|
من -أبو طشت - إلى - ابن العم - إلى - مانديلا سورية- ألقاب تبحث عن قيمة
منذر خدام
الحوار المتمدن-العدد: 5986 - 2018 / 9 / 6 - 13:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اتيح لي ان اجاور السيد رياض الترك لمدة خمس عشر يوما في زنزانته في الجناح الشرقي من قبو فرع التحقيق العسكري، التي أمضى فيها ما يناهز ثمانية عشر سنة. ففي شهر تشرين الثاني من عام 1982 تم نقلي كنوع من العقوبة من المهجع الثاني الى الزنزانة 49 في الجناح الشرقي من القبو ذاته. لم اكن اعلم في حينه من هو النزيل المجاور في الزنزانة رقم 50، الذي يناديه عناصر الخدمة بـ "أبو طشت"، ومن دواعي الفضول استعلمت عنه الممرض الذي كان يأتي لمعالجة جروحي، فقال: رياض الترك. لقد استغربت في حينه هذا الاسم الذي ينادونه به، في حين كان ينادى كل موقوف برقم يمنح له كبديل عن اسمه الحقيقي بمجرد دخوله أقبية فروع الأمن السوري طيلة فترة التحقيق معه. واتيح لي مرة أخرى وأنا عائد من غرفة التحقيق ان ألتقي به في الممر وهو ذاهب إلى المغاسل حاملا طشته، استغليت الفرصة المتاحة لثواني وبادلته التحية وسألني عن تهمتي السياسي، ومن هم الضباط نزلاء الزنزانة 52 الذين سمعني أتحدث معهم، فأجبته بانهم رفاقي من البعث الديمقراطي. هز رأسه كنوع من الاستنكار، ومضى إلى المغاسل وانا تابعت سيري إلى زنزانتي وصوت العنصر يلاحقني يا 136 ادخل ورد الباب وراءك...بعد ذلك صرت أتبادل الأحاديث معه يوميا كلما سمح الظرف بذلك من وراء باب الزنزانة، ونقلت له بناء على اسئلته صورة عما يجري في الخارج من حملات اعتقال شاملة لكل معارض للنظام في ذلك الوقت، وخصوصا من الاخوان المسلمين. إذا " أبو طشت" هو الاسم الذي كان عناصر الخدمة في فرع التحقيق العسكري ينادون به السيد رياض الترك "المعارض" الشهير، ويبدو انه اسم مشتق من طشته الذي كان يحمله معه يوميا بعد الغداء إلى المغاسل، حيث يقضي بعض الوقت في الاستحمام وغسل الثياب، كنوع من الميزة الممنوحة له، وذلك بعد أن يكون جميع الموقوفين قد صاروا وراء قضبان زنازينهم او مهاجعهم. " أبو طشت" أو " ابن العم" أو " مانديلا سورية" هي ألقاب للسيد رياض الترك تبحث عن قيمة لها، فهو بالتأكيد اكبر من ان ينادى بأبي طشت، كما كان يفعل عناصر الخدمة في فرع التحقيق العسكري، لكنه لا يستحق أبدا أن ينادى بمانديلا سورية، احتراما له، وتجنبا للإساءة للمناضل مانديلا، فبينهما تفصل بحور شاسعه من اختلاف القيمة، فقديما قالت العرب "من مدحك بما ليس فيك فقد زمك". وحتى لقب " ابن العم" الذي يبدو حياديا للوهلة الأولى، فهو لا يخلو من رمزية أسطورية كمانديلا، من خلال دلالته على الشعبوية والتحبب. يبدو لي أن استسهال منح الألقاب لمن يستحقها، اولا يستحقها، في الغالب الأعم، جزء من ثقافتنا نحن العرب وهم غالبا من يمنحونها لأنفسهم، او يساهمون بذلك من خلال تقبلها. وعلى كل حال ما يهمني في هذا المقال ليست ألقاب السيد رياض الترك بل