|
التجربة الصينية نهضة حقيقية ونموذج حقيقى للتنمية المعتمدة على الذات
شريف فياض
الحوار المتمدن-العدد: 5957 - 2018 / 8 / 8 - 23:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بقلم : شريف فياض
لا شك أن العالم قد اهتم في السنوات الأخيرة بما أحدثته الصين من قفزة ليست اقتصادية او تنموية فقط، بل أيضا قفزة حضارية كبيرة. ولم تكن تلك القفزة الحضارية لصالح الصين وللدولة الصينية فقط، ولكن أيضا لصالح البشرية جميعها، فلا ينكر أحد أن الأرقام التي حققتها الصين، والتي انعكست على الاقتصاد الصينى وعلى المواطن الصينى بشكل عام، كانت معدلات لم تستطع أي دولة من دول العالم في العصر الحديث أن تحدثها. أداء اقتصادي متميز: ولا ادل على ذلك من أن معدلات النموفي الصين - والتي تعتبر أحد الدلالات الاقتصادية الهامة في التعرف على المستوى والأداء الإقتصادى لأى دولة او مجتمع في العالم - بلغت قرابة الــ 9% سنويا قرابة أربعين عاما، بل وحتى عندما انخفضت معدلات النمو حاليا قاربت على 6.5% في السنوات الأخيرة، وهى نسبة أعلى بكثير من معدلات النمو التي تحققها أعتى الدول الرأسمالية في العالم، (علما بأن حجم الاقتصاد الصينى هو ثانى أكبر اقتصاد في العالم، وإذا حسب بتعادل القوة الشرائية للعملة الوطنية مقابل الدولار يكون هو رقم واحد في العالم). حيث لم تحقق الولايات المتحدة ومنطقة اليورو إلا قرابة 1.6،1.7% على الترتيب في السنوات الأخيرة، وذلك طبقا لبيانات صندوق النقد الدولى IMF outlook، حتى في التوقعات للسنوات القادمة فمن المتوقع وطبقا لنفس المصدر السابق أن يكون معدل النمو الحقيقى للناتج المحلى الإجمالى للصين يبلغ نحو 5.7% خلال عام 2022، بينما يكون هذا المعدل في حدود 1.7%، 1.5% خلال نفس العام لكل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو. أما إذا نظرنا إلى معدلات التضخم، وهى أحدى الأدوات الاقتصادية الهامة التي تستخدم للتعرف على الإداء الإقتصادى، وخاصة أنها تؤثر بشكل كبير على جانبي الاستهلاك، فنجد أنها متقاربة لمعدلات التضخم في كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو حيث تلعب النسبة في حدود 2% في السنوات الأخيرة، وأيضا هي نفس النسبة لكل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، بينما من المتوقع في السنوات القادمة وبالأخص على حدود عام 2022 أن تزيد معدلات التضخم في الصين لتصل إلى حدود 3% ، بينما تظل كما هي في حدود 2% في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو في عام 2022 ، وذلك طبقا لتوقعات صندوق النقد الدولى IMF outlook. ومؤشرات اجتماعية متميزة: أما على المستوى الإجتماعى، والقياسات التي تستخدم في ذلك هي الفقر، ومعامل جينى والذى يقيس عدالة توزيع الدخل القومى. بالنسبة إلى نسبة الفقر في الصين فلاشك أن الصين قطعت معدلات جبارة، بل نستطيع أن نقول أنها أحدثت قفزة هائلة في مقاومة الفقر والحد من الفقر في الصين بشكل عام، سواء على المستوى الحضرى أو الريفى، حيث بلغت نسبة الفقر خلال عام 2017 نحو 3.1% بعد أن كانت 9% في عام 2000 ونحو 18% في عام 1990 ، وقد أشار البنك الدولى إلى ان قرابة 70% من الفقراء اللذين تخطوا حد الفقر على مستوى العالم كانوا في الصين، وقد تم انتشال نحو 13 مليون فقير في الصين خلال عام 2017 فقط، كذلك نحو 0.3% من سكان الصين يحصلون على 1.9 دولار يوميا، ونحو 2.1% يحصلون على 3 دولار يوميا طيقا لبيانات WBI ، الأمر الذى يشير إلى القفزة الكبيرة التي قفزتها الصين في