|
مراكز النداء بالمغرب: وظائف مستقبلية للشباب ام مراكز للتعذيب النفسي والذهني الحديث
آدم روبي
ناشط حقوقي وسياسي مغربي وباحث سوسيولوجي
(Roubi Adam)
الحوار المتمدن-العدد: 5945 - 2018 / 7 / 27 - 18:02
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
إن القطاع الخدماتي بالمغرب (Ofshoring) وخصوصا ما يسمى بمراكز النداء (Call Centers) بات سريع التوسع و الرواج منذ بداية الالفية الجديدة خصوصا بعد ان وفر هذا القطاع في ظل ظاهرة العطالة التي تلقي بظلالها بنسب ترتفع يوما بعد الاخر، ليوفر هذا القطاع ولو ظاهريا اعمال عديدة للشباب واحيان لمختلف الاعمار، وتتميز تلك الاعمال ليس بالجهد العضلي المبذول بها وانما بالجهد والاستنزاف والتعذيب العصبي و الذهني من اجل توفير ربح استثماري اقصى ليس فقط للشركة المالكة لهذا المركز بقدر ما هو ربح للعديد من الشركات المرتبطة بهذا المركز عبر منتوجاتها التي يقوم المركز بتسويقها، تلك العملية المتمثلة في البيع او الدعاية والتي تكون عبارة عن خدمة سياحية او تأمينية او تقنية وما الى ذلك من خدمات يعمل الالاف من العمال الخدماتيون بالمغرب وفي دول اخرى على تسويقها والدعاية لها، مساهمين بذلك في انتاج سلعة تسمى في الاقتصاد السياسي بالسلعة الفيتيشية اي السلعة التي يتصور الناس انها تتميز باشياء خفية ولكنها في الحقيقة هي نتاج العمل البشري وليست حركتها الا نتيجة العلاقات بين الناس في مجرى الانتاج، فيتحدث عنها كارل ماركس في الفصل الاول من رأس المال عندما يحلل ان الانتاج من اجل السوق أدى الى التعامل مع الاشياء العادية التي ينتجها الناس بوصفها سلعا-اشياء، اي عندما تصبح معانيها او قيمها المتباينة قابلة للمقارنة وقابلة للتبادل، وأوضح ماركس ان الشيء بوصفه سلعة، يعامل بوصفه "مبهما اجتماعيا" خفيا بمثل هذه العملية الانتاجية المتخيلة، ولا يعود يمثل للناس العمل الواقعي والحياة الاجتماعية الواقعية لمن صنعه بالفعل، هذا دون ان ينسى ان يوضح ماركس الشكل الواضح والعقلاني لهذه العلاقات العملية للحياة اليومية التي أساء السوق والنظام الرأسمالي عموما تمثيلها واستيلابها. فيكون اذن الغاية من هذا الانتاج الذهني بالنسبة للرأسمالي هو تحويلها تلك السلعة من سلعة عادية انسانية الى سلعة ذات طابع سحري خفي/فيتيشي واستعمالها من اجل مضاعفة ارباحه وارباح كبريات الشركات الإمبريالية. التي لم تقتصر اليوم على المتاجرة بالقوة العضلية للبشر بل كذا قوتهم العصبية و حالتهم السيكولوجية. هاته العملية الصعبة والمعقدة من الانتاج الذهني والنفسي المفروض قسرا سواء عن طريق الترهيب النفسي او الترغيب النفسي، اي عن طريق الضغط والاستفزاز الذي يصل احيان معينة للتهديد بالطرد او السب والشتم. او عن طريق الاحتواء بعبارات التحفيز والتنويه والتشجيع التي توهم العامل انه جزء من الشركة ويربطه بها رابطة تعاون وهمية لتغطية علاقة الاستغلال الفعلية، يترتب عنها أضرار نفسية خطيرة تؤدي الى اضرار اخرى جسدية مثل امراض الاعصاب بالدرجة الاولى وامراض الرأس والاذان، اما على المستوى النفسي فيمكن ان يؤدي الى اكثر تلك الامراض خطورة وهو مرض قليل التداول نظرا لتأخر التحليل و الطب النفسي في مجتمعاتنا، هذا المرض يسمى بالاحتراق النفسي وقد فسره العديد من الاطباء النفسيين في ابحاثهم في القرن الماضي من بينهم هارلود باردلي و هربرت فرودنبرجر واخيرا الطبيبة النفسية عالمة الامراض النفسية كرستينا ماسلاك التي اكدته خلال دراساتها التي اعدت سنة 1976 للبحث في ظواهر الاستزاف المهني. وقد اكدت كرستينا تفصيليا نتائج تحقيقاتها الأولية في بحث وصفى آخر يتشابه مع بحث فرودنبرجر. فإذا كان الأخير قد تحدث عن دينامية الاحتراق النفسى، فإن ماسلاك قد كررت، في المقابل، في بحثها مصطلح "الانهيار" المرتبط بالاحتراق. كما