مناقشة أرائه السياسية ودوره في مسار "المعارضة" السورية، منتهزا فرصة هروبه إلى خارج سورية، ومن خلال أجوبته على أسئلة الصحفي علي الأتاسي المنشورة في القدس العربي. وكما لا يليق بـ "بابن العم مانديلا سورية " رياض الترك( رحم الله الرئيس نور الدين الأتاسي ورفاقه المتوفي منهم والحي...) إلا الأفعال الاسطورية، فقد كان من الطبيعي أن يجعل من هروبه من سورية قصة اسطورية. ففي جوابه عن سؤال الصحفي علي الأتاسي" بعد أن أمضيت عشر سنوات في العمل السري ،متخفيا في مدينة دمشق، قررت أن تغادر سوريا، ورفاقك في الداخل، وأن تلتحق بعائلتك في فرنسا...، هل انتابك أي نوع من أنواع الخوف عندما قررت المغادرة والعبور في اتجاه الأراضي التركية؟ وكم يوماً أخذت منك هذه الرحلة؟ وما هي المصاعب التي تعرضت لها؟ يجيب السيد رياض "عندما قررت المغادرة، لم يكن لديّ أي خوف من الاعتقال" وعلينا أن نصدقه فهو لا يخاف فالخوف من طبيعة البشر، وليس من طبيعة الرجل الأسطورة، لكن علينا ان نصدق أكثر "الاحتياطات" التي اتخذها، فهي أقرب إلى العقل والمنطق. لكن الغريب في هذه الرحلة التي استغرقت ثلاثة أيام من دمشق إلى السلمية إلى حلب إلى باب الهوى ، انها عبرت حواجز النظام وما اكثرها، مستخدما الرشوة؟، وهم يرتشون فعلا، لكن أن تشمل احتياطات السيد رياض مروره ومرافقوه دون تفييش ولا على حاجز واحد فهذا امر مستغرب. والأغرب في هذه الرواية هو العودة من حلب إلى قلعة المرقب في سهل الغاب شمال حماه، ومنها الدخول إلى منطقة سيطرة جبهة النصرة، في حين كان بإمكانه أن يدخل منطقتها مباشرة من السلمية او من حماة، إلا أذا كان ،اللهم، قد أراد الاطلاع على اوضاع حلب تحت الاحتلالين الروسي والإيراني؟!!، وبطبيعة الحال لا يذكر شيئا عن كيفية استقبالهم له وهل فيشته حواجزهم؟!!. آسف، سؤال خاطئ، ولما يفيشونه؟ فهم من اهل البيت ثوارا؟!!. ألم يكن طريق دمشق درعا حيث يسيطر الجيش الحر، ومن ثم الأردن أقرب، وأسهل، وأقل مخاطرة من كل هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر( التي زللها تقديم الرشوة لحواجز النظام؟!!) ، أم هي متطلبات الأسطورة؟!! وفي جواب السيد رياض عن سؤال الصحفي عن أسباب خروجه من سورية، علما انه كان قد قرر سابقا بإصرار البقاء فيها، قال السيد رياض:" خروجي كان لسببين: الأول إرضاء لابنتيّ خزامى ونسرين.." وهذا حق العائلة عليه لا ينازع، " فقد كانت لدى كل منهما رغبة شديدة بالتئام شمل العائلة بعد كل هذه السنين". بالطبع السيد رياض كنوع من الحذر لم يتحدث بذلك أمام رفاقه " مخافة أن يُفهم على أنه انسحاب"، هذا مع أنهم للأمانة كانوا يشجعونه على الخروج بحسب رأيه. العامل الثاني يجيب السيد رياض " كان شعور(ه) الذاتي بأن دور(ه) في الحزب، وفي الداخل بدأ يضعف.." ، ففي الفترة الأخيرة صار أداؤه ضعيفا، بحسب قوله، وشعر بأنه لم يعد مفيدا لرفاقه في الداخل، وهم كمشة بالعدد كبقية أحزاب اليسار، إذا صح نسبه إلى اليسار