حل مشكلة الفقر، علما بان 42% من السكان يقطنون المناطق الريفية في الصين التي يتهمها البعض أنها لا تهتم بالسكان في المناطق الريفية، علما بان نسبة الفقر في الريف الصينى بلغت 7.2% في عام 2014 كما ذكر في WBI ، والآن يتم تقديرها بنحو 4% فقط في الريف الصينى خلال ذلك العام، علماً بأن فقراء الصين لهم الحق في الحصول على المساعدات الحكومية، المتمثلة في الاعانات والتدريب على العمل والقروض المخّفضة وتوفير فرص العمل في مشاريع البنى التحتية الريفية الممولة من الحكومة، وبالنسبة لمعامل جينى والذى يعكس عدالة توزيع الدخل القومى فتشير بيانات البنك الدولى أنه قد بلغ في الصين قرابة 0.42 ولكن كان هذا خلال عام 2012 ، وبالنظر إلى ذلك المعامل في منطقة اليورو بلغ 0.31 في عام 2016 وبلغ نحو 0.41 في الولايات المتحدة في عام 2016، الامر الذى يشير إلى أنه مع الحد من ظاهرة الفقر في الصين فإنه من الأرجح أن يكون هذا المعامل Gini Index قد انخفض إلى ما يقترب من 0.38 في عام 2016. وعلى الرغم من كل تلك المعلومات الواضحة والتي تشير إلى قفزات الوضع الإقتصادى والإجتماعى في الصين، إلا انه يوجد من يشككون في تلك التجربة الفريدة من نوعها، ويتهمون الصين بأنها قد أحدثت تلك الطفرة على حساب فقرائها، فكيف يكون ذلك وأحد أهم معالم تلك التجربة، وباعتراف المنظمات الرأسمالية الدولية تتحدث عن التحسن والتطور الكبير الذى حدث لتلك الدولة سواء على المستوى الإقتصادى أو الإجتماعى. وورقة الدكتور محمد حسن خليل من الأوراق التي تشير إلى أن الوضع في الصين قد وصل إلى ما وصل إليه من خلال البغى على الفقراء الصينين وعلى الريف الصينى بشكل أساسى، وأنها قد أحدثت نهضتها على حساب إفقار الفقراء الصينين، ولصالح الطبقة الرأسمالية الكبيرة التي تتفاقم في الصين، وأن معدلات ومؤشرات التنمية الاقتصادية او الاجتماعية لا تصب لصالح الفقراء الصينين بشمل أساسى. هذا بالإضافة إلى أن الصين تعد نفسها في الفترة القادمة لتكون دولة إمبريالية استعمارية، وأنها تتبنى نظام السوق الراسمالى والذي يستهدف الهيمنة على الدول الفقيرة في افريقيا بشكل اساسى، وأنها أبعد ما تكون عن التنمية الحقيقيوة المعتمدة على الذات، وأنها تستهدف الحفاظ على سيطرتها الاقتصادية في افريقيا على وجهه الخصوص من أجل تصريف فوائضها المالية الكبيرة، وأيضا الهيمنة على افريقيا من خلال الحصول على المواد الخام من تلك القارة الغنية بالمواد الخام، وكذلك السيطرة عليها من خلال إغراقها في الديون، الأمر الذى دفعني لضرورة الرد على تلك الورقة من الناحية الاقتصادية، حيث لن اتطرق إلى أمور سياسية او فلسفية في فهم تصيين الماركسية او الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. السوق الاشتراكي: قبل كل شيئ لابد من التعرف على معنى السوق الإشتراكى الذي تتباه الصين في مصطلحاتها الاقتصادية والذى ظهر بداية من عام 1992، والذى تشير إليه الورقة المذكورة بشكل غير مباشر بأنه سوق مثله مثل السوق الرأسمالى، الذى ينمو في الدول الرأسمالية والذي يستخدم لإفقار الشعوب ونهب ثرواتها. السوق الإشتراكى Socialist Market Economy (SME) هو نظام إقتصادى ونموذج للتنمية الاقتصادية مطبق في الصين. يعتمد هذا النظام على الهيمنة او السيطرة للملكية العامة او المشاريع والشركات المملوكة للدولة حيث تدار بأدوات اقتصاديات السوق. وقد استخدم هذا المصطلح أولا خلال المؤتمر الرابع عشر للجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى في 1992 لوصف