هازان كاريسي
الحوار المتمدن-العدد: 5973 - 2018 / 8 / 24 - 21:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
السياسية المائية للعراق يصنع من شط العرب بؤرة للتلوث
شط العرب ذاك اللسان المائي العظيم الذي كانت تتغنى بها العراق في سبعينيات القرن الماضي بانه بوابة على الخليج لا بل على العالم أجمع، شط أحيى العراق من أجله ثمان سنوات ارجع العراق ثمانون سنة إلى الوراء ، على مدى مائة عام تقريبا ومنذ تأسيس الدولية العراق الحديثة عانى الموارد المائية للعراق ومنها شط العرب من الإهمال وعدم الاهتمام مما حدى بنا على حافة الهاوية , وعندما نتحدث عن حافة الهاوية فاننا نتحدث عن نقطة هامة في المعادلة وهي السياسية المائية للبلد , وهي تلك سياسة الدولة بالتحكم بامواردها المائية والتي تتضمن إصدار قرارات وتوجيهات فيما يخص الماء الصالح للاستخدام البشري وتأمينه وتوفير مصدر مستدام منه بحيث يتم ضمان استمرار الحياة والتطور البشري.
عندما تقتصر إدارة المياه على صعيد محلي تعرف القوانين الناظمة غالبا باسم قانون المياه، وفي حال كان المورد المائي مشتركا ضمن حدود أكثر من دولة كما هو الحال مع جمهورية العراق ، فعندئذ تتولى الدولة وضع سياسة عامة تعرف باسم السياسة المائية.
عرّف آرون إلهانس مصطلح السياسة المائية على أنه «الدراسة المنهجية للصراع وللتعاون بين الدول فيما يتتعلق بالموارد المائية العابرة للحدود الدولية».
ظهر مصطلح السياسة المائية Hydropolitics في العقودالأخيرة من القرن العشرين، وذلك بسبب اضمحلال مصادر مياه الشرب في العالم إجمالاً وفي بلدان العالم الثالث تحديداً، وبسب هذا الاضمحلال والنقض في كمية الموارد المائية المتدفقة من دول المنبع الى دولة المصب حدثث مشاكل وازمات متعددة بين الدول المشتركة للمياة الدولية العذبة وكما الحال في جميع المشاكل الدولية فان القانون الدولي حاول تفسير مصلح الانها المشتركة ووضع الحلول لهذا المشكلة , ان مجموع الاتفاقيات التى تناولت الانهار الدولية بلغت الخمسين اتفاقية ونيف والتى سوف نأتى على بعضها ولعل اول معاهدة تناولت هذا الموضوع هى المعاهدة الموقعة بين هولندا والمانيا وهدفها تنظيم الاستعمال المشترك للحقوق المتعلقة بالانهار بين الدول المبرمة لها بتاريخ2/ 8/ 1785 , تلتها بعد ذلك معاهدة باريس الموقعة بين فرنسا والمانيا بشان الملاحة فى نهر الراين المؤرخة فى 30/ 5 / 1814 , اما بشأن نهر الدانوب فقد ابرمت معاهدتا باريس 1856 ولندن 1883 . والاتفاقية المبرمة بين مصر والسودان بشان مياه النيل سنة 1907 , وكذلك الاتفاقية الموقعة بتاريخ 17 /12 1914 بين فرنسا وايطاليا بشأن نهر رينو وروافده ومعاهدة فرساى سنة 1919، والمعاهدة المبرمة سنة 1922بين روسيا وفنلندا وموضوعها عدم تحويل مجرى النهر او اقامة منشأت مائية تؤثر على تدفق المياه , ومعاهدة لوزان سنة 1923 التى اوجبت على الدول المشتركة بالانهار الحفاظ على الحقوق المكتسبة للدول المتشاطئة , والاتفاقية المعقودة بين فرنسا وسويسرا بشان نهر الراين عام 1926 , والمعاهدة الروسية الايرانية حول استغلال نهر اراكس الموقعة بتاريخ 11/ 8/ 1957 اضافة الى الاتفاقية الموقعة بين الهند وباكستان سنة 1960 بشان نهر الهندوس. ومن المصادر المهمة لهذا الموضوع , المؤتمرات الدولية منها: