أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الله عنتار - حكاية فلاح متقاعد: من الكمنجة إلى الجماعة، فإلى الوحدة والعزلة














المزيد.....

حكاية فلاح متقاعد: من الكمنجة إلى الجماعة، فإلى الوحدة والعزلة


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 5958 - 2018 / 8 / 9 - 20:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عرفت هذا الفلاح منذ أكثر من عشرين سنة، اسمه عبد القادر، ولد عام 1944، قضى طفولته في إحدى القرى الجنوبية لإقليم بنسليمان/ المغرب، في ذلك الوقت لم تكن المدرسة قد شيدت بعد، كانت هناك مدرسة فقهية بنيت من البلاستيك، يتم فيها تدريس بعض الأطفال القرآن، وعلى الرغم من كونه بكرا لم ينل عبد القادر شرف تعلم القرآن لكي يصبح فقيها، في هذه اللحظة كانت مهنة حياته قد حددت، ويتعلق الأمر بالرعي، لقد ولد في أسرة تمارس الرعي إلى جانب الزراعة التقليدية، كانت أسرته تنتقل بين ضفتي وادي نهر النفيفيخ، ففي فصل الصيف ينصبون خيمتهم على الضفة اليسرى، بينما في فصل الشتاء يقضون حياتهم على الضفة اليمنى، وطيلة سنوات الخمسينات كان عبد القادر طفلا يرعى الأغنام والماعز و الأبقار إلى جانب والديه، ولم يفكر (كما لم تفكر أسرته ) يوما في الدخول إلى المدرسة التي شيدها المعمرون الفرنسيون بمدينة بنسليمان سنة 1926، كانت أسرته منغلقة في عالمها الضيق، إلا أنه يلفت أنه كانت هناك إذاعة وحيدة بالقرية مثلت منفذا نحو العالم الخارجي، وعرف من خلالها أن فرنسا لم تعد موجودة بالمغرب، وهذه الإذاعة كان يملكها رجل يعمل بالكانتينة التي تجاور الوادي .
كانت هناك طاحونة ومقهى وحانة لبيع الخمور، لقد شكلت الكانتينة المذكورة ملتقى للتلاقح الثقافي، وعرف من خلالها السكان المحليون أن مقاوما محليا ينتمي لحزب الاستقلال قتل عميلا بالمدينة.
في سنوات الستينات، يقول عبد القادر أنه أتيحت له الفرصة لكي يخرج من عالمه الضيق ويرحل رفقة ثلة من الأصدقاء إلى مولاي بوعزة، كان عبد القادر صوفيا، لأنه ولد في أسرة تؤمن بكرامة الأولياء، كانت هذه الأخيرة تحج إلى مولاي بوعزة بإقليم خنيفرة لنيل بركته، كانت تقدم دجاجة كقربان للضريح، إنه وسيط بين عبد القادر والله، ومن خلال هذه الزيارة يعم الخير، ويهطل المطر ويتم الحصول على محاصيل زراعية وفيرة، زار عبد القادر مرات متوالية مولاي بوعزة خلال الستينات من القرن الماضي، وبعد ذلك أثناء السبعينات تزوج، كان عمره آنذاك أكثر من 20 سنة، ويعتبر الزواج وسيلة لممارسة الجنس في مجتمع محافظ، وفي هذه الفترة اشتغل في مزارع صوديا، وهي شركة تابعة للدولة أسست في بداية السبعينات للتكفل بالأراضي المسترجعة، لم ينخرط مع أية نقابة أو حزب سياسي، يعترف عبد القادر أنه لم يكن يعرف ماذا يجري في المغرب في ذلك الوقت، والملاحظ في كلامه أنه على الرغم من ذهابه إلى ضريح مولاي بوعزة لم يكن يصلي، كان يتواصل مع الله ويناجيه في المرعى وفي العرس وفي أي مكان بدون ركوع أو سجود، كان عبد القادر يتوفر على كمنجة وناي ومن خلالهما كان يصل إلى أسمى المعاني، وهو يرافق قطيعه بين الحقول وفي المراعي الواسعة، كان يجد متعته في المواسم والأعراس، يقول عبد القادر في هذا الصدد: 《 مكيناش شي حياة بلا موسيقى》طيلة فترة السبعينات كان عبد القادر يغني ويرقص، ويطيل شعره على شاكلة الهيبيين، لكن ذات يوم من سنة 1984 سوف يتغير عبد القادر جذريا، يحكي عن هذا التحول:
《كنا في عرس نحمل كمنجاتنا وطعاريجنا، حتى اقتحم مجموعة من الملتحين الحفل، فقالوا لنا: (عودوا إلى الله، استغفروا الله، إن الحياة الدنيا متاع الغرور، أما الحياة الأخرى فهي الحياة الباقية، لذلك ينبغي أن تكون الحياة الدنيا حياة جد وعمل، لا حياة لهو ولعب، وسوف نسأل يوم القيامة عماذا عملنا في حياتنا الدنيا)، بعد أن سمعت هذه الكلمات اسودت الحياة أمامي وشعرت بذنب كبير وندمت على الأيام الماضية، ومنذ ذلك الوقت لازمت الصلاة》
فهمت من كلام عبد القادر أنه انطلاقا من سنة 1984 تخلى عن الكمنجة، وترك الرقص والغناء، لأن جماعة دينية منعت مجموعته من الرقص وحولت العرس إلى جنازة ملؤها الأذكار والتعاويذ والأحاديث النبوية، ولم يعد عبد القادر يفكر في الحياة، بل بات يفكر في الموت وفي العالم الآخر، إذ لم يعد للحياة معنى، بل صارت الحياة هناك في العالم الآخر.
في سنة 1985 التحق عبد القادر بالجماعة الدينية، تم تعليمه كيفية غسل وتكفين الموتى، وكيفية الوضوء والصلاة وتلاوة الأدعية مثل السفر ودخول المرحاض، وغير من مظهره، لقد قص شعره، وأطال لحيته، وأصبح يرتدي اللباس الأفغاني، صار عضوا في الجماعة الدينية التي كانت تجتمع في المسجد، وعبر هذه المؤسسة، كانت الجماعة تستقطب أتباعا جددا، إذ كانت تحثهم على تحريم الموسيقى وتسخير الوقت في الذكر، ويحكي عبد القادر أنه أتيحت له الفرصة للقاء شيخها، قبل يده اليمنى وانحنى أمامه احتراما وتقديرا به. ظل عبد القادر طيلة 13 سنة يتردد على مجالس الجماعة، لاحظ أن تقديس الشيخ يفوق تقديس / عبادة الله، فارتأى مغادرتها وخاصة أن الجماعة تركته وحيدا لما طرد من العمل، لقد وجد نفسه يعيل تسعة أولاد بدون شغل، شعر أنه وحيد، كما أحس أن انتماءه إلى الجماعة كان سرابا ووهما، وفهم في النهاية أن الأنا لا ينبغي أن تعول على أحد في الوجود، إن الجماعة تستلب الأنا وتمتصها كما تمتص النحلة رحيق الزهرة، هكذا امتصت الجماعة شباب الأنا، ما أصعب أن يجد شيخ عجوز نفسه وحيدا بعد أن ضيع زهرة شبابه من أجل أوهام فارغة .
كان عمره آنذاك يقارب الستين سنة، رجع إلى ذاته، وعاد إلى أرضه، واهتم بمواشيه، وراح يصلي ويتحد مع الله دون وسيط، لكنه على الرغم من ذلك حمل معه إرثا ثقيلا، لم يعد إلى الموسيقى التي أحب في طفولته، ولم يرجع إلى الإبتسامة التي رافقتها، وهذا ما حال دون التوحد مع الطبيعة التي هي عبارة عن موسيقى متناغمة يجمعها حفيف الريح وزقزقة العصافير ورقصات الأشجار...لقد ضاعت حياتي مع الجماعة يقول عبد القادر .

