي بسخرية الويستيرن كأحد مفاهيم الثقافة الشعبية الأمريكية الراسخة،منتقدا بذلك الرأسمالية الحديثة وقوتها عبر العالم و رمزها المتمثل في الكاوبوي الذي تحول إلى منبر للدفاع عن إيديولوجيات متصلبة معينة(مثل دفاع جون واين بطل أفلام الويستيرن الشهير عن موقف حكومته من حرب الفيتنام 1968) في فترة كانت تعيش فيها أمريكا حالة من الاضطرابات الحرجة و تمر بمرحلة شبه انتقالية في تحديد هويتها و مكانتها في العالم وسعيها لنشر قيمها و أسلوب حياتها.
لقد ساهم ليوني في خلخلة ما رسخ في ذهن الجمهور عن الويستيرن وأبطاله،مثل جون واين و غريغوري بيك و غاري كوبر ,فجاءت سلسة أفلامه المعروفة باسم "ثلاثية الدولار" كرد فعل أوروبي على هذه الثقافة حين عبرت عن موقفها الصريح بطريقة رومنسية وجمالية مميزة وساخرة من مفهوم الاستثنائية الامريكية" و "القدر الأمريكي" و غيرها من المفاهيم ذات النزعة السوبرمانية فقامت الثلاثية بإضاءة الجانب المظلم لهذه القيم ودور المؤسسات الرسمية،رغم عنفها الزائد و"ساديتها" ,بيد أن هذه الدموية المفرطة التي يراها البعض عيباً أخلاقياً في أفلام ليوني ليست سوى أسلوب إخراجي يتوخى توضيح المعنى الحقيقي للعنف وعندما يشير ليوني إلى العنف في الفيلم فهو يدافع عن ذلك بقوله " لاشك أن هناك مبالغة في عمليات القتل في أفلامي, هذا لأني كنت أسعى للسخرية و التهكم على أفلام الغرب الأمريكي المبتذلة.. لقد صُنع الغرب الأمريكي عن طريق العنف وعلى يد الرجال البسطاء ,وأنا هنا أحاول تصوير هذه القوة و تلك البساطة". فيكون تصوير العنف هو السبيل لتفكيك الرومنسية المبتذلة عن الغرب الأمريكي ,حين "يضطر "الإنسان في بعض الأحيان أن يخضع للعنف دون أن يتمكن من الرد , ويكون عدم فضح هذا الخضوع أكثر من مجرد نفاق .
و إذ تعلن "ثلاثية الدولار" عن الموت "المجازي" للويستيرن ,فهي بذات الوقت تعلن عن ولادة شبه سوريالية لحيز جديد من الكشف السينمائي ,لكنه هذه المرة يأتينا بعيون أوروبية إيطالية تلتحم فيها الميلودراما بالأوبرا وبالموسيقا و لتنتج لنا ملامح لم نعتدها من قبل عن البطل يتداخل فيها الغضب و العنف و الجشع و الاحتكار و النقد اللاذع "للويستيرن" و " الكاوبوي الشجاع الطيب" و السلبية و التطلعات النهمة للسلطة . فنحن هنا أمام أوبرا تتصف بالعنف المبالغ فيه "لاعتبارات مهمة لدى المخرج" ,وهو ما أشار له مارتن سكورسيزي حين وصف ثلاثية سيرجيو ليوني بأنها "أوبرا معاصرة..امتداد للأوبرا، التقاليد المسرحية الإيطالية، والموسيقا، والكادرات، وحركة الكاميرا، والشخصيات الملحمية كأنها خطت من أسطورة عتيقة، الطليان لا يصنعون أفلام ويسترن، بل أوبرا، لذلك فالموسيقى بالغة الأهمية في جميع أفلام ليوني”.
وإذ يبدو واضحاً اختلاف أفلام ليوني عن بقية أفلام الويستيرن فذلك يعود لترابط المحتوى بشكل وثيق مع شكل الفيلم فالعنف الذي يظهر في الفيلم ليس من اختلاق المخرج و لا هو فنتازيا تقتضيها حبكة الفيلم أو ضرورات فنية أخرى , بل هو تصوير لمرحلة التاريخ الأمريكي كانت فيه الهيمنة للعنف حيث سادت الفوضى ,فترة الحرب الأهلية, وازدياد عدد المهاجرين و الخارجين عن القانون و سيطرتهم على المجتمع الأمريكي ,ولاشك أن تصوير العنف بهذه الطريقة الواقعية ربما يعود في بعض صوره إلى تشابه المجتمع الأمريكي آنذاك , أي القرن التاسع عشر مع إيطاليا منتصف الستينات حيث كانت عصابات المافيا تهيمن على المشهد السياسي و الاجتماعي. مما أدخل البلد في حالة من الفوضى تشبه إلى حد بعيد المجتمع الامريكي في القرن التاسع عشر.
