|
رواية - حرب الكلب الثانية - لابراهيم نصر الله
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 5949 - 2018 / 7 / 31 - 03:34
المحور:
الادب والفن
رواية " حرب الكلب الثانية " للمبدع ابراهيم نصر الله
رواية " حرب الكلب الثانية " من النوع الذي لا يخضع بسهولة لمسطرة هذه النظرية او تلك من نظريات النقد الأدبي ، القراءة المفتوحة والتفاعل الحر بينها وبين القاريء هو الطريق الأصوب لدخول بنيتها المركبة واستكناه دلالتها العامة ، والدلالات الفرعية المتفرعة عنها ، والمبثوثة في كل أركان وزوايا المعمار العام ...
طريقتي في الكتابة عن هذا النص اعتمدت على بعض الأفكار االمستلة منه لا من خارجه ، والتي دونتها بإيجاز شديد على متن النص اثناء قراءتي له ، وما دونته يشبه الهوامش التي يكتبها الخلف على ما تركه السلف المعروفة في ثقافتنا العربية الاسلامية ، بل هي من حيث الشكل تشبه المخزون الثقافي التأويلي الذي تركته لنا كل الثقافات التي لعب فيها نص واحد او نصين ( مقدسين ) دور المنشيء والموءسس لحضاراتها كالنصوص الهرمسية والتوراتية والكونفوشيوسية والبوذية والمسيحية والإسلامية .. هوامشي على متن الرواية هي في الغالب الاعم مجموعة انطباعات عن تفاعلي اثناء القراءة ، وهي الطريقة التي احبذها لنفسي - ولا احبذها لغيري - في قراءة النصوص الأدبية ، مركزاً خلال ذلك على بناء الشخصية وتطورها ، لانني أعد كل شيء في الرواية مصنوع من اجل صناعة بطل ، ونجاح الرواية عندي يتمثل في نجاحها بصناعة بطل ليس من السهولة نسيانه ، فحينما تنتهي من القراءة يغمر النسيان الكثير من تفاصيل الرواية ، ويظل عالقاً في ذهنك البطل ومواقفه . وبما انني اتحدث عن نص ادبي فإنني بالضرورة اتحدث عن خلق لغوي ، وعن نجاح الكاتب في ابداع قاموسه اللغوي الخاص الذي بشير اليه ويدل عليه ...
ثيمة الرواية تقوم على الشك : ان يبني الرواءي المعمارالعام للرواية بكل أحداثها على شك يسود عموم العلاقات الانسانية عبر مختلف نشاطاتها ، ومنها العلاقات الحميمة : شيء غير مطروق كثيراً في أدبنا العربي ، قد تجد شكاً متبادلاً في العلاقات الزوجية ، في فصل من هذا النص الرواءي او ذاك ، وأحياناً بين الأصدقاء او اصحاب العمل ، او شكاً في نجاح خطة القاءد العسكري : ولكن معظم هذه الشكوك عرضية ، تبرز في احد مشاهد فصول الرواية ، لإضاءة ثيمة الرواية وتطورها الدرامي ، او لإضاءة بعض افعال ابطالها بالعودة الى ماض قريب او بعيد ، اما الشك كثيمة أساسية تقوم عليها - وتتفرع منها كل احداث الرواية ، فهذا هو الجديد الذي أمسك بتلابيبي في هذا النص وجرجرني الى اتمام قراءة الرواية حتى ختامها ...
وليس المقصود بالشك هنا : الشك الفلسفي كما عند ديكارت الذي استعار منهجه طه حسين في محاكمة بعض الظواهر الأدبية العربية كالشعر الجاهلي ، او في غربلة احداث صدر الاسلام في كتابه الهام عن الفتنة الكبرى ، بل بالمعنى السوسيىوثقافي الذي استخدمه المفكر الامريكي الشهير : فوكوياما ، في كتابه عن الثقة وازدهار المجتمعات ، الذي ركز فيه على التلازم الضروري بين تطور المجتمعات وازدهارها وبين وجود مجتمع مدني ، والمجتمع المدني هو البديل عن المجتمعات القديمة العاءلية والعشائرية والتي تقل فيها قدرة الأفراد على التضامن خارج هاتين الموءسستين التقليديين ، وتقلل الى حد كبير من تعاونهم الجاد مع الغريب الذي ينتمي لعاءلة او عشيرة اخرى ، وفِي متن الرواية نلاحظ غياب الثقة بين افراد المجتمع وبينهم وبين السلطة السياسية ( القلعة ) ، ما يدل على ان مجتمع الرواية ينتمي الى العالم المتخلف الذي لم يتكون فيه : مجتمع مدني متطور ...
