أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مظهر محمد صالح - تأملات في البداوة السياسية: الكعكة المنقوصة














المزيد.....

تأملات في البداوة السياسية: الكعكة المنقوصة


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 5949 - 2018 / 7 / 31 - 03:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تأملات في البداوة السياسية: الكعكة المنقوصة

17/01/2013
د.مظهرمحمد صالح

كثيرا ما تأتي الصدف الموضوعية لتجمع الاحداث المتباعدة بلا تلميح وهي اشبه ما بالموت لتصهرها في خطاب واحد من التوافق والاقتراب ينسجم مع الصدق الفطري المحيط بنا . وعلى هذا المنحى لم يفاجئنى خطاب لمياء النايف زوجة رئيس وزراء العراق الاسبق الذي امتدت ولايته لمدة 13 يوما فحسب بين 17 الى 30 تموز 1968 وهي تخاطب من مشفاها في لندن في شباط 1972 واصفة كيف واين ومتى يغدر الرجال ! بعد تعرضها هي وزوجها للاغتيال السياسي وهي تناشد العقل المدبر للجريمة السياسية المنظمة في العراق آنذاك قائلة : حيث اعتقلتم زوجي وهو ضيف عليكم كان يتناول طعام الغذاء على مائدتكم وهو اعزل من السلاح وعدتم بعدها الى اساليبكم البغيضة في التعسف والاستهتار وسفك الدماء …الخ .

استوقفني هذا الخطاب وعادت بي الذاكرة الى العام 1960 عندما استقبلتني هذه السيدة وانا احمل هدية عيد ميلاد ابنتها التي بعثت بها والدتي بعد انتهاء الحفل . حيث تلقت والدتي الدعوة من السيدة لمياء دون ان تذكر لها مغزى الدعوة التي كانت حفلة عيد ميلاد ابنتها كي لا تثقل والدتي بمشقة الهدية ، ولكن اصول وتقاليد ورمزيات الحياة المدنية تقتضي الكثير و تتمسك بها الاسر دون ان تغفلها ، وكان واجبي ايصال الهدية في مساء اليوم نفسه .

استقبلتني هذه السيدة الجليلة وطلبت مني ان اجلس الى جوارها لأتمتع ببقايا كعكة عيد الميلاد ولكنها كانت كعكة منقوصة بعد ان التهمتها النساء المحتفلات ، ولم يبق الا الجزء النزير منها ، وكان يجلس امامي على مائدة الطعام في ذلك المساء شخصية عسكرية فذة ، انه النقيب عبد الرزاق النايف . وكان يبدو لي انه عائد من معسكره تواً وهو يرتدي البزة العسكرية بهندام عالي وشاركني في تلك الكعكة ولم يتحدث معي سوى بأظهار ابتسامات لائقة .. ولااتذكر من ذلك الرجل العسكري سوى لمعان وبريق كوكباته الذهبية الثلاث التي كانت تعلو كتفيه عن الشمال وعن اليمين. وكنت وقتها تلميذا في عمر المدرسة ، اذ تجسد في مخيلتي في تلك اللحظات ان عبد الرزاق النايف هو من اكثر ضباط الجيش العراقي اناقة وقيافة ونضارة ، وكنت من اخر المدعوين انا والنايف على تلك الكعكة المنقوصة التي لم تدم اكثر من 13 دقيقة ، وهي الدقائق نفسها التي امضاها في تناول غذائه المنقوص بعد ثلاثة عشر يوما من الحكم في حادثة 30 تموز 1968 ، عندما كان مدعواً بنفسه على طعام الغذاء مع رئيس الجمهورية عندما داهمه العقل المدبر وهو يشهر سلاحه على مائدته، وقال لهم ارفعوا ايديكم جميعاً !!، وماكان لرئيس الجمهورية الذي يقف امام رئيس الوزراء المنكوب الا ترك المائدة المغدورة وعليها تلك الكعكة المنقوصة التي لم يكتمل اكلها، قائلاً : هل الطائرة العراقية حاضرة لرحيله غرب الوطن العربي ؟ عندها علم عبد الرزاق النايف ان مائدته مازالت منقوصة وان الكعكة التي تتوسطها تحمل صفة الغدر ورياح الخيانة لتجسد البداوة السياسية في مجتمعات مضمحلة شديدة البدائية قليلة الوفاء!.