اهداف الإصلاح الإقتصادى في الصين. وهنا يطرح التساؤل ما معنى حيث يدار بأدوات اقتصاديات السوق اى بمعنى أن تكون الكفاءة والإنتاجية هما المعايران الأساسيان اللذان يترتب عليهما إدارة المؤسسة الاقتصادية أو الشركة الإنتاجية او المشروع. ومع الأخذ في الاعتبار ان الملكية في الأساس هي ملكية الدولة او الملكية العامة، فهو يختلف عن السوق الرأسمالى الذى تكون الملكية الخاصة أساس الملكية، ومن هنا يتم طرح تساؤل: هل النموذج الإشتراكى في إدارة السوق لا يجب ان يدير السوق بشكل به كفاءة وإنتاجية مرتفعة لعناصر الإنتاج المختلفة ؟ حتى يتسنى للمشروع او الشركة او القطاع الإنتاجى ان يستمر في العملية الإنتاجية بشكل لائق وبشكل منتظم، ولا يتكبد خسائر مالية او بشرية (انخفاض فى المهارات البشرية في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة) بحيث يستطيع الاستمرار في العملية الإنتاجية ويتسم بالاستدامة والفعالية الاقتصادية. كلن لابد في الرد الإقتصادى من التطرق إلى هذا المفهوم وتوضيحه لانه يدخل في إطار فلسفة الاقتصاد، وهو الجزء الذى أهتم به في تلك الورقة، للرد على ورقة الأستاذ الدكتور محمد حسن خليل.
حياة الشعب الصيني: أشارت الورقة إلى الوقوف أمام الحالة المعيشية للشعب الصينى، وقد وقفت امام الانخفاض الشديد في مستوى أجور العامل الصينى، حيث أشارت إلى عدم وجود حد أدنى للأجور في الصين، ولكنها في نفس الفقرة تشير إلى أنه كان هناك حد أدنى للأجور في بعض المقاطعات ولكن لم يذكر نسبة تلك المقاطعات التي بها حد ادنى للأجور، ثم جاء في فقرة أخرى وبالأخص في الجزء الخاص بكيفية مواجهه الصين للأزمة المالية العالمية ، وأشار إلى وجود حد أدنى للأجور، حيث أشار إلى ارتفاع الحد الأدنى للأجور في الصين إلى 1196 يوان شهرياً عام 2009 ثم إلى 2000 و 3000 يوان في السنوات التالية، لمواجهه الأزمة وخلق طلب فعال على السلع والخدمات، الأمر الذى يشير إلى تناقض كبير في تلك النقطة، وحقيقة الأمر أنه لا يوجد حد ادنى للأجور موحد على مستوى الصين، ولكن هذا لا يعني عدم وجود حد أدنى كما ذكرت الورقة ، ولكن هذا الحد الأدنى يختلف من مقاطعة إلى مقاطعة، حيث تكون مقاطعة شنغهاى هي أعلى مقاطعة بها حد ادنى للأجور في الصين هذا من ناحية، من ناحية أخرى تشير الإحصائيات إلى ارتفاع هذا الحد الأدنى للأجور كمتوسط عام في الصين من 840 يوان شهريا في عام 2008 إلى 2420 يوان شهريا في 2018 ، طبقا لما ورد في موقع Trading Economics ، أي أن معدل الزيادة في غضون عشرة سنوات بلغ 188% وقد اشارت الورقة في نفس الفقرة إلى أن العامل الصينى لا يتمتع بأى أمان وظيفى، مع أن الوظيفة هي التي تكفل لهم تعليم أبنائهم والاشتراك في التامينات الاجتماعية والتامين الصحى، وأشارت إلى أن نهضة الصين تحققت على حساب مستوى معيشى بالغ الانخفاض للعمال في المدينة، وأن نسبة البطالة في المدينة تتراوح بين 8و10% وهذا الامر جعل كاتب الورقة يشكك في نسبة 97% التي تشير إلى أن سكان المدينة يتمتعون بالتأمينات الاجتماعية ، أي يعملون، فإذا تم التدقيق في البيانات سيتبين أن نسبة البطالة في المدينة تبلغ نحو 3.9% في عام 2017 الامر الذى يقال أن 97% من الصينين يتمتعون بالتأمينات الاجتماعية ، وأنه نظرا لان نسبة البطالة في المدينة منخفضة للغاية وان نسبة البطالة على المستوى القومى أيضا منخفضة للغاية ، حيث بلغت طبقا لبيانات WBI نحو 1.3% خلال عام 2017 الامر الذى يشير إلى انخفاض نسبة البطالة في الريف الصينى بشكل اقل من 1.3%.