الراوي في الرواية الذي لا يشير صراحة الى اسم مكان وقوع احداث الرواية ، تنوب الرواية عنه في الإشارة - وان لم تكن إشارة صريحة - الى مكان وقوع احداث الرواية ، فالشك في الاخرين حتى وان كانوا شركاء في السكن على تراب دولة واحدة ، هو احد سمات المجتمعات التي ما زالت تعيش وتتناسل وتعيد انتاج ذاتها في المجتمعات التي لم يتطور فيها مجتمع مدني مستقل عن الدولة في وجوده ، حر في ما يتخذه من قرارات هو اعرف بتداعياتها من سلطته الحاكمة ، النص ايضاً لا يشير الى ذلك صراحة وإنما يوحي بذلك ، عبر رموز شفافة موحية ، تذكرنا بنظرية " ظلال المعاني " لعبد القاهر جرجاني التي تتحدث عن مستوى ثان للنص كامن تحت سطح الكلمات الظاهرة ، لكن حين يشير الراوي الى استخدام تكنولوجيا اكثر تطوراً مما نستخدم نحن في الاوان الذي نعيش ، نكتشف اننا بآراء رواية خيال علمي ، وفِي زمن مستقبلي ، وهكذا يصبح على القاريء التنبه الى ان كاتب النص يتعمد استضافة بنية الخيال العلمي المستقبلية بالتداخل مع رمزية شفافة كانت اعلى نماذجها : رواية غسان كنفاني " رجال في الشمس "
لكن اين بطل الرواية ؟
البطل حاضر في كل الأحداث بل من السطور الاولى للرواية حين يسلمه احد رفاقه رقاقة فلم تتضمن احداث : " حرب الكلب الاولى " وطلب منه مشاهدته والتفكير بطريقة لتجنب وقوع كارثة : " حرب الكلب الثانية " ، وهذا ما يملأ البطل زهواً وفخراً فهو ما يزال الشخص الذي يأتمنه الرفاق ، ويثقون بقدراته العقلية على التخطيط لتفادي وقوع كارثة : حرب الكلب الثانية ، وحين يتم اعتقاله ويصمد صموداً اسطورياً لشتى انواع التعذيب القاسية ، يتعزز رأي البطل بقدراته وبتفوقه على جميع من عمل معهم ، بما في ذلك جلاديه الذين أعجبوا بصبره وتحمله ومبدايته في عدم كشف الأسرار التي اوءتمن عليها ، فتمنوا في قرارة انفسهم لو " كانوا مثله " ...
لا تشير الرواية الى شكل النظام السياسي ولا الى جنسيته ، ولكنها تستحث ذاكرتنا على تذكر الانظمة السياسية التي تقودها قلاع محصنة ، فهذه انظمة حتى لو كانت تعيش في الحاضر ، فإنها تنتمي من حيث روءيتها السياسبة الى نظام القلاع السياسي في عصر الإمبراطوريات الزراعية ، وقلاعها المنتشرة في الولايات التي تحكمها : وهذا ما يشير بقوة الى الانفصال التام في هذا النوع من الانظمة السياسية بين الحاكم وبين محكوميه الذين يعيشون بعيداً عنه في سهول فسيحة من السهولة السيطرة عليها ، وبطل الرواية ينمو ويتطور ويمارس معارضته على هامش القلعة ، وحين تطلق القلعة سراحه بعد اعتقال تعرض فيه لتعذيب وحشي استخدمت فيه كل الأساليب المستحدثة في التعذيب ، لم تتركه القلعة التي بدا رجالاتها ينظرون اليه نظرة إجلال واكبار ، فَتنسج معه علاقة خاصة بان توافق على زواجه من " سلام " اجمل نساء عصرها ، وشقيقة ضابط القلعة .. تحترم سلام ماضي زوجها وتقدر مبدايته وأخلاقه العالية ، يدير البطل : راشد ، احدى المنشآت الحديثة الحيوية التي برزت فيها عبقريته الإدارية وجعلت منشأة المستشفى تدر ارباحاً وفيرة ... ينتمي بطل الرواية الى جيل البطولة الاول الذين قامت القلعة بتصفية غالبيتهم ، واحتوت القلة القليلة منهم ، ومنهم بطلنا ، فكيف تصرف ؟
يقع بطل الرواية في حب استحواذي جارف مع سكرتيرته ، ويطلب منها الانقطاع عن العالم الخارجي والعيش في السكرتارية نفسها ، لتكون له وحده ، ولكنها لم تكن جميلة جمال زوجته سلام ، فيحاول استخدام أحدث منتجات التكنولوجيا لجعلها نسخة من زوجته وينجح في ذلك ...
