احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1501 - 2006 / 3 / 26 - 09:57
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
ألمدلول السياسي للعلاقة الجدلية بين يوم الارض الخالد والجبهة والانتخابات الحالية
مع صدور هذا العدد من ملحق "الاتحاد" يكون قد بقيت اربعة ايام فقط على يوم الانتخابات البرلمانية للكنيست السابعة عشرة التي ستجري يوم الثلاثاء القادم، وستة ايام فقط على احياء الذكرى السنوية الثلاثين ليوم الارض الخالد في الثلاثين من آذار الحالي. وبين الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة، التي في مركزها الحزب الشيوعي الاسرائيلي، وبين يوم الارض الخالد علاقة عضوية وجدلية متينة لا يستطيع مزوّرو التاريخ والحقائق الدامغة طمسها مهما حاولوا من بث الاكاذيب التاريخية الباطلة لتضليل الاجيال الصاعدة من مواليد يوم الارض وما بعده.
فما حدث في "يوم الارض" عكس عمليا جوهر ومدلول الصراع السياسي بين اقليتنا القومية العربية الفلسطينية وسلطة القهر القومي حول حقنا بالمساواة القومية كمواطنين واهل هذا الوطن الاصليين. ففي العام 1976 كان حزب العمل (المعراخ في حينه/ برئاسة بيرس – رابين في السلطة ورئاسة الحكومة، وكان مطروحا على اجندته السياسية تنفيذ مرحلة جديدة من مصادرة الاراضي العربية في مركزها مصادرة اراضي "المل" التابعة ملكيتها للاهالي والفلاحين العرب من سخنين وعرابة ودير حنا وبحجة انها منطقة عسكرية تحمل الرقم العسكري "منطقة 9" لخدمة تدريبات الجيش. ولمواجهة هذه الهجمة السلطوية الجديدة نشط الحزب الشيوعي ليس فقط لاقامة اللجنة القطرية للدفاع عن الاراضي العربية التي في مركزها الشيوعيون مع شخصيات وطنية وحركة ابناء البلد، بل كان المبادر لاقامة اللجان المحلية للدفاع عن الاراضي في مختلف المدن والقرى العربية في الجليل والمثلث والنقب. وقد حاول الحزب الشيوعي من خلال لجنة الدفاع عن الاراضي العربية ورؤساء السلطات المحلية الوطنيين ردع وافشال مخطط المصادرة سلميا اذا ما وافقت الحكومة على التراجع عن مخطط نهب اراضي قرى مثلث البطوف. وفي لقاء تم عشية يوم الارض بين وفد تمثيلي عن الجماهير العربية، من رؤساء سلطات محلية وغيرهم وبين رئيس الحكومة رابين في حينه طلب الوفد من الحكومة ان تعترف ان للعرب في هذه البلاد حقوقا قومية بحكم كونهم اقلية اصلية في هذا الوطن، وان ملكية ارضهم حق شرعي لان الارض المكون الاساسي للهوية القومية وللحقوق القومية ولا يجوز ابدا مصادرتها وتهويدها، كما لا يمكن لاسرائيل الادعاء بانها دولة دمقراطية طالما يمارس نظامها سياسة تمييز قومي عنصرية ضد قسم من مواطنيها - ضد الاقلية القومية العربية الفلسطينية في اسرائيل. ولكن بدلا من الاقرار بالحق القومي العربي والعمل على الغاء اوامر مصادرة اراضي قرى البطوف فقد كان جواب رئيس الحكومة ووزير "الامن" - بيرس ورابين - ان كل ما نعترف به هو حقوق دينية للعرب وليست قومية وان لا تراجع عن مصادرة اراضي المل، واخذ يهدد رؤساء السلطات المحلية وجميع اعضاء الوفد بان لا يتصدوا لاوامر الحكومة باعمال شغب وعدم "الانجرار" وراء الشيوعيين المحرضين!