بعد اللبرلة التي أجراها على حزبه. ياليت كان ذلك صحيحا منذ خروجه من السجن لكان قد وفر على الحركة الوطنية السورية بصورة عامة، وعلى حزبه بصورة خاصة، مزيدا من التشرذم والانقسام وحافظ على قيمة معنوية كبيرة. والأخطر في نشاط السيد رياض الترك، خصوصا خلال الأزمة الراهنة، تحالفه مع الاخوان المسلمين، والتسبب في حرف انتفاضة الشعب السوري عن مسارها السلمي المطلبي، وفي النهاية التسبب في هزيمتها التامة الناجزة. للإنصاف كان دوره وحزبه، بل وكل القوى اليسارية السورية دورا هامشيا في حراك الشعب السوري، لكنه هو الوحيد مع حزبه قبلا أن يشكلا غطاء وطنيا للاخوان المسلمين، وللحركات الجهادية الارهابية المختلفة والدفاع عنها. كان من واجب السيد الترك أن يعلن هزيمته، ويخرج من الحياة السياسية، كنوع من تحمل المسؤولية تجاه ما تسبب به حلفاؤه الجهاديون للشعب السوري من مآس ولسورية من دمار، حتى فقد السوريون ليس فقط "حقهم بالحياة" بل "حقهم بالمقابر" على حد قوله. لكن "الأسطورة" (مانديلا سورية) أو (ابن العم ) أو (أبو طشت )، لا فرق بين هذه الألقاب يأبى إلا الحلم بالعودة، مع أنه خرج من بحر سورية السياسي سمكة سياسية ميتة، فهو مستعد للمخاطرة وسلوك " الطريق ذاته رجوعا.... بشكل سري إلى الداخل". وفي جواب السيد رياض الترك عن سؤال الصحفي فيما إذا كان هناك من شيء يندم عليه "على المستوى السياسي، وعلى المستوى الشخصي، والعائلي، خلال هذه السنوات السبع الماضية؟" قال: " من الزاوية السياسية، كنا نتحدث بحتمية انتصار الثورة، وربما لم ندرك إلى أي حد كانت هناك ممانعة إقليمية ودولية للتغيير في سوريا وفي المنطقة". لقد قارب السيد الترك في جوابه ما هو ثانوي في عدم انتصار ثورته، التي فقدت إمكانية ان تكون ثورة فعلا منذ تخليها عن سلميتها بفضل حلفائه من الاخوان المسلمين والجهاديين الارهابيين الذين قدموا إلى سورية من كل حدب وصوب كنوع من التضامن الأممي الاسلامي؟!. أما الأسباب الحقيقية لفشل " الثورة" فهي من جهة تكمن في قصور فهم طبيعة النظام، وعناصر القوة والضعف لديه، وجدية وقوة المصالح الاقليمية والدولية التي يمثلها، ومن جهة ثانية في عسكرة وأسلمة انتفاضة السوريين. هذه هي الأسباب الحقيقية لفشل انتفاضة بعض السوريين التي عليك وعلى حلفائك أن تدركها، علما ان ذلك لن يغير من الواقع شيئا، بل ربما تدفعك وحلفاؤكم للاعتراف بمسؤوليتكم عن هذا الفشل، وهذا لن يحصل بالتأكيد، فالمنطق التبريري هو جزء من ثقافتنا. لذلك لن تفيدك، وحلفائك الاسلاميين من كل لون أية "مراجعة معمقة"، ولا إعادة النظر في كثير من " المسلمات" حتى ولو جددتم "أفكاركم وقواكم وعلاقاتكم"، الذي يفيد حقا هو تحمل المسؤولية بكل جرأة والخروج من الحياة السياسية، فالهزيمة تاريخية بكل معنى الكلمة، وليس مجرد خسارة "معركة" من معاركها. يعترف السيد الترك بأن " الأسس التي بنيت عليها سياسات ورهانات وتحالفات المجلس الوطني ومن بعده الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية فشلت هي الأخرى في تحقيق أهدافها في التغيير الوطني الديمقراطي؟"