والحقيقة ان تعامل راشد ، بطل الرواية ، مع التكنولوجيا يذكرني بطريقة تعامل الزعامات العربية منذ محمد علي باشا حاكم مصر في النصف الاول من القرن التاسع عشر وحتى اليوم ، لقد تعاملوا معها وما يزالون يتعاملون مع التكنولوجيا : لا كمنجز لحضارة جديدة جاءت تتويجاً لتحضير وتحديث المجتمع والدولة سياسياً وثقافياً واقتصادياً ، وإنما تعاملوا معها على طريقة السلف : كتجميع لا كإنتاج ، وكقوة عسكرية يمكن استيرادها لتحقيق طموحاتهم الشخصية في ان يكونوا خلفاء ( محمد علي باشا ) او زعماء إمبراطوريات ( من جمال حتى صدام ) او للتدخل في شوءون البلدان العربية كثيفة السكان ، كما هي سياسة العربية السعودية وبلدان الخليج الاخرى منذ 2003، وبعد احداث الربيع العربي 2011 ، وهذا ما يثبت بان التكنولوجيا المستوردة لا المنتجة داخلياً لسد احتياجات شعوبها ، تتحول الى وبال ونقمة على شعوبها .. راشد ، بطل الرواية لم يشذ عن هذا المسار : لقد تعامل مع التكنولوجيا بطريقة ذاتية لتحقيق مآرب وأهواء شخصية ، وليس بطريقة تحديث المجتمع ، ومثل كل الزعامات التي جلبت الويلات على شعوبها نتيجة استيراد القوة ، جلب راشد الويلات على مجتمعه ، ومهد بطريقة تعامله مع التكنولوجيا الطريق الى قيام : " حرب الكلب الثانية " لا الى توقيها كما طلب منه رفاقه ذلك ، يوم كان من معارضي القلعة ...
وهكذا يفتتح راشد ، في طريقة تعامله مع التكنولوجيا ظاهرة : الأصل والشبيه ، الأصل سلام زوجته ، وشبيهها المصنوع تكنولوجياً هو سكرتيرته ، وتنتشر هذه الصناعة بسرعة البرق ، الكل يهرع الى صناعة الشبيه لدوافع مختلفة ، وتختلط الأمور على الناس الى درجة ان فقد الناس القدرة على تمييز الأصل من شبيهه . لقد عممت تكنولوجياً الأصل والشبيه الشك ، فتتساءل الزوجات ان كن قد امضين ليلتهن مع أزواجهن الأصليين ام مع أشباههم ، وهو الشك نفسه الذي طالما راود الازواج .. تشعر سلام زوجة راشد - وقد تاكدت لاحقاً بأنها عانقت الشبيه وليس زوجها راشد في سرير نومها - بمشاعر الاسى والاحباط فتتحول الى شبه مجنونة ، وتنتقل من حالة السلام والحب التي كانت تعيشها الى حالة العدوان اذ تطالب زوجها راشد بقتل شبيهه ، وهو الشيء نفسه الذي حدث داخل كل العواءل ، وداخل دواءر الدولة وموءسساتها الأمنية ، ووصل الى القلعة التي لم يعد احد يعرف من هو الرءيس الأصلي ومن هو الشبيه : وإذا ما كان الرءيس الأصلي هو الذي اطلق صيحة الحرب على شبيهه ، ام ان الشبيه هو الذي استولى على الأمور وقرر تصفية الأصل ... ثناءية الشبيه والاصل في مجتمعات كالمجتمعات العربية ، لا تستطيع العيش من غير ان يكون الماضي قد رتب لها كل اصولها : ثناءية واقعية في مجتمعاتنا التي لا توءمن بأنها تعيش في عصر التغير والتطور السريع ، وأنها متمسكة بأصولها الاولى ورافضة لعصرها الذي تقوم هويته على التغير المرتبط بالإبداع ، لا على الثبات المرتبط بما قاله السلف يوماً .. مع انه يمكن عد رواية " حرب الكلب الثانية " للمبدع ابراهيم نصرالله : رواية خيال علمي ، وحتى رواية رمزية ، الا انها في رايي تنتمي الى موجة جديدة في الرواية العربية هي : الغراءبية التي تعبر عن الواقعي بطريقة ليست واقعية ، ويمكن استحضار رواية " فرانكنشتاين في بغداد " للرواءي العراقي احمد السعداوي ، ورواية قارع الطبول ، للرواءي المصري كمثال على ذلك ...
مصر - الغردقة 30 - تموز
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليلة خضراء
-
نموذجان من نماذج الدول
-
حول موءتمر - إنقاذ - العراق
-
أسوار وغيتوات ودعوة الى العزلة
-
1 - من كتاب - في العشق الالهي -
-
انظروا في حل مصائبكم عن بديل للتصويت البرلماني
-
في العولمة
-
استحلفكن ... من كتاب - في العشق البشري -
-
يقولون لا تهلك اسىً وتجمل .. امريء القيس
-
لست مع او ضد ، انا ضد الحروب جملة وتفصيلاً
-
الممثلة الهوليودية : أنجلينا جولي
-
سفينة مهاجرين
-
من كناب - في العشق البشري -
-
صح .. يارءيس وزراء العراق .. انت صح
-
من كتاب - في العشق البشري -
-
البرلمان العراقي : من تزوير الشهادات الى تزوير الانتخابات
-
عادل مراد
-
لا عودة الى - جمهورية الخوف -
-
التيار الصدري : كما فهمت بعضاً من استراتيجيته السياسية
-
نعم ذهبت للتصويت
المزيد.....
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
-
وفاة بطلة مسلسل -لعبة الحبار- Squid Game بعد معاناة مع المرض
...
-
الفلسفة في خدمة الدراما.. استلهام أسطورة سيزيف بين كامو والس
...
-
رابطة المؤلفين الأميركية تطلق مبادرة لحماية الأصالة الأدبية
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|