ورغم مرور أكثر من نصف قرن على إنتاجه فمازال "الجيد و السيء و القبيح" يصنف كأحد أعظم الأفلام في تاريخ السينما, حتى أن المخرج الشهير كوينتين تارانتينو قال عنه أنه أفضل فيلم تم إخراجه على الإطلاق .فقد استوفى الشروط العامة لصناعة الفيلم الناجح, الصورة ,الحركة, الموسيقا, وهو لا يخلو حقا من الابتكار و قد أتى في وقت كانت تعاني فيه صناعة السينما من الفقر على مستوى الأفكار و سيطرة الصور النمطية و العنصرية فأتى ليوني ليحقق في ثلاثيته نهضة بارزة في العقلية السينمائية وصناعة الأفلام وثورة تقنية زاوجت بين الحركة والمتعة على قاعدة الصراع التقليدي بين الخير و الشر ولكن بطريقة استفزازية اعتمدت على اللقطة المقربة و الحوار القصير و السخاء الموسيقي المذهل ,فضلا عن أهم ميزة أتت بها أفلام ليوني وهي التغيير الحاسم في طبيعة البطل "الطيب" و قيم "الرجولة" كفضيلة أخلاقية تسعى لترسيخ قيم الجماعة على حساب الأنانية الفردية ,كان عماد هذه الثلاثية رجل واحد هو كلينت إيستوود "الرجل بلا اسم" الذي قيل له ذات يوم "ابحث لك عن مهنة أخرى".
نحن إذن أمام نخبة جديدة من رعاة البقر في صور مألوفة لكنها متجددة ؛ فقبل ثلاثية الدولار كان بطل الويستيرن يبدو بمظهر جيد و ثياب نظيفة وورع و مثقل بالقيم ليكون قادرا عل مواجهة "الأشرار" , ولكن مع أبطال ليوني اختلف الحال , فنرى أنماط غير مألوفة لصورة لهم , في الحقيقة هم ليسوا أبطالا بالمفهوم الأخلاقي أو الديني ,هم ليسوا سوى حفنة من الأوغاد بوجوه مغبرة و ذقون غير حليقة و أحذية مهترئة و جباه تنضح عرقا و ملامح قاسية, يزيدها قسوة تغضن جباههم و تغميض عيونهم المسقوفة بحواجبهم .حفنة رجال يحركهم جشعهم و أنانيتهم ,يتقاتلون فيما بينهم ,و ينتقمون من بعضهم البعض ببرودة مدهشة, هم في الحقيقة أوغاد لكنهم أكثر واقعية من صورة البطل القديم الذي تدور حكاياته و سيرته حول المال و الحرب و الجشع و الخيانة و النساء والغدر والدناءة ,قصص لا تخلو من طرافة وحكمة في آن واحد,قصص يجسدها ليوني بطريقة غير متكلفة و غير مبالغ فيها ومن خلال تصوير دقيق للوجوه وملامحها و تقاطيعها التعبيرية.
تلك هي مأثرة ليوني حين استغل "سخافة" الحرب الأهلية كخلفية بما تمثله من صيغ قتل لاعقلاني "حيث يقتل الأخ أخاه", ونظرا لعشق ليوني لتصوير الملامح و انفعالاتها فإن الزمن يتمطط عنده دون رادع و بشكل سائب أحيانا على حساب السرد الحواري ,فتتطامن السردية البصرية بطريقة تبدو مملة أحياناً لاسيما حين تخلو من الحوار ,و قد يصل الأمر في بعض المشاهد لأكثر من خمس دقائق دون سماع كلمة واحدة ,فنرى بانوراما ملفتة للنظر للطبيعة المتناقضة تتقاطع مع صور الوجوه القريبة جدا و الموسيقا عالية الأداء و صهيل الخيول ووقع سنابكها ,و أزيز الرصاص و المدافع.
صمت يفجره صمت آخر لكنه أكثر صخباً, إنه صمت تلك الوجوه المنفعلة المتغضنة و السحنات المغبرة المتعرقة اللاهثة, وعيون تكاد تبوح بأسرارها دفعة واحدة ,حتى الحوارات المختزلة لا تخرج عن هذا الصمت ,وما يضفي على ملحمية المشهد هو طريقة التصوير الرائعة ,تلك اللقطات الواسعة و المقربة للوجوه, وقد يكون هذا نوع من التعويض عن الاقتصاد في الحوار و السرد, تأخذنا التراكيب البصرية إلى مطارح يريد لنا ليوني أن نراها كصورة ساخرة ناقدة للغرب بأسلوب سوريالي يصور العنف المفرط والفقر الشديد مع الثراء الفاحش" للشمال الغني الذي ينفق الأموال الطائلة في الحرب الأهلية".
