|
هل معاناة البصرة ثمن عطائها
عبد الخالق الفلاح
الحوار المتمدن-العدد: 5986 - 2018 / 9 / 6 - 03:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما يشهده العالم من تطورات تكنولوجية جعل من المستحيل التعامل مع المواطنين على أنهم يحتاجون إلى الوصاية من جانب بعض من يتصورون أن بإمكانهم التحكم فيما تتعرض له الجماهير من مضامين وليست هناك استحالة في اصلاح العملية السياسية في العراق وفق النظام الديمقراطي و لكن على المدى البعيد و من المستحيل نجاحه في الواقع العراقي الحالي، لان تطبيق الديمقراطية دفعة واحدة خطأ في مجتمع غير مهيأ فكريا وثقافيا وسياسيا. ومثل هذه المجتمعات بحاجة لنظام يبدأ من اسفل واقع المجتمع الى الاعلى واخذ الايجابية وترك سلبياته ومقارنته بالواقع ، كي يكون الحد الفاصل ما بين التوحد والتشتت ، البناء أو الهدم، الحياة السعيدة أو الموت البطيء ، ولا يمكن ان تضع زمام الحكم في ايدي عامة الشعب ، لانها قد تكون فيها طبقة مبعثرة جاهلة بأساليب السياسة والحكم، وليس لديها استعداد طبيعي له ، ولا تتمتع بدرجة رصينة من التعليم والثقافة والاهتمام بالمسائل العامة، والمعرفة بحلول المشكلات السياسية . للتثقيف دور كبير في رفع مستوى الانسان وتحرير عقله من كل القيود والاغلال التي قيدته وغلته عصور الظلام والاستبداد وتنظيفها من كل الشوائب والادران التي لحقت به ووضعه على الطريق الصحيح لبناء حياته وسعادته، فالمثقف السليم انساني النزعة لا يريد الا الحق ولا يبحث الا عن الحقيقة وهذه الصفات امتاز بها كل اصحاب العقول النيرة والنوايا الصادقة ولكل محبي الحياة والانسان ، العراق كان ولازال منتج كبيرا للعلماء والمبدعين في جميع المجالات العلمية والأكاديمية والثقافية والرياضية رغم كل الظروف والازمان التي حاولت ايقاف عجلتهم . غني بالعقول المثقفة المبدعة والخلاقة لو سمح لهم في العمل وتواقون للعطاء ولكن وهو ما ناسف ان نقوله تحول بعد تسعينات القرن الماضي بعد ان زج هذا البلد بالحروب العبثية والويلات ومحاربة عقوله وطاقاته الفذة ، بحكم مجموعة جاهلة غير ابهة بالتقدم والعلوم الاستراتيجية التي تعمل عليها الامم وبعيدة عن التفكر الحضاري وتحول البلد من دولة منتجة للفكر والعلوم والأدب والرياضة إلى مجرد بلد نفطي لا حياة فيه خاصة بعد ان فرضة عليه العقوبات الاقتصادية وتعرض للنهب والسرقة وفق قانون النفط مقابل الغذاء اثر القرارات الاممية التي انهكت قواه وحطمت اماله وخابت امانيه . وحوّل جميع شؤونه الداخلية والخارجية ونظامه الاجتماعي والسياسي إلى حكومة غير نزيهة وانتشر الفساد والرشوة والسرقات ، ورسخ الإعلام المزيف لصالحه على أوسع نطاق و فتح الطريق للمال السياسي بطرق غير قانونية ، وبالتالي خضوع الطبقة السياسية لأصحاب رأس المال وحمايتهم ، والسلطة الحاكمة تتربص وتتمسك بالحكم أكثر مما تريد تقديم الخدمات والرفعة للوطن وللمواطن العراقي ، وادار النظام الدكتاتوري الصدامي تلك المراحل بنظام حكم صارم ومتخلف لا يهتم إلا بخدمة بقائه وليس خدمة للعراق وشعبه ، لا ينطلق من الارتكاز على ماضيه التاريخي المجيد وبناء حاضره نحو ضمان مستقبله في العيش والامن ودفع رجاله الشرفاء والطاقات العلمية والفكرية الثمن الاكبرحيث هرب الذي هرب و نفذ بجلدته خوفاً من البطش الدكتاتوري و تشرّد بالمنافي او وقع في اقبية السجون والمعتقلات ونال العديد منهم القتل وملئت زنزانات النظام بالاف منهم من زهرة رجال العلم والسياسة والاقتصاد والعلوم المختلفة الاخرى الذين كانوا يمثلون طاقات فذة في المجتمع وتغييب وتصفية الالاف منهم ايضاً بجرائم بشعة أثارت غضب الأرض والسماء ولا يعرف اثر لهم فسيق الجميع إلى فوضى مدمرة، وحروبٍ طائفية وأشعلوا نيران وهميةٍ، عصفت باستقراره، وأفسدت حياة ابنائه، وحرفت مسار شبابه وزينت العداودة والبغضاء. اليوم يعود التاريخ الى الوراء والساسة هم بمنأى عنها يتاجرون بعقول الجهلة والسذج للهيمنة على الشارع المتظاهر وجره نحو الفتنة بعد غياب الحكومة كما نشاهده في البصرة المعطاءة التي تشكوا من قلة الخدمات بسبب سوء الادارة والسرقات والفساد فكانت