الريف الصيني: اما عن الأوضاع في الريف الصينى فقد أشار الباحث إلى أن متوسط الدخل في المدينة إلى متوسط الدخل في الريف يبلغ 1: 3.2 ، وانه لا يتمتع بخدمة التامين الإجتماعى في الريف إلا حوالي 3% ، وأن سكان الريف يتمتعون بضمان إجتماعى محدود للغاية ، يغطى خمس احتياجات أساسية فقط. ومن الواضح أن الباحث قد أعتمد على بيانات قديمة، حيث أعتمد في الحصول على تلك البيانات من كتاب (18 مشكلة تواجه الصين) وخاصة فصل "كيف تتغلب الصين على المشاكل الزراعية الثلاث" وهو صادر في 2013 وأرقامه تعود إلى أعوام 2010، 2011، 2012 وهى بيانات قديمة نوعا ما، فلم يراع الباحث التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت للصين في السنوات الأخيرة وعلى الأخص من بعد عام 2012 ، الامر الذى يشير إلى عدم حداثة تلك البيانات وبالتالي قدم المعلومات والإستنتاجات من تلك المعلومات. فطبقا لبيانات http://www.statista.com (وهو موقع إحصائى موثوق في الأوساط العلمية العالمية) يتبين أن متوسط الدخل السنوي المنفق في الصين للمناطق الحضرية بلغ 33616 يوان/سنويا بينما بلغ متوسط الدخل السنوي المنفق في الصين للمناطق الريفية نحو 12363يوان سنويا خلال عام 2016 الامر الذى يشير إلى ان النسبة بلغت خلاله نحو 1:2.7 بينما كانت 1:3.2 خلال عام 2012 على اقصى تقدير ، الامر الذى يشير إلى تقلص تلك النسبة في السنتين التاليتين. كما أشار الباحث إلى التمايز الهام في الإنفاق على التعليم بين الريف والحضر حيث أعتمد على المصدر السابق ذكره، و أشار إلى انخفاض المخصصات المالية للتعليم في الريف عن الحضر، فإذا صح هذا بالتأكيد سوف ينعكس على نسبة الامية على الأخص في الريف، لان الباحث تحدث عن التعليم الأساسى، وبالنظر إلى نسبة الأمية في الصين من موقع Statista السابق ذكره نجد أنها لا تتجاور 3.6% خلال عام 2016 ، وبلغت في الريف حدود 5.2% بينما في المناطق الحضرية نحو 1.8% ، ويعزى ارتفاعها في الريف الصينى إلى ارتفاع تلك النسبة بشكل اساسى في منطقة التبت، التي تعتبر من أفقر مناطق الصين حيث بلغت نسبة الأمية بها حدود 41% حيث يبلغ عدد سكانها في حدود الثلاثة ملاين مواطن بنسبة 0.2% فقط ولها مشاكلها التي يعلمها الكافة. وأشار الباحث او نوه إلى الفوارق الدخلية بين مناطق الشرق والوسط والغرب، وهذا أمر طبيعى نظراً لأن هذا له علاقة بالكثافة السكانية، حيث يتبين من ويكبيديا، أن الكثافة السكانية في المناطق الشرقية تبلغ نحو 400 فرد /كم2 بينما الواقع الوسطى تتراوح من بين 100 فرد/كم2 في المناطق الوسطى القريبة من المنطقة الشرقية إلى ان تبلغ نحو 50 فرد/كم2 ، بينما في المناطق الغربية فتبلغ الكثافة السكانية فرد واحد لكل كم2. وهذا يشير إلى ان الفروقات بين دخول المقاطعات شيئ طبيعى نظرا لتوزيع السكان والموارد بين المنطقة الشرقية والوسطى والغربية، وليس لسياسة الإصلاح والانفتاح كما يقول الباحث. أما بالنسبة إلى التفاوت في توزيع الدخل