وإذن نحن أمام فيلم يصور معركتنا و سعينا للحصول على الثروة بأي ثمن.ثم في خط موازٍ يكشف عن ممارسة السلطة السياسية في فرض مفرداتها الأخلاقية و تسويقها و تسليعها و بيعها , فالحرب الأهلية تقودها الحكومة ضد من تعتبرهم خارجين عن إرادتها و سلطتها ,و لكن أن تعيش في مجتمع حرب أهلية ؛ هذا لا يمنع من أن تكون لصًا ! , فمن هو اللص؟ ومن هو البطل؟ من يمتلك حق التعريف و التصنيف؟ ينبغي هنا أن لا يغيب عن بالنا أن الإنسان-عموما- ابتدع التصنيف منذ تلك اللحظة التي اعتبر فيها نفسه أذكى الكائنات, ونحن هنا أمام سلسة من التصنيفات لا تعدو أن تكون تعريفا غير قابل للجزم و موضع شك ونزاع ,فمن هو الجيد أو الطيب؟ من هو الشرير أو السيء ؟من هو القبيح ؟ كيف يمكن لهذه الصفات أن تكتسي لحما عظما و تتحول إلى شخصيات سنرحل معها لأكثر من ساعتين في مجاهل الغرب الأمريكي؟ يدعى الطيب أو الجيد بالأشقر "بلوندي" إذ لانعرف له اسم فهو "رجل بلا اسم" ,شخصية غامضة , وباردة, صامتة لدرجة مستفزة وهو صديق قديم للشرير -إينجل آيز, يظهر الطيب في الفيلم لايفارق السيجار فمه ويكز عليها باسنانه على طريقة"لاكي لوك" وهو دائم البصاق ويضع العباءة المكسيكية"البونشو" على كتفيه, بارع في الرماية و سريع مثل البرق .صياد جوائز من الطراز الأول و براغماتي على الطريقة الأمريكية ,فلايضيره مقتل شريك له عندما يسعى لشراكة أخرى أكثر ربحاً ,صورة لن تمحى لكلينيت إيستوود التي ربما بنى عليها مجد شهرته لاحقا.
أما الشرير أو السيء فاسمه إينجل آيز و الذي قام بتأدية الدور "لي فان كليف " باقتدار, ويا لهذه السخرية هنا ,فهو شخص عكس اسمه تماما, عديم الرحمة ومرتزق و قاتل مأجور لا يخشى أحد, يقتل من أجل المال, حتى أنه قتل زعيمه .شخص سيء الخلق ومتوحش وعلى استعداد لتأدية أي مهمة يطلبها منه الغير مقابل المال و لايهمه من سيموت أو يعيش ,يستطيع أن يقتل كل من يقف في وجه لتحقيق مصالحه.
و أخيرا هناك توكو المكسيكي "القبيح" ,ولابأس لو توقفنا قليلا عنده , فقد جرت العادة في أفلام رعاة البقر أن يتم إقصاء كل ما هو غير أبيض و غير أمريكي وتصوير تلك الشخصيات بمنتهى الوضاعة و القبح مثل الهنود الحمر و الزنوج و المكيسكيين ,وهكذا سخر ليوني من تلك الصورة في المبالغة بإظهار قبح توكو بناء على إثنيته, فهو شخص قميء و بشع تجتمع فيه كل الصفات السيئة ,وإن كان لايخلو من الطيبة , وتلك صفات التصقت به واكتسبها من كونه مكسيكي ولذلك يتقبلها و لا ينكرها , تحمل شخصية توكو في ماضيها ذكريات قاسية عن الفقر , لذلك تتعاظم كراهيته لما يحيط به فيتحول إلى شخص عديم الرحمة ,وهو غير معجب على الإطلاق بأخيه القس و لا بقاعدة "تدوير الخد الأيمن" لأنه يكره الضعف وهو ما يحوله إلى قاتل لا يرحم في بيئة لا تعرف الشفقة و لا تعترف سوى بالقوة و القسوة . توكو هذا الذي يطلق عليه بلوندي و إينجل آيز لقب الجرذ هو فعلا شخص قبيح و ساخر و أخرق لكنه لا يخلو من الخطورة , ويستحق الممثل إيلي والاك التقدير لأدائه هذا الدور بامتياز وقدرة عالية من الاحترافية لدرجة تشعر أنه فعلا شخص قبيح, لقد فجر ليوني جميع الطاقات المتاحة و الكامنة لدى إيلي والاك ليظهره كبطل حقيقي , صريح رغم قبحه و عيوبه الجسدية. فمنطق ليوني يقول ليس سهلا أن نحكم على تفوق أخلاقي لرجل ما على حساب رجل آخر إذا ما اعتبرنا أحدهما "جرذا" و الآخر "خنزيرا" كما هو حال توكو و بلوندي, فهما يستمتعان بغدر بعضهما البعض , يطعنان بعضهما و يتحينان الفرصة ليتخلص أحدهما من الآخر , توكو ليس أكثر قسوة من بلوندي , لكن من الواضح أنه أقل ذكاء" على الأقل هكذا يراهما إينجل آيز.ويؤكد ليوني على محدودية ذكاء توكو عمليا حين يصوره عاجزا عن قراءة كلمة "مجهول" على شاهدة القبر ,غير أن هذا لا يمنعه وهو يمتلئ بنشوة العثور على الذهب من التجول سريعا بين القبور و تأمل الشواهد حتى يجد أخيرا اسم الشخص المطلوب.