لاحظت أن هذا " الانهيار" يعقبه فقد الإنجاز في العمل في مجال الخدمات والعمل الاجتماعي، بالإضافة إلى الغياب المتكرر ومعدل سريع لدوران العمالة. كما أنه يتسبب في تدهور الصحة الجسمانية، فهؤلاء المهنيين يصابون دائما بالإنهاك السريع، وبأمراض متكررة، وقد يصابون بالأرق والقرح والصداع الدائم. وللتغلب على هذه المشاكل الجسمانية ،قد يتجه العامل إلى المهدئات والمخدرات و. قد تم تصنيف. هذا المرض ، وفقاً لتشخيص هذه الحالة من الإرهاق، ضمن فئة الأمراض ذات المخاطر النفسية الاجتماعية المهنية ، نظراً لكونه ناتجَا عن التعرض لضغوط دائمة وممتدة. ويطلق على هذه المتلازمة باللغة الإنجليزية اسم الاحتراق النفسي، ومن هنا ظهر التعبير "burnout" (الاحتراق) و هو " الموت الناتج عن أعباء العمل الزائدة" وبالتالي فان اعراض هذه الاعمال المعقدة تؤدي الى مرض نفسي يؤدي بدوره الى الموت. امام هذا الواقع وباعتباره قطاع غير مهيكل يظل القطاع الخدماتي في المغرب بعيد كل البعد عن امكانية تغيير هذا الوضع المزري الذي يعيشه هؤلاء العمال او حتى امل في تحسين ظروفهم الاجتماعية والنفسية نظرا لغياب أي فعل نقابي داخل هذه الشركات التي اغلبها تستغل العمال بموجب عقود مؤقتة لأغراض اقتصادية أي استنزاف دائما عمال جدد وطرد اخرين في أي وقت عندما يتم استزافه، كذلك التعويضات التي يتلقونها من طرف شركات العقود المؤقتة التي تتعاقد مع هؤلاء العمال، وكذا غرض سياسي يتمثل في امكانية التخلص في أي لحظة و طرد أي عامل يقوم بعمل نقابي معين دون اي عائق. هذا دون نسيان ان العديد من تلك المراكز وخصوصا الصغيرة منها لا تدفع اجور عمالها وتستنزف قواهم موهمة اياهم بانها ستدفع لهم عندما يبلغون اهداف معينة لا تحقق في اغلب الاحيان. وذلك نظرا لغياب الهيكلة لهذا القطاع كما قلنا بالاضافة الى ان هناك العديد من الشركات تشتغل دون أي مراقبة او حتى اعتراف قانوني. فاذا ما قارنا العامل المغربي الذي يشتغل في هذه المراكز مع زميله الفرنسي الذي يعمل في نفس مراكز التعذيب تلك، فان اجر الفرنسي يكون مضاعفا مرة او مرتين. والشيء الذي ينطبق كذلك على مدن المغرب فان اجر العمال يختلف حسب التطور الاقتصادي لكل مدينة، وتطور القطاع الخدماتي خصوصا بها، فتدني ذلك القطاع يعني بالضرورة تدني الاجر، فهناك فرق ضعف الاجر مثلا بين مدن العاصمتين الاقتصادية و الادارية وبين مدن فاس ومكناس ومراكش ووجدة.. خلاصة القول ان الاضطهاد الخدماتي بالمجتمع الرأسمالي عموما وبالمجتمعات التبعية له على وجه الخصوص التي لم تحقق اقتصاد وطني بعد والتي يشتغل ابنائها في مراكز التعذيب يعانون اضطهادا لا يقل باي شكل من الاشكال من اكثر الاعمال الاستغلالية التي عانت منها البشرية على مر التاريخ، والتي لا يمكن ان يوضع لها حد الا ببناء مجتمع متحرر من التبعية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للامبريالية نحو غد الحرية والاشتراكية. ومن ثمة لا يجب باي حال من الاحوال ان يديروا المثقفون والمناضلون بظهورهم للجماهير العمالية بتلك المراكز وان يدعوهم عرضة لهذه القسوة وهذا القهر والحرمان الذي يرزخو تحته الالاف من ابناء شعبنا والملايين من عمال العالم، بشكل يومي ومستمر ودائما، في حرق ذهني لاعصابهم، وفي مشهد شبيه بحرق الكنيسة الاورثوذوكسية للناس وللمفكرين خلال عصر الاوثوقراطية والاقطاع، اننا في زمن حرق الرأسمالية لابناء الجماهير الشعبية، فلنتهيئ الى حرقها، عبر التأطير النقابي والسياسي لهؤلاء العمال وتوحيدهم للنضال من اجل انتزاع حقوقهم المشروعة.
#آدم_روبي (هاشتاغ)
Roubi_Adam#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في نقد الثقافة الهامشية من اجل ثقافة بديل
-
الفن التقدمي ودوره كسلاح ضد القمع والاضطهاد
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|