لقد اتجهت الطائرة وهي تحمل على ظهرها رجل العراق المغدور الى المغرب العربي في لعبة الغدر المشترك صبيحة ١٧ تموز ١٩٦٨، ليستقرعلى ضفاف محيط العرب الهادر ليترك خليج العرب الثائر يعج بأباطيل البداوة السياسية و يتمتع بموائد ناقصة وكعكات لم يقضمها احد في بلادي حتى وقت قريب.

لقد انتهيت شخصياً مع عبد الرزاق النايف على مائدة عيد ميلاد ابنته قبل اقل من ستين عاماً بكعكة منقوصة و غادرته بسلام ومودة واطمئنان الزمتها قوانين و اخلاقيات علم الاجتماع والاسرة العراقية ، في حين انتهى من غذائه مع رئيس جمهوريته وغادر كعكته المنقوصة تحت تهديد السلاح والخوف والغدر وهو مرتهن بقوانين الخدعة السياسية المضللة وفردانية البداوة السياسية وتحايلها وبؤسها .

انه قدر رئيس وزراء العراق الاسبق عبد الرزاق النايف الذي ابتدأت معه بالكعكة المنقوصة في عيد ميلاد ابنته قبل اقل من ستة عقود ولكن انتهى هو بنفسه بكعكة العراق المنقوصة يوم غدره على مائدة طعامه في القصر الجمهوري وهو بضيافة رئيس جمهوريته وامامه كعكة اسمها العراق التي اخذ ينهش اوصالها يومذاك الرفاق قبل الغرباء وتركوها منقوصة حقاً لشعب ظل يعاني من تازم خط الفقر لديه وهو يلتف على عنق شعب جاع بصمت خلال العقد التسعيني الماضي ولَم ينجو فوق خط الفقر منه الا القليل ،وغدى الجميع يزحف على بطنه لبلوغ شيء من كعكة البلاد المنقوصة التي هي من ارث العبودية، اسمها (الحصة) الغذائية .
اقول لبلادي لتطمئن على كعكتها المنقوصة ويرتاح بالها كما تطمئن الى مقعد خالي ولكن لابد ان تترك لنفسها فسحة التفكير والامل في مستقبل بناء امة قوية بكعكة كاملة لاينهشها احد من الغرباء اسمها كعكة العراق ! .



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نساء على سقوف من زجاج.
- الإغتراب الصناعي والتقسيم الدولي الجديد للعمل
- علم الاقتصاد الطبيعي :بين دارون و آدم سمث
- تاريخ الكلام: بين دارون وتشومسكي
- التاريخ والمستقبل الغامض للكتابة الخطية
- أسماك ساحل الذهب
- الثورة التكنولوجية الثالثة
- الثورة التكنولوجية الثانية والعصر الفكتوري
- الثورة التكنولوجية الأولى ... بداية التحول!
- الطرق الناعم على الجدران الرقمية .
- نساء في مشاغل العمل
- ركود الاجور في العصر الرقمي/الجزء(٣)
- ركود الاجور في العصر الرقمي /الجزء(٢)
- ركود الاجور في العصر الرقمي/الجزء(١)
- عصر الماركنتالية المالية
- الانسان والآلة
- الآلة وأجر العمل
- بيوتات المتاجرة لاتنام
- عصر اللامساواة
- العراق الرأسمالي: من الحرب الى الديمقراطية الجزء / 5


المزيد.....




- جوردان بارديلا يتزعم تكتل أقصى اليمين في أوروبا
- بلاغ فرق ومجموعة المعارضة بمجلس النواب 08 يوليوز 2024 
- قصف مستمر على أنحاء قطاع غزة وسط موجات نزوح جديدة
- فنزويلا ستؤيد أي خطة سلام خاصة بأوكرانيا توافق عليها روسيا
- سيناتور ديمقراطي آخر في الكونغرس يدعو بايدن إلى الانسحاب من ...
- واشنطن لا تتوقع أي تغيير في سياسة إيران بعد انتخاب بزشكيان
- الحوثيون يعلنون مهاجمة -هدف حيوي- في إيلات بإسرائيل
- كيف يمكن مواجهة تفاقم بطالة الخريجين؟
- هل يعاني بايدن من مرض باركنسون؟ البيت الأبيض يعلق والمتحدثة ...
- -قصف مستوطنة لأول مرة منذ بداية إطلاق النار-..-حزب الله- ينف ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مظهر محمد صالح - تأملات في البداوة السياسية: الكعكة المنقوصة