أشار الباحث إلى توزيع الدخل بين الخمس الأعلى وكافة الأخماس التي تليه، وأشار إلى ان الخمس الأعلى يحصل على دخل يساوى 10.7 ضعفاً للخمس الأدنى، في حين ان الرقم الذى كان لابد أن يكتب 11.7% وليس 10.7% ولكن لم يشر الباحث عن أي سنوات يتحدث عن توزيع الدخل بين الفئات الخمس، حيث تشير بيانات WBI إلى ان هذا التفاوت قد بلغ خللا كبيرا عام 2012، وانخفض بعد ذلك. بلغت النسب كالتالي: نحو 47.9% للخمس الأعلى، 22.2% لثانى أعلى خمس، 15% لثالث خمس ثم 9.9% لثانى ادنى خمس وأخيرا 5% لأدنى خمس، الامر الذى يشير إلى أن الخمس الأعلى يحوز على 9.6% ضعفاً للخمس الأدنى، وهذا يعتبر تحسناً عن الأرقام التى ذكرت في البحث والتي بلغت 11.7% ، وتبلغ تلك النسبة لنفس العام في الولايات المتحدة 8.5%، وفى المملكة المتحدة 7.2% وهذا يشير إلى عدم وجود تباين كبير بين تلك البلدان. وإن كان الوضع قد تحسن في عام 2018 نتيجة لسياسات مقاومة الفقر التي حدثت، وخرج عدد ليس بالقليل من دائرة الفقر في الصين، والذى كان يقدر بملايين البشر، و استطاعت الصين أن تنقذهم من الفقر خلال فترة الإصلاح والانفتاح التي ينتقدها د محمد حسن خليل. وبالنسبة لمعامل جينى والذي تحدثت عنها في بداية هذه الورقة، فقد أشار الباحث إلى أن هذا المعامل اخذ في الارتفاع نتيجة تطبيق سياسات الإصلاح والانفتاح إلى ان تجاوز معدل 0.5 بحلول عام 2010، ولكن الباحث لم يذكر أن الفقر كان مستشرٍ في الصين قبل تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح بين كافة سكان الصين، ففي الوقت الذى كان فيه معامل جينى منخفضاً عام 1988، حيث بلغ نحو 0.39 وكان اعداد الفقراء في الصين يتجاوزون الــــ 700 مليون فقير، طبقا لبيانات WBI فلم يكن يوجد شيئ يمكن أن يتم توزيعه، بل أنه في عام 1988 كانت الصين في منتصف المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح والانفتاح، والذى كان فيه جذب رؤوس الأموال الأجنبية والتصدير هدفاً ، لتكوين تراكمات رأسمالية مرتفعة ولإحداث معدلات نمو كبيرة، تستطيع بها في المرحلة الثانية أن تعيد بناء وتطور الشركات المملوكة للدولة التي كانت هي السمة الرئيسية للمرحلة الثانية. وأشار الباحث إلى أن معامل جينى تجاوز 0.5 بحلول عام 2010، ولم يقل لنا ما هو معامل جينى في تلك الأيام، وبالاطلاع على البيانات الواردة في Treading Economic web site وهو أحد المواقع الهامة الاقتصادية ، يتبين أن معامل جينى للصين بلغ نحو 0.43 بحلول عام 2010 وليس 0.5 كما يقول الباحث، وأنه في عام 2012 بلغ 0.42 ، وبالنظر إلى الدول المتقدمة يتبين انه قد بلغ في الولايات المتحدة 0.41 المملكة المتحدة 0.34 إيطاليا 0.35 ولكن كان هذا خلال عام 2012 ، ولكن مع النمو ومقاومة الفقر وزيادة أعذداد الفقراء اللذين تم تخليصهم من الفقر، تغيرت الأوضاع، حيث كانت نسبة الفقر في 2012 نحو 10% والآن تبلغ 3% فقط، وطبيعي أن يكون هذا المعامل قد انخفض في السنوات الأخيرة