مؤتمر فينا المنعقد بتاريخ 1815 , المتعلق بحرية الملاحة للاغراض التجارية للدول المتشاطئة وتنظيم ذلك , وميثاق درسدن بشأن نهر الالب المؤرخ عام 1824 , كذلك مؤتمر مدريد عام 1911 وهو المؤتمر الخاص بمعهد القانون الدولى والذى تم فيه البحث عن حقوق الدول المتشاطئة , وفى سنة 1921 عقد فى برشلونة مؤتمر تناول مواضيع المساواة فى التعامل والامتناع عن عر قلة الملاحة والذى سمى بنظام برشلونة , والذى بموجبه استبدلت مفردة الانهار الدولية الى المياه ذات الفائدة الدولية , بعد ذلك عقد مؤتمر جنيف الثانى والمنبثقة عنه اتفاقية سنة 1939 حول استخدام القوى المائية فى الانهار الدولية , واعلان الدول الامريكيةالصادر سنة 1933 وموضوعه استخدام الانهر لغير الاغراض الملاحية وسواها من المواضيع الاخرى. ان القانون الدولي للمياه ليس دستورا مكتوبا بفقرات وتطبيقات محددة صالحة لكل زمان ومكان، وليس وصفة جاهزة او حلا سحريا وفوريا للخصومات والنزاعات حول الحصص المائية وادارة الموارد المائية المشتركة، بل هو مجموع الاتفاقيات والمعاهدات والاجراءات والآليات والمبادئ المتفق عليها كأساس لتنظيم علاقات الدول المشتركة بالموارد المائية، المصنفة على انها مياه دولية، حول الطرق التي يتم بها استخدام واستغلال تلك المياه لتحقيق اهداف مشتركة، مثل الشراكة في الادارة والاستخدامات المتنوعة للمياه، او منع تلوثها، وضمان توزيعها العادل بين الدول،وحماية التنوع الاحيائي وخصوبة التربة،والتكيف مع المعطيات المناخية والهيدرولوجية، وتحقيق التنمية والفوائد المشتركة، وما شاكل ذلك مما تفرضه الخصائص الفيزيائية والهيدرولوجية والسياسية لكل حوض او مجرى نهري دولي. هناك قضيتان مهمتان يفترض ادراكهما بخصوص القانون الدولي للمياه، فضلا عن كونه اطارا عاما ومجموعة مبادئ مقبولة من المجتمع الدولي لحل الخصومات المائية، وهما: عدم الزامية القانون الدولي للمياه، بمعنى انه لا توجد آلية دولية للسهر على تنفيذه وتأمين عدم الاخلال بمبادئه من قبل اي دولة عضوبالامم المتحدة. اما الخاصية الثانية، وهي فائقة الاهمية، فان الاتفاقيات الثنائية بين الدول المتشاطئة تجمد او تلغي مفعول القانون الدولي، لان الامر بالنهاية يخضع للسيادة الوطنية وحرية البلدان الاعضاء في اختيار آليات حل الخصومات مع دول الجوار التي تشترك معها بالموارد المائية، ولايمكن اجبارها على اتخاذ مواقف مخالفة، كما ان القانون الدولي لا يطبق تلقائيا في حال الاخلال ببعض مبادئه.من جهة اخرى يجب تأكيد ان الاتفاقيات الثنائية هي ليست نصوصا واتفاقيات "مقدسة"، ولايمكن بسببها التهرب من الالتزامات التي يفرضها القانون والاتفاقيات الدولية او الاقليمية حول المياه المشتركة، خاصة اذا تسبب احد الاطراف بأضرار تهدد مجاميع بشرية ومناطق واسعة باخطار كبيرة، وغالبا ما تتضمن الاتفاقيات الثنائية آليات مراجعتها حسب الضرورة. ومن سوء حظ العراقيين فان شريان الحياة في بلدهم اي نهري الدجلة والفرات تبع من دولة واحدة وهي تركيا , تعد تركيا حوض دجلة والفرات حوضا مائيا واحدا، وهما رافدان لنهر واحد هو شط العرب. ولهذا فإنها لا تعتبر تحويلها مجرى بحيرة هزار، وهي المنبع التقليدي لنهر دجلة، إلى حوض الفرات بواسطة نفق خاص لسقي السهول في الجهة الشمالية المعاكسة، بأنه تلاعب بمجرى دجلة.
