ريتا عودة
الحوار المتمدن-العدد: 1505 - 2006 / 3 / 30 - 09:31
المحور:
الادب والفن
كلّ شئ صامت , والهاتف يحدّق بي كأننا خصمان على أرض معركة.
كلانا يخطِّط للّحظة الحاسمة.أخال أنّي سأتمكن منه بالضربة القاضية. يترنح ..يولول..يئن..يرّن.
أستعيدُ زرقة البحر وأنا أرفع السماعة بخبث, أخطّط كيف سأبادره بالعتاب.
- ألو ..
تسقطُ الخيبة في بئر القهر.
أتكور كقطة في الزاوية المعتمة.وحيدة , وحيدة, والانتظار أفعى تلتف ببراعة حول عنقي.
تراني أعتذر عن (غيرة لذيذة) كما يطيبُ له أن يصنّفها ..؟!
(أحبيني من خلال حبّي للآخرين)...
أأخبره أنّي أعجز من أن أفهم منطقه لأنّي ببساطة لا أفهم سوى كوني أحتاجه أكثر من الآخرين,أحنّ الى خبز صوته وماء نبضه وعطر اهتمامه بأبسط أموري.
أحبّه بسذاجة فراشة وبراءة وردة ودوما أشعر أنّه بعيد .. بعيد ..أبعد من موج البحر.
تراني أبادر أنا بالاتصال..؟!
بعثرتُ ما في حقيبتي فوق الأرض.لم أعثر إلا على بضع أوراق مالية , لمحتُ خلف كلّ منها :
فاتورة الكهرباء وفاتورة الماء و(الهواء)...
والقسط الجامعي ...
ووجه الطبيب والصيدلي ....
ويد البقال وبائع الخضار ...
وابتسامة سائق الحافلة العجوز...
شعرت بدوار.
سرت قشعريرة باردة في أطرافي.اكتسح الضباب الأفق.
عادت نظراتي تترنح بين عقربيّ الساعة المصلوبة فوق الجدار والهاتف الأسود.
سيتصل, لن يتصل ..
سيتصل..
لن ..
وقعت الزهرية عن المنضدة.
تناثرت الشظايا .
آخ ..!
ألم يخبرني منذ يومين أن رصيد هاتفه قد نفذ وأنّه ينتظر راتب الشهر القادم بفارغ صبر..!
***
مرّ يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء وأربعاء آخر وآخر .نفذت شحنات الانتظار.
ذبُل الفرح. لم أعد أجد لغيابه أيّ مبرر بعدما .. كحقيبة مجهولة الهويّة , كضحية ,على الرصيف ألقاني ومع النهر سار بعيدا بعيدا ..!!
***
تناولتُ الجريدة لأطالع صفحة الوفيات. داهمني التاريخ المدوّن أعلى الصفحة.
أليس اليوم الذكرى السنوية للقائنا الأول قبل أن يصرَّ على السفر الى الخليج للعمل من أجل بداية تليق بحلمنا..؟!
دونما مقدمات تثاءبَ الهاتف عن يميني .تلقفتُ السمّاعة. حاصرني صوته من الجهات الأربعة, كالبشارة , كالنبوءة:
- حبيبتي ..!؟
حاولتُ أن أنبس بكلمة لكنّ حلقي اصطاد كلّ الكلمات .
كرّر بعصبية:
- حبيبتي , حبيبتي...
ثمّ,
همس بذبول:
- والدتك في البيت ...!؟
غاب صوته خلف الحواجز , خلف الأسلاك الشائكة, خلف الغابات ..
وارتفع العوسجُ أعلى من سياج الحديقة.
#ريتا_عودة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