|
عن الدموع البيضاء والدماء البنية
سهى عودة - لبنان
الحوار المتمدن-العدد: 5957 - 2018 / 8 / 8 - 07:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حينما احتجت المواطنة السويدية، إيلين إيرسون، أثناء رحلة على متن طائرة محاولة بذلك عدم إبعاد لاجئ أفغاني استجاب طاقم الطائرة وقاموا بإيقاف الرحلة. انتقدت إيرسون، لوسائل الاعلام سياسة الدولة تجاه اللاجئين وعللت قيامها بالاحتجاج بأن السلطات كانت تنوي ترحيل اللاجئ الأفغاني لـ"الجحيم"، قاصدة المناطق تحت سيطرة تنظيم طالبان. تداولت وسائل الإعلام التقليدية منها والحديثة مقطع الفيديو لـ"عملية الانقاذ" وعلق البعض، منهم من هم مثقفون وناشطون انسانيون، عن الدور البطولي الذي قامت به إيرسون ذات الواحد والعشرين ربيعا.
إذا ما تجرّد قراء الخبر عن هويات الأشخاص الأساسية كاللون والهوية الجندرية والهوية الوطنية والسن والطبقة الاجتماعية قد يبدو الأمر لهم وكأنها قصة بطولية ولكن إذا ما أخذنا بالهويات وما لها من دلالات يبدو الأمر مختلفا تماما. "متلازمة البطل الأبيض" أو "المنقذ الأبيض" وهو مصطلح ابتدعه الكاتب الأميركي تيجو كول، هي متلازمة لدى الكثير من أصحاب البشرة البيضاء لطالما سمعنا وقرأنا عنها.
من أمثلة المتلازمة أن يذهب الشخص الأبيض عادة إلى مناطق حيث ينتمي ذوو البشرة البنية أوالسوداء ويلتقط صورا وهو محاطا بهم. وتُعَدّ القرى الخالية من البنى التحتية أو المياه النظيفة ومخيمات اللاجئين من أكثر الوجهات التي يقصدها السياح والمتطوعين البيض. بحسب وجهة نظر المتطوع أو السائح الأبيض إن التقاط صور مع السكان الأصليين، والذين قلما يكونون من أصحاب بشرة بيضاء، هو إما لتسليط الضوء على قضية سواء كانت انعدام وجود بنية تحتية بسبب الحروب والدمار أو الثقافة التي "ترفض الحضارة" أو تعريف العالم بهذ الثقافة الغريبة والجديدة وكأن السائح أو المتطوع الأبيض محاطا بكائنات فضائية وليس بشرا! لا يشير السياح أو المتطوعين البيض إلى الأسباب الحقيقية للمشاكل التي تعاني منها الشعوب من غير البشرة البيضاء كالفساد، تقسيم مقدرات الشعوب بين السلطات الفاسدة والشركات الخاصة والتي عادة ما تكون مملوكة من أجانب والتدخل الأجنبي في السياسات الحكومية.
لا يسأل السائح أو المتطوع الأبيض نفسه عن حجم إسهامات هذه التجارب في تحسين أوضاع المجموعة التي يفترض أنه ينوي مساعدتها من خلال قيامه بالتقاط صور أو تصوير فيلم وعرضه في وسائل الإعلام. لا يسأل السائح أو المتطوع الأبيض نفسه عن دور هذه التجارب في قيام حروب؛ ذلك أنها تُستخدم في تبرير شن الحروب كمعاملة النساء فيما يسمى بالشرق الأوسط بسبب القوانين والعادات المستقاة من الدين والثقافة، بالإضافة إلى انتشار الأصوليين والميليشيات، فضلا عن وجود أنظمة استبدادية وكأنها لم تكن مدعومة منها، وصولا إلى حيازة الأنظمة الاستبدادية لأسلحة الدمار الشامل.