يعرّف حوض النهر بأنه مجموعة المساحات التي تنساب مياهها إلى جداول أو سيول أو روافد أو أنهر أو نظام الروافد والأنهر حيث يتصل أحدها بالآخر بشكل تنساب إليه كافة المياه لتصب في النهاية في مجرى واحد.
وعلى هذا الأساس طرحت في اجتماع اللجنة الفنية المشتركة في تشرين الثاني 1984 ولأول مرة خطتها ذات المراحل الثلاث، وكررت طرحها في اجتماع وزراء الخارجية في حزيران 1990، وكذلك أشارت إليها بوضوح في مذكرة السفارة التركية إلى وزارة الخارجية في 20/12/1995، المشار إليها في (أولا) أعلاه، وتتلخص بما يلي: ينظر إلى الحدود السياسية لمجموع البلدان المتشاطئة في حوض (دجلة والفرات) كحدود غير قائمة. وينظر إلى دجلة والفرات على أساس أنهما يشكلان مصدراً مائياً واحداً، عابرين للحدود، ينبعان من منطقة واحدة ويصبان في مصدر واحد ويلتقيان في شط العرب. كذلك يتصلان من خلال نظام الري الصناعي الذي يتم نصبه في العراق، وهو نهر دجلة ـ قناة دجلة/الثرثار ـ منخفض الثرثار ـ قناة الثرثار/الفرات ـ نهر الفرات. وتتبنى جميع الأطراف دون استثناء مبدأ الاستخدام المشترك بدلا من مبدأ السيادة المشتركة، وهكذا فإنه سيحق لدولة المجرى العليا ـ تركيا في هذه الحالة ـ أن تستفيد من مياه بلدان أسفل النهر، والعكس صحيح. وهذا سيؤدي إلى التطبيق الفعلي لمبدأ منع أحداث الضرر الملموس.
في الواقع إن تطبيق السياسة أعلاه، خصوصا وأن تركيا كانت في أوج قوتها والعراق وسوريا كانا في أدنى درجات ضعفهما، حيث كان العراق يخوض معركة منهكة مع إيران، وفي صراع عنيف مع سوريا التي كانت تؤازر إيران المنهكة أيضا، فإن النتيجة تكون استحواذ تركيا على المياه والأراضي في البلدين!!. هناك عدة اتفاقـيات عقدت بشأن نهري دجلة والفرات بخصوص المياه؛ من أجل التوصل إلى القسمة العادلة للمياه بين البلدين، وهي:
1- أثناء فترة الانتداب وهي معاهدة باريس المعقودة 32/كانون الأول/1920 التي وقـعت بين فرسا وبريطانيا بصفتهما الدولتين المنتدبتين على سورية، والعراق، وكذلك تركيا.
2- معاهدة لوزان بين دول الحلفاء وتركيا لعام 1923 التي وقـعت بتاريخ 24 تموز 1923 من قبل دولة الانتداب البريطاني (العراق)، والانتداب الفرنسي (سورية)، وتركيا.
