أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - مازن كم الماز - أنطونين أرتو راثيا فان غوخ














المزيد.....

أنطونين أرتو راثيا فان غوخ


مازن كم الماز

الحوار المتمدن-العدد: 5952 - 2018 / 8 / 3 - 20:08
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


إننا أمام عالم مصر على إهلاساته و نفاقه و ازدرائه لكل ما هو إنساني حقا أو قد يحمل بذور شيء ما أكثر إنسانية , إننا أمام عالم يقوم على إشباع نوازع الظلم البدائية , نوازعه الجريمة المنظمة .. هكذا بدأ أنطونين أرتو "رثاءه" لفان غوخ .. تصلح هذه الكلمات أيضا لافتتاحية جريدة يسارية أو ليبرالية و حتى دينية إصلاحية الخ الخ .. لكن أرتو ليس "مثقفا عاديا" , إنه لا يريد مجرد انتقاد خصم أو إثبات صحة فكرة أو موقف سياسي و لا حتى "إصلاح" العالم .. يحفر أرتو عميقا , أعمق مما يحلم أي يساري أو ليبرالي , أي "مؤمن" بالذهاب .. يقول أرتو أن هذا العالم ( و المجتمع الذي يتمتع باهتمام و عطف اليساريين و الليبراليين و "المثقفين" عموما ) قد اخترع الطب النفسي ليدافع عن نفسه ضد مغامرات بعض العقول الجريئة على تحدي مسلماته و وضع كل ما يؤمن به و يقدسه موضع التساؤل .. بالنسبة للجماعات , للمجتمع , هذه الأسئلة مستحيلة , غير محتملة , محرمة .. أما بالنسبة لأرتو فلا وجود لأي مجانين , "لم يكن فان غوخ مجنونا" , فقط أن "رسوماته كانت انفجارات من النار الإغريقية , و القنابل النووية ... القادرة على إزعاج التماثل الشبحي لبرجوازية الإمبراطورية الثانية" .. قنابل نووية , نار , انفجارات , فجأة يكشف أرتو , كما فعل فان غوخ من قبله , أمام أعيننا كل تلك الحياة الرتيبة و الموت العبثي , "عالم يأكل كل يوم مهبلا مطبوخا بالصوص الأخضر أو قضيب طفل رضيع جلد و ضرب حتى هرس و نضج" , جهنم التي يمجدها الجميع باسم التماثل و التطابق و التشابه .. قال نيتشه أن الجنون نادر في الأفراد لكنه الخاصية المميزة لكل الجماعات تقريبا : ليست الأديان , الحروب , هستيريا اصطياد الساحرات و الطهرانية الجمعية إلا بعض مظاهرها فقط .. و خاصة ذلك الإشباع المزيف الذي تبلغه الكائنات المحبطة و المقموعة جنسيا , و لاوعيها المقموع , عندما تتهم المختلف - الآخر بالجنون , و تلك السكينة التي يحصل عليها ذلك الوعي المريض عندما يسجن خصمه و يقتله عقابا على مغامراته غير المتوقعة و غير المرغوبة .. المجنون عند أرتو شخص فضل أن يصبح مجنونا بالمعنى العام ( المجتمعي ) للكلمة على أن تصادر أفكاره , كرامته , ذاته .. المجنون هو شخص لا يريد المجتمع أن يسمعه لأنه يخشاه و يخشى كلماته , لأنه حر لدرجة يمكنه أن يقول أي شيء يريده , حتى ما يجب ألا يسمعه الآخرون , لأنه لا يردد ما يفترض أن يردده , ما يردده الآخرون .. أي مجتمع , أي حاكم , أي دين أو إيديولوجيا , يمكنها أن تطيق مثل هذه "الحرية المنفلتة" .. يسمونها "مستشفيات أمراض عقلية" , لكنها سجون من نوع خاص , لمساجين من نوع خاص , أخطر المساجين على الإطلاق .. يرفض أرتو حكم المجتمع و جلاديه الذين يرتدون البالطو الأبيض