، ويطالب بوقفة " نقدية جادة"، بدلا من تحمل المسؤولية عن هذا الفشل. لا اعتقد يا سيد رياض أن يقبل الشعب السوري بعد اليوم بان يكون فئران تجارب، مرة تجربه في التغيير الديمقراطي فتفشل، ومرة أخرى تجربه في اسقاط النظام، فتسببت في سقوط الشعب والبلد، واليوم تريد تجريبه في طرد الاحتلال الأجنبي من بلده على طريقتك وطريقة حلفائك الفاشلة مسبقاً. الشعب السوري بكل تأكيد سينجح في إنجاز جميع هذه المهام من خلال عملية تاريخية سلمية ومتدرجة، صَعُبَ عليك، في استسهال صبياني المحافظة على التمسك بها كما كانت تطرحها الحركة الوطنية السورية عموما خصوصا في التجمع الوطني الديمقراطي وفي اعلان دمشق بعده. يقول السيد الترك " الخلل الرئيسي والحلقة المفصلية اليوم هي الاحتلال وضرورة النضال في سبيل إنهائه" مزيحا قضية اسقاط النظام من دائرة مهامه الرئيسة، وإذ يزيحه فذلك لأنه قد سقط بحسب الترك وهو ينتظر "المحاكمة والمحاسبة". بلا شك صارت سورية بفضل ثوارك يا سيد رياض بداية، وبفضل النظام تاليا تخضع لهيمنة دول أجنبية عديدة، وإذا كان النظام قد شارف على تحقيق انتصاره على ثوارك، فهو بمعنى معين سوف يلحق الهزيمة بحلفائك الدوليين، وليس لدي من شك ان الشعب السوري سوف يتولى انجاز الجانب الأخر من المهمة وهي التحرر من هيمنة كل القوى الأجنبية . ثم كيف لنا ولشعبنا ان نصدق انك جاد في طرح قضية الاحتلالات لسورية كقضية مركزية وانت الشهير بمقولة "الصفر الاستعماري"، في تبريرك غزو امريكا للعراق في عام 2003، وأصوات رفاقك والناطقين باسمك لا يزال يتردد صداها " نريد سلاحا... نريد تدخلا خارجيا... نريد قصف الجيش السوري...". انت لم تخطئ ببعض التفاصيل لكي تندم عليها يا سيد رياض، بل أخطأت في المحطات التاريخية الكبرى، فانت خرجت من عباءة السوفييت لترتمي في عباءة امريكا، بل في عباءة أذنابها من دول الخليج وتركيا، قاومت خالد بكداش فصرت مثله، قاومت الدكتاتورية فصرت في حزبك دكتاتورا، ساهمت في تشكيل التجمع الوطني الديمقراطي ومن بعده اعلان دمشق فكنت اول من رمى وثائقهما السياسية في سلة المهملات، ساهمت في "الثورة" فقدتها مع حلفائك الاخوان المسلمين والجهاديين من كل لون إلى الهزيمة بعد تدمير البلد وتمزيق وحدة الشعب السوري.. مسيرة سياسية هذه هي نتائجها كان من الطبيعي أن يسخرك حلفاؤك الاخوان المسلمون بسهولة لخدمة أغراضهم، ولا تستطيع أن تبرر ذلك بالقول انهم خدعوك ورفاقك عند تشكيل المجلس الوطني او الائتلاف بعده، فأنت بكل وعيك وارادتك قبلت بذلك وعملت عليه منذ لقاء الدوحة الأول بين هيئة التنسيق الوطنية واعلان دمشق والاخوان المسلمين وما نتج عنه من تفاهم لتشكيل المجلس واعلانه من دمشق. فبينما كانت هيئة التنسيق تحضر لمؤتمرها الأول في حلبون بجوار دمشق الذي نجحت في عقده في شهر حزيران من عام 2011، كنت انت