في ما يتعلّـق بي ، أنا المدعوّ باسمي ، المثابرِ على حِــرفتي ( كتابة الشعر ) ، عرفتُ العراقَ على صورتين لا ثالثةَ لهما :
الأولى تتألّــقُ بألوان الطفولة ، وبما تمنحه الطفولةُ من سماواتٍ حرّةٍ ، ومَشــاهدَ لن تضاهى بالرغم من مَــرِّ السنين ومرارتها ...
البصرة والنخل والأنهار والجداول والحيوان والطير والناس .
لقد ظلَّ العراقُ مســمّىً بهذه الأسماءِ ؛ ولأنّ هذه الأسماءَ لا تـمّـحي بطبيعتها ، ظلَّ ذلك العراق قائماً في تكويني الجسديّ والروحيّ ، مثل كنــزٍ لا يفنى .
تنقّــلتُ كثيراً وطويلاً ، وحاولتُ الإقامةَ في الأرَضينَ ، هنا وهناك وهنالك ، إلاّ أنّ إقامتي الأثيرةَ العميقةَ كانت في مَشاهدِ الطفولة تلك .
الثانية هي صورةُ العراق شعراً ، العراق الذي أحاوره وأحاولُــهُ في النَّـصّ الشعريّ . في التوصيف الأول والأوليّ أنتفعُ كثيراً من الصورة الأولى ، وأضعُــها أساساً تنبني عليه الإشكالاتُ والتناقضاتُ اللاحقةُ ، أي أن الصورة الأولى تمهِّــدُ السبيلَ أمام الصورة الثانية ، وتقدمُ مشــروعيةَ البناءِ اللاحقِ .
العراقُ الشعريّ ، لديّ ، ليس عراقاً شاعرياً ، أعني أنه ليس في منتهى الجمال ، لكنه عراقٌ حـيٌّ يضجُّ بالحركة والتناقض والمرارة والإحتمالات . وقد انتفعتُ ، فنيّــاً ، من هذا العراق ، في رحلتي المديدة نسبيّــاً .إذْ تعلمتُ من دُرْبَــتي في معالجة أمرِهِ كيف أعالجُ الظواهرَ والموضوعاتِ في أماكنَ وبلدانٍ أخرى .
إذاً ، العراقُ لديّ ، في نهاية الأمرِ ، هو عراقٌ فنِّــيٌّ .
إنه عراقٌ لم يكنْ إلاّ مجسَّــداً في العمل الفني ( القصيدة ) .
•
العراق الحاليّ زائلٌ ، أو في حُــكْـمِ الزوال ...
تُــرى ، هل يَـهِـلُّ عراقٌ آخرُ ؟
وهل تمتدُّ أمامي فُسحةُ العمرِ لأحاورَ ذلك العراقَ الآخرَ وأحاولَــه ؟
لندن 16 / 3 / 2003