ورافق فشل هذا اللقاء فرض اجواء ارهابية سلطوية من خلال وسائل الاعلام ومن خلال تكثيف وجود وتواجد قوات القمع السلطوية في قرى مثلث يوم الارض وفي الناصرة وشفاعمرو وفي عدد كبير من الاماكن والمفارق على الطرق المؤدية الى القرى العربية. وكحزب مسؤول يدافع عن القضايا العادلة للجماهير وللاقلية القومية العربية المضطهدة وعن مصالحها الحقيقية درس الحزب الشيوعي وبشكل جاد حقيقة تطور اوضاع الصراع على الساحة الكفاحية، وعقد اجتماعا طارئا للمكتب السياسي للحزب في حيفا وبحضور الرفاق الناشطين في قيادة اللجنة القطرية للدفاع عن الاراضي العربية وبعض رؤساء السلطات المحلية العربية الشيوعيين. وفي هذا الاجتماع جرى اتخاذ القرار التاريخي باعلان الاضراب العام والشامل للجماهير العربية في الثلاثين من آذار 1976 ودعوة القوى الدمقراطية اليهودية للتضامن مع الجماهير العربية ضد مخطط المصادرة. وقرار الحزب الشيوعي بالاضراب الشامل باستلال اعلى سلاح كفاحي سياسي – جماهيري لم يكن قرارا عشوائيا، او مجرد شعار وقرار لتسجيل موقف "تاريخي" بهدف تحقيق مكسب حزبي فئوي ضيق كما يفعل بعض العابثين من مرتزقة السياسة، يعلنون موقفا ولا يحركون اقفيتهم، حتى للمشاركة في تجسيد شعار الاضراب، فقرار الحزب الشيوعي بالاضراب العام والشامل كان قرارا سياسيا مسؤولا استند اتخاذه على قاعدتين اساسيتين الاولى، ان الخنوع والاستسلام امام مخطط المصادرة في البطوف معناه ومدلوله السياسي التفريط بثابتة اساسية من ثوابت الحقوق القومية الوطنية الاساسية للمواطنين العرب في هذا الوطن الذي اصبح مشتركا، التفريط بالحق العربي في الارض والوطن.
كما ان الخنوع والاستسلام امام لصوص الارض والوطن سيفتح شهيتهم لمزيد من المخططات الاجرامية لتجسيد مقولتهم الصهيونية بتضييق الخناق على وجودنا وتطورنا، بحشر اكثر ما يكون من العرب على اقل ما يمكن من مساحة الارض. ولهذا لم يكن أي خيار لمواجهة المؤامرة الجديدة سوى امتشاق السلاح الكفاحي، سلاح الاضراب الشامل الاحتجاجي.
* والثانية، كحزب ينشط بكوادره القاعدية والمناطقية في جميع المدن والقرى العربية وعلى مدار ايام السنة مدافعا عن قضايا وهموم الجماهير السياسية والاجتماعية والمعيشية فانه اكثر من غيره يدرك حقيقة نبض الجماهير ومدى جاهزيتها السياسية. واي نضال لا تسنده الجماهير وغير مبني على جذب الجماهير وتجنيدها الى المعترك الكفاحي يدخل في خانة المراهقة السياسية المغامرة. ونبض الجماهير عشية يوم الارض كان يشير الى جاهزيةٍ واستعداد للكفاح. ولهذا قرر الحزب الشيوعي الاضراب وهذا ما تسلح به ونقله القائد الشيوعي ورئيس بلدية الناصرة خالد الذكر توفيق زياد الى اجتماع رؤساء السلطات المحلية الذي عقد في مدينة شفاعمرو عشية يوم الارض. فغالبية الرؤساء في ذلك الوقت كانت مدجنة سلطويا وتعارض الاضراب، تصدى لهم ابو الامين ومعه ستة من رؤساء السلطات المحلية، صرخ في وجه المدجنين، الشعب وليس انتم قد قرر الاضراب، الشارع الجماهيري في سخنين وعرابة ودير حنا والطيبة والطيرة والناصرة وفي شفاعمرو (وكان يشير الى المظاهرة الجماهيرية التي تحيط بالاجتماع مطالبة بالاضراب)، الجماهير حسمت الموقف بالاضراب.
وفعلا كان الاضراب عاما وشاملا وناجحا مئة في المئة، ولكن شعبنا دفع المهر غاليا في دفاعه عن حقه في الارض والوطن والتطور فوق ترابهما، فحكومة القهر القومي العنصرية واجهت الاضراب السلمي الاحتجاجي بعدوان دموي اذ ارتكبت مجزرة دموية ضد اهالي سخنين وعرابة ودير حنا وكفر كنا والناصرة والطيبة وغيرها الذين تصدوا لدبابات ومجنزرات وجنود وبوليس المعتدين بصدورهم، مجزرة اسفرت عن سقوط ستة شهداء من سخنين وعرابة والطيبة (الشهيد من نور شمس الفلسطينية المحتلة) ومئات الجرحى من هذه القرى الثلاث وغيرها. ولم تذهب نتائج هذا الكفاح سدى رغم الثمن الباهظ المدفوع من دماء الشهداء الخالدين والجرحى، فقد عادت اراضي منطقة المل الى ايدي اصحابها.