وحلفائك من الاخوان المسلمين تحضرون لتشكيل المجلس الوطني في استنبول ونجحتم في ذلك بدعم قطري – تركي. يسهل اليوم على السيد رياض الترك تحميل المسؤولية عن فشل سياساته إلى حلفائه، من الاخوان المسلمين، وليس لدي من شك بأنهم سوف يردون عليه كاشفين مزيدا من أسرار تحالفهما غير المقدس، بل الشيطاني، ومنها بصورة خاصة سياسة " استسهال مقولة الدفاع عن النفس " مما سمح لكثيرين التقدم إلى " الساحة تحت مسميات اسلامية، وتمت شيئا فشيئا عسكرة الثورة ومن ثم أسلمتها لصالح العديد من الدول الاقليمية الراعية للتنظيمات الاسلامية المسلحة، وهذا بدوره أدى في النهاية إلى الانحراف عن توجهات الثورة الأساسية وإلى نوع من الوصاية الدولية على مؤسسات المعارضة". يا للعبقرية الفزة، التي جاءت متأخرة و يصدق معها المثل الدارج في بعض ريفنا " الفسو على المرتكي سهل". من الذي تخلى عن شعار الحركة الوطنية السورية " التغيير السلمي المتدرج الآمن" الذي جاء في حينه تكثيفا لفهم صحيح لطبيعة النظام وممكنات تغيره عبر اصلاحه المتدرج، بمجرد أن بدأت تظهر في الشارع حركات تمرد، لصالح شعار اسقاط النظام بالقوة، حتى ولو تطلب الأمر الاستعانة بالأجنبي الذي تعده اليوم خطأ،( وأي خطأ؟!!)، علما كنت من منظري التدخل الخارجي لإسقاط النظام، وكان ذلك سياسة لحزبك وحلفائك من الاخوان المسلمين طيلة سنوات الأزمة السورية. واليوم تحمل القسط الأكبر من المسؤولية لتيار الاسلام السياسي، فهو بحسب رأيك من " الأسباب الرئيسة التي أدت إلى الفشل" وتدعو إلى "نقده والاشتباك معه سياسيا وأيديولوجيا" لكن بحدود ان لا يؤدي ذلك إلى " إقصائه من الحياة السياسية او التشكيك بتمثيله لشرائح مهمة من مجتمعنا". بالطبع من حق السيد رياض ورفاقه وحلفائه نقد سياساتهم السابقة بل من و اجبهم، لكن لا اعتقد أنه باستطاعتهم بعد اليوم خداع الشعب السوري واستخدامه كفئران تجارب. اللعبة انتهت وشرف لكم الصمت إن أحسنتموه، لكنكم لن تحسنوه، فمن ساهم في قتل شعبه، وتدمير بلده، لا يستطيع شرف العالم كله تغطيت عاره. وفي نظرته الثاقبة الاستشرافية لأولويات " العمل المعارض السوري في ظل الظروف الراهنة" يرى السيد الترك ضرورة العمل على عودة " الناس من جديد إلى داخل سورية"، فهم يجب أن يعودوا لملء الفراغ، لكن ليس " لأحضان الروس والنظام "، ونسي ،على ما يبدو، ان يذكر احضان الايرانيين. كنت دائما على يقين بأنه كما ثمة خرف بيولوجي ثمة خرف ثقافي وسياسي وغيره. كيف للسوريين أن يعودوا إلى الداخل للنضال ضد النظام والروس لكن من خارج "احضان الروس والنظام"؟!!. ربما يقصد مثلا الذهاب إلى منطقة سيطرة قوات سورية الديمقراطية، لكن هذه العودة إلى مناطق سيطرة قسد غير ظابطة، فهي "قوات ارهابية" بحسب رأي مجلسه الوطني وائتلافه .