عبد الله عنتار / بنسليمان - المغرب/ 9 غشت 2018 .



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوعلي ياسين : نحو علمنة الدولة بالعالم العربي ، قراءة في كتا ...
- لا إنسانية كاملة دون تحرير الجنس والدين وتفعيل الصراع الطبقي ...
- قلبي كاد يحترق، رحماك يا فينوس!
- رسائل ساحلية : أورانوس / غايا : أفق الإمكان .
- رسائل ساحلية: أورانوس / غايا (4 ) - التشظي-
- رسائل ساحلية : أورانوس / غايا (3 )
- رسائل ساحلية: غايا/ أورانوس (2 )
- رسائل ساحلية: غايا /أورانوس
- الحب ليس جريمة !
- من ورزازات إلى أكادير : البحث عن المتعة والحياة
- رحلاتي : بحث عن المجهول
- أنا وست مدن : ستة أغيار يخفون عالما من الأغيار (4 )
- هيباتيا : فيلسوفة ناضلت ضد التعصب
- الحداثة كاملة أو لا تكون !
- أنا وست مدن : ستة أغيار يخفون عالما من الأغيار (3)
- أنا وست مدن: ستة أغيار يخفون عالما من الأغيار (2 )
- أنا وست مدن : ستة أغيار يخفون عالما من الأغيار (1 )
- العرب: رؤية من الداخل (3) الفلسفة والصحراء: نشدان المحال قرا ...
- العرب: رؤية من الداخل (2 ) القضية الفلسطينية قراءة في كتاب: ...
- العرب : رؤية من الداخل (1 ) قراءة في كتاب : العرب وجهة نظر ي ...


المزيد.....




- تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ ...
- بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق ...
- مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو ...
- ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم ...
- إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات ...
- هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية ...
- مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض ...
- ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار ...
- العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الله عنتار - حكاية فلاح متقاعد: من الكمنجة إلى الجماعة، فإلى الوحدة والعزلة