عن هذا الرقم. الانتقال من الريف إلى المدينة: يتعرض الباحث إلى حق الانتقال في الصين، ومنع انتقال الفلاحين من الريف إلى المدينة، ويذكر استمرار هذا المنع في فترة الإصلاح والانفتاح بل وحتى الان في عام 2018، لكنه يناقض هذا الحديث الذى كتبه في الجملة التالية بأن قال: حقا تم التخفيف من ذلك القيد عام 1978، علماً بان سياسة الإصلاح والانفتاح قد بدأت في عام 1978، هذا من جانب ومن الجانب الأخر نجد أن عدد المقيمين في المدينة قد ارتفع في السنوات الأخيرة ليبلغ 58% خلال عام 2017 فكيف يكون ذلك إذا كان الريفيون لا يملكون حق الانتقال والتحول إلى غير فلاحين أو الى مواطنين مقيمين في المدينة، وتزيد نسبة المقيمين في المدينة عن نسبة المقيمين في الريف في السنوات الأخيرة. وهنا ناتى إلى فقرة هامة أشار إليها الباحث، حيث يذكربأنه شديد الأهمية، ومسؤول عن أفقار الشعب الصينى، (علما بان نسبة الفقر في الصين الآن 3% فقط ، وان معدلات مقاومة الفقر والحد منه تسير بخطى كبيرة وناجحة) وهو توزيع الناتج المحلى الإجمالى بين استهلاك واستثمار وصافى صادرات.
حيث ذكر الباحث أن الصين تخصص نسبة كبيرة من إجمالي الناتج المحلى لها لصالح إعادة الاستثمار على حساب الاستهلاك، وأشار إلى ان نسبة إعادة الاستثمار بلغت 51.4% عام 2009، وبنى على ذلك أن هذا يؤدى إلى ضعف الاستهلاك الجماهيرى وبؤس مستوى المعيشة ، وانه لا يتبقى لدخل المواطنين في الصين (على أساس أن الدخل كله يذهب إلى الاستهلاك ولا يوجد ادخار) سوى 37% من إجمالي الناتج المحلى. علينا أولا ان نعلم أن الاستثمار يتأثر بكل من الادخار (محلى أو أجنبى والمحلى هو الأساس) وسعر الفائدة والاستهلاك وثقة المستثمر، تلك هي العوامل الأربعة الرئيسية التي تؤثر بشكل مباشر على الاستثمار في اى دولة وعلى معدل الاستثمار، إذن هناك علاقة بين الاستثمار والاستهلاك، فزيادة الاستهلاك المحلى بالطبع سوف يؤدى إلى جذب مزيد من الاستثمار سواء حكومي أو خاص، كذلك إن إجمالي دخل المواطن او الاسرة المعيشية في الصين او اى دولة يوجهه إلى طريقين اساسين هما الاستهلاك (سلعى او خدمى) والإدخار ، وبالتالي وطبقا لاى إقتصادى فانه من الضرورى ومن مصلحة الاستثمار لكى يزيد او يرتفع ان يزيد الاستهلاك المحلى، حيث يعمل ذلك على زيادة الطلب على السلع والخدمات وبالتالي يزيد الاستثمار سواء الحكومى او الخاص على تلك المنتجات، وان أي دخل للاسرة يذهب جزء منه إلى الادخار، وفى الصين معدل الإدخار من أعلى معدلات الإدخار في العالم، حيث تصل إلى 45% من إجمالي النتاج المحلى الإجمالي، الامر الذى يشير إلى أن الصين او أي دولة لكى تزيد الإستثمار عندها لابد من العمل على زيادة الاستهلاك وزيادة معدلات الادخار، وتلك هي المعضلة من خلال زيادة الدخل الحقيقى للأسرة، حتى يمكن أن يزيد كل من الاستهلاك سواء السلعى او الخدمى وكذلك الادخار، وهذا ما حققته الصين بشكل ناجح للغاية، ولا أدل على ذلك من أن نسبة الإنفاق