التظاهرات العارمة المطالبة بالحقوق بالطرق السلمية التي انطلقت حالها كما في المحافظات العراق الاخرى و شممنا منها روائح الغليان الشعبي وهي حقة لا يمكن انكارها بعد ان سدت منافذ عقول الكثيرين من المسؤولين وعميت ابصارهم عنها طوال السنوات الماضية وفقدو الرحمة والذين قال الامام علي (عليه السلام ) بحقهم "لا تُعاشِر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل " ونسوا ماكانوا فيه ومن اوصلهم لما هم فيه الان وشوهوا العلاقات الاجتماعية العشائرية النزيهة الاصيلة الى علاقات سياسية مهزوزة بعد شراء ذمم البعض من المحسوبين على الشيوخ ولم تتوقف المجازر وتنذبح فيه كل يومٍ على يد هؤلاء منهم العشرات بدم بارد بوسائل مختلفة قهراً ومرضا ًومعاناةً وغير مبالين بحياة اناسهم .الوضع قد يخرج عن المألوف ويتطلب اسعاف الحالة قبل فوات الاوان ووضع السبل والحلول لا نقاذ الشعب بحكومة وطنية تتمثل فيهم الكفاءة والمقدرة ولا تنفع معها العلاجات المهدئة والترقعية التي لا تسمن ولا تغني من جوع والتي يعلن عنها يومياً في مجلس الوزراء . ان استقرار البلد واستلام السلطة من قبل اناس مؤمنين، فعلا، بتحقيق العدالة وليس الانتقام هو العلاج الاهم ، وان تبنى العملية على اساس المشاورة ومساهمة أبناء البلد أنفسهم في اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لضمان حق معرفة الحقيقة ، والعدالة، وبعد ان صار المواطن يتحسر على ما مضى باعتباره الخاسر الأبرز من تأزم الوضع السياسي لذا وبعد ان يأس صار يطالب بالتغيير عن طريق التظاهر والذي يتمناه ان يكون الخير فيه قادما بالفعل ، وان لا يختزل بنفر من السياسيين اصحاب سلطة والجاه ويجب الاعتماد على المخلصين في ادارة البلد ولا تستأثر به فئة دون غيرها ولا تحتكره طائفة دون أخرى، بعيداً عن املاءات وتأثيرات ممن لا يفقه المزاج الشعبي و محاولات عزلهم عن الساحة السياسية وإفراغها من الشخصيات المدافعة عن البلاد والعباد، ،ان الاصلاح يجب ان يبدأ من التعليم كخطوة اساسية بعد ان تعرض للتهميش وتعرضت الجامعات والمعاهد والمدارس ومراكز الأبحاث والمكتبات والمختبرات إلى عملية غبيثة في غياب المعايير الموضوعية لعملية التعليم وكثُر المزورون الذين يحملون شهادات مزورة وتولوا مناصب حكومية وأمسكوا برقاب العباد ومحاولة لإكمال مسلسل الفساد وتعميق الغضب والعتب الشعبيين من ادعاءات السياسيين الكاذبة التي لم يجني منها المواطن غير البؤس والحرمان ، إن ما وصلت إليه العملية السياسية في العراق أثبتت لنا جميعا أن العراق لا يمكن أن يدار تحت ظل مجموعة خاصة خلصت تجربتها بالفشل بعد الان ولا يحكم بنظام على اساس الطوائف والمذاهب والقوميات بل بالقدرات والكفاءات العلمية المتخصصة بعيداً عن المحسوبية والمنسوبية ، فالكل ضعيف تجاه إدارته رغم كل الخيرات المتوفرة فية و متعدد الاقليات والقوميات والمذاهب ولا بد لحاكمه ان يكون للجميع يتسم بالقوة في الادارة والحسم في القرار والحزم على المخالفين للقوانين والانظمة .
#عبد_الخالق_الفلاح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طفح الكيل ومثل ما رحتي ايجيتي
-
الكتلة الاكبر المهم ام البرنامج الحكومي
-
الدخول في المعارضة الكذبة الجديدة
-
العراق... مخاض الكتلة الكبرى في ظل الخلافات
-
سياسة التجويع لا تُركع الشعوب الحرة
-
الكتلة الكبيرة بين الضبابية وفقدان المعاييرلتشكيلها
-
العقوبات على ايران تضليل وتناقض في الخطاب الامريكي
-
العراق...التجاذبات والمتناقضات بتأثر المتغيرات الدولية
-
العراق والتوازنات الداخلية والخارجية
-
ترامب لا يعرف الصديق بل يستنزف ماله
-
العبادي يطلق سهام الخلاص على نفسه
-
باسم الدين باكونه الحرامية شعار للهروب
-
هل نحن مقبلون على حكومة وطنية في العراق
-
السياسة في العالم العربي مضيعة للوقت
-
لنعشق الامل
-
التعليم في العراق والحقيقة المرة
-
الحقيقة والخيال في تصريحات ترامب
-
التخبط العجيب في سياسات ترامب
-
نظرة سريعة لتصحيح السياسة الاقتصادية والادارية
-
كونوا شركاء حقيقيين في بناء الوطن
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|