للأطباء النفسيين المسؤولين عن فرض التطابق العام و الغباء السائد و حمايتهما : لم ينتحر فان غوخ في نوبة من نوب "جنونه" , بالعكس , لقد انتحر عندما اكتشف حقا من هو , عندها نحره المجتمع لأنه تجرأ على أن يكون , لأنه تجرأ على التملص من براثنه .. في رسومات فان غوخ "وعي فوق طبيعي" , "فوق مستوى الإنسان العادي" , "في كل مجنون عبقرية غير مفهومة , أثارت فكرتها المشرقة .. رعب الناس و كان الهذيان هو الحل الوحيد للاختناق الذي أعدته الحياة له" .. "قضيت شخصيا تسع سنوات في مستشفى أمراض عقلية و لم أشعر أبدا باستحواذ الانتحار , لكني أعرف أن أية مناقشة مع أي طبيب نفسي , عند كل صباح .. تدفعني للرغبة في أن أشنق نفسي مدركا أني لا أستطيع أن أحز عنقه" .. لكن أرتو الذي يصر أن فان غوخ قد نحره المجتمع يقول أيضا في مكان و زمان آخرين "إذا انتحرت , لن أكون قد دمرت نفسي , بل قد لملمتها مرة أخرى . سيكون الانتحار بالنسبة لي الوسيلة الوحيدة لأستعيد نفسي بالقوة , لأجتاح وجودي بوحشية , و أترقب اقتراب الإله الوشيك . بالانتحار أعيد تكويني إلى الطبيعة , و أشكل الأشياء لأول مرة وفق إرادتي" .. قد يكون فان غوخ أحد أكثر نماذج الأنتي هيرو اكتمالا .. و لذلك رثاه أنطونين أرتو من دون أكاليل الغار أو أية محاولة أو رغبة بالتطويب أو التقديس , دون أوهام الخلاص , و دون دموع مزيفة مرعوبة حتى الموت من الإرادة الحرة و من الموت و الحياة .. الأنتي هيرو هؤلاء لا تقام لهم تماثيل في الساحات العامة و لا يهتف بأسمائهم الجنرالات و لا رجال الدين أو الحراس و لا تطبع صورهم على أوراق النقد أو أعلام الدول أو الصفحات الأولى للصحف اليومية و لا على شواهد قبور شهداء لا أسماء لهم في حروب سرعان ما تنسى .. مثل فان غوخ , كان أرتو خارقا للإجماع , لكنه أضاف إلى جنون فان غوخ هوسه بالعنف و بالأفيون : "ليس الأفيون هو الذي يدفعني للعمل بل غيابه . لكن لكي أشعر بغيابه يجب أن يكون حاضرا من وقت لآخر" .. الظريف في الموضوع أنه مات بجرعة زائدة من المخدر , و لا يمكننا أن نجزم إن فعل ذلك "عمدا" أو "دون قصد" ..



#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام صالح لكل زمان و مكان
- حلوا عن مي سكاف
- فلسطين التي لا تموت
- محاولة أنثروبولوجية للإجابة على سؤال : من نحن
- الثقافة العربية المعاصرة : ثقافة من دون سوبرمان
- نقاش في صفات الله و أسمائه الحسنى
- السلطويون
- بين القطيع و الفرد
- في انحطاط المعارضة السورية
- ما رأيته و تعلمته في معسكرات كوليما - فارلام شالاموف
- كل هذا العويل و الصراخ على كرونشتادت
- إذن أنا موجود
- لا أبرياء و لا مجرمين
- تعليق على افتتاحية موقع حزب الشعب الديمقراطي السوري -إسطوانة ...
- الجرائم بحق الروهينغا
- كي نصبح مثل إسرائيل - عن المحرقة السورية
- الفرص الضائعة
- الأناركية كلاحاكمية
- التسيير الذاتي للعمال - وينتر جونز
- رسالة إلى محرري جريدة ليبرتي – ميخائيل باكونين


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - مازن كم الماز - أنطونين أرتو راثيا فان غوخ