|
تتمة الحلقة العاشرة حول رفض الشعب لتغوّل واستبداد الدولة البوليسية ( 11 )
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 5981 - 2018 / 9 / 1 - 23:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رأينا في الحلقة العاشرة ، كيف سرق البوليس الدولة ابتداء من منتصف 2003 ، وكيف بوْلسوها ، لتنقلب على كل الشعارات التي تم الترويج لها منذ 1999 ، ك ( المفهوم الجديد للسلطة ) ، و( ملك الفقراء ) ، و كيف وصل الامر ان يتساءل الملك عن مكان اختفاء الثروة ، ويعترف بفشل نموذجه السياسي – التنموي ، دون ان يطرح البديل لانقاد ما يمكن إنقاذه ، هذا إذا افترضنا جدلا ان النية كانت صالحة للإصلاح وللتقويم ، وللمصالحة الحقيقية بسبب تجبر العهد السابق . الآن نستطيع الجزم ، ان كانت الإرادة صادقة عند مروجي كذبة " العهد الجديد " ، انْ نقول ، ان ما حصل منذ 2003 ، كان انقلابا بكل المقاييس ، نحو ترسيخ قبضة الدولة البوليسية ، التي جعلت من الشعب عند الملك ، بمثابة فوبيا لا يؤتمن جانبها ، وان من يحمي النظام وليس الدولة البوليسية ، هم الإنقلابيون الذين حسموا الصراع بما مكّنهم من الاستئثار بالدولة ، وليس فقط الاستئثار بالنظام . وقد تجلى هذا الوضع الجديد / القديم ، عندما بدأ منظرو البوليس يشرفون على تحرير الخطابات الملكية ، التي كلها تهديد وتقريع ، في حق المخالفين العدميين ، والسلبيين ، وبائعي الأوهام الرافضين لاستبدادهم ، ومختلف اشكال قمعهم . والخطورة ان هذه المكائد التي أضحت مفضوحة ، لم يسلم منها اشخاص مقربين من الملك ، كرشدي الشرايبي مدير الديوان الملكي السابق ، وحسن أوريد الناطق الرسمي باسم القصر سابقا ، وواليا على ولاية مكناس يخضع للوزير المنتدب في الداخلية آنذاك فؤاد الهمة كرئيسه ، بدل خضوعه للملك صديق دراسته . وهنا لا ننسى كيف تم ابعاد الجنرال حميدو لعنيگري ، وابعاد احمد حراري كمدير عام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ، وكيف تم تجميد الوالي السابق بمديرية مراقبة التراب الوطني نور الدين بن إبراهيم ، عندما تم تعيينه عاملا مديرا لمديرية الشؤون الداخلية بوزارة الداخلية ، قبل ان يعيده الشرقي ضريس كمستشاره في الاعمال القدرة والخسيسة التي تتم من تحت الطاولة ، وكيف تم ابعاد الوالي محيي الدين امزازي ، وابعاد الجنرال الحرشي عن الإدارة العامة للدراسات والمستندات ، وكيف تم تطويع الطريق لفؤاد الهمة في قطاع الدرك بعد ابعاد ، او إحالة الجنرال حسني بنسليمان على التقاعد ، ولماذا تم ابعاد المدير العام للأمن الوطني السابق بوشعيب ارميل ، وابعاد جعادي كمدير لمديرية الامن الملكي ، وكيف تم تعيين عبداللطيف الحموشي على رأسيهما . إذن نحن امام دولة بوليسية بامتياز ، والسؤال الذي ينبغي لكل ديمقراطي تقدمي طرحه لمواجهة القمع ، والتغول ، والتسلط ، والاستبداد ، هو في ابتكار اشكال نضالية ، من جهة لمواجهة التغول والتسلط والاعتداء ، ومن جهة التفكير في طرق تجاوز الدولة البوليسية لصالح دولة ديمقراطية تربط المسؤولية بالمحاسبة ، وتجعل الشعب هو المصدر الأساسي للسلطة ، من خلال الاستفتاءات ، والانتخابات ، وكل اشكال الاقتراع ، بعد التأسيس للدستور الديمقراطي عوض الدستور الممنوح . أخذا بعين الاعتبار التمييع الذي سُلط على الوضع السياسي لبلادنا ، حيث أضحت الساحة فارغة من القوى السياسية ، التي تؤثر وتَكُونُ قادرة على تحريك