ينظر بلوندي و إينجل آيز لتوكو على أنه غبي , في الحقيقة ينظر إينجل آيز إليهما بذات النظرة على الرغم من مجاملته لذكاء بلوندي .لكن توكو يمتلك تلك اللحظة الأكثر ذكاء في الفيلم حين يقول "عندما تسحب سلاحك أطلق النار , لاتتحدث" . فقانون الويستيرن يقتضي أنه عندما يتوجب عليك قتل أحد ما, فاقتله في الحال ولا تتحدث كثيراً.يتحمل توكو العبء الأكبر من الصفعات في الفيلم , ورغم قبحه و فساد أخلاقه ,فهو الأقرب للتعاطف من بين الثلاثة ،وأحد لحظات التعاطف تظهر في حواره مع أخيه الكاهن ,ورغم حالة الرثاء هذه يبقى بلوندي صامتا يستمع للحوار مثل صنم وهذه إحدى ميزاته فهو كشخصة تبدو صامتة أكثر منها جيدة أوطيبة، وفي الحقيقة لا نعلم السبب الحقيقي الذي يجعل بلوندي يتعاطف مع توكو و يدعه حيا. ربما أحد صفاته كرجل "جيد" أنه سمح لتوكو القبيح في العيش في الوقت الذي كان بمقدوره أن يقتله و المنطق الداخلي للويستيرن يقتضي بأن يقوم بقتله, أليس هو الذي قال "إن الرب يكره الحمقى كذلك؟" ردا على صراخ توكو المنافق "تقدموا أيها الأبطال الجنوبيون،إن الرب يكره الشماليين"في المشهد الذي يقابلون فيه الجنود ذوي البذلات الرمادية؟
هؤلاء هم أبطال سيرجيو ليوني : يطاردون بعضهم البعض في مكان ما قرب حدود المكسيك، حيث ينمو عالم كامل مليء بالرعاع والأوغاد القذرين ومن بينهم الجيد و السيء و القبيح, ثلاثة لصوص يجيدون الرماية بامتياز لا يتورعون عن القتل تغمرهم انتهازية قل مثيلها , يمتاز كل منهم بذكاء على طريقته يقودهم مخرج فذ نحو أسطرة جديدة للويستيرن الأمريكي بطريقة لا تخلو من السخرية و الانتقاد الحاد للتنميط السائد فهو يكشف لنا المعنى الحقيقي للكاوبوي الذي يكافح من أجل الارتزاق و الخداع و اللصوصية و الغدر و الانقلاب على رفاق الدرب فالجيد هنا ليس جيداً لأنه اختار ذلك هو جيد ربما بالنظر إلى ابتسامته الباردة و لأنه أذكى من خصومه فضلا عن موهبته النادرة في إطلاق النار مما يمنحه أفضلية في العيش أكثر من غيره و السيء ليس شريرا لأنه مرتزق بل لأنه لا يختلف مع الجيد في تعريف القبيح .وهذا القبيح ليس قبيح بالمطلق أو بالضرورة أو لأنه خلق هكذا بل هو قبيح لأنه أراد له الجيد و السيء أن يكون قبيحا و لأنهما لا يريان فيه سوى جرذ ثرثار لايشكل موته من عدمه فرق .في ظل هذه الخلفية و مع لهيب شمس حارقة وعرق يتصبب ولدت ملحمة الدم في الغرب الأمريكي حيث تمضي الحياة هناك بدون انتباه على الاغلب ,فقد يموت المرء بسبب حسابات خاطئة أو طلقة مدفع طائشة لا تقصده هو بالذات أو النزاع على شربة ماء أو عاهرة.وهكذا يتم تنميط الكاوبوي لتكريس مفاهيم القوة و التفوق التي يمثلها الأبيض على حساب الألوان الأخرى .
هذا هو عالم الكاوبوي .وتبدأ سخرية ليوني من العنوان ,حين يحدد لنا حقيقة البطل الحقيقي المطلوب في الغرب دون روتوش و تزيينات بلاغية، تتحكم فيه غرائزه الوحشية ضمن عوالم يختلط فيها الخوف بالعنف و الجشع بالمكر و النفاق بالخديعة. يقول ليوني "في السعي وراء الربح أو الفوز،ليس الأفضل من يربح،بل الأكثر حظاً. وكل شيء يعتمد على الصدفة فلايوجد ثمة ما يدعى خير أو شر , مروءة أو خداع ".