3- معاهدة حسن الجوار بين العراق وتركيا لعام 1946 وقـعت بتاريخ 29/3/1946، وتتضمن الاتفاقية بموجب المادة من الاتفاقية ستة بروتوكولات. عالج البروتوكول الأول تنظيم جريان مياه دجلة والفرات وروافدهما، وتأكيد حق العراق في تنفيذ أي إنشاءات، أو أعمال على النهرين تـؤمن انسياب المياه بصورة طبيعية، أو السيطرة على الفيضانات سواء في الأراضي العراقـية، أم الأراضي التركية على أن يتحمل العراق تكاليف إنشائها.
4- برتوكول التعاون الاقتصادي والفني بين العراق وتركيا عام 1971 للتعاون الاقتصادي والفني بين البلدين، وتضمن بحث مشكلة المياه بين الطرفين.
5- برتوكول التعاون الفني والاقتصادي عام 1980 بين العراق وتركيا، وانضمت إليه سورية عام 1983، ويقضي بتشكيل لجنة فنية مشتركة لدراسة القضايا المتعلقة بالمياه الإقليمية، مياه حوضي دجلة والفرات.
6- محضر اجتماع اللجنة العراقية-التركية المشتركة للتعاون الاقتصادي والفني لعام 1980 في أنقرة.
7- بروتوكول التعاون الاقتصادي والفني بين سورية وتركيا لعام 1987: إذ نصت المادة السابعة منه على أن (يعمل الجانبان مع الجانب العراقي لتوزيع مياه نهري الفرات ودجلة في أقرب وقت ممكن).
8- اتفاقية عام 1989 بين العراق وسورية: الذي يقضي بأن تكون حصة العراق المائية بنسبة سنوية قدرها 58% من مياه نهر الفرات الممررة لسورية على الحدود السورية-التركية.
9- التعاون الاقتصادي والفني بين العراق وتركيا عام 2003.
كل هذه الاتفاقيات، والبروتوكولات، ومحاضر الاجتماع رتـبت آثارا، والتزامات قانونية بين الدول الثلاث لنهري دجلة والفرات، وهما: العراق، وتركيا, وسورية، ولكنه من حيث الاتفاق بين العراق وسورية لا يوجد خلاف يصل إلى حد النزاع إلا أن المشكلة الأساسية تكمن بين العراق وتركيا، إذ إن لكل دولة وجهة نظر خاصة بها بشأن نهري دجلة والفرات.
فيرى العراق واستنادا إلى قواعد القانون الدولي أن نهري دجلة والفرات هما نهران دوليان، إذ عرف القانون الدولي النهر الدولي (هو ذلك النهر الذي يشق مجراه بين دولتين متجاورتين، أو عبر إقليم أكثر من دولة). وأن ما يميز النهر الدولي عن النهر الوطني هو عبوره، أو مجاورته إقليم أكثر من دولة، بينما النهر الوطني لا يتجاوز حدود دولة واحدة، ويخضع تماما لسيادة الدولة وهذا ما ترفضة تركيا كما بينا سابقا . وبما ان العلاقات الاقتصادية تقود باقي العلاقات بين الدول ولذلك فان على حكومة بغداد الان تضع مستوى التجارة العراقي التركي امام عينيها في كل خطوة وخصوصا بعد ان شهدت العملة التركية (الليرة) خسائر تاريخية أمام نظيرتها الأميركية (الدولار) في الأيام الأخيرة، الأمر الذي أثار مخاوف دولية من تعرض واحد من الاقتصادات الصاعدة في الشرق الأوسط والعالم لأزمة من شأنها أن تنعكس بأشكال مختلفة على اقتصادات متعددة تربطها تداولات ومصالح مع المؤسسات والبنوك والشركات التركية. ولان السياسية هي اصطياد الفرص ولان مصائب قوم عند قوم فوائد. نعم هذه الأزمة لها فائدة إيجابية للسياسي العراقي ان يضغط ان بشكل اكبر بالورقة الاقتصادية على تركيا للاجبارها على توقيع اتفاقية ملزمة تنقذ من تبقى من شط العرب وتحي بلاد الرافدين من جديد .
الكاتب
هازان كاريسي
#هازان_كاريسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