المجتمع ، فان الانهيار السياسي الذي نسميه بموت السياسة ، يطرح على الديمقراطيين لطرح البديل ، جملة من التحديات الأساسية منها : 1 ) استمرار مهمة التحرير على الصعيدين القومي والوطني ، أي ربط النضالات ، بنضالات شعوب المنطقة . لكن في الظروف الجديدة الصعبة التي وحدت قوى الردة والرجعية قوميا ووطنيا ، فان الاستمرار يعني اول ما يعنيه ، ضرورة التمسك بالأهداف العامة ، وترجمتها في الخط السياسي المنظم ، ترجمة جديدة ، فيها حد اعلى من الثبات المبدئي ، وحد اعلى من الاستقرار التاكتيكي المرتبط بالمرونة ، ولكن الأرضية العامة لهذا التاكتيك ، كان يجب ان تتغير بهدف الحفاظ على المواقع الذاتية من جهة ، وامتصاص التراجع العام على الصعيد الشعبي من جهة أخرى ، بحيث يستقطب الوضع الذاتي ، التراجع الموضوعي ، ويقدم له آفاقاً وإمكانات نضالية جديدة ، ومتقدمة اكثر . 2 ) التأقلم مع حالة التراجع . وهذا التأقلم قد يأخذ تبنٍّ للخط المطروح ( خط الدولة أساسا ) ومعارضة من داخله ، حتى يأخذ شكل الانهيار والتقهقر امامه . وقد اخذ التأقلم في هذه الابعاد الثلاثة ، واحدث وضعا مأساويا في الحركة الوطنية والقومية . فلا بد من القول ان المهمة الأساسية ، مهمة تجاوز التدهور عن يساره ، وبواسطة تجديد الصلات مع الشعب لم تنجز . فالذي أُنجز ، كان الابتعاد عن هذا الخط ، وبالتالي التأقلم مع نزوع يميني ورجعي متصاعد ، والتراجع عن مواقع يسارية وتقدمية سابقة ، فتقطعت الصلات التي كانت مع الشعب ، وتم احلال صلات خفية ، او علنية مع الدولة البوليسية ، وسياستها محلها . ان حصاد سياسة كهذه ، كان الصورة التي رسمناها ، سواء للدولة ، ام للقوى السياسية . وسيستمر هذا الحصاد المسموم ما لم نفتح اعيننا على التجارب السابقة ، الوطنية المحلية ، والمحيطية . والحقيقة ان الوقت قد حان ، مع علامات تفسخ الدولة البادية للعيان وفي كل مكان ، ومع التحديات التي تجابه كل وعي وطني ، وقومي للعودة عن السياسة الراهنة ، ولوضع سياسة أخرى بديلة لها . لكن ذلك يقتضي تجديد ذاتنا ودورنا ، والنظر في قضية نراها شديدة الأهمية ، الا وهي قضية النمط التنظيمي الذي يجب ان تتخذه الأحزاب التقدمية ، الديمقراطية ، الجماهيرية ، والثورية في المرحلة اللاحقة ، بعد ان اثبت النمط السابق عجزه ، في طور النهوض عن احداث التغيير ، وعجزه في طور التدهور عن إيقافه . يجب ان نسأل انفسنا : هل الاحزاب الذي اقمناه هي بشكلها التاريخي المعروف ، أداة فعالة لقيادة النهوض بعد وضع مستلزماته ، ام ان العيوب اللصيقة بنمط هذا الاحزاب ، ستكون في المرحلة المقبلة عقبة بدورها امام الأحزاب ، والشعب في آن واحد ؟ . وهنا فاني أوجه الخطاب للأحزاب التي استأثرت بالمجال السياسي الوطني ، طيلة الستينات ، والسبعينات من القرن الماضي . كما يجب ان نطرح على انفسنا السؤال التالي : هل تكفي النماذج النظرية المنقولة عن مجتمعات أخرى ،هذا البديل المطلوب ، بعد ان عجزت في الطور السابق والحالي عن منع التدهور الحاصل ؟ . ان عملنا يجب ان يكون شاملا في هاتين النقطتين ، وان ينطلق من نقد ذاتنا قبل كل شيء ، لأن الأداة النضالية ، هي عنصر من عناصر النجاح ، او عامل من عوامل الفشل . فلا يمكن تحقيق نضال ناجح بأداة فاشلة ، كما يصعب للأداة المناسبة ، ان تكون بحد ذاتها سببا في الفشل . والمراجعة للظرف الموضوعي ، لا يجوز ان نتوقف امام الشرط الذاتي ، بل يجب ان نبدأ به ، سيما وان الحركة الشعبية اخذت تتجاوز القوى القائمة ، او تحدث خارجها . وإذا كان للمراجعة من هدف ، فإنما هو التالي : -- نقد تجربة الماضي . -- نقد سياسة التأقلم . -- وضع خطة سياسية شاملة ، تبدأ بالتجارب المنقودة ( نقد ) ، ولا تنتهي عند حد رسم خارطة للاحتمالات ، وإمكانات العمل في شروط لا نسيطر نحن اواحدنا عليها . الجبهة او الكتلة . -- احتلال رؤوس جسور شعبية ، نحولها الى ميدان معركة لاحقا ، ولكن ضمن خطة سياسية شاملة بالأساس ، تنمو تكتيكاتها وشعاراتها ، مع توسع رؤوس الجسور ، وتحولها الى ارض معركة . ونحن نعي تمام الوعي بان عملا بهذا الشمول لا يمكن ان يكون من صنع فرد او حزب لوحده ، بل هو من صنع كل القوى الراغبة فيه ، والمدركة لضرورته ، ومن صنع النضالات الشعبية ، ولهذا فانه عمل يتسم بأكبر قدر ممكن من الثورية ، والروح الديمقراطية ، والانفتاح على الآخرين وعلى الجماهير . ان العمل العصبوي قد ينقد حزبا ، لكن ما ينقد الوطن ، هو العمل الشعبي الذي تقوم به الجماهير ، بقيادة قواها الطليعية المنظمة في اطار جبهة او كتلة . كما يجب ان لا نكون دوغماتكيين طوباويين ، ولا ان نكون طاووسيين ، بل يجب ان نقر بوجود تفاوت في علاقات القطاعات الشعبية المختلفة ، بالسياسة الراهنة ووضعها . ونرى ان اكثر القطاعات تذمرا من الحالة السائدة ، هي قطاعات الطلاب ، والمحامين ، والمعلمين ، والأساتذة ، وأساتذة الجامعات والمدراس العليا ، والمهندسين والأطباء ، واساسا العمال ، والموظفين الصغار والمتوسطين ، والمستخدمين ، ثم قطاعات من الشرائح العليا المتضررة بالانفتاح على الخارج ، وبالنهب غير المحدود في الدخل .اما الفلاحون ، فان وضعهم يتطور بسرعة ، لكنهم ليسوا قطاعا اجتماعيا متحركا بعد . ان هذا الواقع يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار، في رسم خطط السياسة العملية التي تساعدنا على الخروج في مرحلة أولى من وضع الاختناق السياسي الحالي ، أي ان باب النشاطات الديمقراطية والمطلبية ، يجب ان يفتح على مصراعيه ، سيما وان قواه على قدر لا بأس به من الجاهزية السياسية ، والنضالية ، والتنظيمية . واجمالا ، نريد ان نلفت النظر من هذا التحليل ، الى ضرورة وضع خطة نضالية متدرجة ، تأخذ الحالة القائمة بعين الاعتبار . كذلك على قوى التغيير المناضلة ،ان تدرك ، ان الامبريالية ككل ، تدعم التطورات التي حصلت على صعيد الدولة منذ بداية التسعينات بالاخص ، وان تناقضاتها محكومة باستمرار هذا النوع من الدولة . فان فكرت بتغييره ، فإنما تفعل ذلك لأجل نمط آخر، يخلو من ثغراته وعيوبه ونقاط ضعفه .ان اللعب بتناقضات الامبريالية لا يجوز لهذا السبب ان يكون بالنسبة لنا ، بابا لتضييع الهدف ، وتمييع حدود الصراع . ان الامبريالية ، باتجاهاتها ومصالحها المتضاربة ، لن تقف مع نضال شعبي ضد نظام دولة كهذا . والوهم الذي قد يراودنا حول صراعات الامبريالية قد يكون قاتلا ، إذا لم نربطه بنهوض الحركة الشعبية . فهذا النهوض وحده كفيل بتحويل هذه التناقضات الى عنصر من عناصر التغيير . اما في الوضع الحالي ، فان الامبريالية واجنحتها قد تتصارع ، ولكن ضمن اطار مضبوط ومقنن ، هدفه خنق الحركة الشعبية، وليس فتح الباب لنموها . ان وططنا ومغربنا يغلي ، وفي يدنا ان نقصر آلام الشعب او تطول .. ( يتبع ) .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ناصر الزفزافي في طريقه الى الشهادة .