مزيج من ثلاث رجال وثلاث صفات-تصنيفات-تعريفات كان هو الهيكل الذي بنى عليه ليوني ثلاثية الدولار , هذا المزيج صنع أسطورة بصرية لن تنسى ,يؤكدها ما قاله مخرج أفلام الويستيرن الأشهر جون فورد "لكي تصنع فيلمًا جيدًا يكفيك ثلاث مشاهد جيدة، وأن يخلو من أي مشهد سيئ". لم يكتف سيرجيو ليوني بهذه المقولة المختصرة ليصنع فيلماً جيداً , بل دفع بتلك الكلمات نحو أقصى حدود المجاز فأنتج ليس ثلاث مشاهد فحسب ,بل فيلماً جريئاً في كل شيء كان له الأثر الكبير لاحقا على صناعة السينما واعتبر في حينه تطوراً وخروجاً على التقاليد السائدة سواء لجهة التصوير أو اختزال الحوار (عملا بالقول:لا تكتب حواراً طويلاً فالحوار أداة خادعة قادرة على إفساد عملك)أو الموسيقا أو المشاهد البانورامية المتتالية؛ فكانت النتيجة تحفة سينمائية خالدة ابتكرت فيها طريقة جديدة لتصوير الأحداث؛مع موسيقا لا تنفصل عن المشهد ويبلغ هذا الإطار الشكلي الذي برع فيه ليوني ذروته باعتماده على اللقطات المقربة التي تركز على الملامح الدقيقة للممثلين و الاختصار قدر الإمكان من الكلام.لقد كانت رسالة سيرجيو ليوني واضحة " دع الموسيقا تتكلم...... دع الصورة تتكلم" واعتمد هذا الأسلوب الإخراجي على اختيارات تقنية واضحة كاللقطات المقربة جدا للوجوه فتظهر الملامح كجزء رئيسي من المشهد ,ليس فقط وجوه الشخصيات الرئيسية, بل حتى الشخصيات الثانوية حظيت بهذا النوع من الاهتمام ,وربما يمكن فهم هذا الأمر نظراً لطول المدة الزمنية للفيلم فمثل هذه اللقطات كان لها دور في كسر الملل و الرتابة التي يكن أن يشعر بها المشاهد حين يريد المخرج إيصال أحاسيسه له من خلال البطء و التأني في عرض الوجوه و الملامح و أدق التفاصيل وتتداخل الصورة المقربة للوجوه و تتقاطع مع اللمحات البانورامية للطبيعة و تتكامل الصورة النهائية مع موسيقا غاية في الاتقان و الادهاش لبناء معمار درامي يعلي من شأن اللقطة الواحدة و المشهد الواحد في سبيل أن تقول الحكاية أسرارها ,لذلك نرى ليوني لا يتردد في توظيف ديناميكية الحوار المختزل التي تزيد من التوتر الداخلي فتؤسس لعناصر جذب يصعب على المشاهد الإفلات منها ليجد نفسه في نهاية المطاف متورطاً -دون أن يدري -في مغامرات رجال الكاوبوي الثلاثة ,و ليس أدل على ذلك من المشهد الأخير للمبارزة في المقبرة حين يجبرنا ليوني على متابعة حركة العيون وتأمل البطء في الحركة رفقة موسيقا تكاد تنطق. هذا هو أسلوب ليوني , لا يتعجل في عرض المشهد الدرامي الذي سيصل للذروة ,ونظرا لامتلاكه حاسة بصرية قوية فقد استطاع خلق قدراً كبيراً من الواقعية الشديدة التي ساهمت في تحرير تلك اللحظة الختامية الساحرة في مشهد لا ينسى.
نسينا ،في لحظة ذهولنا،بطل رابع يضاف للأوغاد الثلاثة ألا وهو الموسيقا .
الموسيقا الصاخبة والمستمرة المذهلة وهي- في اعتقادي- أحد أهم عوامل نجاح الفيلم. سوف ننسى -وهذا أمر طبيعي -الكثير من تفاصيل الفيلم , ربما ننسى معظمة أو جميعه ,لكن لا يمكن أن ننسى موسيقاه تلك الممتزجة بصوت الرصاص و الصفير و العواء الذي يشبه عواء ذئب, لحن يخلق النشوة و الحماس و الترقب و ربما التبرم لانتظار الحدث التالي.الشيء الملفت للنظر هو استخدام ثلاث أنواع من الموسيقا عند ظهور كل شخصية فالفلوت كان هو النغم السائد عند ظهور بلوندي , بينما الصوت البشري يزدحم مع صورة توكو حال ظهوره على الشاشة,أما الأوكارينا " آلة نفخ " فهي تخص إينجيل آيز ,و يبقى العواء هو اللازمة على مدار الفيلم وتمتزج الموسيقا مع طريقة التصوير والمزاوجة بين اللقطة البعيدة و اللقطة القريبة بما يخلق سلسلة ملتحمة من الوجوه و الأيدي و الأصابع حين تطبق على زناد البندقية ببطء وتتصاعد الموسيقا لتخلق التصعيد و التشويق المطلوبين لمثل هذا النوع من الأفلام و تكتمل صورة الويستيرن في بانوراما المشهد الطبيعي للتلال و الصحارى و الغبار المتناثر و الشوك المتطاير .
