أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظهر محمد صالح - شجرة العسل..!














المزيد.....

شجرة العسل..!


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 5993 - 2018 / 9 / 13 - 23:43
المحور: الادب والفن
    


شجرة العسل..!


مظهر محمد صالح

17/9/2014 12:00 صباحا

كم كانت الطبيعة صادقة عندما استطلعت مبكراً تلك الأشجار التي دانت لها الأرض ليتسلل جمالها بين عيني وهي تحاكي قيم الجمال التي تشابكت عروقها في مخيلتي وغرزت عبقها بعفوية ماكرة، مولدة في مداركي حالة صارخة من الغرابة واللا شعور استقرت همساتها في نفسي على رائحة زكية دون أن تجعل من الحياة عبئاً ثقيلاً. وانهمكتُ حينها متوغلاً بين مساراتها وظلالها بمتعة قاسية استطعت من خلالها أن أرى نفسي في أعماق غابة عظيمة سميت (كاتينو) وهي تقع على أطراف وأنامل مدينة كندية حالمة اسمها (اوتاوا). فالغابة الغنّاء التي غرست ألسنتها بغزارة في رغباتي، اكتشفت أنها ترمقني بنظرة باردة لا تعرف الانفعال وتملك السماحة والعفو ومن السهل سبر أغوارها.. قلت في سري، لقد أحببت هذا المكان الذي تكاد أشجاره العملاقة تتكاتف مع بعضها وان مياهه المفضفضة وطيوره الحرة وعصافيره المزقزقة تعرفني كما أعرفها، على الرغم من أنني من بلاد لم تجالس هذا النوع من البساتين والأشجار وتختلف في آفاق الطبيعة البرية. فالخريف قد ميّز هذه الأرض عن غيرها بشجرة مقدسة تسمى (الاسفندان) التي انقلبت أوراقها الخضراء مع بدء الخريف الكندي لتزدان باللونين الذهبي والأحمر وهما اللونان اللذان امتزجا في ترتيب بارع أطَّرته سماء الغابة الزرقاء. فالدفء العاطفي يمكنه أن يلامس كل عقل مفتوح وهو يمسك بالهامات لا يألفها إلا من يسكن الطبيعة ويتبادل فيها الخيال ويتعاطى الواقع والبراءة والحرية والمتعة الخالصة والإلهام الحر.
أيقنت آنذاك أن غابة (كاتينو) التي ازدانت بأشجار الاسفندان الملونة هي ملهاة صادقة لا يجدر بنا هجرانها، فأسندت حينها رأسي على جذع واحد من أشجارها التي ارتاحت الى سرار طبيعتها واطمأنت الى نفسها لتبلغني تلك الآرومة الكثيفة الأغصان وهي تهمس في اُذني أن الشتاء آتٍ لا محالة وينبغي أن تغادرني حالاً ايها القادم من شرق المتوسط قبل أن يحل المساء..! هيا انظر ايها الرجل فقد تلبدت السماء بغيوم فضية وهي حبلى برقائق الثلج. ولم يمض من الزمن إلا القصير منه حتى وجدت ان اشجار الاسفندان قد تلفعت بملاءتها الثلجية البيضاء وأسدلت الرياح القارصة زينتها التي اعتنت بها، لتلقح الريح مستقبلها القادم.
غادرت الغابة مساءً بعد أن صار الجو متخشباً تحت بياض المغيب الذي تخللته رقائق الثلج المتساقطة بكثافة وأنا ما زلت أودع شجرتي التي وضعت رأسي على جذعها وانا مطلق الرأس والعنق وهي مختبئة متدثرة بالبياض وتقول بصوت خافت: أعرف ايها القادم من شرق المتوسط، ان من يتحمل مرارة الصبر فليلقاني في فصل الربيع دون شكوى أو توجع أو اعتذار!!.
وهكذا حل الربيع حقاً وبدأت أفتش مجدداً عن شجرتي بين آلاف الأشجار التي اكتظت بالمزارعين وأمامي شبكة من الخراطيم التي وضعت على جذوع أشجار الاسفندان التي اكتست بأوراقها الخضر وهي تصب من نسغها عصارة بنية اللون ذات طعم سكري يماثل العسل وكأنها شجرة تُولد رحيقها!. قال لي أحد المزارعين إنها شجرة العسل Honey Maple Tree وان راية الامة الكندية تجمع أجناس هذه البلاد من مختلف مشارب الأرض تحت ظلال أوراق شجرة الاسفندان. وتتناول الأمة الكندية فطورها في كل صباح على عسل شجرة الاسفندان التي باركها الرب واحتضنتها الطبيعة وأكرمها الشعب. قلت في نفسي إن كل هذا لا يفقدني بوصلة الرؤية. فنخيل بلادي هو ظل الأمة المغروس في قلبها وضميرها وان عسل التمر هو الدم الذي يجري في عروقنا نحن شعب العراق.
ختاماً، ما كان عليَّ إلا أن أودع شجرة الاسفندان في غابة كاتينو بالصدق والفطرة البريئة وهي تقطر عسلاً، لتستقبلني نخلة بلادي بالشوق والحب المطلق دون الحاجة الى تفسير لغربتي، فجذوع نخيل جنوب بلادي هي ممتلئة ثقةً ونماءً وتبشرنا على الدوام أن الشعور بالحرية والإحساس في عالم جمالي مشحون بالتفاؤل سيظل قوة راسخة ونحن من بلاد ظلت مركز الكون وان اسمها ما بين النهرين، وهي قوية جادة بلا عائق طالما تصبُ خيراً ويقطر نخيلها عسلاً.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ادارة مخاطر الموازنة العامة :تقييم المصدة المالية للعراق/الج ...
- ادارة مخاطر الموازنة العامة :تقييم المصدة المالية للعراق/الج ...
- ادارة مخاطر الموازنة العامة :تقييم المصدة المالية للعراق/الج ...
- مقايضة الديون بالطبيعة
- بنك الفقراء ...بنك الشغيلة
- الأرواح الحياتية:من سلوكيات المدرسة الكنزية في الاقتصاد
- قلم الرصاص:مفتاح العقل وشفرته
- الطبقة الرثة والإستبداد الشرقي في العراق/الجزء الرابع
- الماس:كارتل الثروة والحرب
- الطبقة الرثة والإستبداد الشرقي في العراق/الجزء الثالث
- الرأسمالية المعولمة: حقيقة ام وهم؟/الجزء الثالث
- الطبقة الرثة والإستبداد الشرقي في العراق/الجزء الثاني
- الطبقة الرثة والإستبداد الشرقي في العراق/الجزء الاول
- الرأسمالية المعولمة: حقيقة ام وهم؟/الجزء الثاني
- الرأسمالية المعولمة: حقيقة ام وهم ؟/الجزء الاول
- حقوق التلوث:الخطط والأسواق
- الاقتصاد التركي و التدخل الحكومي في السياسة النقدية.
- يوم العازبين في الصين : سعادة أم كآبة؟
- لغز النمو الصيني..!
- الصين :ذراع من فولاذ


المزيد.....




- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظهر محمد صالح - شجرة العسل..!