على الاستهلاك (السلعى والخدمى) بلغت 53% من إجمالي الناتج القومى خلال عام 2017 طبقا لبيانات WBI وليس 37% كما ذكر الباحث، (حيث لم يذكر في اى عام)، وعلى اى حال يجب أن نعلم أن إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين بلغ خلال عام 2017 طبقاً لموقع Treading Economies نحو 1.3 ترليون دولار، وهو أكبر استثمار اجنبى في العالم، ولا يمكن أن ياتى هذا الكم الهائل من الاستثمار إلا إذا كانت معدلات الاستهلاك في الصين ملائمة، خاصة ان المستثمرين وان النظام الراسمالى العالمى يبحث عن الأسواق، ويعرف ان الازمات المالية والنقدية والتي يمكن أن تتحول إلى ازمة اقتصادية هيكلية هي سمة من سمات النظام الإقتصادى العالمى. أما بخصوص نماذج السوق التي أشار إليها الباحث في ورقته والتي تتسم بالهجوم على نموذج التنمية الصينى، وكانه نموذج فاشى انتهازى إستغلالى للفقراء، فقد أشار إلى أن الصين تنظر إلى ثلاثة نماذج فاشلة، نموذج السوق الأرستقراطى أو الكومبرادوري الموجود في الهند ونموذج أمريكا اللاتينية (المقصود به البرازيل بشكل اساسى حيث أن البرازيل أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية) ونموذج روسيا. والتساؤل هنا كيف يمكن للصين ان تنظر إلى تلك النماذج على أنها فاشلة وهى تعمل على إقامة منظمة البركس مع تلك الدول، وهى منظمة اقتصادية بشكل مباشر، فإذا كان هذا صحيحا فأولى بها ان لا تحاول أن تقيم مثل ذلك التحالف الإقتصادى مع تلك الدول والتي هي الهند وروسيا والبرازيل، وانضمت إليهم أخيرا جنوب افريقيا. وأشار الباحث إلى أن أعباء تكاليف الضمان الإجتماعى قد دفعت الدول الأخرى إلى الوقوع في فخ الدول متوسطة الدخل، علما بانه حدثت زيادة في اشتراكات الضمان الإجتماعى في الصين من 3 تريليون يوان في عام 2014 إلى 3.4 تريليون يوان في 2015 كما ورد في WBI ، علماً بأنه في هذا الضمان الإجتماعى يتحمل الأفراد 11% منه أما الشركات فتدفع 37% والباقى يدفعه الدولة أي ان الدولة تقوم بدفع اكثر من 50% من الضمان الإجتماعى، وبما أن نسبة البطالة لا تزيد عن 2% كما ذكر، فإن أغلب المجتمع الصينى لديه ضمان إجتماعى.
أما بخصوص الجزئية التي تناولها الباحث حول مواجهه الصين للأزمة المالية العالمية أشار إلى أن الصين قامت بطباعة نحو 4 ترليون يوان (600 مليون دولار) لدعم الإستهلاك الداخلى، و كان لابد أن ينعكس هذا على التضخم بشكل كبير، حيث يتبين أن معدلات التضخم قد بلغت خلال تلك الفترة نحو 5.8% خلال عام 2008 ، وهى بداية الأزمة ثم تقلصت إلى نحو 2.6% عام 2012 طبقا لمؤشرات WBI ، الامر الى يشير إلى عدم زيادة في عرض النقود في الداخل ، حيث أن زيادة عرض النقود من خلال طباعة النقود بدون مواكبة ذلك زيادة في المعروض السلعى والخدمات، أمر لابد أن يؤدى إلى التضخم الأمر الذى لم يحدث، حيث أنه إما زاد المعروض السلعى والخدمى حتى يواكب زيادة عرض النقود، أو أنه لم يحدث زيادة في المعروض من النقود.