هذا هو الغرب الذي يريد لنا ليوني أن نراه, ولست أدري ان كان يراد لنا أن نحب أو نكره هذه الصورة. وسوف نندهش حن نعلم أن المخرج طلب وضع الموسيقا أولا ثم تم تركيب المشاهد عليها , ولاحقا ستكون موسيقا المشهد الختامي في مقبرة ساد هيل ذروة الحدث و التصعيد الدرامي وهي بحق من أجمل الألحان التي وضعت كموسيقا تصويرية تندمج فيها أحداث و مشاهد الفيلم ويعززها خواء الصحراء و قسوتها بحرارتها اللاهبة ووحدة وعزلة أبطال الفيلم , ويقال أن ليوني أخبر الموسيقار إينيو موريكوني أثناء إعداد الفيلم أنه يريد موسيقا تشبه خروج الموتى من قبورهم , فأبدع موريكوني بإنتاج تحفة نادرة ربما هي الأشهر في عالم الموسيقا التصويرية ,و ما الذي يمكن أن يكون أقرب إلى النشور و خروج الموتى من صوت النفير ثم يتبعه قرع الطبول و ضجيج صاخب مثل صوت اصطكاك العظام و طقطقتها, صراخ, يتبعه صراخ , ثمة شعور باقتراب الموت هنا , وكيف لا و الموت يحوم في كل مشهد ويقف متحفزاً على فوهة مسدس, وهذا واضح في المشهد الختامي , لا أعتقد أ ن أحداً ما قادر على تصور هذا المشهد في ذهنه دون موسيقاه, حتى أنه يمكن إغماض العينين و تحسس الصورة عبر الموسيقا , وتترافق الموسيقا هنا مع لقطات سريعة لوجوه رعاة البقر , ثلاث لقطات مقربة ,ثم ثلاث لقطات لمسدساتهم و لاتتوقف الموسيقا ,وهكذا تنهال علينا اللقطات المتتالية للوجوه المغبرة غير الحليقة و يتزايد إيقاعها مع سرعة الموسيقا , ثم ترقب وحذر يلف المكان و الوجوه وأخيرا يكون الخوف هو العنوان . طبعا لابد من الخوف ,فالحياة على المحك.تتزايد النغمات تصاعديا حتى تصل إلى ذروتها؛ ثم ّ... لا "ثم" هنا , فمن من منا يمكنه أن ينسى منظر وجه توكو وهو يصرخ غاضبا في آخر لقطة في الفيلم وهو يشتم بلوندي بكلمات بذيئة تتلاشى و تبدد و لا نسمعها لأن الصرخة الشهيرة الشبيهة بعواء الذئب المميزة للحن تتعالى فتخرس صوت كوتو .
........
ملاحظة من بعيد : من الحالات النادرة في عالم الأدب و السينما التي يتحول فيها فيلم إلى كتاب/ رواية مثلما تحول فيلم سيرجيو ليوني إلى رواية على يد جوي ميلارد.
...............................................
مختصر الفيلم
يقع توكو "القبيح" المطلوب للعدالة في أسر بعض صائدي الجوائز فيقوم بلوندي "الطيب" بتخليصه من الأسر ويتفق معه على خداع رجال القانون، حيث يلعب بلوندي دور صائد الجوائز الذي يقوم باصطياد توكو ويسلمه للسلطات فيحصل على الجائزة مقابل ذلك ، وفي أثناء تنفيذ حكم الاعدام في توكو يقوم بلوندي بالتصويب على حبل المشنقة فيقطعه وينقذ توكو ويحمله وراء ظهره على صهوة حصانه لينطلقا بعيداً ويتقاسما الجائزة. تستمر العلاقة بينهما لفترة معينة على هذا المنوال، إلى أن يقرر بلوندي ذات يوم وبعد أن ينقذ توكو أن يتركه لمصيره في وسط الصحراء (ربما توصل إلى اتفاق مع قبيح آخر جائزته أكبر).