متلازمة المنقذ الأبيض هي مؤشر خطير على درجة العنصرية. استمرارها يعني استمرارا للعنصرية ذلك أن كل ما تنقله الصور أو الأفلام عن مجموعة من غير البشرة البيضاء لا يمكن أن يتم تداوله إلا من خلال منظور شخص أبيض. ويكون منظور الشخص الأبيض عن الصور أو الفيلم هو الأساس وليس الواقع. فإذا كان صاحب الصور أو الفيلم أو المقال يرمي لأهداف سياسية واجتماعية كرسم صورة نمطية عن مجموعة أو استخدام الصور أو الفيلم للتأثير على الرأي العام أو لأهداف شخصية كتحسين صورته أو إضافة التجربة لقائمة انجازاته فإنه يسهل تسويق الصور أو الفيلم أو المقال والعكس صحيح. متلازمة المنقذ الأبيض هي امتداد للعنصرية لأنها تعتمد على رواية الشخص الأبيض وتضفي عليها صفات ايجابية تنفيها عن الرواة من غير البشرة البيضاء. فالرواية من ذوي أصحاب البشرة البيضاء هي كالمصدر الموثوق والمعتمد به وهي أقرب للواقع والحقيقة، خلافا لرواية المجموعة موضوع الصور أو الفيلم أو الرواية وكأنهم ليسوا المعنيين بكل ذلك وأنهم من يعايشون ما تنقله الصور!
دماء الملايين من الأفغان وقصصهم ومعاناتهم وآلامهم لم تحرك مشاعر السلطات السويدية بل حركتها دموع فتاة بيضاء، وكأن السلطات لم تكن تعلم بكل ما يحصل في أفغانستان إلى أن احتجت إيرسون. وفي ذات السياق هرعت وسائل الإعلام لنقل وقائع إنقاذ الأطفال التايلنديين لا بسبب الكارثة بل بسبب تواجد أشخاص هرعوا لمساعدتهم ومن هم من ذوي البشرة البيضاء، كذلك احتجاج ركاب من ألمانيا على ترحيل لاجئين سياسيين مؤخرا.
إن لم تقترن المساعدات من ذوي البشرة البيضاء على شهادات من يعايشون الواقع الذي تنقله الصور أو المقالات أو كيفية مساعدتهم أو إنهاء أزماتهم منها أزمة اللجوء والأسباب الحقيقية التي تدفعهم لترك أوطانهم كاندلاع الحروب والفساد والرأسمالية وعدم إفساح المجال للمؤسسات الإعلامية النيوليبرالية منها والمحافظة لاستغلالها فهي لا تعدو كونها تسويق أفكار استعمارية أو تحقيق منافع شخصية وإن أنقذ أحدهم حياة شخص ما.
#سهى_عودة_-_لبنان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هيمنة النيوليبرالية
المزيد.....
-
تنقذ الأرواح خلال موسم التزلّج المزدحم.. كيف تتدرب الكلاب ال
...
-
أكبر الناجين سنًا من هجوم بيرل هاربور يفارق الحياة عن عمر ين
...
-
مزق صفحات من نسخة للقرآن.. رجل يلوّح بـ-مطرقة- ويهدد أعضاء م
...
-
أحداث المطرية: المبادرة المصرية تطالب بإخلاء سبيل خمسة بينهم
...
-
أربعة لاعبين عرب في التشكيلة المثالية الأفريقية 2024
-
كييف توقع اتفاقية مع البنك الدولي للحصول على قرض من واشنطن م
...
-
زاخاروفا تسخر من خطط بولندا لبناء طريق إلى الحدود مع روسيا
-
صحفي أمريكي يتحدث عن توريد مساعدات إنسانية إلى دونباس من الو
...
-
الدفاع الروسية: خسائر أوكرانيا في محور كورسك بلغت 310 جنود ف
...
-
مجلة تؤكد تدمير 20 دبابة أبرامز أمريكية في أوكرانيا من أصل 3
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|