وعلى أي حال، تلك هي أهم الملاحظات الاقتصادية على الورقة ، وان كانت هناك ملاحظات أخرى مثل تدويل اليوان من خلال وضعة كحقوق سحب خاصة في صندوق النقد الدولى ، وهذا شيئ طبيعى حيث ان الصين تعتبر أحدى الدول الاقتصادية الكبيرة التي تتعامل مع العالم الخارجي، ولكن تلك النسبة قليلة للغاية تبلغ 11.4% بينما يبلغ الدولار نحو 43% ولا شك ان الصين كقوة اقتصادية وقوة تجارية كبرى في العالم لا يجب ان تكون بعيدة عما يدور في الاقتصاد العالمى ، حيث أنها تؤثر وتتأثر به ولكن من خلال مصالح الشعب الصينى أولا، وعدم استغلال الدول الأخرى من خلال إحداث التنمية الاقتصادية من خلال دعم البنى التحتية في الدول الإفريقية ، ودعم الصناعات التحويلية ودعم التكنولوجيا ، وتلك هي الصناعات والقروض التي تفيد الدول وليست كقروض صندوق النقد الدولى الذى يستهدف الإصلاح المالى والنقدى فقط في الدول المقترضة، حيث أشار الباحث في هذا الامر إلى أن الصين اكبر مقرض لأفريقيا بنسبة 14% من قروضها الخارجية ، ولكن علينا ان نعلم ان تلك القروض منخفضة الفائدة للغاية وتصل إلى الصفر في بعض الأحيان، كما كرر الباحث نفسة في ورقته. أخيرا يمكن القول ان الورقة بها الكثير من الأرقام التي لابد ان يكون هناك مصدر رسمي لها وليس من خلال كتابات الاخرين ، بالإضافة إلى قدم تلك البيانات والأرقام ، حيث حدث تغير كبير في الوضع الإقتصادى الصينى خاصة من بعد عام 2013 والسنوات اللاحقة، واعظم مثال على ذلك الحد من الفقر وتوجه الصين إلى السوق العالم بسلع قادرة على التنافسية الشديدة في السوق العالمى ، الامر الذى ياتى على حساب معدلات النمو نوعا ما ، حيث انخفضت نسبيا من 9% سنويا إلى 6.5% سنويا ولكن تظل من أكبر معدلات النمو في العالم مقارنة بالدول الصناعية الكبرى (وهى احدى تلك الدول)، ولكن علينا ان نعلم وعلى الباحث أن يضع في اعتباره أن الصين تتعامل مع 1.3 مليار نسمة وانها قارة ، وأنها تتقدم على طريق التنمية والحد من الفقر لهذا الجمع الكبير من البشر الذى يمثل قرابة 20% من سكان العالم.
#شريف_فياض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التجربة الصينية نهضة حقيقية ونموذج حقيقى للتنمية المعتمدة عل
...
المزيد.....
-
اسقاط مقاتلة أمريكية فوق البحر الأحمر.. والجيش الأمريكي يعلق
...
-
مقربون من بشار الأسد فروا بشتى الطرق بعدما باغتهم هروبه
-
الولايات المتحدة تتجنب إغلاقاً حكومياً كان وشيكاً
-
مقتل نحو 30 شخصا بحادث -مروع- بين حافلة ركاب وشاحنة في البرا
...
-
السفارة الروسية في البرتغال: السفارة البرتغالية في كييف تضرر
...
-
النرويج تشدد الإجراءات الأمنية بعد هجوم ماغديبورغ
-
مصر.. السيسي يكشف حجم الأموال التي تحتاج الدولة في السنة إلى
...
-
رئيس الوزراء الإسباني يجدد دعوته للاعتراف بدولة فلسطين
-
-كتائب القسام- تنشر فيديو يجمع هنية والسنوار والعاروري
-
السلطات في شرق ليبيا تدعو لإخلاء المنازل القريبة من مجاري ال
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|