لا يموت توكو،بل يجمع من حوله عدد من المرتزقة للانتقام من بلوندي .يفشل توكو في قتل بلوندي بعد أن عثر عليه في أحد الفنادق إذا يتمكن هذا الأخير من النجاة من الموت بأعجوبة.وهنا تبدأ رحلة توكو المضنية في البحث عن بلوندي و تتحول المطاردة إلى مسألة شديدة الخصوصية و الشخصية بينهما,إلى أن يعثر عليه وهو يحاول أن يخلص أحد المجرمين من حبل المشنقة في تكرار لنفس الخدعة السابقة التي كانا يقومان بها سابقاً. يقيد توكو بلوندي ويقوده عبر الصحراء وهو يخطط للتخلص منه فيظهر توكو ممتطيا جواده ويدفع بلوندي أمامه بقسوة تحت لهيب الشمس الحارقة، ينهار بلوندي تدريجياُ حتى يفقد القدرة على الحركة و يسقط متدحرجا من فوق كثيب رملي ,عند هذه اللحظة تمتلىء نفس توكو بالرضا و يصبح مشبعا بالانتقام فقد حانت لحظة التخلص من بلوندي. ولكن تظهر في الافق فجأة عربة كأنه لا يقودها أحد وسط الصحراء, يسرع نحوها توكو فيجدها مليئة بجثث الجنود الجنوبيين , فيبدأ بتفتيش جيوبهم لعله يجد شيء , ليكتشف أن أحد الجنود (يدعى بيل كارسون) مازال حيا يتوسل شربة ماء , يهم توكو بقتله , لكن الجندي يقترح عليه إن أعطاه شربة ماء أن يكشف له سر كنز الدولارات الذهبية التي كان قد سرقها من الجيش، لكن توكو يصر بخبث على معرفة مكان الذهب أولاً , فيخبره كارسون أن الذهب موجود في أحد المقابر , ويغمى عليه قبل أن ينطق باسم القبر الذي دفن فيه الذهب , فيركض توكو نحو حصانه ليجلب الماء ,ولكنه حال عودته يجد الجندي متدليا من العربة و بجانبه بلوندي الذي زحف حتى وصل إلى هناك.
مات بيل كارسون دون أن يعرف توكو اسم القبر , فيغضب و يخرج مسدسه يريد قتل بلوندي الذي يهمس له بأنه أصبح يعرف اسم القبر الذي فيه الكنز. وهنا تدخل العلاقة بين توكو و بلوندي منعطفا جديدا , فقد أصبح توكو الآن حريصاُ على حياة بلوندي فيذهب به إلى دير قريب لمعالجته, ليمضيا معا بعد شفائه في رحلة البحث عن الذهب .لا يستطيع أي منهما التخلص من الآخر فكل واحد منهما يعرف جزء من الأحجية , توكو يعرف اسم المقبرة و بلوندي يعرف اسم القبر , ويقرر بلوندي و توكو أن يرتديا ثياب الجنود الجنوبيين ويركبان العربة التي وجداها فيقعان أسرى لإحدى الكتائب الشمالية , يستبدل توكو اسمه في معكسر الاعتقال باسم "بيل كارسون" وحالما ينادى على أسماء الأسرى ينتبه إينجل آيز الذي يخدم برتبة رقيب في الجيش الشمالي إلى الاسم وهو ما كان يبحث عنه مدة, يأمر إينجل آيز الجنود بإحضار توكو|بيل كارسون إلى غرفته وهناك يدعوه للطعام "هما يعرفان بعضهما البعض من قبل". يسأله إينجيل آيز عن سبب انتحاله اسم بيل كارسون فيجيب توكو أنه مجرد اسم مثل غيره من الأسماء , فيغضب إينجل آيز و يبدأ بتعذيب توكو حتى يعترف له بالقصة و المقبرة و الذهب و القبر ويقول له أن بلوندي هو وحده من يعرف اسم القبر , فيقوم إينجل آيز بعرض صفقة على بلوندي يتعهد بموجبها بإخراجه من المعتقل بشرط أن يكون شريكه في الذهب بدلا من توكو الذي قام بإرساله مع باقي الأسرى بالقطار إلى مكان بعيد .يتمكن توكو من الهرب ويذهب إلى إحدى البلدات التي كانت تتعرض للقصف , فيدخل في أحد فنادقها ليرتاح و يستحم ,يدخل عليه شخص مسلح وهو في حوض الاستحمام كان توكو قد تسبب ببتر يده فيما مضى , ولكن توكو يعاجله بطلقة من مسدسه الذي كان يخفيه في الحوض ,في تلك الأثناء كان بلوندي برفقة إينجيل آيز ورجاله يستريحون في أحد المنازل المهجورة المجاورة فاستطاع بلوندي أن يميز صوت مسدس توكو ,مما دفعه للخروج ليستطلع الأمر ,يرسل إينجيل آيز أحد رجاله خلفه , لكن بلوندي يقتله حالما يراه .يدخل بلوندي على توكو و يخبره بأن إينجل آيز لازال لا يعرف اسم القبر وأن عليهما ان يتخلصا منه فيخرجان إلى الشارع معا حيث ينتظرهما رجال إينجيل آيز فتدور معركة يتخلصان على إثرها منهم و يذهبان حيث يختبىء إينجيل آيز ليكتشفا أنه قد غادر تاركاً وراءه رسالة موجهة إلى توكو تقول: أراك قريبا أيها الغبي.