في تقييمه للاوضاع والعبر التي يمكن استخلاصها من معركة الدفاع عن الارض ومن يوم الارض الخالد الذي يعتبر مفصلا تاريخيا وبداية مرحلة جديدة من الصراع، توصل الحزب الى استنتاج سياسي مفاده ان الظروف الموضوعية لطابع الصراع مع السياسة التمييزية الظالمة للسلطة الصهيونية وظرف العامل الذاتي، استعداد قوى متعددة للانخراط في المعترك الكفاحي والمشاركة في العملية السياسية النضالية، هذه الظروف تحتم تطوير وشحذ الآلية الكفاحية المبنية على رص اوسع وحدة صف كفاحية عربية – عربية وعربية – يهودية. ومن هذا المنظور وبمبادرة من الحزب الشيوعي اقيمت الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة بعد عام من يوم الارض الخالد في العام 1977 كاطار سياسي من عدة مركبات يهودية وعربية في مركزها وعمودها الفقري الحزب الشيوعي والى جانبه كانت مركبات مثل "الفهود السود" و "ساشي" ولجنة المبادرة العربية الدرزية وجبهة الناصرة الدمقراطية وشخصيات وطنية تقدمية عربية ويهودية ورؤساء سلطات محلية. جبهة مبنية على اساس برنامج سياسي واقتصادي – اجتماعي كفاحي متفق عليه في مركزه بنود مثل التسوية العادلة للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني على ساس دولتين للشعبين اسرائيل وفلسطين، اقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران السبعة والستين وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق اللاجئين بالعودة وفق قرارات الشرعية الدولية. وبند المساواة التامة، القومية والمدنية للمواطنين العرب، للاقلية القومية العربية الفلسطينية في اسرائيل وبند المساواة التامة للمرأة في شتى المجالات وغيرها.
قيام الجبهة كان ابداعا كفاحيا من الحزب الشيوعي اعطى اول ثماره المباركة بعد سنة من قيام الجبهة في انتخابات الكنيست والسلطات المحلية في العام 1978، حيث ولاول مرة في تاريخ اسرائيل تنخفض نسبة تصويت العرب للاحزاب الصهيونية مجتمعة الى تحت سقف الخمسين في المئة وتحصل الجبهة على اثنين وخمسين في المئة من الاصوات العربية، وجرى اسقاط جميع الرؤساء الذين وقفوا ضد شعبهم وضد اضراب يوم الارض وانتخاب عشرين رئيسا جبهويا وادارة جبهوية.
انطلاقا من المسؤولية الوطنية التقدمية لم يخطئ المئات والمئات من مبدعي جماهيرنا من كتاب وشعراء وفنانين ومحامين ومهندسين واطباء في دعوتهم ومناشدتهم لشعبنا وناخبينا بالتصويت و "الجبهة"، لان الجبهة هي الاصل، هي المنبر الكفاحي المثابر في المعركة النضالية وبمسؤولية دفاعا عن قضايا شعبنا وجماهيرنا، عن قضايا العاملين ومواجهة المد الفاشي العنصري المكشر عن انيابه لافتراس العرب والدمقراطية.
وفي هذا الظرف المصيري الذي نمر به، فمن الاهمية بمكان تعزيز وزيادة قوة التمثيل الجبهوي في الكنيست، فالجبهة بمواقفها الكفاحية المبدئية القوة السياسية المؤهلة لتجنيد اوسع الجماهير العربية وقوى دمقراطية يهودية في المعركة من اجل السلام والمساواة والتقدم الاجتماعي ومواجهة المد الفاشي العنصري المعادي للعرب. وامس الاول، الاربعاء نشر "مركز مكافحة العنصرية" تقريرا تعكس معطياته مدى تفشي العنصرية والعداء للعرب بين الجمهور اليهودي ومن هذه المعطيات يتبين ان 40% يؤيدون الترانسفير وتهجير العرب و 68% لا يوافقون على قبول جار عربي بجوارهم و 63% يرون في العرب خطرا امنيا و 46% يرفضون بشكل مطلق ان يكون لهم اصدقاء عرب!! فهذه العنصرية المستشرية هي نتاج السياسة العنصرية السلطوية المعادية للمواطنين العرب التي تمارسها الاحزاب الصهيونية منذ النكبة الفلسطينية وقيام اسرائيل وحتى يومنا هذا. فهل يا اهلنا ويا ناخبينا يكون ردنا على تفشي العنصرية المعادية لنا ان نمنح اربابها من الاحزاب الصهيونية اصوات ضمائرنا؟!! الرد المنطقي والانساني ان نصفع هذه الاحزاب بحجب الاصوات العربية عنها ومنحها لمن يستحقها وهو اهل لها، لمن لا يتأتئ في موقفه المبدئي المناضل ضد العنصرية والفاشية، أي للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة، قوّوا الجبهة بقصف ورجم صناديق الاقتراع بالواوات فتقووا بها.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