-
هل اقترب حل نزاع الصحراء الغربية .
-
فدرالية أم كنفدرالية لمستقبل الصحراء
-
خريطة الطريق لمواجهة تغوُّل ، وبطش ، وقمع الدولة البوليسية (
...
-
طريق واحد لا طريقان للرد على تغوّل الدولة البوليسية ( 9 )
-
حين يسرق البوليس الدولة ويحوّلها الى دولة بوليسية . يبقى هنا
...
-
سجل أنا عدمي ( 7 )
-
بعد الخطاب الملكي الذي حرره عملاء الدولة البوليسية ، تبقى طر
...
-
ما العمل في وضع مزري كالذي نحن فيه عربيا ومحليا ودوليا ( 5 )
-
انعكاسات قضية الصحراء على دول الشمال الافريقي ( 4 )
-
حين توظف الدولة البوليسية القضايا الوطنية ضد مصالح الشعب --
...
-
الدولة البوليسية دولة تخريب ( 2 )
-
تحليل بنية النظام السياسي المغربي -- على هامش رسالة مستشار ا
...
-
موقف - حركة لنخدم الشعب - و - منظمة الى الامام - من نزاع الص
...
-
- منظمة 23 مارس - وقضية الصحراء ( 3 )
-
الحركة الماركسية اللينينية المغربية وقضية الصحراء ( 2 )
-
كيف فعل صراع الصحراء بالمشتغلين بالشأن العام ؟ ( 1 )
-
لا منطق الدولة الجزائرية في تعاملها مع الاستفتاء وتقرير المص
...
-
لا بذيل عن دمقرطة الدولة الجزائرية ( 6 )
-
النزعة التوسيعة الفاشلة للنظام العسكريتاري التوتاليتاري الجز
...
المزيد.....
-
عربات قطار بأمريكا تستبدل الركاب بالشعاب المرجانية والسلاحف
...
-
مسؤولان أمريكيان لـCNN: فريق بايدن ليس لديه خطط وشيكة حول اق
...
-
-ميتا- تحظر وسائل الإعلام الروسية الرسمية على منصاتها لمنع أ
...
-
-نزهة الغولف- الخاصة بترامب.. -مصدر قلق طويل الأمد- لدى الخد
...
-
ماهر الجازي: الأردن يستلم جثمان منفذ -عملية اللنبي- في مسقط
...
-
بعد محاولة الاغتيال المفترضة.. بايدن يتصل هاتفيا بترامب
-
بعد رحلة تاريخية من جدة إلى الرياض.. -طائرات موسم الرياض- تس
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال رئيس وحدة الصواريخ والقذائف في
...
-
الإعلام العبري يرصد صواريخ باليستية مصرية في جبال سيناء ويتس
...
-
ناريشكين: الأنظمة الموالية لواشنطن في أوروبا تسير على خطى ال
...
المزيد.....
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
المزيد.....
|