وربما يقصد عودتهم إلى مناطق سيطرة حلفائه جبهة النصرة وأخواتها، لكن لدي ثقة كبيرة بانه لن يلحق، بل عليه أن يستعد وحلفائه المحليين والدوليين لاستقبال مزيد منهم خارج سورية. السيد الترك، في جوابه عن أحد اسئلة الصحفي علي الأتاسي يرفض الدعوة إلى " تسوية مع النظام"، وذلك ببساطة لأنه على قناعة بأنه لم " يعد هناك في سورية شيء اسمه نظام بشار الأسد، او نظام آل الأسد"، ويعد ذلك مجرد "وهم في رؤوس البعض"، وهو بذلك يظهر حالة متقدمة من الخرف السياسي. نظام " الأسد" يا سيد ترك موجود، وهو في حالة تحالف استراتيجي مع روسيا وايران، وليس مجرد "دمية"، وبوجوده المميز هذا يصير النضال لتغييره مجديا في سياق عملية تاريخية عملت ورفاقك وحلفاؤك على استعجالها فاستعجلتم دمار البلد والشعب ودماركم. وإذا صح قولك ان النظام صار "دمية"، فما هو حال معارضتك في الخارج، في المجلس الوطني، وفي الائتلاف من بعده، وحتى في هيئة التفاوض؟ فهي منذ البداية كانت مجرد أدوات لتنفيذ أجندات خارجية في سورية لا مصلحة للسوريين فيها، لقد كانت ببساطة مجرد عميلة مكشوفة. يقول السيد الترك " الثورة منتصرة ولو هزمت" فنحن بحسب رأيه " خسرنا جولة من جولات الصراع ولم نخسر المعركة"، وهو بذلك يعيد تذكيرنا بالخطاب العربي الرسمي تجاه الصراع مع اسرائيل، وكان هذا النوع من الخطاب جزء تكويني من ثقافتنا، فنحن لا ننهزم في المعارك بل في جولاتها؟!. وللإنصاف فإن السيد الترك نظر إلى احجيته عن "خسارة الجولة وليس المعركة"، من زاوية " عمق التحولات الاجتماعية التي تجري في منطقتنا"، وهو بذلك أيضا خانته الرؤية، إلا أذا كان الارتداد إلى البنى الأهلية ما قبل الوطنية يعد تحولا اجتماعيا عميقا، وهو كذلك حقا، إنما بالسالب. في العراق مثلا بل وفي ليبيا وفي اليمن كان في كل منها يوجد دكتاتورا واحدا كبيرا فصار لدينا العشرات الصغار من طينته يتصارعون على النفوذ والمجال الحيوي الأهلي دون أخذ بالحسان لما هو وطني جامع وكلي. للأسف ما كان يسمى ربيعا عربيا في تضليل مقصود لم يكن سوى مجرد كارثة عربية مكتملة الأبعاد. هل يعني ذلك أن التاريخ يقف هنا ليرعى ارتداداته نحو الأهلي والتقسيمي، وبالتالي لا يمكن تغيير اتجاهه؟ لا اعتقد بذلك وسوف تأتي اجيال تقرأ التاريخ وتستشرفه بصورة صحيحة، لكن بعيدا عن " الماركات السياسية" المسجلة التي يمثل السيد الترك واحدا من أبرزها. ليس لدي من شك بأن السوريين، والعرب بصورة عامة، سوف يتجاوزون ارتدادات التاريخ في لحظاته الراهنة، ليدخلوا في العصر فاعلين ومؤثرين. مفتاح القضية ببساطة يتمثل في دحر الاستبداد من خلال النضال السلمي المتدرج والآمن، وليس من خلال العنف والارهاب، فإرادة التغيير لن تموت لدى شعبنا. لا تخرج أجوبة السيد رياض الترك عن أسئلة الصحفي السيد علي الأتاسي المتعلقة بالدور الأمريكي والاسرائيلي في سورية عن السياق العام لأجوبته، فهي جاءت خاطئة رغم محاولته تغليفها بشيء من العقلانية والرصانة. فالسيد الترك وشركائه انتقدوا إدارة اوباما لأنها رفضت التدخل العسكري لإسقاط النظام، كما كان وحلفائه يطالبون به مرارا، وليس لأنها لم تكن " قادرة ولا راغبة في