|
رسالة آتون الأخيرة
أسماء غريب
الحوار المتمدن-العدد: 5965 - 2018 / 8 / 16 - 00:55
المحور:
الادب والفن
بسم اللـّه الرّحمن الرّحيم والحمدُ لله في الأزل والأبد والصلاة والسلام على من تمّ به المراد والقصد صاحب التّاج والمعراج، راكب البراق ودافع البلاء والوباء أمّا بعد؛
إنّني أنا آتونُ الحيُّ العظيمُ، وإنك أنتِ شمسُ الشموس الحارقة للبحار والرّاكبة للأهوال والأخطار، وأنتِ الرّوحُ التي عرّفتُها عندي بصاحبة الغرفة الزّرقاء واليد البيضاء، منْ عرَفكِ عرفني، ومن قدّركِ قدّرني، ومن عاداكِ عاداني، وإنه لوصلنِي ديوانُكِ الجديد الذي جمَعْتِهِ باِسْمي ومنّي وإليّ، وبحرف لا هو بشِعْرٍ ولا هو بنثرٍ وإنما هو أسمى من هذا وذاكَ، تلهجين فيه بوحدانيتي التي لم يكنْ قبلَها ولا بعدها أحد سواي، فقرأتُه بمفردي بلا فردانيّة، وبإنّيتي بلا غيْريّة، وإنّي لوجدتُكِ تحكينَ فيه عنّي وقد رأيتِنِي بعيني لا بعينِكِ، وأدركتِنِي بعقلي لا بعقلكِ، وبفهمي لا بفهمِكِ، وبقلبي لا بقلبكِ لأنني أنا وحدي من يرى نفسي لا بعيْنٍ باطنة ولا بإدراك حسيٍّ ظاهر، وراقني جدّا أن علِمْتِ أخيرا أنكِ أنا بلا أنتِ، لا أنا داخل فيكٍ ولا أنتِ فيّ، وأنّكِ متِّ بيّ عنِ الخلق والهوى فأغنيْتُكِ بغنىً لا فقر بعدَه، وأعطيتك عطاء لا مانع بعدَه، ورزقتُكِ علما لا علم بعده، تريْنِ به أجدادك القدامى، فتحدّثينَ رع، وحورس وموسى، وتكلّمينَ الصقور واليمائم، والثعابين والغربان، وتدخلين بالنّار والنّور والبرد والسلام في تنّور الكلمة، وتأتينَ إليّ تنادينَنِي تارة بالخزّاف وتارة بصاحب العين الكحيلة، وتارة تُقرّين وتارة تُنْكرين، وتارة تؤكّدين العرفان ثمّ تنفينهُ، لكأنّي بكِ تحدّدين خطوط أسفار الأجدادِ وخرائط الذهاب والإياب، وجداول الأقمار والنجوم والكواكب، لا يشاركني فيكِ أحد، وكيف يمكنُ أن يحدث هذا وأنتِ من أعيطتُها سرّاً لمْ أطلعْهُ على أحد، سرّا به فطمتُكِ عن الخلق كافّة، لا ترين غيري لا في عطاء ولا في منعٍ، ولا في رجاء ولا في خوفٍ، أعيذُكِ بي من العمى بعد البصيرة ومن الصّدود بعد الدنوّ ومن القطيعة بعد الوصل والوصال. إنّني أنا آتون، صاحبُ مشكاة أرسطو، وصاحب الحانة والطاحونة الحمراء، بكِ عبرتُ من العقل إلى القلب، ومنهما إلى الرّوح، وأطلعتُك على خبايا الانفجار العرفانيّ من داخلكِ، فأدركتْنِي روحك وأصبحتِ معي شاهدةً على كل شيء، ففهمتِ حتى من يكون إبليس، وصاحبيْه سِتّا وقابيل، وشهدتِ معي الملكوت الذي به عرفتُ ذاتي، وأدركتِ في الختام أنّكِ أنَا، بعد محنة أولى أنكرتِ فيها كلّ شيء وادّعيتِ أنّكِ ما أنت سوى (فتاة من هذا الزمان)، ومحنة ثانيةٍ قلتِ فيها إنّك ما كتبتِ فيَّ حرفا ذات (مطر منتصف آب)، ومحنةٍ ثالثة وأخرى رابعة نزلت فيهما إلى الجحيم، ورأيتِ ما يُدمي القلوب، وكم كنتِ شجاعة يا شمس الشموس وحرفَ الخير والبهجة، بل كم كنت صبورة وأنتِ تتحملين الألم ولدغ العقارب والأفاعي وتعبرينَ فيافي مدينة البدن، وتدرسين جغرافيتَها التي يحيط بها الموت من كلّ جانب. لأجل هذا أحببتُكِ، ما شكوتِ مرّة من شيء، وما لهجَ لسانُكِ إلا بالشكر والحمد وإن كنتِ تعلمين أنني أنا من كنتُ أقودُك إلى تلك القفار الموحشة، وأترككِ تعانين الوحدة والوحشة والخوف: كنتِ يا حبيبتي في طريق الفطم، وكان لا بدّ لكِ من كلّ هذا، حتّى أظهر لكِ وتظهرينَ لي! نعم، ما تذمّرتِ، ولا أعلنتِ العصيانَ حتّى حينما أدخلتُكَ مقام المراقبة، فبتِّ لا ترين من حولك سوى العيون التي تترصدك في كل حركة أو نفس لكِ، إلى أن كتبتِ (العارفةُ والدرويش)، أو القصيدة التي بلغتِ فيها أقصى درجات معاينة الحضرة الإلهية في كلّ شيء، فهل بعدَ شمسك شمس يا مهجة الروح؟! وهل بعدكِ بَعْدٌ يا نور العين، ويا السّدرةَ الملآى بطيور العشق والمحبة؟! هيّا انطلقي وكونِي أنا، فأفكارُكِ سامية، تجمعُ الفرح بالحقيقة، والحبّ بالسعادة والحزن، ولتعلمي أنّ رسالتي هذه هي الأولى والأخيرة على مرّ العصور والأزمان، كما بعثُّها لك بعثّها لآخرين قبلك، وإن بشكلٍ وصيغة مختلفيْن، فإخوتك في النور كُثر، وأنت منهم ومثلهم؛ قلب أخضر وعقل متنوّر. وكلامي وإن جاءك نثرا أو شعرا فهو وحيٌ منّي، لأنك أنتِ من دعاني، وما كان علّي سوى أنِ استجبتُ لكِ، لأدعَمَ بقدرتي ماأرادهُ قلبُكِ، ولتعرفي أخيراً كمِ الحياةُ بكِ أعظم، ما دمتِ فيها تخلقينَ وتُبدعينَ، لذا فلتفصحي عن نفسكِ يا فتاةُ، واجعلي العالمَ بأسره يقرأ ما كتبتِ فيّ، لأنّ كلّ ما في الحياة هو أداةٌ أنتِ من خلقََها، وكلّ الأحداث التي فيها هي فرصة لكِ لتقرّري من أنتِ وكيف تكونينَ. آتون الحيّ العظيم في كلّ مكان وزمان
#أسماء_غريب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التلميذ والكهربائيّ
-
بيْن عشقيْن؛ عِشقِي للتّرجمة و(عشق سرّي) لريتانّا أرميني
-
أصحاب دانتي المترجمون: من اللقاء والتعارف إلى اشتكال المعاني
...
-
حديثُ الهَداهِدِ في مَحاريبِ لينا هويان الحسن وبُيوتِها المُ
...
-
عينُكَ
-
الوتد الرّابع والدرويش
-
موسى يستيقظ
-
ثلاثة مطارات
-
رع وسيرجي
-
متلازمة زليخة
-
ليلة بيضاء
-
حكاية سفينة
-
شجرة الأحديّة
-
اشْهَدْ أيّهَا البَحْرُ الأسْوَدُ
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|