|
فكروا في الأمل
فهد المضحكي
الحوار المتمدن-العدد: 5974 - 2018 / 8 / 25 - 09:03
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
قضية الأمل الانساني من القضايا الحيوية المهمة التي ينبغي للفكر ان ينشغل بها.. ولذلك نجد الفلسفة تعطي تلك القضية أهمية خاصة، حيث ان الأمل هو الذي يميز بين الانسان الفاعل والانسان غير الفاعل أو النشط وغير النشط.. ان الأمل في واقع الامر بمثابة طاقة دافعة للذات نحو التحرك للأمام والمستقبل من أجل تغيير ذلك الواقع الماثل غير المرغوب فيه. هذا ما أشار إليه الاكاديمي د. حسن يوسف طه في مقال بعنوان «فكروا في الأمل». وتعد البيئة العربية في حاجة ماسة للحديث عن الأمل ونحتاج – على حد قوله – إلى زرع الامل أو صناعة الامل داخل الذات إلى جانب ضرورة فهم العقل لتلك القضية حتى تصبح جزءاً من التفكير إلى جانب جانبها الوجداني.. الأمل هو نبض الانسان في الحياة. في هذا السياق يتحدث طه عن المفكر الالماني ارنست بلوخ (1885 – 1977) الذي كتب عملاً ضخماً عنوانه (مبدأ الأمل) وهو عبارة عن ثلاثة اجزاء.. من خلال ذلك العمل يبين لنا بلوخ كيف يمكن للأمل ان يبتدئ في حاتنا اليومية. لقد كتب بلوخ هذا الكتاب الضخم في ظروف سيئة.. فقد كتب في اجواء الحرب العالمية الثانية وكأنه يريد ان يدعو الانسان آنذاك بان عليه ان الا يفقد الأمل في الحياة برغم الحروب والدمار والتشريد والموت القابع في كل مكان، الا انه يرى رغم كل ذلك ضرورة التمسك نحو ابدال ذلك الواقع القبيح، انه يدعو إلى الاخوة الانسانية والسلام والمحبة والحرية والعدالة، فإذا كانت الحرب العالمية الثانية دمرت الكثير اطاحت بالقيم الانسانية الا انه رغم ذلك من الضرورة التمسك بكل ما هو انساني. في حين يقول د. محمد التركي مبدأ الأمل لدى بلوخ لا ينحصر في حدود الشعور النفساني ولا يعبر عن مجرد تصور طوباوي لتجاوز الواقع وانما يحدد موقف الانسان إزاء الوجود ككل، ويثبت التزامه بمعاينة الواقع وتطلعه إلى مستقبل أفضل، فهو إذن غاية ووسيلة في آن واحد، إذ من خلاله يصبو الانسان إلى تحقيق ذاته باعتبارها تتجدد وتتغير كلما حققت هدفها المنشود. يقول طه الأمل عند بلوخ هو فاعلية، بل ان الأمل الفعال والحيوي هو الذي يجعل الذات الانسانية تكتسب هويتها وخصائصها.. بمعنى آخر ان الامل الانساني لديه القدرة ان يوجد الذاتية ويجعلها تتجلى في الوجود الخارجي. ويضيف: ان الأمل الانساني يعبر عن نفسه في (الفعل) أي ان الامل يتجسد من خلال السلوك، فالفعل هو الذي يجعل الأمل له وجود حقيقي مائل يمكننا تحديد هويته، معنى ذلك ان الذات الآملة هي الذات الفاعلة، وهنا نتمكن من ان نحدد خصائصها أو تحديد سماتها الحقيقية التي تثبت وجودها. ومن هذا المنطلق لم تكن فلسفة الأمل كما يستعرضها الباحث سوى فلسفة منفتحة وليست مغلقة.. هي تعمل على انفتاح الذات على نفسها من اجل استثمار طاقاتها وامكانياتها.. ان الأمل هو الذي يجعل الذات قادرة على تعرف الذات على نفسها.. وهذا التعرف – من وجهة نظره – يجعل الذات تتحرك من حالة السكونية إلى الحالة الديناميكية التي تهدف إلى الانطلاق للخارج لكي تثبت وجودها ومن ثم تتعرف على الوجود الخارجي والكون بأكمله.. وان الذات في تلك اللحظة تدرك مدى فاعليتها في الوجود وبالاضافة إلى ذلك يقول: «ان فلسفة الامل لا تشارك في تنمية المعرفة وتقدمها فحسب، بل انها سياقة في هذا المجال، فهي ترفع راية التفاؤل بالنسبة إلى عملية الانفتاح على العالم والحث على العلم المدعم بقوانين والرامي إلى توضيح العلاقة الجدلية التي تجمع الذات بالموضوع أو الانسان بالكون في تداخل متواصل». ومن هنا ينظر بلوخ إلى الامل كطريقة تفكير ومن خلال هذه الطريقة نتعرف على الانسان الذي يحمل الامل داخله او انه بدون امل.. طريقة التفكير المنفتحة على المستقبل تعد طريقة تفكير آملة بعكس المنغلقة. في كتابه «أمل بلا تفاؤل» تحدث الناقل الادبي الانجليزي «تيري ايغتلون» في الفصل الثالث «لفيلسوف الامل» عن أرنست بلوخ – المصدر الكاتب فيصل دراج جريدة الحياة اللندنية 16. 1. 2017 – الذي جسر المسافة بين الفلسفة والأدب واعطى كتاباً ضخماً من ثلاثة أجزاء عنوانه «مبدأ الأمل» قرأ فيه بمنظور ماركسي، غير ارثوذكسي الديانات السماوية الثلاث. ابلوك كفيلسوف ماركسي ساوى بين الماركسية والأمل ورأى في الأخيرة ضرورة، وجعلها جزءاً من الوجود. وإذا كان بلوخ ربط بين الأمل والمستقبل، بين ما هو معروف وغير معروف لأن الأمل ضرورة احتفى بمفهوم «الثقة» إذ على الانسان ان يثق بما أمل بمجيئه، فلا معنى للأمل إلا إذا خلص الانسان من المعاناة، فعاش الحاضر واطمأن إلى مستقبل افضل منه وزرع في ذاته ثقة خالصة تؤمن بان «المدنية الفاضلة قائمة فينا، ولا نذهب إليها» طالما ان الأمل جزء من بنية العالم الذي نعيش فيه.
#فهد_المضحكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدول العربية وآفة الفساد
-
عبدالله خليفة تحليل عميق لثقافة التسطيح
-
المرأة العربية والتنمية
-
فرح أنطون
-
حرب ترامب التجارية!
-
فيليتسيا لانغر نصيرة الشعب الفلسطيني وداعًا
-
حديث عن ديمقراطية المواطنة وشرعية الحقوق
-
التربية والتعليم في الدول النامية!
-
قانون التقاعد الجديد!
-
الإخوان وسيلة كل الأنظمة لاغتيال المعارضة!
-
التوتر النفسي والانتاجية!
-
أحمد لطفي السيد
-
الانتخابات العراقية من منظور الصحافة
-
كارل ماركس 200 عام
-
عندما تختلط المفاهيم
-
خمسون عامًا على اغتيال مارتن لوثر كينغ
-
الفساد السياسي
-
حديث حول الرأسمالية!
-
الناقد جابر عصفور.. تقويض نزعة العالمية
-
ترامب وعسكرة الفضاء!
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|