القبول بنتائج صناديق الانتخاب ..". بلا شك أمريكا في كل اداراتها قد لا تكون مع الديمقراطية القائمة على مبدأ "المواطنة"، لكنها لن تكون ضد، بل تشجع الديمقراطية القائمة على أساس "المكونات" كما هو واقع الحال في لبنان وفي العراق، وكانت السيدة كلينتون وزيرة خارجة أمريكا في ادارة اوباما واضحة في تصريحاتها على هامش مؤتمر المعارضة الذي عقد في تونس وحشدت له امريكا اكثر من مائة دولة لتغطيته كنوع من الاعتراف بها. ثم أليست امريكا صاحبة نظرية الفوضى "الخلاقة"، التي طرحتها إدارة بوش الابن ونفذتها إدارة أوباما بإبداع. إن قضية التغيير الديمقراطي في بلداننا العربية لم تكن يوما قضية أمريكية، كما صار يطرح اليسار السوري المتلبرل بعد غزو امريكا للعراق، وفي مقدمته جماعة رياض الترك، وصار سياسته الرسمية المعلنة خلال الأزمة السورية، إنها بالأحرى قضية الشعوب العربية وقواها الوطنية الديمقراطية الحقيقية. وحتى يصير لدى السيد رياض الترك " أجوبة مرضية " على حواره مع السيدة فداء حوراني، سوف اتوقف عن متابعة حديثه مع الصحفي على الأتاسي، فهو لا يخرج عن السياق العام لروح الوعظ والارشاد والتعليم، لكن بلا قيمة نقدية حقيقية . اعترف في نهاية هذه القراءة المتأنية فيما قاله السيد رياض الترك في المقابلة الصحفية التي اجراها معه الصحفي على الأتاسي ونشرتها جريدة القدس العربي، انني كنت ميالا إلى منهج لينين في نقده للخصوم السياسيين وللرفاق وللحلفاء على حد سواء، فجاءت قراءتي بلا رتوش او دبلوماسية، بل مباشرة لكنها صائبة كما ازعم. قد يجد فيها السيد رياض الترك، او بعض رفاقه ومريديه نوعا من القساوة التي لا تلائم قامته النضالية الكبيرة وتاريخه " المشرف"، وقد يجدون فيها تجنيا عليه فهو غير ذلك تمام من وجهة نظرهم، مع ذلك فإنني لن اعتذر لأحد، بل أطالب الجميع بالجرأة في النقد وتحمل المسؤولية، وليس التهرب منها من خلال رميها على الأخرين.
#منذر_خدام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- المعارضة السورية ودورها في هزيمة شعبها
-
هزيمة الشعب
-
المفاوضات في غياب القطب الديمقراطي
-
لا أمل
-
هل -السورية- هوية وطنية جامعة
-
إضاءات- مواقف وسلوكيات للمعارضة خدمت النظام
-
إضاءات- رؤية بشار الأسد الإصلاحية
-
إضاءات- لقاء صحارى التشاوري
-
نقد العقلية البعثية(عقل السلطة)
-
إضاءات- قول في الدستور السوري لعام 2012
-
إضاءات - طبيعة النظام السوري
-
إضاءات- الحكم بالقوانين الاستثنائية في سورية
-
قراءة متانية فيي القانون 10 للتنظيم العقاري
-
ما مصير القطب الديمقراطي السوري المعارض
-
العدوان الثلاثي ومصير الحل السياسي
-
وطن في بازار سياسي
-
قراءة متانية في ورقة - اللاورقة - للدول الخمس
-
قراءة متانية في البيان الختامي لمؤتمر سوتشي
-
سيناريو المر الواقع للحل في سورية
-
قراءة متانية في وثيقة - اللاورقة - لدي مستورا
المزيد.....
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|