ينطلق بلوندي و توكو مجدداً للبحث عن "كنزهما" ، وبينما هم في الطريق يتم القبض عليهما مرةً أخرى من قبل الشماليين ولكن هذه المرة في إحدى جبهات القتال التي يحاول فيها كل من الشماليين و الجنوبيين الاستيلاء على جسر خشبي، فيقوم بلوندي و توكو بتلغيم الجسر لتفجيره مما يعني لهما نقل المعركة إلى جهة أخرى بعيداً عن هذا المكان الذي تقع المقبرة بقربه. أثناء تلغيمهما للجسر يتفق كل منهما على البوح للآخر بجزء الأحجية الذي يمتلكه نظرا لاحتمال موتهما أو موت أحدهما بسبب الحرب ,وهنا نعرف ان اسم المقبرة هو "ساد هيل" و اسم صاحب القبر هو "آرش ستانتون" فيشعل بلوندي فتيل الديناميت و يخرجان مسرعين من النهر و يختفيان خلف أحد التحصينات .يتطاير الجسر الخشبي بفعل الانفجار و تدور معركة حامية بين الجيشين طوال الليل .في صبيحة اليوم التالي يسود الهدوء المكان , فقد غادر الجيشان الموقع مخلفين وراءهما الدمار و جثث القتلى, يغادر بلوندي و توكو بدورهما ويعبران ضفة النهر المقابلة , وعند مرورهما بإحدى الكنائس المدمرة يرى بلوندي جنديا جنوبيا شابا يحتضر فيضع سيجاره في فمه فيفارق الحياة بعد النفثة الأولى وفي هذه الاثناء يمتطى توكو حصان الجندي وينطلق هاربا فما كان من بلوندي إلا أن أشعل فتيل مدفع صغير كان منصوبا في الخارج باتجاه توكو الذي سقط أرضاً بسبب القذيفة التي وقعت بالقرب منه , ما إن نهض توكو حتى وجد نفسه في مقبرة"ساد هيل" محاطاً بالمئات من شواهد القبور، فيركض كالمجنون باحثاً عن قبر "آرش ستانتون" حتى يجده فينزع خشبات شاهدة القبر ليزيح بها التراب عن القبر بانفعال واضح والطمع يملء عينيه الصغيرتين ، وبينما هو كذلك يحضر بلوندي ويرمي عليه مجرفة ويأمره باستخدامها في الحفر، فيمتثل للأمر عندما يرى بلوندي قد أزاح طرف "البونشو" كاشفا عن سلاحه .استمر توكو بإزاحة التراب حتى انكشف التابوت الخشبي وسط القبر ,وهنا يظهر إينجل آيز ويرمي بمجرفة أخرى ويأمرهما بان يحفرا معاً. أشعل بلوندي سيجاره متجاهلاً الأمر، فما كان من إينجل آيز إلا أن جهز مسدسه مهدداً بإطلاق النار عليه، فيخبره بلوندي بانه إذا ما اطلق النار عليه فلن يرى سنتاً واحداً من الدولارات الذهبية، فاندهش إينجل آييز متسائلا ,فأزاح بلوندي غطاء التابوت برجله فإذا به يحتوي على هيكل عظمي ً.و هنا يقرر بلوندي أن يتبارز الثلاثة للحصول على الاسم الحقيقي للقبر، حيث كتب بلوندي اسم صاحب القبر على سطح حجر وضعه وسط ساحة المقبرة ليبدأ النزال الأخير.
تنتهي المعركة بمقتل إينجل آيز على يد بلوندي , بينما أبقى توكو حيا الذي لم يستطع استخدام سلاحه في النزال لأن بلوندي كان قد أفرغه من الرصاص في وقت سابق ليلة المعركة دون أن يدري. يقوم بلوندي بإخبار توكو بمكان القبر الصحيح ويأمره بالحفر، فيقوم توكو بإخراج أكياس الذهب من القبر , يضرب أحدها بطرف المجرفة فتناثر القطع الذهبية على التراب فيجثي على ركبتيه ويمسك ببعضها بين يديه وهو يكاد يطير من الفرح وينتصب واقفاً لكنه بتفاجىء بأن بلوندي قد أعد له مشنقة و يأمره بأن يضع رأسه داخل أنشوطتها وهو يشهر مسدسه في وجهه .يظن توكو للوهلة الأولى أن بلوندي يمازحه, لكنه يكشتف جدية بلوندي فيصعد فوق شاهد القبر المتهالكة ويدس رأسه داخل الأنشوطة ،يقوم بلوندي بشد الحبل حول عنقه ويوثق يديه إلى الخلف، يحمل بلوندي نصف الأكياس المليئة بالذهب على حصانه ويترك النصف الآخر على حافة القبر المفتوح و توكو ما زال معلقاً فوق شاهد القبر. ينطلق بلوندي بحصانه بعيداً جداً و توكو يناديه بحرقة وقدماه ترتجفان وتهتزان فوق شاهدة القبر، يتوقف بلوندي فجأة ويصوب بندقيته نحو توكو وهووووب ينقطع حبل المشنقة و يسقط توكو داخل القبر فوق الذهب . يبتسم بلوندي و يستدير ماضيا في طريقه .ينطلق توكو راكضا وسط ساحة المقبرة و يداه مقيدتان خلفه وهو يكيل سيلا من الشتائم و اللعنات نحو بلوندي الذي كان قد اختفى تماما في الأفق .
#محمود_الصباغ (هاشتاغ)
Mahmoud_Al_Sabbagh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